لبنان بين الحرب والنّزوح.. غياب التنسيق والرقابة الحكومية يزيد من معاناة النازحين
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
◄ لجان الإغاثة تحاول جاهدة مساعدة جميع النازحين وتوفير الاحتياجات
◄ زيادة معاناة مرضى الأورام بسبب القصف المتواصل وعدم استقرار مواعيد العلاج
◄ أعداد النازحين فاقت القدرة الاستيعابية لمراكز الإيواء
◄ أكثر من 1.2 مليون نازح موزعين على 1177 مركز إيواء
◄ تانيا برو: لا يوجد تنظيم أو توزيع عادل للمساعدات
◄ عليان: على الدولة أن تعالج تحدّيات النزوح وعدم التهرب من مسؤولياتها
بيروت- هبة الكل
مع استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، وجد أحمد الجنبين نفسه وزوجته وابنه -4 سنوات- مضطرا لاتخاذ قرار النزوح من الضّاحية الجنوبية منذ شهرين، ليكون ضيفاً على جبل لبنان "عاليه" في بيت أحد أقربائه.
" كل شيء مؤمن، واللجان هنا لم تقصر أبداً، واستقبلونا أحسن استقبال على كافة المستويات"... هكذا يصف الجنبين الوضع.
يحمل أحمد معه ما استطاع من بيت الزوجية، تاركا وراءه ذاكرة مثقلة بقصص وطرقات حفظت تاريخه، وبفقدان مرير مع كل شظية تتطاير وصاروخ يتفرق فوق الأبنية والأحياء والأسواق.
لم يشعر الجنبين بأيّ تمييز تجاهه: " للأمانة هنا لا يحدث تمييز ومن يسجل استمارة بشكل رسمي يأخذ حصته وحقه من الدعم".
وإن كان "تذكار سولفرينو" بذاكرة "دونان" بمثابة شرارة إطلاق جمعيات الإغاثة والدّعم الإنساني إن وقعت حرب، فإنه لدى اللبنانيين القدرة على احتواء من عانوا من ويلات الحرب ولسان حالهم يقول: "كلنا للوطن".
ورغم مشاهد اللحمة الوطنية والتعاون بين الجميع، إلا أن الكثيرين يعانون في أماكن النزوح.
فوسط جِدّة الحرب، يلازم "سارة" الشابة الثلاثينية التي أثيبت بورم خبيث في "البنكرياس"، أنينٌ من أن تفقد القدرة على العلاج بشكل كليّ. فمنذ نزوحها من البقاع إلى مجدل ترشيش، بات علاجها بالكيمائي متقطّعاً، يخضع لرحمة أمن الطريق والأوضاع المادية القابعة على أعتاب الفقر خاصة بعد توقف عمل زوجها في الزّراعة وذهاب موسمه نتيجة الحرب لهذا العام: "ما ضل عنا شي نعيش منه".
قلق سارة يتزايد كل يوم نتيجة الاكتظاظ المحيط بها في بيت يستضيف ثلاث عوائل موزعة على ثلاث غرف. تقول: "بسبب الزحمة مناعتي تضعف، وأسوأ شيء عندي الحمام لأنه بسبب العلاج يصير عندي إسهال".
قلبها يلهف على ولديها ليس فقط من أصوات الغارات وإنذارات الإخلاء، وإنّما من كثرة الضجر الذي أصابهما في منزل مزدحم بأكثر من 15 فرداً، ومع مجيء الشتاء وانعدام النزهات كأبسط مقوّم من مقوّمات الترفيه لدى الأطفال، بالإضافة إلى ترنحهما بين التعلّم الأون لاين والحضوري نتيجة الدّمار الذي لحق بمدرستهما.
وعلى النّقيض من "أحمد"، فإن سارة تعاني من شحّ المساعدات، ولولا أهلها لبقيت في بيتها، فإيجارات الغرف في زحلة تجاوزت 1200 دولار وفق قولها.
وبالرّغم من بلوغ عدد مراكز الإيواء 1177 مركزاً، منها مدارس بنسبة جاوزت اﻠ61% موزّعة بين الرّسمية والخاصّة وفقاً لآخر تقرير صادر عن الوكالة الوطنية للإعلام، إلا أنّ عدد النازحين فاق القدرة الاستيعابية لهذه المراكز، لتزيد معاناتهم أكثر وأكثر.
وتكشف النّاشطة الاجتماعية والسّياسية تانيا برو من لبنان عن المعاناة داخل مراكز الإيواء قائلة: "ما يجري في المراكز هو بتنظيم من قبل بعض مدرائها، فلا يوجد تنظيم ولا حتى توزيع صحيح وعادل للمساعدات".
وتضيف: "المساعدات التي تأتينا من قبل أفراد وجمعيات خاصّة أقرب ما تكون جمعيات أهلية من كونها جمعيات قطاع ثالث، وبسبب الانقسامات السياسية الأمر الذي سبّب في توزيع المساعدات لمناطق معينة على حساب أخرى، والتي بقيت في غياب شبه تام عن الدعم كالبقاع الذي لم تصله مساعدات إلا منذ أيام ولأول مرة".
وتؤكد برو: وبالرّغم من أنّ أعداد النازحين قد وصل إلى مليون و237 ألفاً و892 نازحاً داخل مراكز الإيواء وخارجها وفقاً لآخر الإحصائيات، إلا أنّ المتطوعين يقدّمون مساعداتهم وفقاً لما يجمعونه من تبرعات، وإمكانياتهم تبقى محدودة.
ولكنها موظفة سابقة في وزارة الشؤون الاجتماعية تحدثنا برو عن أبرز التّحدّيات التي تواجه النّازحين: "بالرّغم من المساعدات التي تأتي إلى الدولة وخصوصاً وزارة الشؤون الاجتماعية، ولكن كفاعلين لا تشعرين بأنّ أداءهم على المستوى المطلوب، وكلّ واحد يعمل من مكانه من دون أن يكون هناك تنسيق مع نقص في الإدارة". وتبيّن: "تبدو الأزمات التي يعيشها النازحون اللبنانيون أكبر مما نتصور وأقدر علينا من حصرها للعلن، فمن اضطر أن يستأجر فُرض عليه أن يدفع لستة أشهر إلى سنة سلفاً، وإن أراد الخروج لا تعاد له أمواله، ومنهم من لم يقبلوا تأجيرهم لأنّ معهم نساء محجبات".
كما تشير إلى أن الوضع الحالي يكشف عن غياب التخطيط الممنهج من قبل الحكومة لاستيعاب النازحين ومساعدتهم وتفعيل خطط طوارئ في أوقات الحرب.
من جهته، يقول الباحث والمحلل السياسي حسان عليان: "الواقع السّياسي المُنقسم وتركيبة الفساد في البلد لا بد وأن تنسحب حسابياً على المستوى الإنساني، وفي لبنان تشعرين وكأنك في بلد العجائب، عندما تذهبين إلى المناطق الآمنة تلمسين حياة طبيعية ولا كأن هناك حرب، طبعاً هذا أمر إيجابي لاحتواء النازحين ولكن بمكان ما يكون سلبياً عندما نشاهد عدم مراعاة على المستوى التعليمي مثلاً".
ويتابع: "إلى حدّ اللحظة لم نشهد جلسة طوارئ مفتوحة للحكومة لمتابعة المستجدات في المسائل المصيرية، والدّولة بوضعها الحالي كعادتها لم تخرج عن التّهرب من مسؤولياتها وعن الشّفافية واستثمار أيّة ملفات للضّغط السّياسي، والمطلوب من الدّولة أن تترفّع عن مسألة التناقضات والحسابات السّياسية وتنزل إلى واقع النّزوح وتحدّياته، فالعدو يبقى عدواً علينا كلّنا".
*نشر هذا التقرير بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإبادة والمجاعة مستمرتان في غزة: قصف إسرائيلي متواصل على النازحين / شاهد
#سواليف
تواصل #الإبادة و #المجاعة و #الحصار حصد أرواح #الفلسطينيين في قطاع #غزة وسط صمت دولي وإقليمي مطبق، بينما يواصل #الاحتلال ارتكاب مجازره بحق المدنيين، لا سيما في أماكن توزيع #المساعدات، ما يفاقم منسوب #الكارثة الإنسانية المتصاعدة.
مشهد يوثق جريمة قتل ارتكبها الاحتلال بحق فلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على الطحين من شاحنات المساعدات، وأطلق النار على من حاول انتشالهم، قبل أن يتمكن عدد من الشبان من سحبهم في قطاع غزة pic.twitter.com/w4KgjgYW1m
— fadia miqdadai (@fadiamiqdadi) August 1, 2025استشهد ثلاثة فلسطينيين وأصيب أكثر من ثلاثين آخرين، جراء إطلاق جيش الاحتلال النار قرب مركز المساعدات الأمريكية في منطقة “الشاكوش” شمال مدينة رفح جنوبي القطاع. وفي المنطقة ذاتها، أطلقت دبابات الاحتلال نيرانها في محيط مركز توزيع المساعدات شمال غرب رفح.
مقالات ذات صلة “هيومن رايتس ووتش”: نظام توزيع المساعدات في غزة تحول إلى حمّامات دم 2025/08/01في غزة، بلغ الجوع حدًّا لم يعد معه الناس قادرين حتى على وضع الحجارة على بطونهم لتخفيف الألم، فقد أصبحت أجسادهم أضعف من أن تحملها. pic.twitter.com/AmK7mVHB8O
— fadia miqdadai (@fadiamiqdadi) August 1, 2025إلى الجنوب، قصفت مدفعية الاحتلال المناطق الشرقية لمدينة خان يونس، تزامنًا مع قصف عنيف استهدف شارع الطينة شمال المدينة، ما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف الفلسطينيين. كما أعلن مجمع ناصر الطبي عن استشهاد فلسطينيين اثنين وإصابة أكثر من سبعين آخرين برصاص الاحتلال في “محور موراغ” جنوبي خان يونس.
وفي مواصي خان يونس، استشهد أربعة فلسطينيين وجُرح آخرون جراء قصف الاحتلال خيام النازحين في منطقة أرض الفرا، غالبيتهم من الأطفال. كما ارتقت فلسطينية وأصيب آخرون في غارة جوية استهدفت خيامًا للنازحين خلف محطة طبريا في المنطقة ذاتها.
وسط القطاع، استشهد أربعة فلسطينيين بعد قصف الاحتلال لمركبة في وسط مدينة دير البلح بعد منتصف الليل، من بينهم أحمد دلول الذي لحق بابنته سوار التي استشهدت قبل أشهر. كما أصيب عدد من الفلسطينيين برصاص الاحتلال في محيط محور “نتساريم” وسط القطاع، فيما استهدفت مدفعية الاحتلال شمال مخيم النصيرات.
في مدينة غزة، استهدفت طائرات الاحتلال المروحية والحوامات أماكن تواجد النازحين، حيث تم انتشال جرحى، معظمهم أطفال، من داخل الجوازات في حي الرمال، ومن شقة سكنية في حي الصبرة، إضافة إلى قصفٍ طال نازحين في محيط مقبرة الشيخ رضوان. وسُجلت إصابات جراء استهداف منزل قرب المقبرة، وسط مناشدات للسيارات الإسعاف بالتوجه إلى المكان.
وفي ذات السياق، شنت طائرات الاحتلال غارات على محيط شاليه الريحان قرب المجمع الإسلامي بحي الصبرة، ومحيط الجامعات في حي الرمال غرب المدينة، في حين استهدفت مدفعية الاحتلال مناطق شرقية من مدينة غزة.
غرب خان يونس، قصف طيران الاحتلال أرضًا مجاورة لمستشفى الكويت التخصصي الميداني، وسط حالة من الذعر في صفوف الطواقم الطبية والنازحين.
بدوره، حذّر مدير مستشفى الأطفال في مجمع ناصر الطبي من التدهور الخطير في أوضاع الأطفال الصحيّة في قطاع غزة، نتيجة استمرار الحصار ومنع دخول المساعدات الأساسية، مؤكداً أن الوضع الكارثي يهدد حياة آلاف الأطفال.
وفي تصريحات صحفية، قال إن الأطفال المصابين بأمراض مزمنة في القطاع يتوفون في سن مبكرة جداً، في ظل غياب الرعاية الطبية وانعدام الدواء. وأضاف أن المستشفى استقبل أعداداً كبيرة من الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد، رغم عدم وجود تاريخ مرضي لديهم، ما يعكس حجم الأزمة الغذائية التي تضرب القطاع المحاصر.
وأشار إلى أن ما يدخل من مساعدات إلى غزة لا يتجاوز كونه ذرًا للرماد في العيون، ولا يصل إلى مستحقيه من الفلسطينيين، مشدداً على أن القطاع بحاجة ماسة إلى حليب الأطفال والمستلزمات الطبية والغذائية الأساسية.
وأكد أن الحل يكمن في إيصال المساعدات إلى مخازن المنظمات الدولية المعروفة بشفافية توزيعها، لتفادي التلاعب والاحتكار وضمان وصولها لمن هم بأمسّ الحاجة.
من جهتها، أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن استهداف الفلسطينيين المجوعين في غزة خلال محاولتهم الحصول على المساعدات الإنسانية يُعد جريمة حرب وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. المنظمة أوضحت أن جيش الاحتلال يفتح النار بانتظام على مواقع توزيع المساعدات المدعومة أميركيًا، لا سيما تلك التي تديرها “مؤسسة غزة الإنسانية” بالتنسيق مع جيش الاحتلال.
ولفتت إلى استشهاد ما لا يقل عن 859 فلسطينيًا خلال الفترة ما بين 27 مايو و31 يوليو أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات، معتبرة أن التدهور الإنساني في القطاع هو نتيجة مباشرة لاستخدام الاحتلال سلاح التجويع، ما يشكل جريمة حرب، فضلاً عن تعمده منع المساعدات والخدمات الأساسية، وهو ما يمثل جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية.