انطلاق فعاليات الأسبوع المصري الكونغولي برعاية جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة.. صور
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
انطلقت صباح اليوم الفاعليات الرسمية للأسبوع المصري الكونغولي المنعقد في العاصمة الكونغولية كينشاسا تحت رعاية وزير التجارة والصناعة الكونغولي، وبحضور مشرف من سعادة السفير هشام المقود، سفير مصر لدى الكونغو، وبمشاركة موسعة من 15 شركة مصرية تمثل 7 قطاعات مختلفة.
كما شهد الحدث حضور أكثر من 150 شركة كونغولية وهيئات وقطاعات أعمال ومؤسسات ذات علاقة.
الشرقاوي: السوق الكونغولي بوابة واعدة للمنتجات المصرية
وفي كلمته الافتتاحية، أكد الدكتور يسري الشرقاوي رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة على أهمية العلاقات التاريخية بين مصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية، مشدداً على أن الجهود التي يبذلها القطاع الخاص المصري تأتي استجابة لتوجهات القيادة السياسية وتوافر الإرادة السياسية بين البلدين. وقدم الشرقاوي للحضور شرحاً تفصيلياً عن هوية الشركات المصرية أعضاء البعثة، موضحاً التنوع الكبير والخبرات المصرية التي تسعى لدخول الأسواق الأفريقية، مع العمل الجاد لربط القطاع الخاص الأفريقي لتحقيق نتائج واقعية على الأرض.
وأشار الشرقاوي إلى حجم التبادل التجاري بين مصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث بلغ نحو 160 مليون دولار سنوياً.
وأكد أن هناك فرصاً كبيرة لزيادة هذا الرقم من خلال التركيز على قطاعات واعدة مثل الزراعة، والصناعات الغذائية، ومواد البناء، مع تعزيز التعاون بين القطاع الخاص في البلدين وتنفيذ مشروعات مشتركة تدعم التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة.
كما أشاد الشرقاوي بجهود الدبلوماسية الرسمية، سواء من خلال وزارة الخارجية المصرية أو التمثيل التجاري المصري، بالإضافة إلى الدعم الحكومي الملموس الذي تتلقاه الجمعية. وأعرب عن شكره العميق لدعم معالي الوزير بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية المصري، للملف الأفريقي، مشيراً إلى أن هذه الزيارة تأتي استكمالاً للزخم الذي أحدثته زيارة الوزير لجمهورية الكونغو مؤخراً.
وأكد الشرقاوي على أهمية السوق الكونغولي باعتباره سوقاً واسعاً بحجمه ومساحته وعدد سكانه، موضحاً أنه يضم عدداً كبيراً من التجار من مختلف الجنسيات ويعد فرصة مثالية للتواجد المصري ولترويج المنتجات الأفريقية. وأوضح أن أعضاء البعثة قد أجروا دراسات شاملة عن طبيعة هذا السوق، وأن الأسبوع المصري الكونغولي سيستكمل فعالياته بسلسلة من اللقاءات الثنائية بين القطاعين الخاص والحكومي لضمان تحقيق النتائج المرجوة.
وفي ختام الفاعليات الافتتاحية للأسبوع المصري الكونغولي، أعرب المشاركون عن تفاؤلهم بالنتائج المنتظرة من هذا الحدث، الذي يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين مصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
ومن المقرر أن تستمر الفاعليات على مدار الأسبوع، متضمنة لقاءات ثنائية بين ممثلي القطاعين العام والخاص من الجانبين، بما يسهم في تعزيز الشراكات وبناء جسور تواصل فعالة لتحقيق أهداف التنمية المشتركة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة بدر عبدالعاطي وزير الخارجية وزارة الخارجية المصرية
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: سينما نجيب محفوظ.. حين صافح الأدب الشاشة الفضية
هل صفع نجيب محفوظ الجمهور على وجهه؟
نعم، لكنها لم تكن صفعة إهانة، وإنما صدمة فكرية. تلك الضربة التي لا تترك خدك يؤلمك، بقدر ما تجعل عقلك يصحو من سباته. صفعة تُوقظك من وهم الراحة، وتدفعك إلى مواجهة مرآة الواقع كما هي: متعرجة، خشنة، بلا مساحيق ولا تبرير.
منذ بداياتها الأولى، نسجت السينما العربية خيوطا رفيعة من التلاقي مع الأدب، غير أن هذا التلاقي بلغ ذروته الباهرة مع عالم نجيب محفوظ (1911-2006). كان محفوظ روائيًا تتحول كلماته إلى مشاهد، وحاضرًا في كل تفصيلة بين الكتابة والتصوير، يعرف كيف تُروى القصة على الورق، وكيف تُحكى على الشاشة.
يكتب السيناريو كما ينسج الحكاية، ويمنح للحارة المصرية صوتًا وصورة. وصفه الناقد إبراهيم العريس بأنه "أديب السينمائيين وسينمائي الأدباء"، وهو توصيف لا يجافي الحقيقة، فهو يلخص عبقرية رجل جعل من شوارع القاهرة وحاراتها أبطالًا لا يقلون شأنًا عن أبطاله البشر.
ومع كل اقتباس سينمائي، تحررت الحروف من سطورها لتخاطب جمهورًا أوسع، وتحولت أعماله من تجارب فردية في القراءة إلى ذاكرة جماعية في التلقي والمشاهدة.
بدأت علاقة نجيب محفوظ بالسينما منذ نعومة أظافره. في سن الخامسة، دخل سينما "الكلوب المصري" قرب مسجد الحسين، حيث شاهد أفلامًا صامتة تركت أثرًا عميقًا في خياله، -رغم غياب الصوت-. تلك التجربة الأولى كانت كافية لتفتح أمامه عالماً ظل يسكنه لسنوات.
لاحقًا، التقى بالمخرج صلاح أبو سيف في الأربعينيات. شكل هذا اللقاء منعطفًا مهمًا في مسيرته، بعدما رأى أبو سيف في كتاباته ملامح أسلوب بصري واضح، وشجعه على كتابة السيناريو. ومن هنا بدأت رحلته مع السينما بتوقيع صلاح أبو سيف، فكانت باكورة أعمالهما معًا فيلم المنتقم وفيلم مغامرات عنتر وعبلة. في هذين العملين انطلقت تجربة محفوظ في المزج بين الحكاية الأدبية واللغة البصرية، مؤسسًا لمسار إبداعي جمع فيه بين عمق الرواية وثراء الصورة السينمائية.
انطلق نجيب محفوظ من آتون سينما صلاح أبو سيف، مخرج الواقعية، لكنه لم يكتف بالسير في الطريق الممهد. فقد صنع لنفسه طريقًا جانبيًا، مليئًا بالمطبات والحواري الضيقة، تمامًا مثل أبطاله. الواقع عنده كان البطل الحقيقي في معظم الحكايات. القاهرة لم تكن ديكورًا؛ فقد كانت تتنفس. خان الخليلي، الحسينية، زقاق المدق... أماكن تُروى ولا تُصوَّر فقط. تشم فيها رائحة الطين، وتسمع صدى الخطى القديمة.
أما شخصياته، فستجدها إن خرجت من بيتك الآن. المعلم، الفتوة، ابن البلد... وجوه أعرفها وتعرفها. لم يكن مهتمًا بالمثقفين ولا برجال الأعمال، ولكن بالذين لا تلتفت إليهم الكاميرا عادةً، وراح يمنحهم البطولة دون أن يطالبهم بتغيير ملابسهم أو تعديل لهجتهم.
وكان صادقًا إلى حد القسوة. لم يضع مساحيق على وجه الواقع، ولم يغلق الكاميرا عند مشهد الفقر أو القهر. الواقع عنده لا يُجمل ولا يُبرر، وإنما يُروى كما هو. فتتركك أفلامه بعد المشاهدة كمن تلقى صفعة مفاجئة.
ولم يكن ذلك بدافع الإثارة، فقد كان محفوظ يؤمن بأن السينما الحقيقية تطرح الأسئلة وتدفع المتفرج للتفكير، لا أن تكتفي بسرد الحكايات.
جاءت واقعيته مختلفة، فهي لا تشرح العالم من الخارج، بالعكس، هي تنقلك أنت إلى داخله لتشعر بكل ما فيه. وكانت صورته السينمائية صادقة إلى الحد الذي يجعلها مرآة تقف أمامك، تدعوك للتأمل دون أن تفرض عليك النظر.
بدأت علاقة نجيب محفوظ بالسينما عبر باب الكتابة المباشرة. في نهاية الأربعينيات، جلس إلى الورق لا ليروي رواية كما كان يفعل، وإنما ليكتب مشهدًا، ويصف حركة أشخاص، فيمنح الشخصية صوتًا يُرى لا يُقرأ. أفلام مثل ريا وسكينة وجعلوني مجرمًا لم تكن مجرّد تجارب سينمائية، وإنما تمارين على الصياغة البصرية التي تتكئ على نبض الحارة وقسوة الشارع. كان محفوظ، في تلك المرحلة، شريكًا كاملًا في صناعة الفيلم، يكتب ما سيُقال ويُصور، ويتدخل في التفاصيل كمن يكتب رواية على هيئة ضوء.
ثم تغير شكل العلاقة. توقف عن كتابة السيناريو بنفسه، وبدأت رواياته تنتقل من الورق إلى الشاشة عبر أيادٍ أخرى. (بداية ونهاية) فتحت الباب، وبعدها جاءت الثلاثية والحرافيش، فأصبحت الرواية هي المصدر، والسينما هي المتكفلة بترجمتها. لم تكن الترجمة دائمًا أمينة، ولم تكن خائنة تمامًا أيضًا، وإنما مساحة من الاجتهاد المفتوح بين الروائي والمخرج.
بعد نوبل، خفت صوت محفوظ قليلًا على الورق، لكن السينما لم تنسه. استمرت في اقتباس أعماله، كما في أصدقاء الشيطان للمخرج أشرف فهمي، والمأخوذ عن قصة (الشيطان يعظ). بدا الأمر كأن السينما صارت تفتش في مكتبته كلما أرادت أن تتذكر ما كانت عليه في زمن الصدق.
وإذا كان تحويل الرواية إلى فيلم مهمة جذابة، فهي في الوقت نفسه معقدة وشائكة. لا يمكن أخذ الرواية كما هي، ووضعها كما هي. هناك زمن يجب اختصاره، وأحداث لا تحتملها الشاشة، وشخصيات تحتاج إلى إعادة رسم. في الثلاثية مثلًا، تحول عمل أدبي ضخم إلى ثلاثة أفلام فقط. لم يكن ذلك تقليصًا للنص بقدر ما كان محاولة للعثور على لُبه. وفي بعض الأحيان، تُضاف مشاهد أو يُعاد ترتيب الوقائع لتقريب المعنى أو ملء الفراغات التي يخلفها الاختزال. شخصيات ثانوية قد تُمنح مساحة أكبر، وربما تتغير بعض النهايات.
وفي مواضع أخرى، يُعاد بناء الحكاية من جديد. فيلم (اللص والكلاب) سار إلى حد كبير خلف الرواية، بينما اتخذ (فتوات بولاق) طريقًا آخر مختلفًا، حتى بدا بعيدًا تمامًا عن عالم الشيطان يعظ. هي ليست خيانة للأصل، ولا أمانة مطلقة. هي تجربة. وكل تجربة تحمل بعض المجازفة، وبعض الحنين، وكثيرًا من التأويل.
ولأن لكل حكاية نهاية، فلنختم بما يشبه اعترافاً:
"لا أحد اقترب من قلب القاهرة كما فعل محفوظ... لقد جعلها تتنفس على الشاشة."
حين تتصفح تاريخ السينما العربية، لا يمكنك تفادي ظلال نجيب محفوظ وهي تتمدد في كل مشهد وزاوية. هذا ليس كاتباً تُقتبس عنه الأفلام، لكنه صانع عوالم تتحول على الشاشة إلى كائنات حية. كتب نجيب محفوظ ما يزيد على 26 سيناريو سينمائياً أصيلاً، كما تحولت نحو 19 من رواياته إلى ما يقارب 27 فيلماً، بعضها أُعيد إنتاجه بلغات أجنبية.
تتقافز أعماله بين الواقعية الاجتماعية التي تُشبه لكمة في المعدة (كما في زقاق المدق وبين القصرين)، والملاحم الشعبية التي تضج بصيحات الفتوات والمطاريد (الحرافيش)، والأفلام الوطنية التي تحمل رائحة البارود ومذاق النضال (جميلة بو حريد، الناصر صلاح الدين).
وبينما كانت الأفلام تُنتج، كانت فلسفة محفوظ تنسج خيوطها. فهو يعرض المكان ويؤنسنه، فيجعل من الحارة ذاكرة حية، ومن الشخوص وجوه تعرفها من طابور العيش ومحطة الأتوبيس. الواقعية لديه جارحة، تفضح أكثر مما تواسي. وحين يصمت الجميع، يتكلم محفوظ عن السلطة، القهر، الفساد – بصوت منخفض لكنه يصل... ومثلما التهمت أفلامه شباك التذاكر، التهمت ذاكرة الجمهور أيضاً.