11 ديسمبر، 2024

بغداد/المسلة: وسط مشهد متشابك يعيد تشكيله سقوط نظام بشار الأسد، يبرز ملف المعتقلين العراقيين في السجون السورية كأحد أكثر الملفات تعقيدًا وإثارة. القصة ليست مجرد أرقام أو قوائم منسية؛ بل حكايات إنسانية عالقة في زنازين القهر، يعيد ذووها بعث الأمل بحثًا عن إجابات.

في مقطع فيديو مؤثر، يظهر والد المعتقل الكردي عيسى عبد الله، يتحدث لقناة عراقية محلية عن سنوات الفقد والوجع.

“كنا نظن أنه مات.. حتى أبلغونا اسمه في قائمة المحررين من أحد السجون. شعرت حينها كأنني أحيا من جديد”، يقول الرجل بعيون ملؤها الدموع.

عيسى، الذي كان يعمل في صفوف قوات البيشمركة، ليس سوى واحد من مئات الأسماء التي ظهرت مؤخرًا ضمن قوائم المعتقلين الذين تحرروا بعد اقتحام المعارضة السورية سجن صيدنايا سيئ السمعة.

على وسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت تغريدات وتدوينات تعكس حالة الجدل والفرح الممزوج بالحذر.

إحدى التغريدات تقول: “الحرية لمن صمدوا تحت التعذيب.. لكن هل يعودون إلى وطن يخشون فيه نفس المصير؟”.

فيما كتبت مواطنة عراقية على “فيسبوك”: “كيف لي أن أحتفل بخروج أخي إذا كان يخشى العودة إلى العراق؟ من يضمن لنا الأمان؟”.

هذه التساؤلات تعكس قلق العائلات التي وجدت نفسها أمام معضلة: هل تُعلن عن أبنائها أم تبقي الأمر طي الكتمان خوفًا من المجهول؟

مصادر سياسية في بغداد تؤكد غياب أي قنوات رسمية للتواصل مع الجانب السوري، ما يعقد الجهود المبذولة لمعرفة مصير المفقودين.

السفارة العراقية في دمشق مغلقة، والموظفون نُقلوا إلى بيروت منذ سنوات.

في هذا الإطار، ترى تحليلات ان “الحكومة العراقية ملزمة بإعادة مواطنيها، لكن الوضع في سورية غير مستقر، ولا معلومات دقيقة سوى ما يتم تداوله عبر الإعلام والتواصل الاجتماعي”.

الباحثة سارة القريشي أضافت بُعدًا آخر للملف. “السنوات التي تلت الغزو الأميركي للعراق شهدت تدفق أعداد كبيرة من العراقيين إلى سورية، وسط ضعف في الرقابة الدولية على ممارسات النظام السوري. الاعتقالات والاختفاء القسري كانت منهجية، والآن علينا التعامل مع إرث هذه الجرائم”، تقول القريشي.

بعض العائلات اختارت الصمت، مثلما حدث مع عائلة من الأنبار اكتشفت أن ابنها الذي اعتقل في عام 2009 ما زال على قيد الحياة.

“لم نعلن عن وجوده خوفًا عليه”، يقول أحد أفراد العائلة، مفضلاً عدم الكشف عن هويته. يبدو أن خيار الصمت أصبح ملاذًا للكثيرين، وسط مخاوف من تكرار سيناريوهات الاعتقال أو الملاحقة السياسية.

من جانبه، يؤكد اللواء بختيار عمر، الأمين العام لقوات البيشمركة، أنهم يعملون عبر قنوات شخصية لتحديد مواقع المعتقلين الأكراد، معتمدين على علاقات مع أطراف مثل هيئة تحرير الشام. “الأمر ليس سهلاً، لكنه واجبنا”، يقول عمر، مشيرًا إلى أهمية تفعيل الدبلوماسية غير الرسمية.

يبدو أن قصة المعتقلين العراقيين في السجون السورية ستبقى مفتوحة على احتمالات متعددة، بين آمال العودة إلى الوطن وكوابيس الاعتقال المتجدد.

التحليلات تشير إلى أن الحسم في هذا الملف مرتبط ليس فقط باستقرار سورية، بل أيضًا بإرادة سياسية حقيقية داخل العراق لاحتضان أبنائه بعيدًا عن الحسابات الأمنية والمخاوف السياسية.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

حكايات سودانيين هربوا من الرصاص ببلادهم ليواجهوا الجوع في تشاد

في مخيم "كارياري" شرقي تشاد، يواجه آلاف اللاجئين السودانيين واقعا مريرا، فبعد رحلة شاقة وطويلة قطعوها سيرا على الأقدام للوصول إلى تشاد هربا من الرصاص القاتل، وجدوا أنفسهم بمواجهة معاناة مريرة في ظل نقص أساسيات الحياة من مأوى ومأكل وشراب.

وفي وسط الصحراء، اضطر اللاجئون السودانيون للاستعاضة عن الخيام بأغصان الأشجار والعصي الجافة، في حين يكابدون الصعاب لتأمين بعض الطعام والماء لسد جوع وعطش أطفالهم.

وفي ظل الواقع المأساوي والمؤلم الذي وجدت فاطمة نفسها وأسرتها فيه، أصبحت هذه السيدة مضطرة لصنع حياة من العدم، لذلك استخدمت قطع القماش المهترئة التي تملكها وبعض العصي الجافة التي جمعتها من العراء لبناء مأوى بسيط يأوي عائلتها المكونة من 8 أفراد، بعد أن عزّت الخيام وتأخرت المساعدات.

وفي مخيم كارياري تتشابه قصص الهروب من جحيم الحرب في السودان، لكن التفاصيل تحمل وجعا خاصا لكل أسرة.

وتروي فاطمة لمراسل الجزيرة فضل عبد الرازق، بكثير من المرارة تفاصيل رحلة اللجوء المريرة إلى تشاد والتي استمرت 15 يوما سيرا على الأقدام، ولم تكن مشقتها في طول المسافة فحسب، بل واجهت مع أسرتها "قطاع الطرق" الذين يترصدون الفارين.

تقول فاطمة بلهجة سودانية مثقلة بالخوف الذي لم يغادرها بعد "الطريق كان مليئا بالمسلحين، يطلبون المال قسرا، ومن لا يملك المال لا يمر، لفينا ودرنا وسيرنا على الأقدام حتى وصلنا إلى هنا".

مأوى من لا مأوى له

الضغط الهائل على المنظمات الإنسانية جعل من الاستجابة السريعة أمرا أشبه بالمستحيل، خاصة مع تزايد الأعداد يوميا، بينما الموارد تتضاءل، ليجد اللاجئون أنفسهم وجها لوجه مع الطبيعة القاسية.

وتصف إحدى اللاجئات للجزيرة المشهد بدقة مؤلمة: "نحن نجلس في الوادي، "بلا طعام، ولا أي مقومات للحياة" وتضيف أن الناس "يفترشون الأرض ويلتحفون الشجر".

نداءات الاستغاثة التي تطلقها هؤلاء النسوة تتلخص في مطلب واحد: "ساعدونا لنبقى على قيد الحياة".

إعلان

وإذا كان المأوى "ناقصا"، فإن الحصول على شربة ماء بات معركة يومية، وترصد كاميرا الجزيرة صفوفا تمتد لعشرات الأمتار أمام نقاط توزيع المياه.

إذ يقف اللاجئون ساعات طوال تحت شمس تشاد الحارقة، وفي نهاية هذا الانتظار المرهق، قد لا يحصل الفرد إلا على لترات قليلة، لا تكاد تبلغ الحد الأدنى من معدل الاستهلاك الآدمي اليومي.

بصيص أمل

وسط هذا المشهد القاتم، تبرز قصص صغيرة للنجاة، تحكي لاجئة أخرى "زينب"، كيف تمكنت بعد عناء من تسجيل اسمها في قوائم برنامج الأغذية العالمي.

وتصف البطاقة التي يمحنها لها برنامج الأغذية العالمي، أنها "بطاقة الحياة"، إذ ستتمكن من شراء بعض المواد الغذائية من السوق المحلي، لتسد رمق أطفالها بعد جوع طويل.

ويختصر هؤلاء الفارون من الموت يومهم في "كارياري" بين محاولات ترقيع مأواهم الهش، والوقوف في طوابير الانتظار الطويلة.

وعلى الرغم من قسوة الواقع، يظل الأمل هو الزاد الوحيد؛ الأمل في أن تكون هذه المحطة القاسية بداية لطريق أكثر أمنا واستقرارا، بعيدا عن دوي الرصاص الذي خلفوه وراء ظهورهم.

وتتفاقم المعاناة الإنسانية في السودان جراء حرب بين الجيش السوداني والدعم السريع اندلعت منذ أبريل/نيسان 2023 بسبب خلاف بشأن توحيد المؤسسة العسكرية، ما تسبب في مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص.

مقالات مشابهة

  • انتصار الحبسية.. فنانة تنسج حكايات الماضي في صورة
  • حكايات سودانيين هربوا من الرصاص ببلادهم ليواجهوا الجوع في تشاد
  • نقابة أطباء الأسنان العراقيين تطالب برفع معدلات القبول للحفاظ على الرصانة العلمية (وثيقة)
  • «الست».. حكايات إنسانية فى حياة أم كلثوم
  • “كروموسوم الذكورة” بين التلاشي والاستقرار التطوري.. ماذا يقول العلم؟!
  • حماس: استشهاد الأسير السباتين دليل على سياسة القتل البطيء التي ينتهجها العدو الاسرائيلي بحق الأسرى
  • الدوحة تتدخل في خلاف السنة العراقيين: انقسام مفضوح حول منصب رئيس البرلمان
  • نقيب محامي الأردن يكشف لـعربي21 موقف النقابة من الأسرى المحررين العالقين (شاهد)
  • نقيب محامي الأردن يكشف لـعربي21 موقف النقابة من الأسرى المحررين (شاهد)
  • “حماس”: استشهاد الأسير السباتين دليل على سياسة القتل البطيء التي ينتهجها العدو الاسرائيلي بحق الأسرى