خلال هذه الأيام تكمل خطة الاستدامة المالية متوسطة المدى عامها الرابع منذ إطلاقها عام 2020م، وهي بمثابة البوصلة التي أعادت الأمور إلى نصابها الصحيح وصحّحت بعض الممارسات الخاطئة التي أضرت المالية العامة للدولة لسنوات طويلة، مما سرّعت في زيادة حجم الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي؛ بسبب العجز المالي المتراكم في الميزانية العامة للدولة خلال عقد من الزمان، وأصبح حينها يمثّل خطرا على الخطط الاقتصادية والتنموية، وصعّب مهمة وضع حلول فاعلة ومستدامة للقضايا المجتمعية مثل قضية الباحثين عن عمل؛ حيث وصل الدين العام للدولة قبل إطلاق برنامج الاستدامة المالية إلى نحو 70% إلى الناتج المحلي الإجمالي؛ بسبب ارتفاع فاتورة الإنفاق الحكومي الاستهلاكي التي تركّزت غالبيتها على بند الرواتب والبدلات والعلاوات غير الضرورية مقارنة بالإنفاق على المشروعات الإنمائية والاستثمارية؛ ولمعالجة التحديات المالية الصعبة كان لابد من اتخاذ إجراءات مالية تعيد المسار المالي التنموي إلى الاتجاه الصحيح وتحد من الإنفاق غير الضروري وتوجه الصرف للبنود الأكثر احتياجا لمعالجتها مثل كلفة الاقتراض وإنشاء المشاريع التنموية الضرورية في المحافظات عبر إقرار خطة التوازن المالي عام 2020 ثم خطة الاستدامة المالية وخطط التحفيز الاقتصادي، إضافة إلى إطلاق عدد من البرامج الوطنية؛ بهدف تسريع الجهود في بعض البرامج الداعمة للاقتصاد الكلي عموما مثل البرنامج الوطني للتشغيل والبرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي والبرنامج الوطني لتنمية القطاع الخاص والتجارة الخارجية وغيرها من البرامج الوطنية التي تساعد على تنمية الاقتصاد العُماني وتطوره.
بعد أربع سنوات من العمل الناجز الذي شهد جهودا كبيرة للارتقاء بالاقتصاد العُماني تحسّنت مؤشرات الاقتصاد كثيرا مقارنة بالعقد السابق؛ حيث اقترب الدين العام للدولة من النسبة الآمنة منخفضا إلى 34% إلى الناتج المحلي الإجمالي، وزاد حجم الاقتصاد من خلال استقطاب مزيدٍ من رؤوس الأموال في المناطق الاقتصادية والمناطق الحرة، وتحسّنت مؤشرات التوظيف والتشغيل في القطاعين العام والخاص عبر توظيف أكثر من 30 ألف باحث عن عمل سنويا، وإيجاد معالجات مستمرة لقضية إنهاء خدمات العُمانيين من القطاع الخاص، وساعدت الحوافز والتسهيلات التي أقرها مجلس الوزراء خلال الفترة الماضية في تحسين بيئة الأعمال وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ونمت مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالأعوام السابقة بنسب تجاوزت 10%، أما القطاعات الاقتصادية مثل السياحة واللوجستيات والصناعات التحويلية، شهدت تحسّنا ملحوظا في مؤشراتها؛ فمثلا اقترب القطاع اللوجستي من المساهمة بنسبة 6% في الاقتصاد، أما القطاع السياحي فهناك حراك كبير تقوم به وزارة التراث والسياحة من خلال تطوير البنى الأساسية في المواقع السياحية وتحديثها المواقع الأخرى لا سيما في محافظة ظفار التي شهدت تدفقا سياحيا كبيرا خلال موسم الخريف الماضي، وأرى أن القطاع السياحي سيساهم بأكثر من 3% في الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات القليلة المقبلة بفضل التسهيلات والحوافز المقدمة لممارسي الأنشطة السياحية مثل الفندقة والنزل التراثية.
إن العمل الناجز الذي تقوم به الحكومة منذ عام 2020 في مختلف المجالات لاسيما في الملف الاقتصادي والمالي، يبعث التفاؤل بنهضة اقتصادية ستشهدها سلطنة عُمان خلال السنوات المقبلة، وستشهد القطاعات الاقتصادية مزيدا من النمو والتطور، مما سينعكس إيجابا على مؤشرات الاقتصاد الكلي؛ خاصة بعد السيطرة على الدين العام وحوكمته وتوفير مبالغ كلفة سداده -اقترب المبلغ قبل أعوام من المليار ريال-، وتحسّن التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان ليصل إلى الجدارة الاستثمارية وتحسّن النظرة المستقبلية للاقتصاد؛ بسبب استمرار الضبط المالي الذي أثمر عن سداد نحو 1.5 مليار ريال عُماني خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2024م، مما يعكس جهودها المستمرة لتعزيز استدامة المالية العامة وتقليل مستويات الدين للوصول للنسبة الآمنة، وساعد ذلك على جلب مزيد من الاستثمارات وزيادة حجمها لتقترب من 20 مليار ريال عُماني؛ بفضل ثقة المستثمرين في الاقتصاد العُماني ونظرتهم المستقبلية تجاهه التي تشير إلى تحسن الاقتصاد ونهوضه وانتعاشه سريعا في ظل استمرار سياسة الضبط والالتزام المالي، أيضا بإطلاق منظومة الحماية الاجتماعية وشمولية منافعها جميع المواطنين عزّز من القوة الشرائية في الأسواق والمحال التجارية التي تشهد حركة نشطة بين فترة وأخرى وخفّفت من حدة الإجراءات المالية المتخذة قبل سنوات للتعامل مع الأوضاع المالية الصعبة التي تواجه المالية العامة حينها.
إن ما تحقّق من مكتسبات وإنجازات على المستوى الوطني خلال الفترة الماضية، يشعرنا بالفخر والاعتزاز للجهود التي بُذلت وتحقق على إثرها تحسن ملموس في غالبية المؤشرات الرئيسة للمضي قدما نحو تحقيق رؤية عُمان 2040، وستتواصل المنجزات الوطنية بفضل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وأيّده بتوفيقه وتيسيره الذي وعد وأوفى بأن تشهد المرحلة الحالية والمقبلة تحقيق تطلعات أبناء الوطن العزيز.
حفظ الله عُمان وقائدها وشعبها وأدام عليهم الأعياد الوطنية أعواما عديدة وأزمنة مديدة وهم ينعمون بالمنجزات الوطنية التي تحقق تطلعاتهم، وكل عام والجميع بخير.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی الدین العام الع مانی ع مانی
إقرأ أيضاً:
سوريا تعود إلى الاقتصاد العالمي بعد 14 عاما من العزلة
فايننشال تايمز البريطانية
قال محافظ البنك المركزي السوري الجديد إن سوريا ستعيد ارتباطها بالكامل بنظام المدفوعات الدولي “سويفت” في غضون أسابيع، ما يعيد ربط البلاد بالاقتصاد العالمي بعد 14 عامًا من الحرب والعقوبات التي حولتها إلى دولة منبوذة.
وتمثل عودة “سويفت” أول إنجاز كبير في إطار إصلاحات الحكومة الجديدة التي تهدف إلى تحرير الاقتصاد السوري، وتشير إلى أن السلطات الجديدة تتحرك بسرعة لجذب التجارة والاستثمار الدوليين بعد أن رفعت الولايات المتحدة العقوبات الشهر الماضي.
وشرح عبد القادر حسريه، محافظ البنك المركزي، في مقابلة بدمشق،خارطة طريق لإعادة هيكلة النظام المالي والسياسة النقدية في البلاد لإعادة بناء الاقتصاد المنهار، وأعرب عن أمله في استعادة الاستثمارات الأجنبية، وإزالة الحواجز التجارية، وتطبيع العملة، وإصلاح القطاع المصرفي.
وقال حسريه لصحيفة “فايننشال تايمز”: “نهدف إلى تعزيز صورة البلاد كمركز مالي بالنظر إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتوقعة في مجالي الإعمار والبنية التحتية — وهذا أمر حاسم”، وأضاف: “رغم إحراز تقدم كبير، لا يزال هناك الكثير من العمل في المستقبل”.
وعمل حسريه مستشارًا تقنيًا لفترة طويلة وشارك في صياغة عدد من قوانين التمويل في عهد الأسد، ويعمل حاليًا مع وزارة المالية على “خطة استقرار لمدة 6 إلى 12 شهرًا”، تتضمن إصلاح قوانين البنوك والبنك المركزي، وإعادة هيكلة نظام الضمان الاجتماعي وتمويل الإسكان، بهدف تشجيع السوريين في الشتات على الاستثمار في البلاد، إلى جانب مبادرات أخرى.
وكانت سوريا معزولة عن الأسواق العالمية منذ عام 2011، عندما قمع الرئيس آنذاك بشار الأسد انتفاضة شعبية بعنف، ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية شاملة، وعندما أُطيح بالأسد على يد أحمد الشرع وتحالفه من المتمردين في ديسمبر الماضي، كان الاقتصاد في حالة انهيار وخزائن الدولة فارغة.
وقد شكك كثير من الخبراء فيما إذا كان يمكن لفصيل مسلح يفتقر إلى الخبرة في إدارة الدولة أن ينقذها، لكن خلال أسابيع من تولي السلطة، أعلن القادة الجدد عن إصلاحات سوقية حرة في الاقتصاد الخاضع لسيطرة مشددة في عهد الأسد، وطرحوا خطابًا يتسم بالشفافية والانفتاح، ما ساعد على جذب مستثمرين أجانب كانوا في البداية مترددين في التعامل مع متمردين إسلاميين.
وبنى الرئيس المؤقت أحمد الشرع على هذا الزخم، إذ حصل على دعم واسع لحكومته الناشئة من قوى عالمية حريصة على تحقيق الاستقرار في البلاد — رغم أعمال العنف المتفرقة التي شوهت عملية الانتقال، وقد حصل على دفعة قوية الشهر الماضي عندما رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العقوبات بشكل غير متوقع.
وقال حسريه، الذي بدأ عمله في أبريل: “رغم أن هذه كانت خطوة مرحّب بها، إلا أن هناك حاجة إلى تغيير شامل في السياسة”، وأضاف: “حتى الآن، رأينا فقط إصدار التراخيص ورفعًا انتقائيًا لبعض العقوبات. يجب أن تكون عملية التنفيذ شاملة، لا عشوائية”.
ويعد القطاع المصرفي عنصرًا أساسيًا في إعادة الإعمار، إذ انهار إلى حد كبير بسبب الحرب وأزمة مالية في لبنان المجاور عام 2019، بالإضافة إلى السياسات العقابية في عهد الأسد، ويريد حسريه إنهاء إرث تدخل النظام السابق، وإعادة قدرات الإقراض، والشفافية، والثقة.
وقال: “كان البنك المركزي سابقًا يدير النظام المالي بشكل دقيق، وينظم الإقراض بشكل مفرط، ويقيّد سحب الودائع”.
وأضاف: “نهدف إلى إصلاح القطاع من خلال إعادة الرسملة، وتخفيف القيود، وإعادة دور البنوك كوسيط مالي بين الأسر والشركات”.
وأوضح أن عودة “سويفت” ستساعد في تشجيع التجارة الخارجية، وخفض تكاليف الاستيراد، وتسهيل التصدير. كما ستُدخل عملات أجنبية تمسّ الحاجة إليها، وتقوّي جهود مكافحة غسيل الأموال، وتقلّل الاعتماد على الشبكات المالية غير الرسمية في التجارة العابرة للحدود.
وأضاف: “الخطة هي أن تُمرّر جميع المعاملات التجارية الخارجية عبر القطاع المصرفي الرسمي”، مما يلغي دور الصرّافين الذين كانوا يأخذون 40 سنتًا من كل دولار يدخل سوريا.
واعلن عن تخصيص رموز سويفت للبنوك والبنك المركزي والخطوة المتبقية هي أن تستأنف البنوك المراسلة معالجة التحويلات.
وسيتم دعم الاستثمارات الأجنبية أيضًا من خلال تقديم ضمانات، حسبما أفاد، وبينما تدعم الحكومة بالكامل القطاع المصرفي العام، يسعى حسريه إلى إنشاء مؤسسة حكومية تضمن ودائع البنوك الخاصة.
وفقدت الليرة السورية نحو 90٪ من قيمتها مقابل الدولار قبل الإطاحة بالأسد، وقد استعادت جزءًا من قيمتها منذ ذلك الحين لكنها لا تزال متقلبة، ولا يزال هناك تفاوت بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء.
وقال حسريه إنه يهدف إلى توحيد هذه الأسعار، وإنهم “ينتقلون نحو تعويم مُدار” للعملة.
ومع دمار معظم البلاد وتكاليف إعادة الإعمار التي تُقدّر بمئات المليارات من الدولارات، تُعدّ إعادة إنعاش الاقتصاد أكبر تحدٍّ يواجه الشرع.
وبدأت سوريا محادثات مع صندوق النقد الدولي، الذي أرسل وفدًا إلى البلاد الأسبوع الماضي، والبنك الدولي، وتسعى للحصول على دعم من دول المنطقة.
وقامت السعودية وقطر الشهر الماضي بسداد ديون سوريا المستحقة للبنك الدولي البالغة 15.5 مليون دولار، والتزمتا بدفع رواتب موظفي القطاع العام لثلاثة أشهر على الأقل.
كما وقّعت سوريا اتفاقيات مبدئية مع شركات إماراتية وسعودية وقطرية لتنفيذ مشاريع كبرى في مجالي البنية التحتية والطاقة.
وقال حسريه إن قادة البلاد قرروا عدم اللجوء إلى القروض، إلا أن البنك ووزارة المالية يبحثان ما إذا كان بإمكان سوريا للمرة الأولى إصدار صكوك، وهي شهادة مالية إسلامية شبيهة بالسندات لكنها متوافقة مع الشريعة التي تحظر الفائدة.
كما قبلت البلاد منحًا، منها 146 مليون دولار من البنك الدولي لقطاع الطاقة، و80 مليون دولار من السويد لإعادة تأهيل المدارس والمستشفيات.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق عربي ودوليأنا طالبة علم حصلت معي ظروف صعبة جداً و عجزت اكمل دراستي و أ...
نحن اقوياء لاننا مع الحق وانتم مع الباطل...
محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد مدير بنك ترنس اتلنتيك فليوري...
قيق يا مسؤولي تعز تمخض الجمل فولد فأرة تبا لكم...
المتحاربة عفوًا...