يمانيون../
فتحت القوات المسلحة اليمنية مسار ردع جديد ضد العدو الصهيوني، وذلك باستهداف شمالي فلسطين المحتلة لأول مرة منذ بدء عمليات الردع اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، ما يؤكد أن اليمن سيضرب موعداً مع خيارات جديدة تربك العدو وتجبره على وقف إجرامه في غزة.

وتحمل العملية الجديدة مزيداً من الأبعاد والدلالات، وفي مقدمتها استئناف العمليات المشتركة مع المقاومة الإسلامية العراقية، وتشتيت خيارات العدو الدفاعية.

وعلى ضوء بيان متحدث القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، عصر الثلاثاء، بشأن تنفيذ ثلاث عمليات في عمق كيان الاحتلال، بواقع عمليتين شمال فلسطين المحتلة وعملية جنوبها، بالشراكة مع المقاومة الإسلامية في العراق، يبدو أن معادلة جديدة تلوح في الأفق، سيما أن استهداف شمال فلسطين المحتلة من قبل القوات المسلحة اليمنية هو الأول من نوعه منذ بداية طوفان الأقصى.

ومن اللافت أن عمليتي استهداف شمال فلسطين المحتلة لأول مرة، تأتي عقب وقف إطلاق النار بين كيان العدو الصهيوني والمقاومة الإسلامية في لبنان، وهنا كانت الرسالة القوية للعدو إلى جانب الضربة العسكرية، حيث أن استهداف شمال فلسطين المحتلة بعد توقف صواريخ حزب الله، يوحي للعدو بأن ساحات المقاومة ما ستظل تضرب في كل مفاصله، وأن وقف صواريخ حزب الله باتفاق لا يعني وقف صواريخ باقي ساحات الجهاد التي تطال شمال فلسطين المحتلة أو أي مكان في عمق الاحتلال.

وفي ظل التقارير الصهيونية التي تتحدث عن مصاعب كبيرة أمام العدو لإعادة تأهيل شمال فلسطين المحتلة وعودة المغتصبين إليها وتطبيع الحياة فيها، فإن هذه العملية اليمنية العراقية تزيد التعقيدات أمام العدو في هذا الصدد، خصوصاً وأن التقارير “الإسرائيلية” التي أكدت الحاجة لـ10 سنوات قادمة حتى تعود الحياة في الشمال، كانت مبنية على الاستقرار العسكري والأمني والتفرغ للبناء والتأهيل، ما يعني أن عودة الصواريخ مرة أخرى إلى شمال فلسطين المحتلة ستجعل الأمر مستحيلاً أمام العدو ويجعل تطبيع الحياة هناك بعيد المنال، خصوصاً إذا استمر الردع اليمني في ضرب هذا “الوتر الحساس” الذي أشغل العدو طيلة 14 شهراً وكبده خسائر فادحة وحال دون أي انتصار عسكري في غزة على وقع العمليات الصاروخية التي كانت المقاومة الإسلامية اللبنانية تنفذها طولاً وعرضاً.

وفي حال زاد الزخم العسكري المقاوم في ضرب شمال فلسطين المحتلة، فإن العدو أيضاً سيجد نفسه أمام صفعة جديدة بعد الصفعة السابقة التي تعرض لها أمام حزب الله وحاول ترقيعها باتفاق لوقف إطلاق النار، حيث أن استمرار الصواريخ على الشمال سيجعل ملفات العدو هناك معلّقة، فالغاصبون سيبقون مهجّرون في الفنادق والشقق السكنية البعيدة التي يقطنونها ويستنزفون المزيد من الأموال الطائلة التي تكبد العدو خسائر كبيرة وعجزاً مالياً مستمراً، فالإنفاق على المساكن والفنادق والرعاية الشاملة للفارين من الشمال يجعل حكومة المجرم نتنياهو في دوامة عجز مالي متراكم، تجبره على إضافات متواصلة للموازنات التكميلية لتغطية هذه البنود، فضلاً عن المتاعب الأخرى سياسياً وأمنياً وعسكرياً وما تتطلبه من إنفاقات ضخمة، سيما وأن الدفاعات الجوية المكلفة ستظل تعمل في الشمال، وتضاعف الفاتورة وتزيد من اتساع رقعة الفشل العسكري والأمني الإسرائيلي، خصوصاً وأنها لم تثبت نجاعتها خلال الفترات الماضية من التصعيد اللبناني، فما بالها عندما تكون الأهداف “المعادية” هي صواريخ فرط صوتية، أو بالستية متطورة فشلت أحدث المنظومات الأمريكية والغربية في مواجهتها.

كما أن استمرار هذا المسار الجديد من الردع في ضرب شمال فلسطين المحتلة، سيدخل العدو حتماً في متاعب جديدة، ويجعل مخططه في الاستفراد بغزة أمراً مستحيلاً، كما سيتمكن هذا المسار من تثبيت معادلة الشهيد القائد السيد حسن نصر الله الذي أكد فيها أن عودة المغتصبين الصهاينة إلى شمال فلسطين المحتلة وتطبيع الحياة فيها، مرهون بوقف الحصار والعدوان على غزة، وبهذا يجد العدو نفسه أمام مأزق حقيقي، ويجد نفسه أمام خيار واحد لإعادة الحياة إلى “الشمال”، وهذا الخيار لا يخرج عن وقف الإجرام بحق غزة.

وفي الشق الآخر من العملية، والمتمثل في ضرب هدف حيوي للعدو الصهيوني جنوب فلسطين المحتلة، وتحديداً في منطقة أم الرشراش التي يسميها العدو “إيلات”، فإنها أيضاَ تضاعف شواهد تطور القدرات اليمنية، وأيضاً تزيد من الخناق على العدو الذي يعاني من حصار بحري عطّل أهم موانئه الذي هو ميناء “ام الرشراش” المنفذ الوحيد المطل على البحر الأحمر.

فالعملية تؤكد أن اليمن لم يكتفِ بالحصار البحري الخانق وتعطيل وشل وإفلاس “ميناء أم الرشراش”، بل زاد من خياراته باستهداف الأهداف الحساسة والهامة في تلك المنطقة الحيوية، لمضاعفة خسائر العدو وتشديد قبضة الخناق عليه.

من جانب آخر توحي العمليات الثلاث شمال وجنوب فلسطين المحتلة، بتطور كبير ونوعي للقوات المسلحة اليمنية، حيث أن الأسلحة المستخدمة في الثلاث العمليات تنوعت، وجميعها حققت الهدف دون أن تتمكن أياً من الدفاعات الأمريكية أو الإسرائيلية أو الغربية في رصدها واعتراضها، وهذا بدا واضحاً من خلال عدم نشر العدو الصهيوني أو راعيه الأمريكي لأي أخبار مسبقة بشأن رصدهم للصواريخ والمسيرات التي ضربت الشمال والجنوب، عكس العمليات السابقة التي كان الأعداء ينشرون أخباراً برصد ما يسمونه “أهدافاً جوية معادية” وهي في طريقها لأهدافها في “فلسطين المحتلة”، ما يؤكد أن هذا التطور اللافت سيضع العدو ورعاته أمام تحديات صعبة، وتجعلهم في مسارات مرهقة لملاحقة خيارات القوات المسلحة اليمنية، أما مواكبتهم للخيارات فقد صارت مستحيلة في ظل تجدد مسارات الردع اليمنية وتطورها بشكل لافت، يعبر عنه المسؤولون العسكريون الأمريكيون والغربيون بـ”الصادم” و”المدهش” والمرهق أيضا.

وبعودة العمليات المشتركة بين القوات المسلحة اليمنية والمقاومة الإسلامية في العراق، يتأكد للأعداء أن ساحات المقاومة ستظل على الموعد في تجديد الضربات غير المتوقعة، وتنويع التكتيكات والأساليب العسكرية الموجعة، حتى يتبين للأعداء أن الاستفراد بغزة سيظل حلماً يستحيل الوصول إليه، وأن الأجدر فعله هو وقف الإجرام على الشعب الفلسطيني وبكامل شروط فصائل المقاومة الفلسطينية التي تملك أوراق قوة وضغط، خصوصاً وأن كل ساحات الجهاد والمقاومة خارج فلسطين وبما تملكه من خيارات، باتت أوراق قوة وساحات ضغط بيدها، كونها تتمترس في خندق الأمة المتقدم في مواجهة العدو الصهيوني ورعاته، وخلفها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

المسيرة – نوح جلاس

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: القوات المسلحة الیمنیة شمال فلسطین المحتلة المقاومة الإسلامیة العدو الصهیونی فی ضرب

إقرأ أيضاً:

غزة.. أسطورة الصمود التي كسرت هيبة الاحتلال وأعادت للحق صوته

عامان من النار والحصار والدمار.. عامان لم تشهد لهما البشرية مثيلا في القسوة، ولا في الصبر. في تلك الرقعة الصغيرة المحاصَرة بين البحر والحدود، وقف أهل غزة عُزّل إلا من إيمانهم، فحملوا على أكتافهم ملحمة أعادت تعريف معنى الكرامة، وأثبتت أن الشعوب الحرة قادرة على قلب الموازين، ولو كانت وحدها في مواجهة آلة القتل.

عامان من الصمود الأسطوري

منذ اللحظة الأولى للعدوان، ظنّ قادة الاحتلال أن غزة ستنحني سريعا، وأن القصف العنيف سيكسر إرادة المقاومة، لكنّ ما حدث كان عكس كل حساباتهم. فكلما اشتد القصف، اشتعلت روح التحدي أكثر، وكلما سقط بيت، وُلدت في الأنقاض ألف إرادة جديدة.

لم يكن في غزة جيوش نظامية أو أسلحة متطورة، بل كان فيها رجال يعرفون أن الأرض لا تُسترد إلا حين يُقدَّم من أجلها الدم والعرق والعمر.

عامان من المواجهة المتواصلة أثبتا أن إرادة الشعوب، مهما حوصرت، قادرة على فرض واقع جديد، وأن الاحتلال مهما امتلك من قوة، لا يمكنه أن يهزم فكرة الحرية.

المقاومة.. من ردّ الفعل إلى فرض المعادلة
عامان من المواجهة المتواصلة أثبتا أن إرادة الشعوب، مهما حوصرت، قادرة على فرض واقع جديد، وأن الاحتلال مهما امتلك من قوة، لا يمكنه أن يهزم فكرة الحرية
لم تعد المقاومة الفلسطينية ذلك الطرف الذي يردّ بعد الضربات؛ بل أصبحت اللاعب الأساسي الذي يرسم ملامح المعركة ويحدد إيقاعها.

أجبرت فصائل المقاومة الاحتلال على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بعد عامين من العدوان المتواصل، بعدما أدركت القيادة العسكرية والسياسية للاحتلال أن خيار "الحسم العسكري" مجرد وهم، وكل محاولة للتوغّل بَرّا تحولت إلى فخٍّ قاتل، وكل اجتياحٍ بري انتهى بانسحابٍ مذلّ.

المقاومة لم تدافع فقط عن غزة، بل أعادت تعريف مفهوم الردع. وبدل أن تكون غزة "نقطة ضعف"، أصبحت "نقطة ارتكاز" لمعادلة جديدة في المنطقة: أن أمن المحتل لن يكون ممكنا ما دام أمن الفلسطينيين منتهكا.

هزيمة السمعة وسقوط صورة "الجيش الذي لا يُقهر"

ربما لم يخسر الاحتلال في تاريخه الحديث خسارة أخلاقية وسياسية كتلك التي خسرها خلال حرب غزة الأخيرة، وجيشه الذي كان يتفاخر بـ"الدقة التكنولوجية" ظهر كآلة قتلٍ عشوائية تستهدف الأطفال والمستشفيات والمدارس ومراكز الإغاثة.

انهارت صورة "الجيش الأخلاقي" أمام عدسات العالم، وتحوّل قادته إلى متهمين بجرائم حرب في المحاكم الدولية. وما لم تستطع المقاومة فعله بالصواريخ، فعله الوعي العالمي بالصور والفيديوهات التي نقلت بشاعة العدوان إلى كل بيت على وجه الأرض.

سقطت هيبة الاحتلال، لا فقط في الميدان، بل في الرأي العام الدولي، حتى صار قادة الغرب يجدون حرجا في تبرير دعمه أمام شعوبهم.

التعاطف العالمي.. النصر غير العسكري

لم يكن الانتصار في غزة بالسلاح وحده، فخلال عامين من المجازر، تحوّلت فلسطين إلى قضية إنسانية عالمية. شهد العالم مظاهرات غير مسبوقة في العواصم الغربية، من لندن إلى نيويورك، ومن باريس إلى مدريد. الملايين خرجوا يحملون علم فلسطين، يهتفون باسم غزة، ويدينون الاحتلال بصوتٍ واحد. الجامعات، والنقابات، والمؤسسات الأكاديمية، والمبدعون، وحتى الرياضيون؛ كلهم قالوا كلمتهم: كفى قتلا في غزة.

لقد أعادت المقاومة تعريف الصراع أمام الضمير الإنساني: فالقضية لم تعد "نزاعا سياسيا"، بل معركة بين الحرية والاحتلال، بين العدالة والإبادة. وهذا الوعي العالمي المتزايد ربما يكون أعظم مكاسب غزة، لأنه نصر طويل المدى، يغيّر الرأي العام الغربي الذي لطالما كان منحازا للاحتلال.

غزة تُسقط الصمت العربي

وحدها غزة قاتلت، ووحدها دفعت الثمن، بينما كانت أنظمة عربية كثيرة تكتفي بالصمت أو البيانات الباردة. لكن هذا الصمت لم يمنع الرسالة من الوصول: أن المقاومة، رغم كل الحصار والخذلان، فعلت ما عجزت عنه جيوشٌ نظامية تمتلك أحدث الأسلحة والعتاد.

لقد سقطت أوهام القوة الزائفة، وكُشف حجم جيش الاحتلال الحقيقي أمام العالم. فذلك الجيش الذي قيل عنه إنه "لا يُقهر" عجز عن إخضاع مدينة محاصرة لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترا مربعا. إنها الحقيقة التي على كل عاصمة عربية أن تتأملها: القوة ليست في السلاح، بل في الإيمان بعدالة القضية.

اتفاق وقف النار.. إعلان نصر لا هدنة
الاحتلال مهما امتلك من سلاح، يظل هشّا أمام إرادة من يقاتل من أجل حقه.. أن الكرامة لا تُشترى، وأن الحرية لا تُمنح، وأن من يقف بثبات على أرضه يُرغم المحتل في النهاية على التراجع
حين يُوقَّع اتفاق وقف إطلاق النار، فذلك ليس مجرد نهايةٍ مؤقتةٍ للقتال، بل اعترافٌ بانتصار غزة. فالاحتلال لم يجلس إلى طاولة التفاوض إلا بعدما استنفد كل وسائله، ولم يرضَ بالتفاوض إلا بعدما أدرك أن الحرب أصبحت عبئا لا مكسبا.

وقفُ إطلاق النار، بالنسبة للمقاومة، ليس تنازلا، بل تتويجا لمسيرة صمودٍ دامت عامين، دفعت فيها غزة ثمن الحرية دما، لكنها انتزعت اعترافا سياسيا ومعنويا بأنها الطرف الذي لا يمكن تجاوزه في أي معادلة قادمة.

غزة.. مدرسة الأحرار

لقد قدّمت غزة للعالم درسا خالدا: أن الاحتلال مهما امتلك من سلاح، يظل هشّا أمام إرادة من يقاتل من أجل حقه.. أن الكرامة لا تُشترى، وأن الحرية لا تُمنح، وأن من يقف بثبات على أرضه يُرغم المحتل في النهاية على التراجع. هي مدرسة للأحرار، ومصدر إلهام لكل شعبٍ يسعى للخلاص من القهر.

وغزة اليوم لا تنتظر التصفيق، بل تطلب أن يُكتب تاريخها كما يليق بها: كأعظم قصة صمود في وجه أعتى آلة بطش عرفها العصر الحديث.

غزة انتصرت.. لأن الحق لا يُهزم

في زمنٍ يُباع فيه المبدأ وتُشترى المواقف، ظلّت غزة وفية لقضيتها، وحين ظنّ العالم أن صوتها سيخفت تحت الركام، خرجت لتقول: "ما زلنا هنا، وما زال لنا وطن".

لقد انتصرت غزة، لا فقط في الميدان، بل في الوعي والكرامة والتاريخ. وانتصارها هو انتصارٌ لكل من يؤمن بأن الحرية تستحق النضال، وأن الحق لا يضيع ما دام وراءه شعبٌ يقاتل من أجله حتى الرمق الأخير.

مقالات مشابهة

  • تصريح هام لحركة حماس بشأن أسرى العدو “تفاصيل”
  • ما هي “قلادة النيل” التي قرر السيسي منحها لترامب؟
  • القسام تعلن الالتزام باتفاق وقف الحرب بغزة والجداول الزمنية ما التزم العدو الصهيوني بذلك
  • “حماس”:القسام والمقاومة تفرج عن 20 اسيرا صهيونيا في أطار اتفاق وقف الحرب بغزة
  • العدو الصهيوني يداهم منازل الأسرى في رام الله ويستدعي أهالي من القدس المحتلة
  • ورد الآن.. فضائح “المؤثرين المأجورين” تهز مواقع التواصل اليمنية
  • غزة.. أسطورة الصمود التي كسرت هيبة الاحتلال وأعادت للحق صوته
  • العمليات اليمنية البحرية.. بصماتٌ منحوتة في ردع العدوّ ورعاته
  • ناشط مغربي: اتفاق غزة ثمرة صمود المقاومة والجبهة اليمنية التي أربكت العدو الصهيوني
  • من هو مروان البرغوثي؟ .. الزعيم الفلسطيني الذي ترفض إسرائيل الإفراج عنه