في ظل التطورات الاقتصادية التي يشهدها العالم العربي، تتزايد الحاجة إلى دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي للدولة.

وهذا الدمج يمثل خطوة هامة نحو تحسين كفاءة الاقتصاد وتعزيز الشفافية والمساءلة، ولكن، يواجه هذا التحول تحديات كبيرة تتعلق بالتخوفات من فرض الضرائب والرسوم، التي قد تؤثر على الأرباح وتزيد من تعقيدات العمل بالنسبة للعديد من القطاعات.

الاقتصاد غير الرسمي

ويمثل الاقتصاد غير الرسمي في مصر جزءًا كبيرًا من النشاط الاقتصادي، حيث يقدر أنه يشكل نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لتقارير وزارة التخطيط لعام 2022. 

ورغم أن هذا القطاع لا يخضع للرقابة الرسمية ولا يتم تنظيمه ضمن الأنظمة الاقتصادية التقليدية، إلا أن له تأثيرًا بالغًا في الحياة الاقتصادية اليومية للعديد من المصريين. مع تطور الاقتصاد الوطني، أصبح دمج هذا القطاع في الاقتصاد الرسمي أحد الأهداف الحيوية التي تهدف إلى تعزيز النمو، تحسين الظروف المعيشية، وزيادة الإيرادات الحكومية من الضرائب. يسلط هذا التقرير الضوء على أهمية هذا الدمج، وكيف يمكن لمصر الاستفادة من تحويل الاقتصاد غير الرسمي إلى جزء فاعل في الاقتصاد الرسمي.

ويعد الاقتصاد غير الرسمي في مصر أحد المحركات الرئيسية التي تساهم في الإنتاج المحلي، بالرغم من عدم تضمينه في الإحصائيات الرسمية أو تقنينه من قبل الدولة. ووفقًا لأحدث التقارير من وزارة التخطيط، يشكل الاقتصاد غير الرسمي نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مؤشر على أهمية هذا القطاع الذي يضم العديد من الأنشطة الاقتصادية مثل العمل الحر، المهن الحرفية، والبائعين الجائلين.

وعلى الرغم من وجوده خارج نطاق الرقابة الحكومية، فإن الاقتصاد غير الرسمي يعكس قوة العمل الكبيرة التي تساهم في تلبية احتياجات السوق المحلي ويزود ملايين الأسر بالموارد اللازمة. 

وتقدر منظمة العمل الدولية أن أكثر من 60% من القوى العاملة في مصر تعمل في القطاع غير الرسمي، مما يشير إلى حجم المشكلة وتحديات التنظيم.

الدكتور علي الإدريسي

ومن جانبه، قال الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن الاقتصاد غير الرسمي نشأ نتيجة للتخوفات التي لدى الأفراد والعاملين من الاندماج في الاقتصاد الرسمي، حيث يرتبط هذا الاندماج بفرض ضرائب ورسوم على العاملين، مما يقلل من هامش الربح بالنسبة لهم. وأضاف أن الابتعاد عن السجلات التجارية والرسمية للدولة قد يتيح للأفراد زيادة أرباحهم وتجنب الرقابة الحكومية، وهو ما دفعهم إلى اعتماد هذا النمط الاقتصادي.

وأضاف الإدريسي في تصريحاته لـ "صدى البلد" قائلاً: “من هذا المنطلق ظهرت العديد من الأنشطة غير الرسمية مثل مصانع بير السلم والباعة الجائلين وبعض الأعمال الحرفية. هذه الأنشطة تمثل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد غير الرسمي، حيث يسعى أصحابها للابتعاد عن الإجراءات الرسمية والتراخيص والتعقيدات التي قد تفرضها الدولة”.

وأشار إلى أن الاتجاه الحالي نحو تسجيل السجل الضريبي والتجاري لأي نشاط تجاري يهدف إلى إدماج هذه الأنشطة ضمن النظام الرسمي، وهو ما يشكل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي وزيادة الإيرادات الحكومية، لكنه يتطلب في الوقت نفسه توفير بيئة تشريعية مرنة تدعم هذا التحول وتخفف من الأعباء على العاملين في القطاع غير الرسمي.

ومن جانب آخر، قال الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، إن دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي يوفر للدولة بيانات دقيقة حول الأنشطة الاقتصادية المختلفة، مما يساعد في تحديد مزايا كل قطاع. 

وأضاف جاب الله في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن الأموال التي تُدفع بشكل غير شرعي لتمرير الأنشطة غير الرسمية يمكن تحويلها إلى خزينة الدولة كرسوم وضرائب لدعم تحسين البنية التحتية والمرافق العامة، مما يرفع كفاءة الأنشطة الاقتصادية ويزيد من جاذبية الاستثمار.

وتابع جاب الله، أن هذا الدمج يعزز أمان العاملين في القطاعات المختلفة، حيث يمنحهم إطارًا قانونيًا يحمي حقوقهم ويفتح لهم المجال للتوسع في مشاريعهم وتحقيق طموحات أكبر. وأشار إلى أن الانتقال إلى الاقتصاد الرسمي يزيل عنهم خطر التعرض للاتهام بالتهرب الضريبي أو غسيل الأموال، مما يخلق بيئة عمل أكثر استقرارًا.

ضرورة دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي

وتتمثل الأسباب الرئيسية لدمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي في عدة نقاط أساسية، تشمل تحسين الشفافية المالية، تقليل الفجوات الاقتصادية، وزيادة الإيرادات الضريبية للدولة. 

ومن خلال دمج الأنشطة غير الرسمية في القطاع الرسمي، يمكن للحكومة تطبيق نظم ضريبية عادلة على هذه الأنشطة، وبالتالي تعزيز قدرتها على تمويل مشروعات التنمية والبنية التحتية، مما يساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

الفوائد المترتبة على دمج الاقتصاد غير الرسمي  

1. زيادة الإيرادات الحكومية: 

يمكن أن يساعد دمج الاقتصاد غير الرسمي في توفير مصادر إضافية للإيرادات الحكومية من خلال فرض الضرائب على الأنشطة التي كانت في السابق غير خاضعة للرقابة. هذا من شأنه أن يعزز قدرة الدولة على تمويل مشروعات التنمية وتحسين الخدمات العامة.

2. تحسين ظروف العمل:
العمال في القطاع غير الرسمي غالبًا ما يعانون من نقص في الأمان الوظيفي، غياب التأمينات الاجتماعية، وعدم الاستفادة من الحقوق القانونية. من خلال دمج هذا القطاع، يمكن توفير بيئة عمل أكثر استقرارًا وضمانات قانونية للعمال.

3. تعزيز النمو الاقتصادي:

دمج الاقتصاد غير الرسمي يساهم في تعزيز الإنتاج المحلي بشكل منظم، مما يعزز من استقرار الاقتصاد الوطني ويشجع على الابتكار والنمو في القطاعات المختلفة.

4. تحقيق التنمية المستدامة:

من خلال دمج الأنشطة غير الرسمية في القطاع الرسمي، يمكن تحسين كفاءة الإنتاج وزيادة الاستثمار في القطاعات التي تساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني. كما يمكن أن يساهم ذلك في تحقيق أهداف التنمية المستدامة على المدى الطويل.

ومن جانبه، قال وزير المالية، أحمد كجوك، الأسبوع الماضي، إن دمج الاقتصاد غير الرسمي سيبدأ تدريجيًا مع تغير الواقع الضريبي للأفضل بقدر كبير من المساندة لصغار ومتوسطي وكبار الممولين، مشيرًا إلى أننا نستهدف تحقيق المستثمرين أرباح جيدة فى إطار واضح من الحقوق والالتزامات يؤسس لشراكة ناجحة مع مصلحة الضرائب.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الاقتصاد الاقتصاد غير الرسمي الاقتصاد الرسمي المزيد هذا القطاع فی القطاع من خلال

إقرأ أيضاً:

لماذا تسيطر الشركات الأجنبية على قطاع الهايبر ماركت؟

كثيرا ما أتساءل وأنا أرى شركات غير عمانية تتوسع في فروعها في قطاع البيع بالتجزئة أو ما يسمى بالهايبرماركت: هل وجود شركات غير عمانية تستثمر في هذا القطاع يعكس خللا في الاقتصاد؟ ولماذا تستطيع هذه الشركات افتتاح فروع عديدة وكبيرة تجد فيها كل شيء بينما لا نجد مؤسسة عمانية واحدة قادرة على ذلك؟ بل

إن بعض الشركات العمانية التي كانت تعمل في هذا القطاع قبل عدة سنوات وهي مؤسسات قليلة ومحدودة كادت تختفي من السوق في حين أن الشركات غير العمانية المنافسة لها نمت وتوسعت وافتتحت فروعا في معظم المدن الكبرى في سلطنة عُمان.

إن وجود شركات كبيرة قادرة على تلبية احتياجات المجتمع من السلع الغذائية والاستهلاكية والإلكترونيات والكماليات ونحوها من السلع الأخرى أصبح ضروريا في ظل النمو السكاني وتنوع متطلبات الأفراد واحتياجاتهم وتنوع منتجات المصانع العمانية والأجنبية. غير أن سيطرة الشركات الأجنبية على القطاع تعد أمرًا غير صحي سواء للاقتصاد أو للمجتمع؛ وكما نعلم فإن سلاسل الهايبرماركت الموجودة لدينا إنما هي فروع لشركات أجنبية موجودة خارج سلطنة عُمان وبالتالي فإن أي خلل في الشركات الأم سوف ينعكس سلبا على فروعها التي تكاد تسيطر على

القطاع لدينا.

تمتلك الشركات الأجنبية قدرة تسعير قوية وسلاسل إمداد فعالة ومنتشرة في العديد من دول العالم وبالتالي فإنه من الصعب على الشركات المحلية وخاصة محلات البقالة الصغيرة والمتوسطة التنافس معها وهو ما يؤدي إلى إضعاف الشركات المحلية العاملة في هذا القطاع، ولعل ما نشهده حاليا من النمو السريع لفروع الشركات الأجنبية مقابل التراجع في عدد محلات البقالة العمانية أحد مظاهر المنافسة غير المتكافئة في هذا القطاع، ولعل هذا هو أحد أسباب ضعف نمو المنتجات العمانية في الأسواق المحلية؛ في الوقت الذي تحظى فيه منتجات المصانع العمانية باهتمام كبير في العديد من أسواق دول مجلس التعاون والأسواق العربية والأوروبية.

وهناك العديد من التأثيرات السلبية الأخرى على الاقتصاد الوطني نتيجة للنمو الهائل لهذه الشركات في ظل عدم وجود شركات عمانية منافسة لها؛ من أبرزها تحويل الأرباح إلى الخارج حيث توجد المقرات الرئيسية لهذه الشركات، وهذا يعني أن جزءا كبيرا من عائدات هذه المحلات يذهب إلى خارج البلد بدلا من استثماره في الاقتصاد الوطني، أضف إلى هذا أن الشركات الأجنبية تعمد إلى توظيف القوى العاملة الوافدة بدلا من توظيف الشباب العماني باستثناء بعض الوظائف المتعلقة بالمحاسبة ونحوها، في حين تكون المناصب التنفيذية والقيادية للوافدين وهو ما يقلّص مكاسب مثل هذه المحلات في نقل الخبرات إلى الشباب العُماني وتطوير مهارات الكوادر الوطنية.

عندما نقوم بتحليل أسباب نمو هذه الشركات نجد أن النمو السكاني وارتفاع أعداد بعض الجنسيات التي تركز هذه الشركات على استقطابها، وتحول نمط الاستهلاك اعتمادا على التسوق الشامل من محل واحد بدلا من التسوق من محلات متباعدة تعد من أبرز أسباب هذا النمو، كما أن استثمار هذه الشركات في فروعها من حيث الرحابة والسعة ووسائل الراحة وتوفر مواقف السيارات أثر إيجابا على تجارب المستهلكين وشجعهم على الإقبال عليها، كما أن التسهيلات الحكومية للاستثمار الأجنبي، وتطور البنية الأساسية في سلطنة عُمان من حيث الموانئ والمطارات والطرق الفسيحة أسهما في تسهيل عمليات الاستيراد والتوزيع وتعزيز أداء الفروع.

وفي ظل وجود العديد من التأثيرات السلبية على الاقتصاد الوطني نتيجة لسيطرة محلات الهايبرماركت الأجنبية على هذا القطاع وعدم وجود بدائل محلية منافسة لها فإنه من المهم أن تنظر جهات الاختصاص إلى هذه التأثيرات وتسعى إلى تقليصها؛ فالنمو المستمر لهذه الفروع ليس في مصلحة اقتصادنا الوطني وعلينا الحد من ذلك عبر تشجيع الشراكة بين الشركات الأجنبية والعمانية، والاهتمام بتعزيز وجود المنتجات العمانية في هذه المحلات والترويج لها، ومتابعة نسب التعمين خاصة في المناصب القيادية والتنفيذية، كما أن قيام صناديق الاستثمار المحلية والشركات الكبرى ورجال الأعمال بتأسيس علامة تجارية عمانية تستثمر في هذا القطاع أصبح أمرا ضروريا لتعزيز الأمن الغذائي ودعم المنتجات العمانية مع الاهتمام بتسهيل تمويل مثل هذه المشروعات بما ينعكس إيجابا على الاقتصاد العُماني.

مقالات مشابهة

  • زراعة العنب في القصيم.. إنتاج نوعي يعزّز تنوّع المحاصيل ويدعم الاقتصاد المحلي
  • نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي السعودي بنسبة 3.9% في الربع الثاني
  • 11.7 % نمو قطاع السياحة.. و202 مليون ريال مساهمته في الناتج المحلي خلال الربع الأول
  • “الإحصاء”: الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ينمو بمعدل 3.9% خلال الربع الثاني من عام 2025
  • “الإحصاء”: الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ينمو بمعدل 3.9% خلال الربع الثاني من 2025
  • الإحصاء: الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ينمو بمعدل 3.9%
  • "الإحصاء" : نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بالمملكة 3.9% خلال الربع الثاني من 2025
  • الاقتصاد الأميركي ينمو 3% في الربع الثاني
  • البلديات والإسكان تُحدّث اشتراطات منافذ بيع المواد غير الغذائية لتنظيم القطاع التجاري
  • لماذا تسيطر الشركات الأجنبية على قطاع الهايبر ماركت؟