ضرورة الوعي والمسؤولية في كل لحظة
تاريخ النشر: 2nd, January 2025 GMT
بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..
مع إشراقة عامٍ جديد، يُنير الأمل قلوبنا بأن يكون هذا العام بدايةً لمرحلةٍ أكثر إشراقًا ووعيًا، ليس فقط لشعبنا بل لكل شعوب العالم. إن الأمن والسلام هما الأساس الذي تُبنى عليه المجتمعات الناجحة، وبدونهما تصبح الأفراح مصدرًا للأحزان، والاحتفالات بوابةً للمآسي.
في الليلة التي يُفترض أن تُضاء فيها السماء بالألعاب النارية احتفالًا بالحياة، كانت هناك أرواحٌ بريئة تخسر حياتها نتيجة ممارسات غير مسؤولة مثل إطلاق النار العشوائي أو الألعاب النارية غير المنظمة.
من خلال تصفحي الدائم لمواقع الأخبار، تشير الإحصائيات إلى أن هذه الظاهرة تؤدي سنويًا إلى مئات الإصابات، بل وغالبًا إلى وفيات كان بالإمكان تفاديها.
وقد أصدرت وزارة الداخلية توجيهات صارمة تحذر من هذه الممارسات، مؤكدة على ضرورة فرض عقوبات رادعة. كما تكثف الوزارة حملات توعية للحد من هذه الظاهرة، وتعمل على تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية احترام القوانين التي تمنع استخدام الأسلحة في الأماكن العامة. علينا تطبيق هذه القوانين واحترامها.
إن المجتمع الذي يُقدّر قيمة الحياة يُدرك أن الاحتفال لا يعني إيذاء الآخرين. الدراسات الحديثة في علم النفس الاجتماعي تشير إلى أن السلوك الجماعي مسؤول بشكل كبير عن تشكيل الأفراد؛ فإذا كان السلوك العام يتجه نحو العشوائية والفوضى، فإن الأفراد يتأثرون بذلك. من هنا تأتي أهمية التوعية المجتمعية.
وقد أشار الفيلسوف جان جاك روسو إلى أن “الإنسان يولد حرًا، ولكنه يُكبل بالقيود الاجتماعية”. لذا علينا كأفراد أن نعمل على فك هذه القيود السلبية وإعادة بناء قيمنا على أسس الرحمة والاحترام.
شهدنا مؤخرًا حوادث مؤلمة بدأت بشجارات بسيطة بين الأطفال، لكنها انتهت بنزاعات مسلحة بين الأسر، مُخلّفة وراءها ضحايا أبرياء. هذا التصعيد يعكس غياب مفهوم الحوار والتفاهم كوسيلة لحل الخلافات.
إن التربية السليمة هي خط الدفاع الأول ضد هذه الظواهر. يقول الإمام علي بن أبي طالب (ع): “الناس أعداء ما جهلوا”، وهنا تكمن المشكلة في الجهل بسبل إدارة الخلافات. التعليم الذي يزرع فينا قيم التسامح واحترام الآخر هو السلاح الأقوى لحماية المجتمع من الانزلاق إلى العنف.
الإسلام كدين يدعو إلى السلام والمحبة، ونبذ العنف بكافة أشكاله. قال رسول الله (ص): “من حمل علينا السلاح فليس منا”، وهو تحذير واضح من خطورة استخدام القوة في غير مواضعها. كما أن الإمام جعفر الصادق (ع) قال: “الكلمة الطيبة صدقة، وبها تُطفأ نار الفتن”.
إن بناء مجتمع آمن ومسالم يتطلب مسؤولية مشتركة من الجميع: الأفراد، العائلات، والمؤسسات. يجب أن تكون هناك آليات للحد من استخدام الأسلحة في الاحتفالات، وتُشجع الفعاليات في أماكن مخصصة تضمن سلامة الجميع.
على الأهل أن يغرسوا في أبنائهم قيم الحوار والتسامح منذ الصغر، وأن يكونوا قدوة في ضبط النفس. وعلى المؤسسات التربوية أن تُعزز دورها في نشر الوعي حول إدارة النزاعات بطريقة سليمة.
الفرح الحقيقي لا يُقاس بالصخب، بل بالطمأنينة التي تسود القلوب، والابتسامة التي ترتسم على وجوه أحبائنا دون خوف من المخاطر. فلنجعل هذا العام بداية لرحلة جديدة نحو مجتمعٍ يقدر الحياة، ويُعلي من قيمة التفاهم والسلام.
لنكن جميعًا سفراء للوعي، ولنُعد صياغة مفهوم الاحتفال ليكون مصدر فرحٍ لا ألم، وأمانٍ لا خوف. فمن يزرع بذور السلام سيحصد حتمًا ثمار المحبة والتفاهم.
اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
همسات على حافة الوعي
إضاءةنحن من نصنع كلماتنا، لهذا لا مناص من أن ندرك ما تفعله الكلمات، إنها تقدمنا ككيان لمن يقرأها أو يسمعها، كذلك أفعالنا؛ الحياة قيمة تتطلب الإيجابية والإيجابية ليست وهم نفس ولا ترفا فكريا يوهمك حتى فناء العمر، وليس من الصواب أيضا النظر لهذا الكلام باستصغار الحياة كقيمة أو انتقاص العمل في إعمارها وزيادة العبادات كمناسك وفروض، فالبناء من مهام البشرية، والتدين غريزة كما التملك وحب السيادة غريزة، فتقوية غريزة على غريزة ليس بها النجاة؛ وإنما فهم الخلق وأسبابه والحقوق والمعاملات يبعدك عن عبادة الفانيات الزائلات ويضع كلا في محله كي تسير الحياة وتقوم بواجب عمارة الأرض؛ باستخدام منظومتك العقلية وليس بترك غرائزك تستعمرك.
فالتعبد الغريزي بلا فهم لا ينعكس على رعايتك للقيم، وحب التملك والسيادة لا يجعلك متمكنا في الحياة، فكل هذا كما يرتفع ينخفض، فلا قوة باقية إلا ما فعلت بها ما خُلقت له، ولا مال أنت مالكه إلا ما زهدت عنه بعطائك له لمن يحتاجه وبنيت حياة أو أسعفت كرامة، ولا صوم وصلاة تنفع وهي ستار أذاك للآخرين.
همسات على حافة الوعي
على حافة وعيك، قف قليلا وتأمل، الإدراك للحياة ليس بالرفاهية التي تذهب بالعقلية، بل هي ضرورة وجودية، الإدراك بأن كل لحظة تعيشها هي أمانة، وكل نفس تنفسه هو فرصة لترميم الداخل قبل الخارج.
لكن هل يعني هذا أن ننظر للحياة باستصغار؟ أن ننبذها بدعوى الزهد ونتخلى عن العمل بحجة الفناء؟ كلا. فالحياة قيمة عليا، وقد خُلقنا فيها لنعمر لا لنهدم، لنبني لا لننعزل، لنُضيف للحياة جمالا وقيمة، لا لنكون متفرجين على انقضائها. فحتى التدين، إذا انفصل عن فهم الخلق وأسبابه، قد ينقلب إلى عادة غريزية بلا أثر، كما أن حب التملك والسيادة، إن لم يُضبط بالعقل والقيم، قد يتحول إلى عبودية جديدة يُستعبد فيها الإنسان لأوهام القوة والمال، ألم تر أن هذا ما يحصل فعلا!
إننا نخدع أنفسنا حين نظن أن إشباع الغرائز يكفي لإقامة حياة متوازنة، الغريزة بلا وعي تستعبد صاحبها، الإيجابية الحقيقية ليست في إنكار هذه الغرائز، بل في ضبطها وإدراك موضعها الطبيعي في دورة الحياة، بحيث لا تصبح غاية وهي حقيقتها وسيلة للحياة.
المال الذي هو الطريق الممهد إلى الحاجات من أجل البناء والكرامة، لكنه حين يسكن النفس بدل اليد يستعمرها، ويصبح سيدا قاسيا يستهلك العمر بوهم الرفاهية. القوة كذلك، إن لم توظف لرفع المظلومين فهي كهيجان ثور لا يثنيها إلا أن تخضع لمن يأكل صاحبها. لا بد أن ندرك أننا في مهمة السلالة والحفاظ عليها والإعمار، فإن لم نكُ البنائيين نكن الممهدين، وهذا لا يقبل ما نفهم من معاني الرفاهية في وحي الأنانية. هنا تأتي الإيجابية كوعي: أن تدرك أن مُلكك ليس ما أخذت، بل ما أعطيت، ليس ما تزعمه بل ما تترك أثره في الأنفس من بعدك. الإيجابية هي أن تجعل كل طاقتك لبناء ما يبقى، لا للانغماس فيما يزول، أن تعيش كل يومك وكأنك تبذر بذورا ستظل تزهر حتى بعد أن ترحل، فما أقصر عمر الإنسان الممتلئ بالحكمة وإن طال بالسنين، فهنالك الكثير من الكلام الذي سيرافقه إلى القبر.
أأكون واعظا؟
أأكون واعظا حين أقول إن الإنسان الصفري الغائب عن الوعي وهو يرى نفسه ويتصور أنه يحقق إنجازا بطغيانه وتوسيع ملكه وظلمه؟ هو إنسان ميت لأن نفسه التي كرمها الله تلوثت أو غائبة في جب الشهوات التي استعمرت البعض وبنت فيهم قيمها التي ستلقيهم في حساب يأتيهم فجأة، "مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ". والهلاك هو من لا امتداد له؛ في لحظة صمت داخلي. ربما تدرك هذه الحقيقة؛ كل ما ترفعه اليوم من قصور مادية أو عروش معنوية سيزول لكن الكلمة الطيبة واليد التي امتدت لتسعف لا لتفسد، النفس التي صبرت على الألم ولم تظلم، كل هذه ستبقى، وستشهد أنك كنت هنا، وأنك تركت الحياة أفضل قليلا لمن بعدك، أما إن تركتها أسوأ فلا ملكتَ ولا أثريتَ أو تسلطت بل ملئ رصيدُك باللعنات.
إنها همسات تأتيك على حافة الوعي لتذكرك بأن الإيجابية ليست شعارا لتجميل اليأس، ولا وهْما ورديا للهروب من الواقع. الإيجابية هي أن تعيش بفهم، أن تعطي بغنى، أن تعمل بإخلاص، أن تتعبد بوعي، وأن تحب بصدق، لأنك حينها فقط تحقق الغاية من وجودك: عمارة الأرض وحفظ السلالة.
الخلود في العطاء
العمر فانٍ لا شك، لكن ما تزرعه فيه من معنى يبقى خالدا، ممتدا كظل شجرة وارفة لا تدري كم نفسا ستستظل بظلها بعدك. فلا قوة تبقى إلا إذا سخّرتها لما خُلقت لأجله، ولا مال يخلّد صاحبه إلا ما أحيا به حياة أو أعان به ملهوفا. لقد أدرك الرعيل الأول هذا فتخلى ليصنع المجد وينشر القيم ويحرر البشر، جاءتهم الدنيا فأعطوها بعدل ولم يستأثروا، كانت ولادات جديدة بعد ضياع وموت النفوس، وكان التسامح أداة احتضان للبنّائين الذين كانوا بالأمس يهدمون، كذلك رأينا الصحابة وولادتهم وكيف يحس كل من كان يعرفهم حينها بشعاع التغيير عندما آمنوا، فقد آمنوا ولم يدعوا الإيمان فقط.
ونحن اليوم نقف أمام إمكانية ولادة، والولادة لأنفسنا وليس لأجسادنا الولادة للآدمية التي غادرها الكثير بالأنانية التي حولت إبليس شيطانا، ألم يئن الأوان ليدرك من يجب أن يدرك من معرفته ليولد، فالتاريخ لا يكتبه مخدوعون، ومن يكتب يسجل سواد الحُجب التي تعمي البصيرة.