ترجمة ـ قاسم مكي
عندما سافرتُ إلى فرنسا وألمانيا في الأسبوع الماضي توقعت أن أجد الأوروبيين مذهولين ومذعورين من الانتصار الحاسم الذي حققه الرئيس المنتخب دونالد ترامب. لكن وأنا جالس في قاعة اجتماعات بمبنى وزارة الخارجية الفرنسية أثناء اجتماع لخبراء أمنيين سمعت اعترافا عمليا (بانتخاب ترامب) عبر عنه أحد الدبلوماسيين بقوله «الناخبون الأمريكيون قالوا كلمتهم».
في الواقع لا يزال الأوروبيون متوترين تماما إزاء ترامب. يرتكز ذلك التوتر على خطاب حملته الانتخابية عن «أمريكا أولا» وسجِلِّه في فترته الرئاسية الأولى كمُنتقِد لحلف شمال الأطلسي (الناتو). لكنني وجدت شعورا مفاجئا بقبول عودته إلى سدة الحكم في أربع اجتماعات منفصلة في باريس وبرلين. لخَّص ذلك القبول بنيامين حداد وزير فرنسا للشؤون الأوروبية حين قال مخاطبا تجمع الخبراء الفرنسيين والألمان والبولنديين في مقر وزارة الخارجية الفرنسية «عملنا مع إدارة ترامب الأولى وسنعمل مع الإدارة الثانية... يجب أن تكون محايدا عاطفيا تجاه ما هو خارج سيطرتك». ولم أسمع صوتا مخالفا لما قاله حداد حول الطاولة.
المصدر الرئيسي للقلق في ذلك الاجتماع كما في كل الاجتماعات الأخرى كان موقف ترامب من أوكرانيا. فقد حذر الوزير الفرنسي من أن «استسلام» الولايات المتحدة للرئيس فلاديمير بوتين سيكون «كارثيا» لأوروبا.
الاجتماع الذي انعقد بوزارة الخارجية الفرنسية والاجتماعات الأخرى تولَّى تنظيمها صندوق مارشال الألماني وهو مركز أبحاث مقره في الولايات المتحدة.
شرع القادة الأوروبيون في التواصل مع ترامب منذ فوزه في الخامس من نوفمبر. لقد وجدوا فيه رئيسا منتخبا يطرح أسئلة عن أوكرانيا بدلا من تقديم مطالب. المثال على ذلك مكالمة أجراها المستشار الألماني أولاف شولتز عند نهاية الأسبوع الذي أعقب انتخاب ترامب. فحسب مسؤول ألماني رفيع مطَّلع على ما جرى في تلك المكالمة سأل ترامب المستشار الألماني بقوله «ما هو رأيك في خطة الانتصار (التي وضعها الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي؟ ما رأيك في بوتين؟»
جمع الأوروبيون ملحوظات حول مكالمات مماثلة لزعماء فرنسا وبولندا والدنمارك وجمهورية تشيكيا وبلدان أخرى. قال المسؤول الألماني» كانت المكالمات ودية بأكثر مما هو متوقع. وكان ترامب أكثر إنصاتا. لقد أعدَّ نفسه جيدا ولم يكن يُلقِي الكلام على عواهنه».
يقينا، هذه التعليقات المتفائلة تعكس رغبة أوروبا في تطوير علاقة عمل جيدة مع ترامب في وقت أزمات واضطراب. عبر عن ذلك في تجهُّم وزير خارجية سابق أثناء المناقشة التي جرت يوم الخميس الماضي في برلين حين قال: «إنه أسوأ كابوس من منظور أوروبي. في الشرق هنالك معتدٍ إمبراطوري وفي الغرب أمريكا التي لم تعد عبر- أطلسية وفي الوسط أوروبا الضعيفة».
ذكر لي مسؤولون عديدون أن الناطق الرئيسي لأوروبا في المحادثات مع ترامب سيكون على الأرجح مارك روته وهو رئيس وزراء هولندي سابق والأمين العام الجديد لحلف الناتو. يوصف روته بأنه الأقدر تأثيرا على ترامب لأسباب من بينها تهدئته له عندما كان رئيسا بعد خطبته الطويلة والناقدة عن الناتو وذلك بإقراره أن ترامب على حق في مطالبة أعضاء الحلف إنفاق المزيد على الدفاع.
من المتوقع أن يسافر روته إلى مارا لا جو (مقرّ ترامب) عما قريب لمناقشة الإستراتيجية الخاصة بمفاوضات السلام الأوكرانية والتي قال ترامب إنه يريدها، حسبما ذكر لي المسئولون. وتوقع المسؤول الألماني أن تكون رسالة روته عند اجتماعه بترامب كالتالي: مصالح ترامب ومصالح أوروبا سيخدمهما «سلام عادل ودائم» لا يكافئ العدوان الروسي ويمكن أن يقدم ضمانات أمنية مستديمة لأوكرانيا. (بالفعل اجتمع روته مع ترامب في بالم بيتش بولاية فلوريدا يوم الجمعة 22 نوفمبر وذكرت الناطقة باسم الناتو أنهما ناقشا القضايا الأمنية العالمية التي تواجه الحلف - المترجم).
الصفقة السيئة سيتضرر منها ترامب بقدر ضررها لأوروبا. وغالبا ما سينصح روته وآخرون ترامب برسالة فحواها حسب المسؤول الألماني» ضع في بالك أنك سيلزمك حل مشكلة أوكرانيا بطريقة لا تشكل هاجسا لك خلال فترة رئاستك». وسيحاجج الأوروبيون بأن شرط أية اتفاقية سلام ناجحة هو «عدم تجدد هذه الحرب مرة أخرى» لأن أمن أوكرانيا سيكون محميَّا.
أثناء اجتماع خاص في بروكسل الأسبوع الماضي مع وزراء الدفاع في بلدان حلف الناتو حثَّ مارك روته القادة الأوروبيين على التعامل مع ترامب. وحسب مسؤول أوروبي كان حاضرا قال لهم روته ناصحا «لا تغتابوا ترامب. اتصلوا به واجعلوه يدعمكم. تأكدوا من بقاء أمريكا إلى جانبكم».
يقول هذا المسؤول أيضا أن روته حثَّ وزراء الدفاع الأوروبيين على زيادة إنفاقهم الدفاعي بمعدل أعلى من النسبة المستهدفة وهي 2% من الناتج المحلي الإجمالي. وقال لهم: «إذا انتهت هذه الحرب بانتصار روسيا. سيجعلها ذلك أكثر جرأة. ولن تكون تكلفة ردها بعيدا عن حدودنا 3% من الناتج المحلي الإجمالي ولكن 4% أو 5%».
طرح الأوروبيون عشرات الأسئلة عن ترامب أثناء لقاءاتي معهم. وفي حفل عشاء فاخر في باريس سأل ضيوف عديدون عن دور إيلون ماسك في الإدارة الأمريكية الجديدة. كما تساءل ضيف عما إذا كان بيت هيغسيث، مرشح ترامب لتولي حقيبة وزارة الدفاع، سيقوِّض الجيش الأمريكي الذي يعتمد عليه الناتو. وكان ضيف آخر يريد أن يعرف ما إذا كان ترامب سيسعى إلى الحصول على فترة رئاسية ثالثة.
هذا الفضول نفسه كان ظاهرا في مؤتمر للخبراء الأمنيين الألمان في برلين. تساءل الضيوف هناك: هل سيحاول ترامب «صانع الصفقات» العظيم عقد صفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل (كانت إجابتي نعم سيحاول) كما سألوا: هل يتعامل مع رئيس الصين شي جينبينج (كانت إجابتي ربما سيحاول إذا سمح له الصقور في إدارته بذلك). وتنبأ أحدهم بحدث مرعب وهو نشوب حرب مع روسيا خلال أربع سنوات إذا لم توقَف موسكو عند حدها في أوكرانيا.
ما استخلصته من هذه المناقشات هو أن أوروبا تعلم أنها بحاجة إلى ترامب. ففرنسا وألمانيا وهما الركيزتان التقليديتان للاتحاد الأوروبي ضعيفتان سياسيا وماليا. وروسيا المتوعدة والمهددة بالباب. وترامب يقود تحالفا عبر أطلسي متهالكا سواء أعجبه ذلك أم لم يعجبه. السؤال الحاسم هو: كيف سيعمل مع أوروبا لوقف الصراع الحالي في أوكرانيا وتجنب جولة أخرى.
ديفيد اجنيشس روائي وصحفي يكتب عن الشئون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست
الترجمة خاصة لـ «عمان»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مع ترامب
إقرأ أيضاً:
السفير الروسي في مصر: الغرب يستخدم أوكرانيا لضرب روسيا و”المنطقة العازلة” تحمي أمننا القومي
السفير جيورجي بوريسينكو:
القيادة الأوكرانية الحالية غير شرعية المنطقة العازلة تحمي الأمن القومي الروسي هدف الغرب استمرار الحرب، وهدف روسيا السلام كنا نأمل أن تكون أوكرانيا دولة جارة مسالمة لا نؤيد فكرة وقف إطلاق النار المؤقت الرئيس بوتين لا يُعير اهتمامًا لتصريحات ترامب الانتخابية الغرب يستخدم أوكرانيا كمنصة لضرب روسيا نعترف باستقلال أوكرانيا منذ عام 1991 وقف الدعم العسكري لأوكرانيا يوقف الحرب نُقدّر دور الرئيس ترامب لحل الأزمة في أوكرانيا الاقتصاد الروسي يتطور بشكل أسرع مما كان عليه قبل العقوبات الأوروبيين يعانون من العقوبات أكثر من روسيا واشنطن تريد الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري في المنطقة
حوار/ محمد أبو سبحة
القاهرة (زمان التركية)ــ يرى السفير الروسي في القاهرة جيورجي بوريسينكو أن دعم الغرب لأوكرانيا بالسلاح أجج الحرب الدائرة منذ أكثر من ثلاث سنوات وأن سعي أوكرانيا منذ القدم للاقتراب من الناتو تسبب في وقوع الأزمة الحالية، معتبرًا في حوار مطول مع جريدة (زمان التركية) أن العقوبات الاقتصادية الغربية، انعكست سلبًا على أوروبا أكثر من روسيا التي طورت اقتصادها، ودافع عن مخطط إقامة “المنطقة العازلة” على حدود أوكرانيا، من أجل “حماية الأمن القومي الروسي”، ووصف القيادة الأوكرانية الحالية بأنها “غير شرعية”.
نحن نُقدّر الرئيس دونالد ترامب وإدارته على الجهود التي يبذلونها لحل هذه الأزمة والتغلب على النزاع في أوكرانيا. إنهم يحاولون منع المزيد من تدمير البنى التحتية وسفك الدماء، ونحن نُدرك في الوقت ذاته أهمية ضمان أمننا القومي، ولهذا السبب لدينا مطالب محددة لضمان هذا الأمن.
نحن لا نؤمن بفكرة وقف إطلاق النار المؤقت لبضعة أسابيع كما تطرح بعض الدول الغربية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية. الأمر لا يتعلق بمجرد هدنة قصيرة، بل نحن بحاجة إلى وقف دائم لإطلاق النار بشروط واضحة ومضمونة. ما نراه حاليًا هو أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تزود أوكرانيا بالمعدات العسكرية، مثل صواريخ “تاوروس” الألمانية ومكونات أخرى أمريكية الصنع.
السبيل الحقيقي الوحيد لإنهاء هذا الصراع، سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو باقي الدول الغربية، هو التوقف عن دعم القوات الأوكرانية. إذا توقفت الدول الغربية عن تزويد أوكرانيا بالمعلومات الاستخباراتية والمعدات العسكرية، فإن الحرب ستنتهي خلال بضعة أشهر. فالحرب الأوكرانية تعتمد بشكل شبه كامل على الدعم الغربي، في حين أن روسيا تقاتل باستخدام أسلحتها الخاصة، دون أن تطلب دعماً من أحد.
الأوكرانيون يعتمدون بالكامل على الدعم العسكري واللوجستي من الغرب، وإن توقف هذا الدعم، فإن الحرب ستتوقف. لكن الحقيقة هي أن الغرب لا يريد انتهاء هذه الحرب، بل يريدون استمرارها واستنزاف روسيا، كما حاولوا في الماضي.
ما نراه اليوم ليس جديدًا، إنه يشبه ما حدث في القرن التاسع عشر، عندما غزا نابليون روسيا، ولم تكن جيوشه فرنسية فقط، بل ضمت جنودًا من دول أوروبية عديدة. ثم في القرن العشرين، قامت دول مثل فنلندا، وإسبانيا، ودول أوروبية أخرى، بالانضمام إلى هتلر في حربه ضد روسيا.
اليوم، تحاول أوروبا مجددًا الانتقام من روسيا على هزائمها السابقة، ويبدو أن هناك محاولة ثالثة لإلحاق الهزيمة بنا. شخصيات مثل بوريس جونسون، ومسؤولين فرنسيين وألمان، أعلنوا صراحة أن هدفهم هو “إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في ساحة المعركة”، وهذا هو هدفهم المعلن.
لهذا السبب، نحن نصر على ضرورة ضمان أمننا القومي. نعم، نرى أن الإدارة الأمريكية الحالية تحاول الآن البحث عن طرق لفرض وقف إطلاق النار، لكن وقف إطلاق النار لا يكفي. ما نحتاجه هو سلام دائم ومستقر، ويجب أن يكون هذا السلام مشروطًا بعدة أمور، من بينها: وقف كامل لإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، وعدم وجود أي تدريبات أو عمليات عسكرية مشتركة على الأراضي الأوكرانية، بجانب انسحاب القوات الأوكرانية من جميع الأراضي الروسية، لأن بعض المناطق التي يدور فيها القتال الآن هي جزء من الأراضي الروسية وقد تم ضمها رسميًا. نحن نبحث عن سلام حقيقي، وليس هدنة مؤقتة تخدم الغرب لإعادة تسليح أوكرانيا.
ما تعليقكم على على قول الرئيس ترامب إن الرئيس الروسي “يلعب بالنار” ولا يريد السلام؟الرئيس بوتين لا يُعير اهتمامًا لتصريحات الرئيس الأمريكي، فمن مسؤولية الإدارة الأمريكية أن تفسر وتوضح مقاصد كلمات رئيسها. أستطيع أن أتفهم أن مثل هذه التصريحات قد تكون لها دوافع داخلية تتعلق بالسياسة الأمريكية المحلية، خاصةً في ظل الأجواء الانتخابية.
ولكن، كما قلت سابقًا، من الضروري معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، والتي تبدأ من توسع حلف الناتو المستمر شرقًا. حتى بعض المسؤولين الأمريكيين اعترفوا مؤخرًا بأنهم يدركون موقف روسيا، وأن هذا النزاع ما هو إلا حرب بالوكالة يشنّها الناتو ضد روسيا.
الناتو يستخدم أوكرانيا، ويستخدم الأوكرانيين أنفسهم، كأداة لمهاجمة روسيا. للأسف، الغرب لا يهتم بمصير الشعب الأوكراني. هم على استعداد للتضحية بكل الأوكرانيين في سبيل إضعاف روسيا. وعندما يُستنزف الشعب الأوكراني تمامًا، سيبدأون باستخدام دول أخرى مثل بولندا لتنفيذ نفس الدور.
الهدف الغربي واضح: إضعاف روسيا. لأن روسيا دولة كبيرة وقوية، وتشكل عائقًا أمام الهيمنة الغربية العالمية. لذلك، يحاولون بشتى الطرق إضعافها — تمامًا كما فعلوا في القرن التاسع عشر مع نابليون، وفي القرن العشرين مع هتلر، والآن يحاولون مجددًا.
ونحن نقدّر رغبة الرئيس ترامب في وقف هذه السياسات العدوانية، ونُثمّن موقفه في السعي إلى التهدئة. بالطبع لدينا مصالح قومية، وهذه المصالح قد تتوافق مع مصالح الأمريكيين في حال وجود نية صادقة للسلام. نحن بلد ذو سيادة، ولا نعطي أهمية لما يُقال عنا في الإعلام أو في الأروقة السياسية الغربية، وأولويتنا الأولى هي ضمان أمن روسيا القومي، وهذه هي القاعدة التي نبني عليها كل مواقفنا.
كيف استطاعت روسيا الصمود أمام العقوبات الغربية واسعة النطاق؟فرضت العديد من الدول الغربية -مثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان ودول أخرى من المعسكر الغربي- عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا. نعم، هذه العقوبات سبّبت بعض الأضرار في البداية، وواجهنا تحديات اقتصادية، لكن على المدى الطويل، استطاع الاقتصاد الروسي أن يتعافى ويتطور بشكل أسرع مما كان عليه قبل العقوبات.
بعد انسحاب العديد من الشركات الغربية من السوق الروسية، سارعت الشركات المحلية الروسية لملء هذا الفراغ، وبدأنا في تطوير تقنياتنا الخاصة، والاعتماد على مصادر بديلة من دول أخرى في آسيا، إفريقيا، وأمريكا اللاتينية. في الواقع، العقوبات الغربية لم تعزل روسيا، بل عزلت الغرب نفسه عن روسيا.
إذا نظرت إلى خريطة العالم، سترى أن الجزء الوحيد الذي لا يريد التعاون مع روسيا هو أوروبا الغربية، بينما بقية دول العالم تتعاون معنا بشكل طبيعي. ومن المفارقات أن الأوروبيين الذين فرضوا هذه العقوبات هم أنفسهم يعانون منها الآن أكثر منّا.
على سبيل المثال، ألمانيا كانت تشتري الغاز الروسي عبر الأنابيب بأسعار معقولة، لكنها الآن مضطرة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة بأسعار تزيد عن الضعف. وهذا الأمر رفع تكلفة الإنتاج على الشركات الألمانية، وأضعف قدرتها التنافسية أمام نظيراتها الأمريكية. حتى المواطن العادي في أوروبا أصبح يدفع أكثر للحصول على الكهرباء والتدفئة.
النتيجة؟ شركات كبرى مثل “فولكس فاجن” أصبحت تجد صعوبة في مواصلة الإنتاج داخل ألمانيا بسبب ارتفاع التكاليف. أما الولايات المتحدة فقد ربحت مرتين: مرة ببيع الطاقة لأوروبا بأسعار مرتفعة، ومرة أخرى بإضعاف الاقتصاد الأوروبي لصالح الاقتصاد الأمريكي.
حتى بعض الصناعيين والمزارعين الروس يعارضون رفع العقوبات، لأنهم استفادوا من غياب المنافسة الغربية. السوق الروسية الآن مليئة بالمنتجات المحلية، والعديد منها يتم تصديره إلى الخارج. لذلك هم لا يرغبون بعودة الشركات الغربية، ولا برفع العقوبات.
إعلان الرئيس بوتين إنشاء “منطقة عازلة” على الحدود مع أوكرانيا، ألا يشكل عقبة أمام جهود السلام؟
الهدف من إنشاء المنطقة العازلة ليس تعطيل عملية السلام، بل حماية الأمن القومي الروسي. وكما ذكرتُ سابقًا، هناك قذائف تطلق من الأراضي الأوكرانية نحو الأراضي الروسية، إضافة إلى محاولات تسلل من قبل مجموعات تخريبية تستهدف منشآت داخل روسيا. لذلك، نرى أنه من الضروري إنشاء منطقة عازلة تبعد القوات الأوكرانية والأسلحة الغربية عن حدودنا.
هذه المنطقة ستكون بمثابة حزام أمني لمنع تسلل العناصر العدائية ووقف تدفق الأسلحة والمعدات الغربية التي تصل إلى أوكرانيا، والتي تُستخدم لاحقًا في الهجوم على أراضينا. نحن لا نرفض فكرة السلام، لكن لا يمكن أن يكون هناك سلام حقيقي ومستقر دون وجود مسافة آمنة تفصل بين القوات المعادية وحدود روسيا السيادية.
وإذا تم تحقيق الشروط الأمنية، يمكننا مناقشة تفاصيل شكل هذه المنطقة العازلة، حجمها، وآليات مراقبتها لاحقًا. لكن في الوضع الراهن، إنشاء هذه المنطقة هو شرط مسبق لا يمكن التنازل عنه إذا كنا نتحدث عن سلام دائم وشامل.
ما تعليقكم على تصريح السفير الأوكراني في مصر بأن بلاده لن تقدم أي تنازلات إلا إذا قدمت روسيا تنازلات مماثلة؟
كما ذكرتُ سابقًا، فإن الأولوية القصوى بالنسبة لروسيا هي ضمان أمنها القومي، وكذلك الحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها. مناطق مثل دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، وزابوروجيا أصبحت الآن جزءًا من الأراضي الروسية، ولا يمكن التفاوض بشأنها. لذلك فإن على القوات الأوكرانية الانسحاب الكامل من هذه المناطق.
علاوة على ذلك، ونظرًا للتهديدات المستمرة من الجانب الأوكراني، نرى أن هناك حاجة حتمية لإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي الأوكرانية، تفصل بين الحدود الروسية ومواقع الانتشار العسكري الأوكراني. هذه المنطقة العازلة ضرورية لحماية أراضينا ومنع تسلل المجموعات التخريبية أو إطلاق القذائف باتجاه الأراضي الروسية.
روسيا مستعدة لوقف القتال، لكن بشروط واضحة تشمل: نزع سلاح أوكرانيا، إنهاء النزعة القومية المتطرفة، وانسحاب كامل للقوات الأوكرانية من الأراضي الروسية.
أما من الناحية السياسية، فنحن نواجه مشكلة تتعلق بشرعية القيادة الأوكرانية الحالية. فترة رئاسة فلوديمير زيلينسكي قد انتهت في عام 2024، ووفقًا للقانون الأوكراني، لم يتم تمديدها عبر انتخابات شرعية. وبالتالي، يعتبر الرئيس زيلينسكي الآن شخصية فاقدة للشرعية القانونية، ولا يمكن التعامل معه بصفته رئيسًا رسميًا.
البرلمان الأوكراني، المعروف بـ”المجلس الأعلى”، ما يزال يُعتبر مؤسسة شرعية، ولكن الرئيس نفسه بات بمثابة شخص عادي أو “رئيس فعلي لجماعة حاكمة” وليست له صفة قانونية لتوقيع معاهدات أو اتفاقيات دولية.
وهنا يكمن التحدي: من سيوقع الاتفاق مع روسيا إذا كانت القيادة الأوكرانية الحالية غير شرعية؟ هذا الوضع يجعل من الصعب التوصل إلى أي تسوية سياسية دائمة ما لم يُحل موضوع الشرعية أولًا.
بعد المناورات العسكرية المشتركة بين روسيا ومصر في شرق المتوسط، هل أبدت القاهرة اهتمامًا بالحصول على منظومات تسليح روسية متطورة؟إن مصر وروسيا، التي كانت تُعرف سابقًا بالاتحاد السوفييتي، تفخران بعلاقاتهما التاريخية. ويوجد متحف في قلعة صلاح الدين بالقاهرة يعرض أسلحة سوفييتية وروسية استُخدمت في حرب أكتوبر، من بينها الجسور العائمة والدبابات وغيرها من المعدات. وأشهر صورة من حرب أكتوبر هي لجندي مصري على الضفة الشرقية لقناة السويس، يرفع بندقية كلاشنيكوف – وهي أشهر سلاح روسي – فوق رأسه تعبيرًا عن النصر.
أصدقاؤنا المصريون يعرفون الأسلحة الروسية جيدًا، ولديهم معرفة ممتازة بالضباط العسكريين الروس. وخلال تلك الحرب، وُجد ما يصل إلى 30 ألف جندي سوفييتي على الأراضي المصرية، قاتلوا إلى جانب الجنود المصريين ضد إسرائيل. كما كان هناك مستشارون عسكريون سوفييت في صفوف الجيش المصري، وساهموا في تحقيق النصر.
واليوم، لا يزال هناك تعاون مكثف بيننا في المجالين العسكري والفني العسكري. ونحن فخورون بأن القوات المسلحة المصرية تستخدم الآن معدات روسية حديثة ومتطورة.
وكما تعلمون، فإن الولايات المتحدة لا تبيع بعض الأسلحة لمصر لأنها تريد الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري في المنطقة. لكن مصر دائمًا ما تملك بدائل، ويمكنها شراء أسلحة متقدمة من دول أخرى، ومنها روسيا. كما أننا نجري تدريبات عسكرية مشتركة، حيث تتدرب قوات المظلات والدفاع الجوي معًا، وبالتالي فإن عناصرنا العسكرية يعرفون بعضهم جيدًا، ويفهمون بعضهم جيدًا. وهذا يمثل أساسًا قويًا للتعاون بيننا.