يزداد الوضع في اليمن تعقيداً يوماً بعد آخر وتنذر المستجدات السياسية والاقتصادية الراهنة بالمزيد من التعقيد بما في ذلك احتمال عودة الصراع إلى المربع الأول. 

وبما أن محركات الأزمة اليمنية لم تكن منذ بداية الحرب في 2014 مقتصرة على الأطراف المحلية، تلعب المستجدات الإقليمية والدولية دوراً أساسيا في خفض أو رفع منسوب التصعيد العسكري أو غيره من الجوانب المؤدية إليه.

فبعد يومين فقط من تهديد زعيم المليشيا الإمامية عبدالملك الحوثي باستئناف الحرب واستهداف المنشآت الاقتصادية الحيوية في السعودية والإمارات، أعلنت الخارجية الأمريكية عن زيارة المبعوث الأمريكي الخاص لليمن، إلى الخليج العربي الثلاثاء. وبدأ تيم ليندركينج جولته هذه المرة من الإمارات العربية المتحدة، حيث التقى أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، وصرح ليندركينج عقب اللقاء أن أمريكا تسعى للوصول إلى صيغة نهائية لوقف إطلاق النار بصورة دائمة بناء على الهدنة الممتدة منذ أبريل 2022.

زيارة ليندركينج التي تشمل الرياض ومسقط أيضاً، جاءت بالتزامن مع الانتهاء من تفريغ النفط الخام من الخزان العائم "صافر" على الساحل الغربي لليمن، وهو الإنجاز الوحيد المحسوب للأمم المتحدة في البلاد منذ اتفاق هدنة أبريل 2022. كما تزامنت زيارة المبعودث الأمريكي إلى اليمن مع إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن أيضاً هانس جروندبرج لمجلس الأمن الأربعاء. 

وبحسب المقتطفات التي نشرها حساب مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن في منصة إكس (تويتر سابقا) أثناء إلقائه الإحاطة، دعا جروندبرج الأطراف "إلى الامتناع عن الخطاب التصعيدي ومواصلة استخدام قنوات الحوار التي أنشئت بموجب الهدنة من خلال لجنة التنسيق العسكرية والبناء على هذه القنوات لخفض تصعيد الحوادث." وتشير دعوة جروندبرج إلى الخطاب التصعيدي لمليشيا الحوثي طيلة الأشهر الماضية مترافقاً مع تصعيد ميداني عسكريا واقتصادياً، وهو التصعيد الذي أدانه المبعوث الأممي في إحاطته أمام مجلس الأمن في يوليو الماضي.

وأشار جروندبرج في إحاطة أغسطس الجاري لمجلس الأمن إلى استمرار القتال المتقطع وتبادل إطلاق النار على بعض الجبهات، خاصة في تعز ومأرب والضالع والحديدة وشبوة وصعدة، مبلغاً مجلس الأمن بأن "هناك تهديدات علنية بالعودة إلى الحرب." وهي التهديدات التي أكدها زعيم المليشيا الحوثية السبت.

وبينما طالب رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي أثناء لقائه المبعوث الأمريكي ليندركينج في الرياض، بأن الوقت قد حان لممارسة ضغوط أكبر على مليشيا الحوثي لإنهاء حصارها الاقتصادي على الحكومة الشرعية، اعتبر الحوثيون جولة ليندركينج الخليجية هذه المرة جاءت لتعزيز التعنت في صرف مرتبات الموظفين الحكوميين من عائدات النفط والغاز.

قبل ذلك التقى العليمي المبعوث الأممي هانس جروندبرج على خلفية المساعي التي شرع فيها الأخير للتفاوض حول مصير النفط المنقول من سفينة "صافر" إلى السفينة البديلة "يمن"، والذي يقدر بأكثر من 1.1 مليون برميل.

ينظر دبلوماسيو الأمم المتحدة إلى أن التوصل إلى صيغة اتفاق مقبول لدى الطرفين: الحكومة الشرعية والحوثيين، بخصوص بيع هذه الكمية من النفط، على أنه قد يكون بداية مشجعة لإحياء مفاوضات السلام التي بدأتها السعودية مع الحوثيين وتعثرت بسبب الشروط التعجيزية التي طرحها الحوثيون بعد لقاء صنعاء في أبريل الماضي. إلا أن غروندبرج ألمح في إحاطته لمجلس الأمن لشهر أغسطس، إلى احتمال عودة المفاوضات إلى نقطة سابقة للمفاوضات السعودية الحوثية. حيث قال إن هناك حاجة لترجمة الاستعداد الذي تبديه الأطراف في البحث عن حلول، "إلى خطوات ملموسة، وخصوصا الاتفاق على طريق للتقدم يشمل إعادة بدء عملية سياسية يمنية جامعة".

جروندبرج أكد أيضاً في إحاطته أنه "لن يكون هناك تحسن مستدام للوضع ما لم يجتمع الطرفان لمناقشة الحلول المستدامة للتحديات الاقتصادية والمالية لليمن والاتفاق عليها."

كل هذه المستجدات وغيرها، إضافة إلى تراكمات تسع سنوات من الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي بانقلابها على السلطة الشرعية وتهديد أمن دول الجوار الخليجي، تشير إلى أن الجهود الأممية والدولية لإحلال السلام في اليمن لا تزال جزئية ولا تشمل كافة مكونات الأزمة اليمنية.

الشاهد في ذلك أن كل مقاربات الأزمة حتى الآن لا تزال تركز على الصراع بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي، بينما تتجاهل القضية الجنوبية وكل ما يتعلق بالجنوب اليمني من أزمات ساحقة في المعيشة والخدمات الأساسية، وأكثر من ذلك الحرب التي تتصدرها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي ضد تنظيم القاعدة الإرهابي. وهكذا تبقى أجزاء القضية اليمنية المعقدة بعيدة عن بعضها البعض، بل وأسوأ من ذلك تمضي في مسارات متوازية لا يوجد مؤشر على إمكانية التقائها في أي محطات قادمة من مساعي إنهاء الحرب والتوصل إلى صيغة اتفاق سياسي يرضي وينصف جميع الأطراف. أما التفاؤل الأممي والدولي بإمكانية أن يكون النفط المفرغ من ناقلة صافر المتهالكة، فألاً جيداً للتوصل إلى "صيغة نهائية" لوقف الحرب، فلعله تفاؤل مفرط.. حيث يمكن أن يتحول هذا النفط إلى وقود لإشعال جولة جديدة من الحرب، خاصة في ظل استمرار التعنّت الحوثي في التمسك بشروطهم التي لم ولن تلقى قبولاً لدى الأطراف الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي مهما بلغت درجة التباين بينها.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: المبعوث الأممی مجلس الأمن

إقرأ أيضاً:

عاجل | فحوى الوثيقة التي وقعها الوسطاء في شرم الشيخ: ندعم جهود الرئيس ترمب لإنهاء الحرب وتحقيق سلام دائم

فحوى الوثيقة التي وقعها الوسطاء في شرم الشيخ:

ندعم جهود الرئيس ترمب لإنهاء الحرب وتحقيق سلام دائم سنعمل على تطبيق الاتفاق بما يضمن السلام والأمن والاستقرار السلام الدائم هو الذي تنعم فيه جميع الأطراف بالازدهار لا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر عندما يصبح العنف طبيعيا

مقالات مشابهة

  • مستشار أمريكي يكشف عن قوة دولية تصل غزة قريبا
  • التعلُّم من الدول والقيّادات التي تُغلب مصالِح شعوبها
  • غروندبرغ: انتهاكات الحوثي تقوّض الثقة وجهود السلام في اليمن
  • بين تصفيق الكنيست ومسرحية شرم الشيخ: تحليل الأجندة المالية لمؤتمر السلام وخطة ترامب
  • البيت الأبيض ينشر فحوى وثيقة الضمانات التي وقعها الوسطاء في شرم الشيخ
  • غزل المحلة يهنئ الرئيس عبد الفتاح السيسي بنجاح مساعي السلام وإنهاء الحرب في غـزة
  • القدس.. الحرب التي لا تنتهي!
  • عاجل | فحوى الوثيقة التي وقعها الوسطاء في شرم الشيخ: ندعم جهود الرئيس ترمب لإنهاء الحرب وتحقيق سلام دائم
  • الهروب من الحرب إلى المجهول.. آلاف اليمنيين يفرّون من جحيم الحوثي.. المليشيا تُشعل أكبر مأساة إنسانية في اليمن
  • أنهينا 8 حروب - ترامب من الكنيست: الفوضى التي ابتليت بها المنطقة انتهت تماما