د. احمد التيجاني سيد احمد

**من مقدمة كتاب “إنقاذ القدس” -
هنري تروكم أوبين**- مترجمة

**كتب هنري اوبين **:
@ لم أبدأ هذا البحث بصفتي مؤرخًا، بل كأب. فابني بالتبني ينحدر من أصول إفريقية. عندما قرأت له القصص التي أحببتها في طفولتي مثل هرقل، والملك آرثر، وشارلمان، ودانيال بون، والتي استمتع بها أخوه الأكبر، لاحظت أنها لم تؤثر فيه بالطريقة ذاتها.

القصص التي أكدت ضمنيًا قيمة خلفيتي الأوروبية البيضاء وخلفية أخيه الأكبر لم تكن ذات صدى كبير لديه.

@ لذلك بدأت في البحث عن قصص أبطال من التاريخ الإفريقي لتقديمها له، لكنني وجدت القليل جدًا من المواد، سواء التاريخية أو الأسطورية، التي يمكن أن تلهم خيال طفل يبلغ من العمر تسع سنوات. وبتشجيع من زوجتي، قررت التوجه إلى كتب التاريخ الإفريقي المخصصة للبالغين بحثًا عن مواد يمكن تكييفها. وهكذا، تعرفت على حضارة لم أسمع عنها إلا القليل، حضارة **الكوشيين أو النوبيين**، الذين **عاشوا في شمال السودان وأقصى جنوب مصر**.

@جذبتني قصتهم على الفور. ففي أواخر القرن الثامن قبل الميلاد، استطاع ملك نوبي السيطرة على مصر بأكملها، حتى البحر الأبيض المتوسط، وأسس الأسرة الخامسة والعشرين. وعلى مدار جيلين، كانت كوش واحدة من أقوى الأمم في منطقة البحر المتوسط.

@يدور اليوم نقاش واسع حول لون بشرة العديد من الأسر الحاكمة في مصر القديمة. ومع ذلك، **هناك إجماع بين المؤرخين - سواء المؤيدين للمركزية الإفريقية أو الأوروبية أو الباحثين الموضوعيين - أن الأسرة الخامسة والعشرين كانت سوداء وفقًا للتصنيف الشائع في أمريكا الشمالية**.

@كان هذا العصر غنيًا بالأحداث. ومن بين السجلات القليلة الباقية عن هذا الملكوت، **يبرز الملك النوبي “بيا” بمغامراته الفروسية التي تضاهي شجاعة وجرأة شخصيات مثل داود، وآرثر، وشارلمان**

@خلال هذا البحث، صادفت تفصيلاً مثيرًا للاهتمام. ذكرت أحد كتب التاريخ بشكل عابر حملة عسكرية أرسلها **فرعون كوشي نوبي** اسمه ** ترهاقا او تهارقا** في عام ٧٠١ قبل الميلاد إلى الشرق الأدنى **بهدف منع الآشوريين من احتلال القدس**.

@لقد أذهلتني هذه القصة. لم أسمع من قبل عن قوات إفريقية سوداء تسافر خارج القارة في العصور القديمة. كما لم أكن أتوقع أن أجد دليلًا يناقض بشدة الادعاءات العنصرية التي تزعم وجود عداء تاريخي بين الافارقة واليهود. محاولة الكوشيين لإنقاذ القدس تشير إلى وجود تحالف قوي بينهما.

@أثار فضولي هذا الاكتشاف ودفعني للبحث في المصادر الأساسية للحصول على مزيد من التفاصيل. وباستمرار البحث، بدأت تتكشف لي قصة مذهلة ذات تأثيرات بعيدة المدى.

**أهمية التدخل الكوشي (النوبي) في التاريخ**

@مكن التدخل الكوشي المملكة العبرية، التي كانت منهكة بسبب الحروب، من البقاء على قيد الحياة واستعادة عافيتها الاقتصادية والديموغرافية. وهذا بدوره أتاح تطور ""الديانة العبرية (اليهودية المبكرة) إلى اليهودي كما نعرفها اليوم"". **ومن هذا الجذع التوحيدي نمت الديانتان الكبيرتان: المسيحية والإسلام**.

@بدون دور النوبيون في عام ٧٠١ قبل الميلاد، لكان العالم كما نعرفه اليوم مختلفًا تمامًا. الأحداث التي جرت في القدس خلال ذلك العام تساعد أيضًا في الإجابة عن سؤال مثير للدهشة: كيف أصبحت القدس مدينة مقدسة في المقام الأول؟

**لماذا لم تُعرف هذه القصة؟**

@إذا كانت هذه الأحداث التي وقعت في القدس محورية إلى هذا الحد في تشكيل التاريخ، فلماذا لا يعرفها الناس على نطاق واسع؟

@قبل أكثر من قرن، كانت هذه القصة معروفة على نطاق واسع، واعترف العديد من العلماء المسيحيين واليهود بدور الكوشيين. ولكن خلال القرن الأخير، تم تجاهل هذه القصة نتيجة تأثر المؤرخين باستنتاجات عنصرية تعود إلى الحقبة الاستعمارية.

@هذا الكتاب يهدف إلى تسليط الضوء على هذه القصة المنسية، وتصحيح الرواية التاريخية للكشف عن دور الكوشيين وتأثيرهم الكبير على مسار التاريخ البشري.
———-
د. احمد التيجاني سيد احمد
٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ مطار استوكهولمً السويد

مراجع : الكتاب موجود باللغة الإنجليزية طبعة كندل عام ٢٠٠٢
إنقاذ القدس هنري تروكم أوبين
التحالف بين العبرانيين والأفارقة في عام ٧٠١ قبل الميلاد
RESCUE OF JERUSALEM HENRY TROCM É AUBIN THE
RESCUE of JERUSALEM THE ALLIANCE BETWEEN
HEBREWS AND AFRICANS IN 701 BC

[email protected]

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قبل المیلاد هذه القصة

إقرأ أيضاً:

محرقة غزة تعيد كتابة التاريخ

 

في زمنٍ تتكسر فيه المدن تحت الأقدام الثقيلة للحرب، وتتماوج الحقيقة بين دخان القصف وضجيج الإعلام، برزت غزة لا كمساحة صغيرة على خارطةٍ محاصَرة، بل كجبهة سردية كبرى تُعاد عبرها صياغة الوعي العالمي. فالمحرقة التي فُتحت أبوابها في أكتوبر 2023 لم تكن مجرد فصل دموي في الصراع، بل لحظة مفصلية انشقّ فيها المشهد السياسي والأخلاقي أمام عدسات العالم، وبدأت رواية جديدة تتشكل من قلب النار.

منذ 1948، نجحت إسرائيل في بناء هيمنة محكمة على الوعي الغربي، عبر شبكة مركّبة من الإعلام والسينما والجامعات واللوبيات. كانت الرواية الصهيونية تُروَّج كقدر تاريخي لا يُناقش: دولة صغيرة محاطة بالأعداء، تناضل للبقاء في مواجهة “تهديد فلسطيني” دائم. لكن حرب السابع من أكتوبر شقّت هذا الجدار القديم، ليس بسلاح المقاومة فقط، بل بقوة الصورة، وقسوة الحقيقة، وسقوط اللغة الرسمية في امتحان الأخلاق.

لم يعد الفلسطيني مجرّد موضوعٍ يُغطّيه مراسل أجنبي؛ صار هو المراسل والشاهد والضحية وصاحب الرواية. من هواتف محمولة ترتجف بين الأنقاض، خرجت صور لا يمكن لأي غرفة أخبار أن تُهذّبها، ولا لأي دعاية أن تطمسها. وفي تلك اللحظة، بدأت توازنات السرد في الانقلاب: شبكات عالمية اضطرت لمراجعة مسلّماتها، وصحف كبرى تخلّت عن كثير من احترازها اللغوي، ومنظمات أممية وجدت نفسها أمام وقائع لا تستطيع أن تُخفيها خلف مفردات “الاشتباكات” و”التوترات”.

في المقابل، واجهت إسرائيل تحديًا وجوديًا في المجال الأهم: المجال الرمزي. فالسردية التي بنتها على مدى عقود—بالقوة والدعاية—بدأت تتهاوى أمام عين طفل يبكي أمام كاميرا هاتفه، وأمام أم تبحث عن فلذات أكبادها تحت الركام. سقطت روايات “تحرير الرهائن” و”القضاء على حماس” أمام الأدلة الدامغة على المجازر؛ وتورّطت منظومة الاحتلال في تناقضات أحرجت حلفاءها قبل خصومها. حتى الإعلام العربي، الذي وقع كثير منه في فخ الحياد المزيّف، بدا عاجزًا عن ملاحقة حجم الحقيقة التي تفجّرت من غزة.

لكن التحول الأكبر تجلّى في الشارع العالمي. من نيويورك إلى باريس، من الجامعات الأميركية إلى النقابات البريطانية، خرجت الجماهير لا بوصفها مؤيدة لفصيل، بل بوصفها شهودًا على جرح إنساني أكبر من كل الحسابات السياسية. لم يعد الدعم لإسرائيل بديهيًا في الغرب، ولا النقد محرّمًا. تفككت القداسة القديمة وعاد السؤال الأخلاقي إلى الواجهة: من يقتل من؟ ومن يعيش فوق دم من؟ وفي هذا السياق، جاء قرار إدارة ترامب بربط المساعدات الفيدرالية للمدن الأميركية بعدم مقاطعة إسرائيل، لا كقانون إداري، بل كوثيقة خوفٍ سياسي من انهيار السردية الصهيونية داخل الحاضنة الغربية نفسها.

في هذه المعركة، لم تنتصر غزة لأنها الأقوى عسكريًا، بل لأنها الأصدق. لأن الرواية حين تخرج من قلب المجزرة لا تحتاج إلى زخرفة أو وسيط. ولأن الدم الذي يصبح صورة، يتحول إلى وثيقة، ثم إلى موقف، ثم إلى تاريخ يُدرَّس للأجيال. لقد أعادت غزة تعريف معنى القوة في زمنٍ تحكمه الصور، حيث لم تعد الغلبة لمن يمتلك الدبابة، بل لمن يمتلك الحقيقة.

اليوم، يقف الكيان الإسرائيلي أمام أخطر تهديدٍ في تاريخه الحديث: فقدان السيطرة على الرواية. فكم من جيش هُزم في الوعي قبل أن يُهزم في الميدان، وكم من دولة سقطت عندما سقطت شرعيتها الأخلاقية أمام العالم. ومع كل مقطع يُبث من غزة، تتراكم حجارة جديدة في جدار الحقيقة، وتنهار طبقات جديدة من الزيف الذي بُني على امتداد عقود.

أما غزة، فهي في هذه اللحظة ليست مدينة محاصرة، بل مركز جاذبية أخلاقية وسياسية. مدينة صغيرة تعيد ترتيب خرائط القوى الكبرى، وتفرض على العالم درسًا جديدًا: أن السردية ليست ملحقًا بالحرب، بل هي الحرب نفسها؛ وأن من يمتلك الحكاية يمتلك التاريخ؛ وأن من يكتب وجعه بيده لا يمكن لأحد أن يسرق صوته.

وهكذا، بينما ينهار الصمت العالمي وتتشكل تحالفات الوعي الجديدة، تكتب غزة—بدم الشهداء وصمود الأحياء—فصلًا جديدًا في ملحمة الإنسانية. فصلًا لا يمكن محوه، ولا يمكن تزويره، لأنه خرج من مكانٍ لا تستطيع الدعاية الوصول إليه: من قلب الحقيقة.

 

*كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

 

مقالات مشابهة

  • في كأس العرب.. «الأبيض» يُغيّر التاريخ!
  • مجـ.ـزرة على شاطئ بوندي.. 12 قتـ.ـيـلًا وإصابة 29 في هجوم استهدف اليهود الأستراليين
  • سوريا تمنح ترخيصا لأول منظمة تُعنى بإعادة ممتلكات وتراث اليهود
  • بعد انقطاع لعامين.. أجواء الميلاد المجيد تعود إلى القدس وبيت لحم
  • لأول مرة في التاريخ.. الفضة تتخطى 65 دولار لـ«الأونصة»!
  • سعر الفضة يرتفع فوق 65 دولارا لأول مرة في التاريخ
  • لأول مرة في التاريخ.. الفضة تتجاوز 65 دولاراً
  • محرقة غزة تعيد كتابة التاريخ
  • ليلة لم تنمها إمبابة| القصة الكاملة لانفجار مدينة العمال.. وشهود عيان: إسطوانة بوتاجاز السبب والبيوت كانت بتتهز
  • لجنة حماية الصحفيين: حرب غزة كانت الأكثر دموية للصحفيين