كان لاعب كمال الأجسام الفلسطيني معزز عبيات، مفتول العضلات قوي البنيان، لكن وبعد الإفراج عنه في يوليو (تموز) الماضي، عقب 9 أشهر من الاحتجاز في سجن إسرائيلي، أضحى حتى عاجزاً عن المشي دون مساعدة.

واعتقله الجنود مرة أخرى في مداهمة ليلية لمنزله في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقبل اعتقاله في المرة الثانية، شخص أطباء مستشفى بيت لحم للطب النفسي حالة الرجل البالغ من العمر 37 عاماً، وهو أب لـ 5 أبناء، باضطراب ما بعد الصدمة الشديد جراء احتجازه في سجن كتسيعوت النائي في النقب، وذلك وفقاً للملاحظات الطبية التي اطلع عليها من المستشفى، وهي مركز طبي عام في الضفة الغربية المحتلة.

Amid ceasefire push, Palestinians bear the scars of Israeli detention https://t.co/t4ih5hNn10 pic.twitter.com/fV8fNHU9Wl

— Reuters World (@ReutersWorld) December 31, 2024

وجاء في الملاحظات أن "عبيات عانى في محبسه من عنف جسدي ونفسي وتعذيب"، وسردت أعراضاً من بينها القلق الشديد والابتعاد عن أسرته وتجنب مناقشة الأحداث المؤلمة والشؤون الجارية.

وتجدد التركيز على اتهامات الانتهاكات وإلحاق الأذى النفسي، بالمعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعسكرات الإسرائيلية، وسط جهود مكثفة للوسطاء الدوليين خلال ديسمبر (كانون الأول) الجاري، للتوصل لوقف لإطلاق النار قد يشهد الإفراج عن الآلاف من السجناء، الذين جرى اعتقالهم أثناء حرب غزة وقبل ذلك، في مقابل الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس في قطاع غزة.

وقال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، وهي هيئة حكومية بالضفة الغربية، قدورة فارس إنه "في حال إطلاق سراح دفعات من المعتقلين في أي صفقة قادمة، فإن عدداً منهم سيكون بحاجة إلى رحلة علاج طويلة كي يشفى مما تعرض له من تعذيب نفسي وجسدي"، مشيراً إلى أنه على علم بحالة عبيات.

ومن أجل هذه التغطية، تحدثت الوكالة إلى 4 فلسطينيين احتجزتهم إسرائيل منذ اندلاع الحرب التي أشعلتها هجمات حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. واحتجز الأربعة عدة أشهر بتهمة الانتماء إلى تنظيم غير قانوني، وأُفرج عنهم دون توجيه اتهامات رسمية أو إدانتهم بأي جرائم.

وتحدث الجميع عن معاناتهم من آثار نفسية دائمة، جراء ما قالوا إنها انتهاكات شملت الضرب والحرمان من النوم والطعام والتقييد لفترات طويلة في أوضاع مرهقة. ولم يتم التحقق بشكل مستقل من الظروف التي احتُجزوا فيها.

وتتفق رواياتهم مع نتائج تحقيقات متعددة أجرتها جماعات لحقوق الإنسان، أفادت بحدوث انتهاكات جسيمة بحق الفلسطينيين دخل مراكز احتجاز إسرائيلية. وفي أغسطس (آب) الماضي، نشر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحقيقاً، وصف فيه تقارير موثقة عن انتشار "التعذيب والاعتداء الجنسي والاغتصاب، وسط ظروف وحشية غير آدمية"، في السجون منذ اندلاع الحرب.

ويصف البيت الأبيض التقارير عن التعذيب والاغتصاب والانتهاكات بأنها "مقلقة للغاية". وفي رده على الأسئلة، قال الجيش الإسرائيلي إنه يحقق في عدة اتهامات عن ضلوع عسكريين في انتهاكات بحق معتقلين في غزة، لكنه رفض "بشكل قاطع" اتهامات الإساءة الممنهجة داخل مراكز الاحتجاز التابعة له.

ورفض الجيش التعليق على حالات بعينها. وقالت مصلحة السجون الإسرائيلية، التي تخضع لوزير الأمن الوطني اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، وجهاز الأمن الداخلي إنه لا يمكن لهما التعليق على حالات فردية.

وقال مكتب بن غفير رداً على أسئلة "يحصل الإرهابيون في السجون الإسرائيلية على ظروف معيشية خاضعة للإشراف وإقامة مناسبة للمجرمين"، مضيفاً أن المرافق تعمل وفقاً للقانون. وقال مكتب بن غفير "انتهى المعسكر الصيفي".

وقالت تال شتاينر المديرة التنفيذية للجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، وهي جماعة حقوقية إسرائيلية، إن "الأعراض التي وصفها الرجال كانت شائعة، ويمكن أن تترك أثراً طوال حياتهم، وكثيراً ما تحطم أسرهم".

وأضافت "لقد تفجر التعذيب في السجون الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وسيكون له تأثير مدمر على المجتمع الفلسطيني، وقد حدث هذا بالفعل".

وفي حديثه من سريره في المستشفى في يوليو (تموز) الماضي، وصف عبيات الذي يعاني من الهزال الشديد المعاملة التي لاقاها هو وزملاؤه السجناء بأنها "مقززة"، وعرض ندوباً على ساقيه الهزيلتين ووصف العزلة والجوع والأصفاد، وانتهاكات بواسطة قضبان معدنية، دون إعطاء تفاصيل.

وفي المقابل، يظهر عبيات مفتول العضلات في صور التقطت له قبل سجنه. وفي 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أمرت المحكمة العليا في إسرائيل الحكومة بالرد على التماس رفعته جماعات حقوقية بشأن نقص الغذاء الكافي للسجناء الفلسطينيين.

وتتحدث إسرائيل هي الأخرى عن انتهاكات تعرض لها عدد من مواطنيها البالغ عددهم 251، الذين اقتيدوا إلى غزة بعد هجمات حماس. وذكر تقرير لوزارة الصحة الإسرائيلية نُشر السبت الماضي، أن الرهائن تعرضوا للتعذيب، بما في ذلك الاعتداء الجنسي والنفسي. ونفت حماس مراراً إساءة معاملة الرهائن.

بدون تهمة

ويقول نادي الأسير الفلسطيني، إن عبيات معتقل حالياً في مركز احتجاز صغير في عتصيون جنوب بيت لحم. وأوضح أن عبيات محتجز لمدة 6 أشهر تحت "الاعتقال الإداري"، وهو شكل من أشكال الحبس دون تهمة أو محاكمة، مشيراً إلى أن السبب الرسمي لاعتقاله غير معروف.

ولم يرد الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي ومصلحة السجون على أسئلة عن قضيته. وقالت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل إن "56 فلسطينياً على الأقل لقوا حتفهم أثناء الاحتجاز خلال الحرب، مقارنة بواحد أو اثنين فقط سنوياً في السنوات التي سبقت الحرب". وقال الجيش الإسرائيلي إنه بدأ تحقيقات جنائية في جميع حالات وفاة الفلسطينيين أثناء احتجازهم.

وقد زاد عدد السجناء الفلسطينيين في إسرائيل والضفة الغربي،  أثناء الحرب إلى الضعف على الأقل ليبلغ أكثر من 10 آلاف، وفقاً لتقديرات اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، استناداً إلى وثائق قضائية وبيانات حصلت عليها عبر طلبات الحق في الوصول للمعلومات.

وقال الجيش الإسرائيلي رداً على استفسار، إن "نحو 6 آلاف من سكان غزة اعتقلوا خلال الحرب". وعلى النقيض من فلسطينيي الضفة الغربية الذين يُحتجزون بموجب القانون العسكري، يحتجز الفلسطينيون من غزة في إسرائيل بموجب قانون المقاتلين غير الشرعيين.

ووفقاً لنيف جوردون، وهو باحث إسرائيلي متخصص في حقوق الإنسان والقانون الدولي في جامعة كوين ماري في لندن، فقد تم استخدام القانون لاحتجاز الناس بمعزل عن العالم الخارجي، وحرمانهم من حقوقهم كأسرى حرب أو سجناء تحت الاحتلال العسكري، وسجنهم لشهور دون اتهامات أو محاكمات.

وشبه نادي الأسير الفلسطيني الاعتقالات بالاختفاء القسري. ورفضت مصلحة السجون الإسرائيلية التعليق على أعداد السجناء والوفيات.

معتقل سدي تيمان

وكان فادي أيمن محمد راضي (21 عاماً)، وهو طالب هندسة سابق من خان يونس بغزة، واحداً من بين نحو 24 فلسطينياً أُفرج عنهم عند معبر كرم أبو سالم، إلى غزة في 20 أغسطس (آب) الماضي.

ووصف راضي معاناته لتمديد أطرافه، بعد أن جرى تكبيله وتقييده بالسلاسل لمدة 4 أشهر، في معتقل سدي تيمان العسكري الإسرائيلي، وهو منشأة مؤقتة لفرز السجناء. وقال راضي "هم ما حققوا معنا، هم دمرونا".

ووفقاً لمبلغين عن المخالفات من بين حراس المعسكر، كان سدي تيمان الواقع في صحراء النقب مسرحاً لانتهاكات جسيمة بما في ذلك الاغتصاب.

وقال راضي إنه تعرض للضرب بشكل متكرر وتعسفي، وجرى تقييده على نحو دائم وتعصيب عينيه، وتعليقه في أوضاع مجهدة، وأجبر على الجلوس على الأرض بشكل شبه مستمر دون أن يتحرك. وفي إحدى المرات، قال إنه حرم من النوم لمدة 5 أيام متتالية في مكان قال إن جنود الاحتلال أطلقوا عليه اسم "غرفة الديسكو"، حيث تعرض لموسيقى صاخبة. ولم يصف راضي العنف الجنسي الذي تعرض له.

وأوضح أنه يجد صعوبة في النوم، وإن مجرد الحديث عن محنته يجعله يعيشها من جديد. وأضاف الشاب الذي اعتقله جنود إسرائيليون في غزة يوم 4 مارس (آذار) الماضي: "كل مرة أنا بكرر هاي الكلمات بتخيل التعذيب وكأنه بيحصل الآن".

ولم يتم التحقق من قصته بشكل مستقل. وقال الجيش الإسرائيلي إنه لا يستطيع التعليق مشيراً إلى أنه لم يتمكن من العثور على ملفات راضي، لأن رويترز لم تمده برقم هويته. وقالت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل إنه "على الرغم من قرار الحكومة بالتخلص التدريجي من سدي تيمان، فإن المعتقل لا يزال يعمل".

عوفر وكتسيعوت

كما وردت تقارير عن انتهاكات واسعة النطاق في مرافق أقدم، مثل سجن كتسيعوت في النقب، ومعسكر عوفر العسكري بجنوب رام الله في الضفة الغربية.

وبعد جمع الأدلة وشهادات 55 سجيناً فلسطينياً سابقاً، أصدرت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسيلم في وقت سابق من هذا العام، تقريراً يتهم إسرائيل بتحويل نظام السجون عمداً إلى "شبكة من معسكرات التعذيب".

وباستخدام تشريع طارئ جرى إصداره بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أمر بن غفير بتقليل ظروف احتجاز "السجناء الأمنيين"، وهي فئة تضم الفلسطينيين بالكامل تقريباً.

وشبه نيف جوردون الذي شارك في تحرير كتاب عن الانتهاكات في نظام السجون الإسرائيلي، ما قاله عن استخدام التعذيب في سجون إسرائيل بالإرهاب. وقال: "الإرهاب عادة ما يكون عملاً محدوداً في عدد الأشخاص المتأثرين به بشكل مباشر، لكن التأثير النفسي الاجتماعي كبير للغاية. الأمر نفسه ينطبق على التعذيب".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية قطاع غزة حقوق الإنسان غزة وإسرائيل حقوق الإنسان السجون الإسرائیلیة السجون الإسرائیلی الجیش الإسرائیلی تشرین الأول سدی تیمان فی السجون بن غفیر

إقرأ أيضاً:

التفتيش العاري والتحرش.. سلاح أمن سجون مصر لقهر أهالي المعتقلين؟

قدمت نساء مصريات شكاوى إلى النائب العام المصري بسبب ما يتعرضن له من تحرش جنسي وإجبار على خلع الملابس خلال تفتيش سجن المنيا شديد الحراسة (صعيد مصر)، قبل زيارة ذويهن من السياسيين والجنائيين، كاشفين عن أن التحرش يجري بحق الفتيات الصغيرات، بعد تجريدهن من ملابسهن.

"ونقلت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، شهادة اثنتين من السيدات، أفصحن عن وضع مهين يتعرضن له، مطالبات بوقف تلك الانتهاكات، فيما أشارت المنظمة الحقوقية لتجاهل السلطات شكاوى الأهالي، داعية لاستخدام أجهزة التفتيش الحديثة بدلا من تجريد الزائرات والتحرش بهن.

"يريدون قهرنا بتفتيش عاري"
ووفق الشهادات الموثقة، أعلنت سيدة أنها لن تأخذ بناتها لرؤية والدهم بعدما رأوه في التفتيش، مؤكدة أنها "مهزلة وجعت قلبي قبل أن توجعهم"، معلنة عن تقديم "شكوى بخصوص التفتيش النسائي بسجن المنيا"، موضحة أنه "تفتيش، آخر بهدلة وقلة أدب، وإهانة وانعدام تام للأخلاق والآدمية"، مبينة أنه "حتى الأطفال بيقلعوهم هدومهم".

وقالت سيدة ثانية: "مهزلة، والله هذا ليس تفتيشا هذا تحرّش"، مطالبة باقي الزائرات بتقديم شكاوى للنائب العام.



في ذات السياق، نقلت ابنه أحد المعتقلين المصريين، شهادة صادمة لـ"عربي21"، مؤكدة أنه "في كل زيارة تظل تتحسب لأمرين الأول الطابور الطويل المرهق بدنيا، والتفتيش الذاتي المهين نفسيا"، مؤكدة أننا "نعود ومشاعر الذل تغطي وجوهنا ونتحاشى النظر في وجوه بعضنا البعض".

وألمحت إلى أن الأمر" متكرر في كل سجن ذهبنا إليه ما بين اللمس والتحرش الصريح"، مبينة أنهم يريدون "قهرنا نفسيا"، وموضحة أن "التفتيش قد يصل مع بعض زوجات الجنائيين حد التفتيش العاري، وفق ما سمعناه من شكاوى في طابور التفتيش".

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال الحقوقي المصري أحمد العطار: "بحسب ما قمنا في الشبكة المصرية من رصده وتوثيقه على مدار السنوات الماضية؛ فإن التفتيش الذاتي للنساء الزائرات شمل الجميع سواء زائرات المعتقلين السياسين أو أهالي النزلاء الجنائيين، وإن كانت الأكثرية مع الجنائيين بدافع الكشف عن تهريب المخدرات وغيرها بجميع السجون".


وأكد أن "التفتيش الذاتي يتوقف على سلوك القائمات عليه والقائمين على مراقبتهن بكل سجن على حدة، وليس سلوكا عاما أو أوامر من وزارة الداخلية أو مصلحة السجون، بمعنى أن بعض السجون لا يوجود منها شكاوى جماعية بل شكاوى من حالات فردية".

واستدرك: "لكن الشكوى عامة من التحرش وفي تصاعد منذ أشهر في تفتيش سجن المنيا شديد الحراسة، فهناك إصرار على هذا السلوك المشين والمتمثل في تفتيش ذاتي يصل درجة التحرش بحجة البحث عن ممنوعات من المواد المخدرة بأنواعها، وبالفعل هناك حالات لزائرات تم ضبطها حاولن تهريب ممنوعات لذويهن بوضعها بأجسادهن".

وتساءل المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان: "هل معنى محاولة البعض تهريب ممنوعات معاقبة الكل بأفعال مشينة تصل حد التحرش الجنسي؟"، معبرا عن أسفه من أن "الأمر وصل إلى الفتيات الصغيرات، كما ورد في تقريرنا وبحسب بعض الشهادات".

ويرى أنه "لذلك فإن هذا الإجراء لا يجوز فيه التمادي حد التحرش؛ وعلى مصلحة السجون وإدارات السجون التعامل مع الأمر بحرص واستخدام أساليب راقية تصون كرامة المرأة الزائرة، كأجهزة إلكترونية متخصصة للكشف عن المواد المخدرة".

ولفت في نهاية حديثه، إلى أن "الشبكة رصدت ووثقت ونشرت سابقا تقريرين وثقنا فيهما شهادات أهالي نزلاء سجن المنيا شديد الحراسة، والمحبوسين على ذمة قضايا جنائية حول ما يتعرضون له من انتهاكات متكررة دون رادع، وبرغم إرسال الأهالي شكاوى لمكتب النائب العام المصري، والمجلس القومي لحقوق الإنسان؛ إلا أن جريمة التحرش في تزايد".

"يصل حد الاغتصاب"
وفي 27 نيسان/ أبريل الماضي، رصدت الشبكة الحقوقية التي تعمل من لندن شكاوى زائرات للجنائيين بسجن المنيا من تفتيش ذاتي مُهين أثناء الزيارات وصل حد التحرش الجنسي الصريح، تحت ذريعة الإجراءات الأمنية.

وفي شهادات موثقة، قالت إحدى السيدات: "تفتيش السيدات غير آدمي"، متسائلة: "هل هذا قانوني؟"، مؤكدة أنه "يتم اغتصاب السيدات حرفيا تحت مسمى التفتيش"، معلنة أنها تم تدميرها نفسيا.

وأضافت سيدة أخرى: "التفتيش قذر ومهين وقلة أدب، عمري ما شفت ولا سمعت عن تفتيش بالطريقة دي في أي سجن"، لتروي سيدة ثالثة شهادتها قائلة: "حسبي الله ونعم الوكيل، من يوم الزيارة وأنا نفسيا مدمّرة"، مطالبة بوضع حل للأزمة.

وتحت عنوان: "الزيارة ليست رفاهية.. بل حق لا يجوز انتهاكه"، أعرب "مركز الشهاب لحقوق الإنسان" عن قلقه البالغ إزاء استمرار الانتهاكات الممنهجة التي يتعرض لها المعتقلون في السجون المصرية، مشيرا في هذا الإطار إلى "إهانة أسر المعتقلين أثناء الزيارة وتعرضهم للتفتيش المهين".

وأكدت المنظمة الحقوقية أن "الزيارة حق المعتقل"، وتساءلت: "لماذا تتحول بفعل الممارسات الأمنية إلى جحيم لا يطاق للمعتقلين وأسرهم؟"، "لماذا يخرج منها الأهالي وخاصة الأطفال وقلوبهم باكية من سوء المعاملة أو لضيق الوقت؟"، و"لماذا يتعمد ضباط الأمن إهانة أهالي المعتقلين؟"، و"لماذا يُحرم بعض الأهالي من الزيارة بسبب اعتراضهم على التفتيش المهين أو بسبب تعنت بعض ضباط الأمن معهم؟".



ماذا يقول القانون والدستور؟
وعرضت منظمات حقوقي أخرى شهادات موثقة، تؤكد وقوع جرائم التحرش أثناء زيارة المسجونين، ومنها منظمات "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، و"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، و"النديم"، كاشفة عن شهادات لنساء تعرضن للتحرش الجنسي أثناء تفتيش الزيارة كوسيلة للإذلال والتنكيل، وليس فقط للتأكد من عدم إدخال ممنوعات.

لافتين إلى أن رد فعل عناصر التفتيش النسائي يكون عنيفا مع أي اعتراض من الزائرات على طريقة التفتيش، ما يصل حد التهديد بأفعال أكثر قسوة، في جرائم تُقابل بالتجاهل من قبل السلطات، ما يمكن للإفلات من العقاب ويفاقم من تلك الممارسات التي تمتد بلا شك إلى زنازين السجون وقبلها أقسام ومراكز الشرطة وأماكن الاحتجاز العلنية والسرية الواقعة تحت سيطرة الأمن الوطني.


ويؤكد حقوقيون أنه "رغم أن من تتولى عملية التفتيش سيدات فطريقة التفتيش مخالفة للدستور والقانون وتُعد انتهاكا جسيما للكرامة الإنسانية، وتُخالف ما نص عليه الدستور المصري في المادة (51) بأن (الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها)، كما تُعد خرقا للمادة (60) التي تؤكد على أن (جسد الإنسان مصون، ولا يجوز الاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به)".

وفضلا عن انتهاك المواثيق الدولية التي صادقت عليها مصر، ومنها "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب"، تنص اللائحة الداخلية للسجون المصرية في مادتها رقم (85) على أن "تُفتش الزائرات من الإناث بواسطة موظفة أنثى، على نحو يحترم آدميتهن، ودون مساس غير ضروري بأجسادهن، مع مراعاة الكرامة والخصوصية".

"جرائم صامتة داخل السجون"
ووثقت منظمات حقوق الإنسان وشهادات معتقلين سابقين جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب والتهديد به في السجون المصرية، بحق الجنائيين والمعتقلين السياسيين، ذكورا وإناثا.

العديد من الوقائع كشفت عن ممارسة الأمن المصري بشكل منهجي جرائم التحرش والاغتصاب والصعق بالكهرباء بالأعضاء التناسلية للرجال والنساء، منذ لحظة الاعتقال ثم التعرض للاخفاء القسري بمقرات جهاز الأمن الوطني، وصولا إلى السجون ومراكز الاحتجاز.

ووفق شهادات نقلتها "عربي21"، سابقا، تتعرض المسجونات وخاصة السياسييات في السجون وأماكن الاحتجاز لجرائم التحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب والاغتصاب من الجنائيات بتسهيل ودفع من ضباط وأفراد أمن السجون لانتزاع الاعترافات، أو لعقاب المعتقلات وإذلالهن، ما يترك أثرا نفسيا مؤلما.

"شهادات كارثية"
وفي 27 شباط/ فبراير 2024، وصلت "عربي21"، رسالة من معتقلة مصرية نقلتها أسرتها، كاشفة عما تتعرض له وهي ونحو 200 معتقلة من تعذيب بدني، واعتداء جسدي، وقهر نفسي، وسلب المتعلقات، وفرض الإتاوات، وتشغيلهن كخادمات، من قبل السجينات الجنائيات.

الرسالة أكدت أن ضباط الأمن الوطني بالسجون يطلقون عليهن الجنائيات والمسجلات خطر على ذمة قضايا مشينة ومخلة، ويقوم الضباط بمكافأتهن على ذلك.

وكشفت عما تعرضت له من عمليات إذلال وصل حد الخنق باليدين عقب محاولات السطو على متعلقاتها وفرض عليها إتاوة بقيمة 500 جنيه، ما تبعه جرائم أخرى كمحاولة اغتصاب لم تنجح من بعض الشاذات جنسيا منهن، ما دفعها لمحاولة انتحار فاشلة بقطع شرايين اليد إذ منعتها زميلاتها من السياسيات.

وأكدت أنه بعد اعتقالها تم تعذيبها بكل أنواع التعذيب التي لا يتخيلها بشر، وأنه تم اخفائها قسريا ونزع بعض ملابسها، وتهديدها من قبل ضباط الأمن الوطني بالاغتصاب.

وفي 30 حزيران/ يونيو 2024، كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن تجاوزات خطيرة بحق النساء المحتجزات بحجز مركز شرطة مدينة الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية، ناقلة عن شاهدة عيان سجينة سابقة ما يجري من عمليات تحرش جنسي بالمسجونات من قبل ضابط شرطة واثنين من المخبرين، مشيرة لوضع كارثي وغير آدمي حيث يقومون بتفتيش السجينات الجنائيات ذاتيا بأيديهم.



ووثقت منظمات "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، و"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، و"مركز النديم"، و"مؤسسة حرية الفكر والتعبير" بعض الوقائع في تقاريرها، ومنها تقرير: "لا أحد آمن: العنف الجنسي طوال دورة الاحتجاز في مصر"، في نيسان/ أبريل 2022، كما أشارت تقارير دولية ومنها لموقع "ميدل إيست آي" وتقارير للسفارة الأمريكية إلى وجود عنف جنسي منهجي ضد المعتقلين.

ورد في تقرير "للعنف سجون كثيرة: نظرة على تجارب النساء داخل السجون وأماكن الاحتجاز في مصر" كانون الثاني/ يناير 2017، شهادة للسجينة (س. ن) عن تعرضها لتحرش جنسي من قبل سجينة أخرى في ظل تواطؤ إدارة السجن، وعند إصرارها على الشكوى تم معاقبتها بالحبس الانفرادي.

عقوبات لا تطبق.. لماذا؟
ويعاقب القانون المصري على جريمة التحرش الجنسي بشكل عام، وتشمل هذه العقوبات التحرش بالمسجونين وذويهم من الزوار، وخاصة إذا كان مرتكب الجريمة يستغل سلطته الوظيفية أو مكانته.

وفي عامي 2020 و 2021 جرت تعديلات على قانون العقوبات المصري (رقم 58 لسنة 1937) بتغليظ عقوبات التحرش الجنسي، إذ تنص المادة 306 مكرر (أ) على عقوبة الحبس سنتين وغرامة 100 ألف جنيه، تتضاعف إلى 5 سنوات، وتزيد الغرامة، في حالات معينة، أهمها، استغلال السلطة.

الأمر الذي ينطبق بشكل مباشر على مسؤولي السجون أو أي شخص يستغل وظيفته أو مكانته في السجن للتحرش بالمسجونين أو الزوار.

وإذا تجاوز التحرش حد الأفعال اللفظية أو الإيحائية ووصل إلى الاعتداء الجنسي أو هتك العرض أو الاغتصاب، فإن العقوبات تكون أشد بكثير، وقد تصل إلى السجن المشدد أو المؤبد أو حتى الإعدام في حالات الاغتصاب، خاصة إذا كان الجاني من أصحاب السلطة.

ويندرج التحرش الجنسي بالزوار أثناء التفتيش أو أثناء الزيارة تحت طائلة العقوبة بهذه المواد، وتطبق عليه العقوبات المذكورة، مع تشديدها إذا كان مرتكب الجريمة من أصحاب السلطة الوظيفية.


وعلى الرغم من النص القانوني الصريح بتجريم التحرش الجنسي بالمسجونين وتشديد العقوبة في حالات استغلال السلطة، إلا أنه يصعب إثبات وقائع التحرش، خاصة إذا كان الجاني من أصحاب السلطة، فيما يخشى المسجونون وذووهم من الإبلاغ عن هذه الانتهاكات خوفا من الانتقام منهم، بحسب حقوقيين.

"أوضاع أكثر قسوة"

ومنذ الانقلاب العسكري الذي ضرب أكبر بلد عربي سكانا قبل 12 عاما، وتواصل السلطات الأمنية حملة قمع بحق المصريين يقبع على إثرها أكثر من 60 ألف معتقل في السجون ومراكز الاحتجاز في أوضاع مزرية وغير إنسانية وانتهاكات ترقى إلى القتل البطئ للمرضى وكبار السن من المعتقلين، فيما ترفض السلطات مبادرات سياسيين ومعارضين لإنهاء ملف المعتقلين.


وأصدر "مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب"، الأحد، أحدث تقاريره الحقوقية بعنوان: "أرشيف القهر في مايو 2025"، معلنا عن ارتكاب السلطات الأمنية 426 انتهاكا لحقوق الإنسان في السجون المصرية، موثقا وقوع حالات قتل ووفيات عديدة في أماكن الاحتجاز بينها حالات بسبب التعذيب والإهمال الطبي والإخفاء القسري والقمع الأمني.

ورصد النديم، وقوع 3 حالات قتل، و4 وفيات في أماكن الاحتجاز، وحالتي تعذيب فردي، و62 حالة تكدير فردي، و18 حالة تكدير جماعي، و7 حالات تدوير، و22 حالة إهمال طبي، و208 حالة ظهور ضحايا إخفاء قسري، و70 حالة عنف دولة.



وفي السياق، كشف "مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، الخميس الماضي، عن استمرار ما وصفها بـ"الانتهاكات الممنهجة التي تطال الحقوق الأساسية للمعتقلين والمحتجزين داخل السجون وأماكن الاحتجاز في مصر"، مؤكدا أن "ما تم رصده يشكل جزءا من صورة أشمل وأكثر قسوة من واقع حقوق الإنسان بالبلاد".

ووثق المركز خلال أيار/ مايو الماضي، "تصاعدا مقلقا في حجم ونوعية الانتهاكات، شملت حالات وفاة داخل السجون نتيجة الإهمال الطبي، وتعذيب وسوء معاملة، واختفاء قسري، ومنع من الزيارة، وإضرابات عن الطعام، فضلا عن استمرار المحاكمات السياسية وحبس النشطاء الحقوقيين والمعارضين تعسفيا".


مقالات مشابهة

  • «لجنة السلم»: لا جرائم ضد الضباط السوريين المفرج عنهم
  • إسرائيل تقصف ميناء الحديدة باليمن وتهدد بحصار بحري وجوي
  • خبير في الشؤون الإسرائيلية: إسرائيل تستعد لهجوم واسع على إيران
  • التفتيش العاري والتحرش.. سلاح أمن سجون مصر لقهر أهالي المعتقلين؟
  • كاتس يعلق على قصف ميناء الحديدة: يد إسرائيل الطويلة في الجو وفي البحر ستصل إلى كل مكان
  • ما حقيقة وفاة مفتي سوريا السابق بدر حسون تحت التعذيب؟
  • مركز حقوقي يوثّق شهادات مروّعة لأسرى محررون من سجون الاحتلال
  • الجزيرة تدين الهجوم الإسرائيلي على السفينة مادلين
  • إسرائيل تفرج عن 12 أسيرا من غزة بعد شهور من التعذيب
  • لقطات مرعبة لهجوم سجين على حارس بسجن بريطاني .. فيديو