لجريدة عمان:
2025-12-07@16:22:32 GMT

السيّاب..ستّون عاما من الغياب

تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT

ككلّ عام، لم تمرّ ذكرى وفاة الشاعر الرائد بدر شاكر السيّاب التي توافق الرابع والعشرين من ديسمبر، مرورا عابرا، فقد أشعلت الأوساط الثقافـية فـي مناطق عديدة من عالمنا العربي، الشموع على روحه، مستذكرة دوره الريادي البارز فـي الشعرية العربية، وهو دور كرّسه منجزه الشعري الضخم الذي تركه الشاعر المولود فـي البصرة عام 1926م والمتوفّى فـي الكويت 1964م، رغم عمره القصير، فلم يكن يومها قد «لامس حدود الأربعين»، على حدّ وصف زميلته الشاعرة لميعة عباس عمارة بقولها فـي قصيدة أهدتها لروحه:

«يوم أحببتكَ أغمضتُ عيوني

لم تكن تعرفُ ديني

فعرفنا وافترقنا دمعتين

عاشقاً مُتَّ ولم تلمسْ حدود الأربعين

وأنا واصلتُ أعواميَ

أو .

.. واصلتُ تسديد ديوني»

فإذا ما شطبنا سنوات الطفولة، والمراحل الدراسية الأولى، سوف يتبقّى حوالي عشرين سنة أنجز خلالها جلّ عطائه الشعري الذي غيّر به خريطة الشعر العربي الحديث، وقد ظلّ متدفّقا حتى فـي سنوات مرضه الذي هاجم جسده النحيل فـي عام 1961م حين بدأ يشعر بآلام شديدة فـي الظهر، تبعه ضمور فـي القدمين، لإصابته بمرض فـي جهازه العصبي حدّ من حركته، وبدأ يشلّها، شيئا فشيئا، وقد بذل الأطباء جهودا فـي بغداد، وبيروت، ولندن، دون جدوى، وكانت خاتمة الرحلة فـي المستشفى الأميري بالكويت الذي تلقّى به العلاج بمساعدة صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي.

شعراء كثيرون ظهروا مع السياب وقبله وبعده، لم ينالوا ما نال السيّاب من الشهرة والدراسة، والتقدير، وظلّ علامة فارقة، فـي الشعر العربي، يرى الناقد د. محمد لطفـي اليوسفـي فـي محاضرة له ألقاها فـي مركز سلطان بن زايد عام 2012م أن «المعنى بدأ بالأفول منذ عصر السياب».

ونتيجة لتفرّده استحقّ الاحتفاء، والأمم المتقدّمة تحتفـي بشعرائها البارزين، وقد روى لي الشاعر الكبير الراحل عبدالرزّاق عبدالواحد أنه حين فاز بوسام بوشكين فـي مهرجان الشعر العالمي الذي أقيم بموسكو عام 1976م وتزامنت زيارته مع احتفالات روسيا بيوم ولادة بوشكين ( 1799 - 1837م) الذي يوافق السادس والعشرين من مايو من كل عام، ورأى المكانة التي يحتلّها هذا الشاعر ذو الأصول الحبشية فـي روسيا، فالمسارح تعرض مسرحياته، وبلدية موسكو تضع لافتات على الشوارع تشير إلى أماكن كان يجلس فـيها بوشكين، وخصصت الإذاعة الرسمية ومحطّة التلفزيون برامج خاصة عن شاعر روسيا الكبير، ويزور الروس تماثيله ويضعون عليها باقات الورود، وكم تمنّى أن ينال الشاعر العربي مثل هذا التقدير فـي أمّة كان الشعر له مكانة عليا فـي أيّامها الزاهرة فهو ديوانها وسجلّ أيّامها ! ومع ذلك يظلّ السيّاب هو الأوفر حظّا فـي التكريم بين الشعراء، فقد نال من التكريمات ما لم يحظ به شاعر عربي، وللأسف جاء ذلك بعد رحيله، فقد أزيح الستار عن تمثال له فـي مدينته البصرة عام 1972م أي بعد ثمانية أعوام عن رحيله، وأعيدت طباعة دواوينه عدّة مرات، وكُتبت عن شعره مئات الرسائل الجامعية وصدرتْ مئات الكتب عنه، وأدرجت قصائده وسيرته فـي المناهج الدراسية، ونالت مجايلته الشاعرة نازك الملائكة التي توفـيت فـي عام 2007م بعضا من هذا التقدير بدرجة أقلّ، ونظر لها البعض كونها ناقدة أهم منها شاعرة، بينما تجاهلت المؤسسات الثقافـية الشاعر عبدالوهّاب البيّاتي، ثالثهما فـي ريادة الشعر الحديث!

ورغم تبدل الأنظمة السياسية فـي العراق إلا أن تقدير السياب ظلّ من الثوابت الثقافـيّة، وهذا الاهتمام لم يأت عن فراغ، فالأثر الشعري الذي أحدثه السيّاب فـي الشعر العربي لم يكن قليلا، والمنجز الشعري الذي تركه ليس بالهيّن، وسيبقى صوته مؤثّرا فـي الأجيال القادمة، وقد أسرني شعره منذ أول نص قرأته له فـي عام 1972 فـي مقال نُشر فـي صحيفة (المزمار)، يومها، وجدت نفسي منجذبا إليه، فقد شعرتُ كأنه يتحدّث معي، وفهمتُ أنّ الشعر هو حديث الروح للروح، وقد علقتْ بعض كلماته فـي ذهني لليوم:

«وداعا يا صحابي يا أحبائي

إذا ما شئتمو أن تذكروني فاذكروني ذات قمراءِ

وإلّا فهو محض اسم تبدّد بين أسماء

وداعا يا أحبائي»

وكم سُعدتُ عندما كلّفني ولده المهندس غيلان السياب المقيم فـي أمريكا بتسلم درع تكريم والده فـي مهرجان الشعر العربي الذي أقيم فـي إسطنبول عام 2021م نيابة عنه بعد تعذّر حضوره، وكما قال: «النخل الذي أحاط بالوالد وظلّله هو الذي أحاط بك وظلّلك، والماء الذي سقاه هو ما سقاك، والتراب الذي كوّن جسمه هو ما كوّنك. وفوق هذا وذاك، فالأدب رحِمٌ بين أهله».

وحين اعتليت المنصّة، شعرتُ برهبة، فاسم السيّاب له وقع خاص فـي الوجدان، واليوم ونحن نحتفـي بمرور ستين سنة على غيابه المبكّر، سيبقى هذا الاسم الذي حفره فـي تاريخ الشعر العربي، حاضرا، بقوّة، لأجيال قادمة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشعر العربی

إقرأ أيضاً:

أيمن بهجت قمر : محظوظ بـ أبويا وبـ أمي وبـ جوز أمي

نشر الشاعر الغنائى أيمن بهجت قمر تعليقا مثيرا عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يتحدث فيها عن فترة طفولته وكيف تشكل وجدانه. 

وقال أيمن بهجت قمر : " أكيد الشاعر والكاتب بيتأثر بالتجارب اللي في حياته، وأنا كنت محظوظ في طفولتي إني كنت عايش عالمين مختلفين بسبب انفصال أبويا وأمي.. عند أبويا الكاتب الراحل بهجت قمر الشقة 120 متر في الدقي المكدسة بالأصدقاء والنجوم شقة بلا حرمة فمفتوحة 24 ساعة. 

وأضاف أيمن بهجت قمر : اكتسبت منها خبرات وعاصرت ناس كتير عظماء، من حسن حظي إني أقابلهم بجانب لعب الكورة في الشارع مع كل الفئات، وولاد الناس البسطاء العاملين بالإكشاك وولاد غفراء المنطقة، اللي بيتجمعوا كلهم عادي في اوضتي برضه، وبمثل معاهم مسرحيات في الاوضه وافيشات على باب الشقة بدون أي اعتراض من والدي.

حمزة العيلي عن منى زكي: كلمة قد تدمر إنسانًا أو تسعدهتكريم عمر خيرت فى الدورة الأولى من مهرجان الأوبرا العربية بالدوحةهنا الزاهد تهنئ هدى المفتي بعيد ميلادهامخرجة فيلم فلسطين 36: أردنا للأرشيف أن يكون حاضرا ونابضا بالحياةأيمن بهجت قمر يروي طفولته مع والدته  

وأوضح أيمن بهجت قمر : "تروح عند أمي ربنا يخليهالي في عمارة المنيل، وجوز أمي المخرج الراحل عادل صادق، تلقى الحياة الشيك الأرستقراطية النظام يوم الجمعة والعزبة ولمة العيلة وطبعا لإنه مخرج كل مراحل طفولتنا متصورة فيديو، وده من حسن حظي، وهناك تلاقي نوعية فنانين تانيين من أصحاب زوج والدتي زائد بعض الأصدقاء المشتركين بين أبويا وجوز أمي، اللي كنت بشوفهم عندنا. 

وأشار أيمن بهجت قمر : عندنا برضه بس عند أمي كان النوم بدري واللعب مع ناس معينة ومافيش حاجه اسمها لعب في الشارع، أخرنا على البسطة أو تحت في الجراج والالتزام بالعقاب لما أمي تبرق لي، ثم بعدها طبعا هضيف رحلة الكفاح اللي عيشتها لوحدي، بعد فقداني للحياتين دول بشكل مفاجئ فأعتقد إن ده كله ساعد إني أكون الشخص اللي أنا عليه الآن.. انا محظوظ بـ أبويا وبـ أمي وبـ جوز أمي.

أيمن بهجت قمر  طباعة شارك أيمن بهجت قمر الشاعر الغنائى أيمن بهجت قمر أعمال أيمن بهجت قمر أفلام أيمن بهجت قمر أغانى أيمن بهجت قمر

مقالات مشابهة

  • نجم برشلونة يواجه خطر الغياب عن الملاعب أربعة أشهر
  • شاعر الحب والألم والصحافة الذكية.. ذكرى ميلاد كامل الشناوي| فيديو
  • ذكرى انتصار الثورة.. سوريون يستعيدون أماكنهم بعد سنوات الغياب
  • إحالة طاقم النوبتجية بمستشفى رمد وصدر منوف للتحقيق بسبب الغياب
  • أيمن بهجت قمر : محظوظ بـ أبويا وبـ أمي وبـ جوز أمي
  • بيت الشعر العربي يستضيف شعراء السويس.. غدًا
  • بيت الشعر العربي يستضيف مبدعي السويس في أمسية شعراء من بلد الغريب
  • يوجين هاسنفوس.. وفاة مُهرب الأسلحة الذي كشف إيران كونترا بعمر 84 عاما
  • هيئة قصور الثقافة تنعي الشاعر الكبير فوزي خضر
  • انطلاق كأس الخليج العربي تحت 23 عاماً 2025 في الدوحة