ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر أ.د إبراهيم الهدهد، أستاذ البلاغة والنقد ورئيس جامعة الأزهر الأسبق ودار موضوعها حول "تكريم القرآن للإنسان".

مظاهر تكريم الله للإنسان

قال د. إبراهيم الهدهد، إن الله تبارك وتعالى ختم رسالات السماء برسالة القرآن وجعله رحمة للعالمين جميعاً، وزخرت آياته بتكريم الإنسان قال تعالي: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ وقال عز وجل بني آدم ولم يقل الإنسان ليوضح ما في القرآن من طبيعة خلق آدم- عليه السلام- وطبيعة ما حدث له من مظاهر التكريم ليذكرنا بالخلق الأول؛ حيث إن الله -عز وجل- خلق آدم بيديه وأسجد له ملائكته، فسجد الملائكة طاعة لأمر الله في أبينا آدم -عليه السلام- فكان اصطفاء هذا اللفظ هو المشير إلى ذلك والدال عليه، وبيّن فضيلته أن الله -تباركت أسماؤه- هدى الناس جميعاً بكتابين القرآن الكريم؛ وهو الكتاب الناطق، وكتاب آخر صامت وهو الكون من حولنا وأن المتصفح لكتاب الله الناطق يجد أنه يقودنا إلى مظاهر التكريم في الكتاب الصامت أي ما في الكون من حولنا، فربُّنا جلت قدرته، جعل الإنسان رغم صغر حجمه ومحدودية زمانه ومكانه بالنسبة للمخلوقات الكونية الأخرى خليفته في الأرض قال تعالي: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ فالله قد استخلفه وأودع فيه من فضائله مالم يضعه في المخلوقات الأخرى تكريماً له.

وأضاف خطيب الجامع الأزهر: من مظاهر تكريم الله للإنسان أن جعله خليفة في الأرض يأتمر بأوامر الله بحق وينتهي عن نواهيه بصدق، ودلائل الكون تدل على أن الإنسان يدير الأرض، وأن الله -عز وجل- سخر له الكون كله، فالهواء ركبه بالطائرات والبر ركبه بالسيارات وجعل له الأرض ذلولا يمشي في مناكبها ويأكل من رزقها لأنه -عز وجل- خلق الرزق قبل أن يخلق الخلق قال تعالي: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ﴾ فقد خلق الأرض في يومين وقدّر أقوات الخلق قبل خلقهم في يومين، وهذا ما نراه في كون الله يصدقه الكتاب الصامت إيماناً بالكتاب الناطق.

خطبة الجمعة| هشام عبد العزيز من السلوم: كل مسلم يردد اسم الله الرحيم 17 مرة يوميًا.. وهدف العبادات نشر التراحم خطيب الأوقاف: هدف العبادات في الإسلام تزكية النفوس ونشر التراحم

واستطرد د. الهدهد قائلاً إن الله -تبارك وتعالى- سخر الكون للإنسان وجعله علي نوعين: تسخير المعرفة، من حيث السعي في الأرض والبحث فيها وفي أعماقها ولا يستعصي عليه ذلك؛ لأن الله هيأ له الأرض وجعلها ذلولا قال تعالي: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ فوصله كل ذلك إلي الإيمان بالله وتسخير الشكر الله سخر الأرض علي طريقين طريق يؤدي إلى الإيمان بالله وطريق آخر يؤدي إلى شكر الله، فإن آمن الإنسان بالله بموجب معرفة تسخير الله له كونه وشكره على ذلك بما شرع له لا يعذبه الله قال تعالي: ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ فقدم المطلوب على الدافع لأن المطلوب نتيجة والدافع مقدمة فالإيمان يدفع إلي الشكر، والمعنى لماذا يعذبكم الله ما دمتم قد دفعكم إيمانكم إلى الشكر، فالذي يدفع عنا عذاب الله شيئان لا ثالث لهما هما الإيمان بالله وحده وشكره على ما أنعم به علينا.

وحث خطيب الجامع الأزهر المسلمين على تدبر القرآن؛ لأنه خطاب عقل والعقل نور من داخل والشرع نور من خارج فإذا نوّر الإنسان عقله بالحق وصل إلى الحقيقة واحتاج إلي أن يعرف الشرع لأنه لن يصل إلى الله إلا بشرعه لأنه هو الذي يحدد له طريق الوصول إليه، كما أشار فضيلته إلي أن دلائل تكريم الإنسان تملأ القرآن والسنة الشريفة، ومنها أن الله -تبارك وتعالى- شرع لنا طريق التودد إليه حيث تودد إلينا أولاً بالنعم وألقى المحبة في قلوبنا فبها نحب آباءنا وأمهاتنا وأولادنا وأقاربنا والناس أجمعين، ومنها أيضاً حماية النفس أيا كانت مؤمنة أم كافرة حيث أن كل النفوس معصومة وكل الدماء معصومة بغض النظر عن كونها مؤمنة بالله أم كافرة قال ﷺ ( إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت) بهذه الكلمات ختم المصطفى ﷺ خطبة الوداع قبل أن يكون هناك ميثاق حقوق الإنسان، فميثاقُ الله غليظ يحفظ كل النفوس والدماء والأعراض حتي ولو كانت كافرة. قال ﷺ ( لا تذكروا هلكاكم إلا بخير )، ففي الحديث الشريف جعل حرمة الإنسان حيا كحرمته ميتا أيا كان هذا الإنسان وفي حديث آخر ( كسر عظم الميت ككسر عظم الحي).

وأوصى د. الهدهد المسلمين بحمد الله على نعمة الإسلام والإيمان ودعاهم إلي مقارنته بالشرائع التي جاء بها البشر، هذا الشرع العظيم الذي جاء للعالمين جميعاً دون تفرقة بين عرق أو دين لأن الإسلام يحفظ للإنسان دينه وعرضه وحقوقه، فالإسلام يعطي للأبدان وللنفوس وللقلوب حقوقها لأن الإنسان له مكونات تحتاج إلى شرع يضمن له الحماية ويحقق له الرعاية وهذا واضح في شرع الله لو أخذ به الإنسان أيا كان فإنه يَلقي حياة كريمة في بدنه، فيسر له شهوته وجعل لها أوعية مشروعة ثم ضمن الحرية في الوعاء المشروع ولم يحدد لذلك أوقاتاً، وأضاف: إن الإسلام دين الفطرة ليس فيه ما يصادم الفطرة حيث لا رهبانية ولا صوم دائم وقيام مستمر في الإسلام ولا انقطاع عن الحياة لأن الله خلق الإنسان للحياة أمر الإنسان بالأكل والشرب وستر العورة قال تعالي: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ فقال يابني آدم ليذكرهم بالتكريم الأول ويذكرهم بما حدث من كشف العورة بسبب أن آدم أطاع الهوى تحقيقاً لقدر الله.

وختم فضيلته حديثه بمطالبة وحث المسلمين المؤمنين بالإستقامة علي نهج الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه حتي يكونوا أهلا للتكريم ومظاهره ودلائله لأنهم إن لم يفعلوا فإن عاقبة ذلك ستكون عليهم قال تعالي: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً ﴾ فسبيل الحياة الطيبة هو الإيمان بالله والعمل الصالح الذي هو شكر الله.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الأزهر الجامع الازهر خطبة الجمعة اليوم جامعة الأزهر خطيب الجامع الأزهر أن الله

إقرأ أيضاً:

تكريم الفائزين في مسابقة الإمام الأكبر لحفظ القرآن الكريم بالغربية الأزهرية

كرمت منطقة الغربية الأزهرية الفائزين بالجوائز المالية والمراكز الأولى في مسابقة الإمام الأكبر لحفظ القرآن الكريم، برعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف حيث تم تكريم 8 من الطلاب والطالبات الفائزين على مستوى محافظة الغربية في احتفالية موسعة بديوان عام الإدارة المركزية لمنطقة الغربية الأزهرية.

وجاء الحفل برعاية وحضور فضيلة الشيخ عبد اللطيف طلحة رئيس الإدارة المركزية لمنطقة الغربية الأزهرية، والدكتور محمد النشرتي مدير عام المواد الثقافية ورعاية الطلاب بالمنطقة، فضيلة الشيخ سليمان عبد السلام زين الدين مدير إدارة شئون القرآن الكريم، وحضور فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبوعلي مدير إدارة التعليم النوعي وفتحي حليمة مدير إدارة الأمن، فضيلة الشيخ إبراهيم الخولي مدير إدارة التعليم الابتدائي ولفيف من قيادات المنطقة.

أشرف على الحفل إدارة شئون القرآن فضيلة الشيخ أسامة البديوي وكيل الإدارة، واعضاء الإدارة الأستاذ السعيد مرعي، الأستاذ محمد حسن اللاهوني، الأستاذ الرفاعي الطيب، الأستاذ عبد الخالق الخولي..

وشهد الحفل تلاوة قرآنية لفضيلة الشيخ سعيد زيدان عضو لجنة الفتوى بوعظ الغربية بحضور الأستاذة راجية موسي العلاقات العامة بالمنطقة، إيهاب زغلول المنسق الإعلامي لمنطقة وعظ الغربية والمنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف فرع الغربية وممثلي إدارات المنطقة.

وتم تكريم كل من:الطالب محمود عبد الفتاح إبراهيم _المحلة الكبرى، الطالبة سارة محمود عبد السميع _المحلة الكبرى، أميرة سعد عبد العزيز، الطالبة هدي محمد رضا الحداد _صفط تراب، الطالب أحمد عبد الله سعد، الطالبة ندى عبد الفتاح بدران_طنطا، السيد غانم السيد ومنحهم مبالغ مالية وجوائز عينية وشهادات تقدير.

مقالات مشابهة

  • مشيخة أزهر الغربية تكرم أوائل مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم
  • منطقة الغربية الأزهرية تحتفل بتكريم أوائل مسابقة حفظ القرآن الكريم بحضور قيادات الأزهر
  • تكريم الفائزين في مسابقة الإمام الأكبر لحفظ القرآن الكريم بالغربية الأزهرية
  • «رئيس جامعة الأزهر»: واذكروه كما هداكم دعوة لدوام الشكر على نعمة الهداية التي لا تُقدّر بثمن
  • عباس شومان: من صام تاسوعاء فليجمع معه عاشوراء.. يكفر عاما| فيديو
  • عباس شومان: على حكام العرب والمسلمين أن يوحدوا كلمتهم قبل فوات الأوان.. فيديو
  • عباس شومان: المدينة كانت الأرض الأقل عنادا من مكة وقت الهجرة
  • بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر
  • بعد قليل.. نقل شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر
  • نقل شعائر صلاة الجمعة غدا من الجامع الأزهر