الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقليمي بالساحل
تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT
تواصل وحدات الجيش الجزائري عملياتها العسكرية ضد الجماعات المسلحة المتشددة في مناطق مختلفة من البلاد، إضافة إلى توقيف متعاونين مع جماعات مسلحة، وفق ما تفيد به بيانات وزارة الدفاع من حين لآخر.
ورغم إجراءات المصالحة التي أقرتها الحكومة خلال العقدين الماضيين، تحديدا في عامي 1999 و2005 وسمحت بعودة آلاف المسلحين للحياة المدنية، فإن مكافحة الإرهاب ظلت محورا أساسيا ضمن استراتيجية الأمن الداخلي وعلى الحدود الجنوبية المتاخمة لمنطقة الساحل والصحراء الكبرى التي أصبحت تشكل تحديا أمنيا للجزائر.
وتواصل وحدات الجيش عملياتها الأمنية في مختلف المناطق خصوصا الجنوبية منها، وفي هذا الصدد سلم مسلحان نفسيهما للسلطات العسكرية في برج باجي مختار أقصى الجنوب الجزائري المحاذي لدولة مالي، و"بحوزتهما مسدسين رشاشين من نوع كلاشينكوف وكمية مـن الذخيرة وأغراض أخرى"، وفق حصيلة من 13 إلى 19 نوفمبر الجاري نشرتها وزارة الدفاع الجزائرية.
كما أوقفت وحدات الجيش "ستة عناصر دعم للجماعات الإرهابية خلال عمليات متفرقة عبر التراب الوطني"، حسب المصدر نفسه الذي ذكر في وقت سابق أنه تم توقيف 31 متعاونا مع جماعات متشددة خلال الفترة ما بين 25 سبتمبر ومنتصف أكتوبر الماضي.
وتمكنت قوات الجيش الجزائري من "تحييد 30 إرهابيا، وتوقيف 223 عنصر دعم، وكشف وتدمير 10 مخابئ كانت تستعمل من طرف الجماعات الإرهابية"، حسبما أفادت به حصيلة عملياتية أوردتها وزارة الدفاع وتخص النصف الأول من سنة 2024.
وخلال نفس الفترة تم "كشف وتدمير 10 مخابئ كانت تستعمل من طرف الجماعات الإرهابية، مع استرجاع 26 قطعة سلاح ناري و23 قنبلة تقليدية الصنع، بالإضافة إلى كميات من الذخيرة".
وتثار في الجزائر وخارجها مخاوف من تعاظم المخاطر الإرهابية في منطقة الساحل عقب مغادرة القوات الأميركية للنيجر وخروج القوات الفرنسية من مالي، فضلا عن تواجد عناصر مجموعة "فاغنر الروسية" التي تعمل على دعم الحكومات العسكرية في بعض دول المنطقة، كما هو الشأن في مالي.
وكان تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لسنة 2024 ذكر أن حوادث الاختطاف في منطقة الساحل، ارتفعت من 78 في عام 2017 إلى أكثر من 1000 في عام 2023، كما شهدت المنطقة سقوط نصف الوفيات الناتجة عن أعمال إرهابية في العالم، و26 بالمائة من الهجمات.
تهديدات كامنة
وتعليقا على التهديدات التي قد تشكلها هذه الجماعات، يرى خبير الشؤون الأمنية، حسام حمزة، أنها تحولت إلى "كيانات كامنة يمكن أن تشكل تهديدا في أي وقت"، وأن الجيش الجزائري "استطاع الحد بشكل كبير من قدراتها، لدرجة أنها فقدت إمكانيات القيام بأي عمل يمكن أن يهدد الأمن والاستقرار"، إلا أن هذا، وفق المتحدث، "لا ينفي إمكانية توظيفها بشكل أو بآخر من طرف قوى أو تنظيمات معادية".
ويشير الخبير حسام حمزة في حديثه لـ"الحرة" إلى أن تعامل الجيش الجزائري مع بقايا الجماعات المتشددة يفسر توجسه من المخاطر المحتملة والمستقبلية لها على الأمن في الداخل والحدود".
وفي رده على سؤال حول خطر الجماعات الناشطة في الساحل، يؤكد المتحدث أن "المخاوف الجزائرية تكمن في كونها ذات طبيعة عابرة للحدود وقابلة لأن تؤدي دورا وظيفيا يهدد أمن المنطقة برمتها، وهذا ما يجعل التعامل معها حساس جدا".
تنظيمات إرهابية
وأحصى حلف الناتو في تقرير له، بالتعاون مع المركز الإفريقي للبحوث حول الإرهاب، عدة تنظيمات إرهابية متشددة تنشط في منطقة الساحل والصحراء وعلى رأسها "نصرة الإسلام والمسلمين، وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، وجماعة بوكو حرام في تشاد، وولاية غرب أفريقيا"، بعضها بايع تنظم القاعدة الإرهابي، والبعض الآخر موالي لتنظيم داعش الإرهابي.
ويرى الخبير الأمني، عمر بن قانة، أن التهديدات في منطقة الساحل والصحراء الكبرى "تظل قائمة وتهدد مصالح واستقرار المنطقة برمتها"، لكن "من الصعب عليها التموقع خارج نطاقها التقليدي أو مناطق النزاعات لأنها تفتقد في الظروف الحالية لقوة الاختراق".
ويؤكد بن قانة لـ"الحرة" أنه على الصعيد الداخلي، فإن "تجربة الجزائر الطويلة في مكافحة الإرهاب، جعلتها تستوعب وتستشرف قدرات هذه المجموعات، التي تلاحقها وتقضي على عناصرها يوما بعد يوم".
كما أشار المتحدث إلى أن هذه المجموعات "فقدت القدرة على تعزيز قدراتها العددية"، كما أنه لم يعد بإمكانها "تأمين حاجياتها اليومية نظرا لليقظة الأمنية"، لكن ذلك "لا ينفي بقاءها كتهديد لا يمكن تجاهله".
المصدر: الحرة
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی منطقة الساحل الجیش الجزائری
إقرأ أيضاً:
وساطة خلف الستار.. كيف تُفاوض الاستخبارات الجماعات المسلحة؟
لم يكن دبلوماسيا على ورق، بل رجل استخبارات يحمل عقيدة الحوار، ويؤمن بأن الكلمة قد تسبق الرصاصة في إطفاء نيران الحروب، وقد حلّ ضيفا على أولى حلقات "بودكاست وسيط" (يمكن متابعتها كاملة عبر هذا الرابط)، ليكشف جانبا من تلك الرحلة المثقلة بالأسرار.
نشأ عباس إبراهيم في كنف عائلة ميسورة، وكان بوسعه أن يسلك دربا أكثر راحة، لكن اجتياح إسرائيل لبيروت عام 1982، واستشهاد شقيقه في حرب عبثية، شكّلا حافزا دفعه لاختيار الطريق الأصعب، وهو الالتحاق بالمؤسسة العسكرية، بحثا عن وطن موحد في زمن الانقسام.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4ماذا تعرف عن أسلحة المعارضة السورية التي اجتاحت تحصينات حلب؟list 2 of 4ما علاقة إسرائيل بالأقليات في سوريا؟list 3 of 4تحركات دبلوماسية متسارعة بالدوحة والقاهرة بشأن صفقة التبادلlist 4 of 410 صراعات حاسمة في عام 2025.. من يستطيع وقف الانهيار؟end of listويروي اللواء إبراهيم كيف تلقى رفضا قاطعا من عائلته للالتحاق بالجيش، إذ رفضت والدته حتى كيّ بدلته العسكرية، لكن قناعته بأن الجيش هو "بوتقة الوحدة" جعلته يصرّ على خوض التجربة رغم كل شيء. تخرج عام 1982 في عام وصفه بـ"المشؤوم" بسبب الاجتياح الإسرائيلي الذي وصل إلى عتبات مدرسته الحربية.
أولى مهامه الأمنية كانت جنوبي لبنان، حيث كان يمر يوميا عبر حواجز الاحتلال من بيروت إلى صيدا، وهو ما رسّخ في وجدانه شعورا بالقهر، وزاد من عدائه للاحتلال، وفي تلك المرحلة، بدأ تكوين وعيه العميق حول فكرة السيادة، ومفهوم الأمن كمسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مهنية.
وتدرج إبراهيم في المناصب حتى ترأس جهاز الأمن العام اللبناني، وعمل سابقا في جهاز المخابرات العسكرية، كما تولى مهام تأمين شخصيات دولية من بينها الأخضر الإبراهيمي، الذي تعلّم منه الصبر و"الوساطة بلا نوم"، ويروي حادثة تحذير الإبراهيمي للرئيس رينيه معوض من محاولة اغتيال لم يُبال بها، قبل أن يُغتال بعد ساعات.
أدوار حساسةتجربته الأمنية، التي امتدت لعقود، لم تكن محصورة بالتحليل أو الرقابة، بل تعدّت ذلك إلى أدوار تفاوضية حساسة، حيث يصف إبراهيم أن نجاح الوسيط يبدأ من المعلومة، وأن فشل الأجهزة الاستخباراتية في استشراف أحداث كبرى -كعملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023- يعود غالبا إلى التقدير السياسي الخاطئ، لا غياب المعلومات.
إعلانويرى اللواء عباس أن مفاجأة "طوفان الأقصى" كانت درسا في السرية والانضباط العملياتي، ويشير إلى أن الفشل الإسرائيلي لم يكن استخباراتيا بالكامل، بل سياسيا في جوهره، حيث تمّ تجاهل التحذيرات، وأكد أن عنصر المفاجأة كان محسوبا بإحكام، وأن تدريب المقاتلين على سيناريوهات شبيهة سهّل عملية التنفيذ الصاعقة.
أما في جنوب لبنان، فيعتبر أن إسرائيل طوّرت أدواتها بعد حرب 2006 نحو الاختراقات الأمنية والتقنيات الرقمية، متجنبة المواجهات البرية التي أثبتت فشلها، ويعتقد أن اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وإن لم يفاجئه شخصيا، شكّل صدمة للرأي العام، كاشفا حجم الاختراق الإسرائيلي.
ويؤكد أن ما جرى من سلسلة اغتيالات وخرق للسيادة اللبنانية لم يكن محض مصادفة، بل ثمرة اختراق أمني وتقني معقّد، تطلّب سنوات من التحضير، مدعوما بتقنيات الذكاء الاصطناعي ودعم دولي غير مسبوق، لكنه يرى أيضا أن البيئة المقاومة قادرة على التجدد وابتكار أساليب أكثر شراسة، تماما كما حدث بعد نكسة 1967.
ينتقل اللواء إبراهيم للحديث عن دمشق، فيسرد رؤيته لانهيار نظام بشار الأسد بشكل مفاجئ، مؤكدا أن ما جرى كان نتيجة "عمل استخباري سياسي" غيّر موازين القوى بشكل غير متوقع، مرجّحا وجود تعليمات داخلية بعدم القتال، وهو ما عكسه التراجع السريع للقوات الحكومية.
من أين بدأت؟أما علاقته بالوساطة، فقد بدأت من جنوب لبنان، حين اختار معالجة النزاعات القروية بالحوار لا بالسلاح. كانت تلك أولى بوادر تحوله إلى وسيط، سرعان ما ترسخت عندما اقتحم مخيم عين الحلوة عام 2005، مخالفا الأوامر العسكرية، ودخل المخيم للقاء قادة الفصائل الإسلامية المطلوبين للدولة اللبنانية.
يحكي إبراهيم كيف دخل بسيارته الخاصة دون سلاح، وطلب من القيادي الفلسطيني منير المقدح أن يصطحبه في جولة داخل المخيم، وهناك، تواصل مع "عصبة الأنصار" وغيرها من الفصائل، ونجح في خلق بيئة تفاهم أفضت لاحقا إلى تحييد المخيم عن حرب نهر البارد، وتسهيل انتشار الجيش في محيطه.
ويعتبر أن أصل الإرهاب لا يكمن في الأيديولوجيا وحدها، بل في الفقر واللاعدالة والتهميش. ويقول: "لو دخلت إلى مخيم عين الحلوة وعشت 15 يوما، ستفكر بالتمرد"، معتبرا أن القمع الأمني ليس حلا، بل عاملا لتفريخ الغضب. ويصر على أن "الأمن الحقيقي ليس فوق الناس، بل من أجلهم".
وبنظره، لا خطّ أحمر في التفاوض إلا العدو الإسرائيلي، فالمبدأ الأساسي هو الحوار مع كل طرف يحمل سلاحا بوجه الدولة. ويستذكر مفاوضاته غير المباشرة مع جبهة النصرة وتنظيم الدولة، والتي قادها بصبر وتكتم، مستعيدا جنودا لبنانيين رغم فداحة الثمن، ويؤكد أن النجاح مرهون بالمصداقية والشفافية.
أبرز الوساطاتمن أبرز وساطاته كانت تحرير راهبات معلولا، حيث تمّت مبادلتهم بـ34 امرأة معتقلة في السجون السورية. اللافت أن جميع النسوة المفرج عنهن رفضن التوجه إلى الخارج، وأصررن على العودة إلى دمشق، في مشهد هزّ مشاعر الوسطاء أنفسهم.
ويكشف اللواء أن حزب الله، ممثلا بالسيد حسن نصر الله، كان يضطلع بأدوار حاسمة في تذليل العقبات خلال تلك الوساطات، خصوصا حين تتعقد المفاوضات مع النظام السوري. ويمدح دعم قطر المستمر الذي وصفه بـ"الحاسم" في كثير من عمليات التبادل.
إعلانكما قاد وساطة سرية بين النظام السوري والإدارة الأميركية في ملف الصحفي الأميركي أوستن تايس. إذ التقاه مبعوثو ترامب، وأقلّوه بطائرة خاصة إلى البيت الأبيض، حيث تم التفاهم على بنود "تصب في مصلحة الشعب السوري". لكنّ تصريحا انتخابيا من ترامب ضد الأسد فجّر العملية وأوقفها بالكامل.
ورغم انخراطه في وساطات دولية وإقليمية، يؤكد اللواء إبراهيم أن التفاوض داخل لبنان يبقى الأصعب، لأن السياسة تطغى على المصلحة الوطنية. ويعبّر عن تفاؤله بالمشهد اللبناني ما بعد الحرب، معتبرا أن انتخاب رئيس جديد يتمتع بخلفية أمنية يشكّل فرصة حقيقية لبناء دولة مستقرة.
ويختم بالقول إن كل الجهود الأمنية، مهما بلغت، لا يمكنها صناعة الاستقرار من دون عدالة وكرامة. وفي عالم يتزايد فيه منسوب العنف، يرى أن الوساطة ليست مهمة ناعمة بل صراع في الظل، يقوده "رجل أمن يحترف الحوار أكثر مما يحترف القبضة".
6/7/2025-|آخر تحديث: 18:03 (توقيت مكة)