لبنان كانت يوما ما قبلة العرب والعروبة في التعددية والجمالية، كانت مضرب المثل في احتواء الجميع، لم تفرق بين أصولي وليبرالي، ولا بين مسيحي ومسلم، ولا بين سني وشيعي، ولا بين أشعري صوفي وسلفي، ولا بين إخواني وحبشي، ولا بين درزي وإمامي، ولا بين ماروني وكاثوليكي، ولا بين أرمن وسريان، ولا بين من يجعل من الاتجاهات المعاصرة له منهجا، ولا بين من لا زال يعيش ماضية وفق تصوره اللاهوتي، فأرض لبنان جمعتهم جميعا، وعاشوا تحت ظلالها، واستمتعوا بخيراتها.
«هنا بيروت» كانت قلب العالم العربي لمن أراد المعرفة والنقد والفلسفة وحرية الكلمة، يفد إليها المفكرون والفلاسفة والسياسيون والمعارضون والمهمشون جميعا، فيجدونها ملاذا وعالما يسعهم بأطيافهم المتباينة، وكانت مقاهي بيروت يلتقي فيها رموز الأدب والفكر والسياسة، وسايرت المقاهي صحافة لبنان لتسعهم جميعا، فيكتبون فيها ما يخشونه في بلدانهم، وكان الفنانون يجدون في لبنان عالما يعطيهم مساحة من الحرية لإبداع فنهم، ليصبح صوت فيروز صوتا للعالم أجمع، والتي لم تغنِ إلا للإنسان والجمال فقط، ليتجاوز اللغة والجغرافيا والأعراق.
«طبع في بيروت» «طبع في لبنان» لا يكاد كتاب عربي خلال أكثر من قرن يخلو من اسم بيروت أو لبنان، بل أكثر من ذلك، فمطبعة الشماس الماروني عبد الله الزاخر (ت: 1748م) في دير مار يوحنا الصابغ والتي تعود إلى عام 1731م، فهي الثانية بعد مطبعة حلب، بيد أنها استمرت أكثر من قرنين، وطبعت بالحروف السريانية أولا، ثم العربية ثانيا، ولا زال الكتاب حتى اليوم يطبع في بيروت، ولا زالت لبنان قبلة الناشرين، ليطبع فيها أمهات الكتب، ولم يستطع قطر عربي آخر أن ينافسها في هذا الجانب.
«الصيف في بيروت» «الصيف في جبال لبنان وجنوبه والبقاع وطرابلس وصيدا» وغيرها من مناطق لبنان، كانت قبلة لمن أراد الاستجمام بعد عام من العمل والجهد، يعادله اليوم كالذي يريد الاستجمام في أوروبا، فكانت لبنان سويسرا العرب، جمعت بين جمال الطبيعة والتضاريس، وبين جمال الطقس والمناخ، فأجواء «الكريسماس» وأعياد الميلاد مؤذنة بشتاء ثلجي لمن يحب العيش في هذه الأجواء، وصيفها أخضر معتدل في الجبال والبقاع والجنوب والشمال، مع ساحل بحري وعيون وخضرة تجذب الناضرين إليها.
«آثار بعلبك» أو«مدينة الشمس» مسرح ومعابد وآثار رومانية قديمة، ماثلها جرش في الأردن، وقرطاج وسبيطلة في تونس وغيرها، بيد أن بعلبك أخذت حيزا فنيا وسياحيا مبكرا، فمهرجان بعلبك بدأ عام 1955م، ولا زال حتى اليوم قائما، فكانت قبلة الفنانين والموسيقيين لأكثر من سبعة عقود، وفيها غُنت ذهبيات الفن والإبداع العربي.
«هذه لبنان» تعانقت فيها المساجد والكنائس ليرون الله رمز الجمال والمحبة، فالله محبة، والأديان تجسيد لهذه المحبة، وفيها اجتمعت محبة آل البيت بين التصوف والتشيع، كما اجتمعت فيها جميع التيارات والحركات والتوجهات لأن الأرض تسعهم جميعا، وقد توحدت كلمتهم جميعا ضد «فرمان» سفر برلك عام 1914م، كما توحدوا في مقاومة الاستعمار الفرنسي، فعانقت روح شكيب أرسلان (ت: 1946م) وكمال جنبلاط (ت: 1977) من الدروز مع روح جبران خليل جبران (ت: 1931م) وجورج إبراهيم عبدالله من الموارنة، مع أرواح إخوانهم من السنة والشيعة والأرمن وغيرهم.
«لبنان عروس شاخت» منذ بدايات الحرب الأهلية عام 1975م بدأت لبنان تتراجع إلى الخلف، وبدأت هذه العروس الجميلة تشيخ شيئا فشيئا، فأدرك الفرنسيون والاستكبار الغربي والاحتلال الإسرائيلي عموما أن لبنان حاضنة للعرب عموما، علما وحرية وإبداعا، وللنضال الفلسطيني خصوصا، فاستغلوا التعددية الطائفية، فجعلوا الكفة السياسية والإدارية للمسيحيين الموارنة ليس حبا فيهم ولعروبتهم وسريانيتهم، ولكنها بداية الشرارة، ليتحول عناق الكنائس والمساجد إلى صراع وحروب وتنافر، فبدأت مع الفلسطينيين، ثم توسعت طائفيا بين المسلمين والمسيحيين.
ثم ظهر الصراع القومي الماركسي مع الأصوليات الدينية، ومع الصحوة الإسلامية ظهر صراع الطوائف الإسلامية ذاتها، بين التصوف والأحباش والأشاعرة من جهة، وبين السلفية من جهة ثانية، ثم بين التسنن والتشيع بشكل أوسع، ثم الأحزاب السياسية ذاتها، فتحولت كما يرى المفكر اللبناني وجيه قانصو إلى أيدولوجيات بذاتها، أو خادمة للأيدولوجيات وليس الوطن.
هنا لم يعد الوطن جامعا للبنانيين، ولم تعد تربته حاضنة لهم، وإن اختلفوا وتباينوا فهذا شيء طبيعي إذا ما كان الاختلاف والتباين لأجل الوطن، بيد أنهم عاشوا جسدا في لبنان، ولكن العديد منهم أصبحت أرواحهم معلقة بولاءات خارجية، حسب انتماءاته الفكرية والمذهبية والدينية، والوطن إذا لم يكن رمزا جامعا للولاء من أبنائه، فلن يدم طويلا، ويسهل اختراقه، وزرع الفتنة والفوضى فيه، وهذا ما حدث في لبنان، فالتعددية حالة طبيعية وصحية إذا ما كان الولاء والعمل للوطن، والناس سواسية فيه، ذاتهم واحدة لا تختلف بينهم، أيا كانت ألبستهم الدينية والمذهبية والفكرية.
وزاده ألما هذا الدمار وهذه الإبادة من قبل كيان لا يعرف الرحمة، ولا يهمه أكان الضحية صغيرا أم كبيرا، ذكرا أم أنثى، محاربا أم مدنيا، يدمر كل شيء، من بيوت بما فيها، ومن مدارس ومستشفيات وطرق، حتى أصبحت بعض مدن لبنان وقراها أشبه بمدينة الأشباح، والعالم يتفرج وكأنها دماء جرذان لا دماء إنسان، وقد قدمت لبنان لعروبتها الكثير، وآوت الكثير، فحق أن يرد جميلها، وأن تقف العروبة معها، لعلها تعود كما كانت عروسا حسناء لا تشيخ، وما ذلك ببعيد إذا أدرك اللبنانيون أولا أن ولاءهم لوطنهم هو الذي يجعل لهم ثقلا في العالم، وإذا ما أدرك العرب أن استقرار لبنان وما حولها وجميع ديار العرب هو استقرار لهم جميعا، وإلا سيكون مصير الجميع «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی لبنان ولا بین
إقرأ أيضاً:
صلاة الضحى.. اعرف وقتها وعدد ركعاتها والسور التي تقرأ فيها
صلاة الضحى لها ثواب عظيم عند الله، فهى سنة مؤكدة حث عليها النبي ورغب فيها.. لذلك ينبغى على المسلم أن يحرص على أدائها ولا يتكاسل عنها.
وسميت صلاة الضحى بصلاة الأوَّابِينَ، أي: التَّوابين كثيري الرجوعِ إلى الله تعالى.
موعد بدء صلاة الضحى
قالت دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية على فيس بوك ان وقت صلاة الضحى في مصر يبدأ مِن ارتفاع الشمس قدر رمح إلى رُمْحَيْن في عين الناظر إليها -ويُقدر بخمسٍ وعشرين دقيقة تقريبًا بعد شروق الشمس-.
موعد انتهاء وقت صلاة الضحى
وأوضحت أن وقتها ينتهي قبل زوال الشمس -ويُقدر بأربع دقائق قبل دخول وقت صلاة الظهر-، مع مراعاة فروق التوقيت بحسب إحداثِيَّات المكان.
عدد ركعات صلاة الضحى
للمسلم أن يؤدي صلاة الضحى ركعتين، أو أربعًا، أو ستًّا، أو ثمانٍ، ويجوز أن يصليها ركعتين ركعتين، ويجعل لكل ركعتين تشهدًا وسلامًا، ويجوز أن يصليها أربعًا أو ثمانٍ بتشهد واحد وسلام.
السور التي تقرأ في صلاة الضحى
ورد في كتاب «نهاية المحتاج»: ويسن أن يقرأ فيهما – ركعتي الضحى – «الكافرون، والإخلاص»، وهما أفضل في ذلك من الشمس، والضحى وإن وردتا أيضا، إذ الإخلاص تعدل ثلث القرآن، والكافرون تعدل ربعه بلا مضاعفة. وقال الشبراملسي -من فقهاء الشافعية-: «ويقرؤهما أي الكافرون، والإخلاص – أيضًا – فيما لو صلى أكثر من ركعتين، ومحل ذلك – أيضًا – ما لم يصل أربعًا أو ستًا بإحرام فلا يستحب قراءة سورة بعد التشهد الأول، ومثله كل سنة تشهد فيها بتشهدين فإنه لا يقرأ السورة فيما بعد التشهد الأول.
ومن فقهاء الحنفية قال ابن عابدين: يقرأ فيها سورتي الضحى أي سورة «والشمس» وسورة «والضحى»، وظاهره الاقتصار عليهما ولو صلاها أكثر من ركعتين . فقد روي عن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال : «أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصلي الضحى بسور منها: «والشمس وضحاها»، «والضحى».
فضل صلاة الضحى
وقالت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى أيضا عن فضل صلاة الضحى: إن النبي صلى الله عليه وسلم جَعَلها مجزئةً عن جميع الصدقات المطلوبة على جميع سُلَامِيات بدن الإنسان -أي: عِظَامه- في كلِّ يومٍ شكرًا لله تعالى على نعمته وفضله.
واستدلت بما جاء عن أبي ذَرٍّ الغِفَارِي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"؛ قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (5/ 234، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفيه دليلٌ على عظم فضلِ الضحى وكبير موقعها وأنها تصح ركعتين] اهـ.
وبينت أنه قد ورد في فضل صلاة الضحى وثوابها أحاديث كثيرة؛ منها ما ورد عن مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيِ الضُّحَى، لَا يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ» أخرجه الإمام أبو داود في "سننه".
ومنها: ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ» أخرجه الإمامان: الترمذي وابن ماجه في "السنن".
ومنها: ما جاء عن عبد الله بن عمر ضي الله عنهما قال: لَقِيتُ أبا ذَرٍّ رضي الله عنه فقلت: يا عمِّ، أَقْبِسْنِي خيرًا، فقال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سألتَني، فقال: «إِنْ صَلَّيْتَ الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ تُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا أَرْبَعًا كُتِبْتَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا سِتًّا كُتِبْتَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا ثَمَانِيًا كُتِبْتَ مِنَ الْفَائِزِينَ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا عَشْرًا لَمْ يُكْتَبْ لَكَ ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَنْبٌ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللهُ لَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّة» أخرجه الإمامان: البيهقي في "السنن الكبرى" والبزار في "مسنده".
وإظهارًا لأهمية صلاة الضحى وتأكيدًا على بيان فضلها جَعَلها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وصيةً بين أصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ، لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وعن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي حَبِيبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".