سورية بكلها سقطت وليس فقط نظام الأسد
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
الجديد برس| بقلم- محمد الجوهري|
لو كانت المسألة تتعلق بالحرية والديمقراطية، لكانت الأنظمة الملكية في الخليج أولى بها من نظام الأسد. لكن مشكلة الأخير تكمن في دعمه لفصائل المجاهدين في فلسطين ولبنان، ورفضه الاعتراف بالكيان الصهيوني، وهو ما استحق عليه كل هذا التآمر من معسكر الأعراب والتطبيع. حتى نجحوا في تسليم سورية كاملةً لإسرائيل، كي تسرح وتمرح وتعربد بلا حسيب في الأراضي السورية.
ولا ننسى أن ترامب تعهد في أغسطس الماضي بتوسيع مساحة الكيان الصهيوني، وأنه لن يبقى صغيراً على الخريطة، حسب وصفه. وها هي القوات الإسرائيلية تتقدم شيئاً فشيئاً باتجاه دمشق، وتقصف كل مقدرات الشعب السوري على مرأى من الفصائل التكفيرية، ما يثبت عمالتها للكيان، وأن تحركات المعارضة السورية منذ البداية كانت لحماية اليهود. وقريباً، سنشاهد قادة الكيان يتجولون في دمشق كما تجولوا من قبل في الرياض وأبوظبي وغيرها.
ولكن الوضع لن يتوقف هنا وحسب، فالتغيير في دمشق له أعراض جانبية كثيرة ستشمل دولاً عربية أخرى، بعضها كان موالياً للصهيونية العالمية. وربما تكون الرياض وحليفاتها في مهب العاصفة القادمة، فرياح التغيير إذا هبت لا تستثني أحداً، خاصةً أن قطر، الممول الرئيس للمسلحين في سورية، تضمر من العداء للسعودية أضعاف ما كان منها تجاه نظام الأسد. كما أن تنظيم الإخوان خاضعٌ -اليوم- لإملاءات الدوحة أكثر من أي وقتٍ مضى، إضافةً إلى أن الصراع بين معسكري النفاق في أشده، ولا مجال لقبول أحدهما بالآخر.
إلا أن الإيجابيات لما حدث في سورية قد تكون أكثر من السلبيات، وربما نشاهد فصائل سورية معارضة للكيان الصهيوني وداعمة لتحرير فلسطين، تماماً كما حدث من قبل في لبنان، حيث أسفرت الحرب الأهلية عن الكثير من المضاعفات بخلاف ما خططت له تل أبيب من مؤامرات.
كما هو معروف، فإن الحرب الأهلية في لبنان اندلعت عام 1975، بين المسيحيين وفصائل المقاومة الفلسطينية. وبعدها بثلاث سنوات، تدخلت إسرائيل عسكرياً لدعم المسيحيين، ونجحت بالفعل في سحق الفلسطينيين وإخراجهم بالقوة من لبنان عام 1982. إلا أن ذلك العام شهد أيضاً ظهور حزب الله اللبناني، الذي كان ولا يزال شوكة في حلق الكيان وزمرته من المطبعين حتى اليوم.
وربما لن يختلف الوضع كثيراً في سورية، فالمشهد هناك يتكرر حرفياً باستثناء المسميات والجغرافيا. وقريباً، ستسقط دمشق بيد الكيان، وتظهر معها موجة من حركات المقاومة، ما قد يمهد لانتهاء السلام الذي عاشه الصهاينة منذ العام 1974، ودخول الجولان مرحلة من التحرير تنتهي بسقوط الصهيونية، أو على الأقل تحرير بعض الأراضي العربية شمال فلسطين المحتلة، لأن عاقبة الأمور دائماً بيد الله، وليس بيد الصهاينة، مهما كان حجم التآمر والمخططات التدميرية.
المصدر: الجديد برس
إقرأ أيضاً:
يعنينا فهم روسيا وليس أن تفهمنا
من الواضح أن أمريكا لم تعد القطب الأوحد ولم تعد من يحكم العالم كما كان منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، ولكن الواضح أيضاً هو أن أمريكا تتصرف كأنها الحاكم لمنطقة ما تسمى الشرق الأوسط..
ولا أستطيع فهم تصرف الأقطاب الأخرى مثل الصين وروسيا تجاه هذا الوضع أو التموضع الأمريكي وبما لم يعد في أي منطقة..
الطريقة التي دخلت بها روسيا إلى سوريا للمشاركة في الحرب ضد الإرهاب ـ كما قيل ـ كانت غامضة، ولكن الأكثر غموضاً، بل واللغز المحير كان في الطريقة التي تم بها ترحيل وإسقاط نظام بشار الأسد..
في العدوان على إيران طرحت علامات استفهام حول ما إذا كانت روسيا أدت دورها بالحد الأدني كحليف مع إيران في ظل ما تمثله إيران من مصالح كبرى لروسيا وللأمن القومي الروسي، فهل مثل هذا يمثل إضافة للغموض أم هو شيء غير ذلك؟..
عندما نتابع حالة الأنظمة العربية ومواقفها من جرائم الإبادة الجماعية واستعمال التجويع كسلاح وهو ما لم يحدث مثله في العصر الحديث فهذا يعيدنا ربطاً بالغموض الذي أشرنا إليه إلى سايكس بيكو القديم كمخاض لجديد أو للجديد، وهذا بين الاستنتاجات والاحتمالات، مع أنه بات صعباً كثيراً السير في مقايضات، بل إن العصر وواقع العالم المتغير يفقد مثل هذه المقايضات المحتملة واقعها وواقعيتها ولكنها تظل غير مستحيلة «على الأقل»..
ولهذا يعنينا أن لا نغرس رؤوسنا في الرمال تجاه هذا الاحتمال أو غيره في هذه المرحلة المفصلية والصعبة..
المفكر الروسي الكبير «الكسندر دوجين» بين طرحه عن المنطقة يركز على أهمية وضرورة توحد المسلمين وهو يعرف أكثر مما أعرف صعوبة واستعصاء هذا التوحد وبسبب المتراكم الأمريكي، فإذا الهدف تحميل العرب والمسلمين المسؤولية فذلك متحقق ـ مع الأسف ـ ولكن ماذا عن المصالح الكبرى لروسيا والصين بالمنطقة وفى ظل الأمر الواقع للمتراكم الأمريكي؟..
إنني بهذا التعاطي لا أريد التأثير بأي قدر على إنجازات المنطقة بالتحالف وحتى العلاقات مع الصين وروسيا والتواصل القوي والمستمر بل إن الاجتماع الثلاثي بين الصين وروسيا وإيران في طهران يؤكد شراكة استراتيجية إن لم تكن تحالفات استراتيجية..
طرح مستوى من الغموض أو طرق علامات استفهام يمثّل حاجيات للفهم والتفكير في إطار الحرية الواعية أو المقيدة بالوعي..
في خيار العالم المتعدد الأقطاب والأكثر عدالة فإن الصين وروسيا والاصطفاف العالمي هما في حاجة لهذه المنطقة مثلما المنطقة بأمس الحاجة للسير في خيار العالم المتعدد الأقطاب..
مثل هذا الهدف العالمي الكبير يحتاج لتجاوز تموضعات المنطقة بل وإلى مواجهة بكل الوسائل والسبل للمتراكم الأمريكي أياً كان تجذره أو تأثيره..
يعنينا ومن جانبنا أن نتعمق في قراءة التجارب، فالسوفيت مثلاً نصحوا عبدالناصر ـ مجرد نصيحه ـ أن لا يكون البادئ في الحرب ١٩67م لأن أمريكا تهدد باستعمال النووي ونتوقف عند نقطتين:
الأولى .. أن جمال عبد الناصر بطرد قوات الأمم المتحدة التي كانت تفصل بين مصر والكيان الصهيوني أصبح في الحرب فعلاً..
الثانية أن السوفيت قدموا لعبدالناصر مجرد نصيحة كان بمقدوره أن لا يأخذ بها..
وإذاً لا يفترض ربط أو تبرير فشلنا أو هزائمنا بالسوفيت أو بغيرهم..
مثل هذا علينا إسقاطه على الأحداث القائمة، وهاهي إيران على سبيل المثال استطاعت احتواء الصدمة لليوم الأول للعدوان أو ليومين واستطاعت أن تسير في رد هو الأقوى جعل إسرائيل من خلال أمريكا استجداء إيقاف الرد الإيراني حتى أن إسرائيل لم تعد تتحمل الحرب وليومين فقط..
ويكفي أن إيران ربما اشتكت أو احتاجت لتلميح عن قصور من الحليف الروسي في هذا، ولكنها أدت واجبها ونجحت في صد العدوان في ظل مشاركة أمريكية كاملة في الإعداد والتحضير للعدوان ثم بالمباشرة في هذا العدوان، والحديث عن نواقص أو قصور بعد ذلك جائز بل ومطلوب للسير إلى ثقة أكبر وأعلى وعلى طريقة «العتاب صابون القلوب»..
تموضع ومواقف أنظمة عربية كثيرة نعرفها وهي معروفة في السياق التاريخي والمتراكم مما يجعلها متوقعة..
الحرب النفسية الإعلامية على شعوب المنطقة باتت الفاعل الأهم، لأنها تمارس ترويض المنطقة إسرائيلياً من خلال الشعوب والمزيد من ترويض هذه الشعوب لأنظمة خائنة بالأمركة والصهينة هو بالتلقائية لصالح الكيان الصهيوني، وكل هذا يستوجب أن شراكة المصالح في تحالفاتنا واستمرار واستمراء خط الأمركة والصهينة عربياً هو خيانة الحاضر والمستقبل!!.