(١). الإلهام التاريخي وعبرة الازمة الوطنية المتراكمة منذ الاستقلال ينبئنا أنه عندما يئست كل الاحزاب السياسية الوطنية من الانقلابات العسكرية كخيار لادارة الخلافات حول قضايا البناء الوطني والديمقراطي ، وتعززت لديها القناعات الراسخة ان هذا الطريق سيؤدي الى تعميق الازمة السياسية الوطنية . وينبئنا ايضا انه عندما يئست الحركات المسلحة الفاعلة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق والشرق من خيار العمل المسلح للتعبير عن قضاياها المطلبية المشروعة وتبنت خيارات السلمية والحوار الذي توج باتفاقيات سلام نيفاشا ٢٠٠٥، والقاهرة ٢٠٠٦، واسمرا ٢٠٠٦م، والدوحة ٢٠١١، واتفاقية جوبا للسلام اكتوبر ٢٠٢٠م ، ثم بدأت الحركات المسلحة في التحول الى احزاب سياسية قومية،وبدأ الاندماج الهوياتي والقومي وثقافة الوحدة في التنوع في التفاعل والتشكل.

وينبئنا الالهام التاريخي انه عندما بدأت الاحزاب الوطنية العقائدية في التحرر من دوغما الايديولوجيا الاممية العابرة للاوطان والانحياز لأطروحة القضية الوطنية الجامعة٠ وعندما فشلت كل الانقلابات العسكرية المضادة والثورات المسلحة في اسقاط الانظمة العسكرية الثلاثة بدءا من نظام عبود نوفمبر ١٩٥٨ ،ونميري مايو ١٩٦٩ والبشير يونيو ١٩٨٩، بينما تداعت هذه الانظمة تحت وطأت الانتفاضات الشعبية السلمية المتوالية حيث سقط نظام عبود في اكتوبر ١٩٦٤ ،والنميري في ابريل ١٩٨٥، والبشير في ابريل ٢٠١٩ .

(٢)
والإلهام التاريخي اثبت ان المؤسسة العسكرية الوطنية تمثل المعيارية المهنية والقومية والملكية الخالصة لكل الشعب السوداني وذلك عندما ضحت بكل رموزها وقياداتها في الرئاسة، الفريق عبود ، والمشير النميري والبشير وانحازت لتطلعات الشعب في الثورة والتغيير ، ثم شاركت بهذا الوعي في ادارة المراحل الانتقالية حتى تسليم الامانة لحكومات منتخبة وفق ممارسة ديمقراطية شفافة وذلك في التجربة الديمقراطية الثانية مارس ١٩٦٦م.والتجربة الديمقراطية الثالثة ١٩٨٦م. والالهام التاريخي ينبئنا بقرار اللجنة الامنية لنظام شبه عقائدي عزل رمزها الاول المشير البشير عن الرئاسة ، وقرار التنظيم السياسي العقائدي المدني انحيازه لتطلعات الشعب السوداني في الحرية والديمقراطية ،وتبنى خط التموضع في دور المعارضة السياسية البناءة والداعمة للمرحلة الانتقالية حتى بلوغ الانتخابات والتحول الديمقراطي، ثم يكلف البروف غندور المطبوع بالحكمة والعقلانية لقيادة الحزب في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان ، وهو ذات التنظيم العقائدي الذي بدأ دورته في الحكم بالشعارات القطبية من شاكلة ابادة ابادة لعرش السادة ثم اعاد كل السادة والرموز السياسية في مهاد العزة والإباء والكبرياء لارض الوطن، ثم تقاسم السلطات المركزية والولائية مع شركاؤه في الوطن بنسبة ٥١٪ الى ٤٩٪

(٣).
ان الالهام التاريخي يؤكد ان تنازل تنظيم عقائدي طوعا عن السلطة لم يحدث في المحيط العربي والافريقي إلا في السودان مقارنة بالتجارب الدموية للاحزاب العقائدية مثل تجربة حزب البعث في العراق من لدن عبد السلام وعبد الرحمن عارف عام ١٩٦٣م واحمد حسن البكر ١٩٦٨ الى صعود الرئيس صدام حسين وسقوطه عبر الغزو الامريكي في الفترة من ١٩٧٩ الى ٢٠٠٣م ، وكذلك التجربة الدموية لحزب البعث في سوريا في الفترة من ١٩٦٣ الى ١٩٧٠ والتي انتهت باقصاء رموز الحزب العسكرية والفكرية ، امثال صلاح جديد، ومحمد عمران، وميشيل عفلق ، ثم صعود حافظ الاسد للسلطة في انقلاب عام ١٩٧٠ واختزال شعارات البعث في الملكية المطلقة لآل الاسد والطائفة العلوية، وعندما تفجرت الثورة السورية عام ٢٠١١ تمت ابادة الشعب السوري بالسلاح الكيماوي في اكبر مأساة انسانية في العصر الحديث .

والالهام التاريخي المعاصر ينبئنا قرارات الفريق البرهان القاضية بانسحاب المؤسسة العسكرية من العملية السياسية ودعوته للقوى السياسية للتوافق واستلام مهام المرحلة الانتقالية.
وذات الالهام ينبئنا بنزوع حميدتي للتحرر من الطاقات الهدامة والتحول الى طاقات ايجابية داعمة لقضايا البناء الوطني والديمقراطي ،فبدلا من تعزيز هذه الروح العقلانية على مستوى سلوكه السياسي، وحفزه لدمج قواته في الجيش الوطني المهني الموحد واقناعه بالاستمرار في توظيف طاقاته الايجابية في العمل السياسي السلمي والمدني وسط المجتمع لتحقيق طموحاته في الحكم على اساس انها المعادلة الحكيمة التي تؤكد انحيازه للمشروع الوطني الديمقراطي.
لكن ماذا صنعت قيادات قحت المجلس المركزي ازاء هذا الإلهام التاريخي من الوعي والتجارب السياسية؟؟؟

(٤).
قبل رحيل الزعماء الكبار امثال الدكتور الترابي والاستاذ نقد والامام الصادق الى الحياة الابدية توافقوا جميعا رغم التباين الفكري والسياسي ان تطاول الازمة الوطنية منذ الاستقلال وتنوع التجارب السياسية في الحكم والمعارضة قد اكسبها خاصية الاحتشاد المستمر والنضج ومقاربات الحلول ،وان العبر المستلهمة من هذه التجارب رسخت من ان الديمقراطية هي الخيار الامثل للحكم في السودان، وان وحدتنا في تنوعنا السياسي والثقافي والديني والاثني ،وان ترسيخ ومأسسة النظام الديمقراطي في بنية الدولة والحكم والاحزاب السياسية يجب ان يرتكز علي هوادي العقلانية والسلمية والحوار والاجماع الوطني الشامل دون عزل او اقصاء لاي تيار فكري او سياسي، وهكذا ينبغي ادارة القضايا التأسيسية الوطنية بعقلية القادة العظماء وعزم الرجال الكبار

(٥).
ولكن ماذا صنع ابالسة واقزام قحت المجلس المركزي لصيانة هذا الالهام التاريخي في التجربة السياسية الوطنية؟؟
صمموا الاتفاق الاطاريء ، ولم ينزعوا لحشد التأييد والتوافق حوله بالحوار والسلمية ، بل مارسوا الارهاب الفكري والسياسي ضد الاجتماع السياسي الوطني عندما رفعوا شعار يالاتفاق الاطاريء او الحرب ، ثم نسجوا منوال التحالف مع دويلة الشر الاقطاعية الامارات ، ثم أوفوا بوعدهم بتسعير جنون بندقية ال دقلو بعد الكمون والعقلنة وذلك لتحطيم الجيش السوداني، وقهر القوى السياسية والمجتمعية المناهضة للاتفاق الاطاريء،وحل الاحزاب السياسية ، ثم تشييد الدولة المدنية والديمقراطية المستحيلة!!!!
ثم يأتي ذات الاقزام الابالسة ويدفعون بالمبادرات لانهاء الحرب وانجاز مهام ادارة المرحلة الانتقالية والتحول الديمقراطي.

ان هؤلاء الأقزام الابالسة اما أنهم في حالة اعاقة فكرية مزمنة، بالتالي يجب محاسبتهم وفصلهم عبر قواعدهم من احزابهم، او هم ارتكبوا في كامل الوعي والاهلية جنحة الخيانة الوطنية العظمى ،بالتالي فان مكانهم الطبيعي المحاكمة والسجن والحجر السياسي وللابد .

عثمان جلال

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

المجلس الأعلى للجامعات أول جهة وطنية في مصر تحصل على شهادة الحوكمة ونظام إدارة المعرفة

أعلنت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للجامعات عن حصولها على أربعة شهادات للمطابقة الدولية (الأيزو)، ويُعد هذا الإنجاز تتويجاً لجهود التطوير الشامل التي تمت بالتعاون مع معهد التخطيط القومي.

إعلان نتائج بطولة الرماية بالدورة الرياضية للجامعات والمعاهد وزير التربية والتعليم: اتخذنا سلسلة إجراءات لدمج الطلاب ذوي الإعاقة بالمدارس مجلس جامعة حلوان يحتفي بإنجازات أساتذته المتميزين الطالب يوسف بدوي بهندسة عين شمس يتوج بطل العالم في الكاراتيه تكريم رئيس جامعة 6 أكتوبر في جامعة بني سويف ورش دولية لتمكين الباحثات في الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي وزير التعليم العالي يفتتح أعمال المجلس التنفيذي للألكسو خطة إنشاء أول مدينة تعليمية جامعية متكاملة في إقليم الدلتا التعليم تضع مدرسة الإسكندرية للغات تحت الإشراف المالي والإداري اليوم العالمي لذوي الإعاقة| جامعة القاهرة تجدد التزامها بدعم أبنائها من أصحاب الهمم

ووجه الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي التهنئة الى امانة المجلس الأعلى للجامعات لحصولها على أربع شهادات للمطابقة الدولية (الأيزو). يُعد هذا الإنجاز تتويجاً لجهود التطوير الشامل التي تبنتها الأمانة بالتعاون مع معهد التخطيط القومي. وما يميز هذا الإنجاز بشكل خاص هو حصول الأمانة على شهادتي المطابقة لمعياري الحوكمة (ISO 37000:2021) ونظام إدارة المعرفة (ISO 30401:2018)، لتصبح بذلك أول جهة وطنية في جمهورية مصر العربية يتم منحها الشهادتين باعتماد المجلس الوطني للاعتماد (EGAC). إن هذا الإنجاز هو دليل واضح على التزام أمانة المجلس بمعايير الجودة العالمية، مما يعزز من مكانتها ويحفظ دورها الرائد، ويدعم بشكل مباشر السياسات الوطنية والأطر الاستراتيجية للتعليم الجامعي والبحث العلمي لضمان اتساقها مع "رؤية مصر 2030" والاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي 2030
وبهذه المناسبة، استقبل الدكتور مصطفى رفعت أمين المجلس الأعلى للجامعات ممثلي الشركات المانحة، بحضور الدكتورة منى هجرس الأمين المساعد للمجلس موجهًا لهم الشكر والتقدير. وتزامن هذا الاستقبال مع وجود الدكتور أشرف حاتم، رئيس لجنة قطاع الدراسات الطبية .
شملت الشهادات التي تم الحصول عليها المواصفات الدولية التالية:
شهادات المطابقة لنظام إدارة الجودة و إدارة السلامة والصحة المهنية من الجهة المانحة باعتماد المجلس الوطني للاعتماد الايجاك واعتراف المنتدى الدولي للاعتماد IAF للمواصفات الدولية الأيزو 2015: 9001 ISO  ونظام إدارة السلامة والصحة المهنية الأيزو 2018 : 45001 ISO .
وشهادات المطابقة لمعياري الحوكمة ونظام إدارة المعرفة كأول جهة في جمهورية مصر العربية التي يتم منحها الشهادتين باعتماد المجلس الوطني للاعتماد الايجاك لاستيفائها متطلبات ومعايير المواصفتين الدوليتين.
حيث تختص شهادة الأيزو ISO 37000:2021  بالمواصفة الخاصة لمعيار حوكمة المؤسسات، وتهدف إلى توفير مبادئ وإرشادات للحوكمة الرشيدة للمؤسسات بجميع أنواعها وأحجامها، ومساعدة المؤسسات على تحقيق الشفافية والمسؤولية والاستدامة.
وتختص شهادة الأيزو ISO 30401:2018  وهى المواصفة الخاصة الدولية لنظام إدارة المعرفة بتحديد المتطلبات اللازمة لإنشاء وتنفيذ وصيانة وتحسين نظام فعال لإدارة المعرفة داخل المؤسسات، وتهدف إلى خلق قيمة من خلال المعرفة والتركيز على تحسين اتخاذ القرارات، ورفع الكفاءة التشغيلية، وبناء ميزة تنافسية للمنظمة.
أكد الدكتور مصطفى رفعت؛ ان حصول امانة المجلس الأعلى للجامعات على هذه الشهادات هو دليل واضح على التزام امانة المجلس بمعايير الجودة العالمية، لا سيما في مجالات الحوكمة وإدارة المعرفة، مما يعزز من مكانة أمانة المجلس ويحفظ دورها الرائد. وشدد أمين المجلس على ضرورة الاستمرار فى العمل الدؤوب على التطوير والتحسين المستمر، بما ينعكس إيجابياً على جودة الخدمات المقدمة، مما يدعم السياسات الوطنية والأطر الاستراتيجية للتعليم الجامعي والبحث العلمي، لضمان مواءمتها واتساقها مع أهداف التنمية في مصر والأجندة الوطنية للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030" والاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي 2030.

مقالات مشابهة

  • المجلس الأعلى للجامعات أول جهة وطنية في مصر تحصل على شهادة الحوكمة ونظام إدارة المعرفة
  • قائمة وطنية غير مسبوقة تكشف أكثر المؤسسات التزامًا بدمج الأشخاص ذوي الإعاقة
  • الوطني الفلسطيني: تصويت 151 دولة لصالح القرار الأممي يعكس الإرادة الدولية الداعمة للعدالة
  • النفاق السياسي في العراق… حفلة أكاذيب مستمرة منذ عقدين
  • مسئولة أممية تدعو إلى اتخاذ إجراء حاسم لإنهاء الجمود السياسي الإسرائيلي الفلسطيني
  • أحزاب القائمة الوطنية: نلتزم باستكمال الاستحقاق الانتخابي.. وندعو كافة القوى السياسية للتنافس الشريف
  • فقيه دستوري: رئيس الجمهورية لم يمس استقلالية الوطنية للانتخابات عندما وجه طلبا لها بشأن انتخابات النواب
  • ياسر ثابت: نتنياهو يتغذى على حالة التوتر والصراع لضمان بقائه السياسي
  • تكالة يبحث مع تيته خارطة الحل السياسي في ليبيا
  • برلماني: خطاب الرئيس يرسّخ دور مصر التاريخي في نصرة فلسطين