تأهيل الجهادية السياسية ينطلق من سوريا أو يُجهَض فيها
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
لم يكن من الصعب على رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ملء خطابه بوعود التسامح والاعتدال، ووضح أنه يمضي وفقا لبرنامج مُعد هدفه تأهيل الجهاديين السلفيين للانتقال إلى طور "الجهادية السياسية" التي تتسم بالبراغماتية، مُستلهمة تكتيكات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمعزل عن الطرح الصدامي لقادة تيار الجهادية السلفية.
وإذا نجح النموذج الجديد بدعم متطور من تركيا عبر مستشارين أتراك يديرون حكومة ظل داخل سوريا ويوجهون المسؤولين السوريين قليلي الخبرة السياسية والاقتصادية، سيصير الشرع خلال السنوات الأربع المحددة للفترة الانتقالية نسخة مقلدة من الرئيس التركي من جهة استخدام المناورة السياسية من قبل إسلاميين متشددين أداة لتعزيز السلطة.
ولا يفيد مسار التأهيل خطط وبرامج مكافحة الإرهاب. وثبت من التجربة العملية أن دعم التنظيمات المتطرفة ومنحها الغطاء للتحول إلى سلطة حاكمة يتناقض مع مسار تجفيف المنابع الذي يتطلب القضاء عليها بشكل جذري أو على الأقل منعها من تحقيق أهدافها، ما يعني أن النسخة الجديدة حظيت بدعم إقليمي متطور لتضع قدمها في السلطة، كما سبق وحظي به تيار الإسلام السياسي الذي مر هو الآخر بتحولات مشابهة.
وحتى تبلور جماعة الإخوان شكلها النهائي الذي وصلت به إلى الحكم في عقب ما عُرف بالربيع العربي مرت بمحطات عديدة بدأت برفض الحزبية والديمقراطية والميل نحو الآراء السلفية المتشددة، كما مارست العنف الذي توقفت عنه تكتيكيا، ومارسته بشكل غير مباشر بأيدي وكلاء جهاديين على مدار نصف قرن قبل أن تعاود ممارسته بشكل مباشر بعد عزلها عن السلطة في مصر بموجب ثورة يونيو 2013.
ودلت مسيرة التيار الديني المتطرف على أن اللجوء إلى البراغماتية والمناورة وتصدير مزاعم الاعتدال ليس جديداً، بينما الجديد هو أن من يؤدي الدور حاليا ليست جماعة الإخوان ذات السبق في الممارسة السياسية وفي طرح اسمها كممثل لمجمل التيار الديني في السلطة عبر تقديم تنازلات غير مُجمع عليها، إنما حلفاؤها الجهاديون السلفيون.
وتعد التجربة الجديدة في سوريا أكثر أهمية من تجربة طالبان في أفغانستان البعيدة، بالنظر إلى أنها داخل عمق الشرق الأوسط وسط صراعات ومنافسات وملفات حساسة، علاوة على أن انتقال طالبان قديم وكل ما هنالك أنها استعادت الحكم بعد عقدين، كما أن طالبان مختلفة عن تنظيم القاعدة، وإن كان الأخير متحالفا معها.
ويضخم تبني مشروع الجماعات في السلطة من حضورها وينقلها إلى طور متقدم من التأثير والنمو على المستويين الإقليمي والعالمي، إذ أن وضعها على رأس السلطة وما يجلبه من مراكمة ثروات وتعزيز نفوذ الأيديولوجيا على كافة المستويات مختلف عن وضعها كفصيل متمرد مُطارَد، لكنه لا يقلل من منسوب التطرف أو يغير القناعات التقليدية الراسخة.
وتعتمد الجماعات الدينية فور تحقيق جزء من أهدافها أو كلها في طريق التمكين من السلطة على خطابين مزدوجين؛ أحدهما موجه للأتباع والموالين، متضمنا كافة المفاهيم والأهداف المرحلية والنهائية، والآخر موجه للرأي العام والفرقاء بالداخل والقوى الدولية، وهو ما يتبعه أحمد الشرع أبومحمد الجولاني، مُحاولا الحفاظ على تماسك جماعته والفصائل المتحالفة معها، وباعثا رسائل طمأنة إلى مختلف القوى التي يرغب في نيل دعمها عبر الدبلوماسيين والصحافيين الغربيين.
وتحذف الجهادية السياسية الماضي العنيف وفقا للمصالح بين الدول وحسابات مختلف القوى حيال سلطة الأمر الواقع، ولم يمنع تورط هيئة تحرير الشام في السابق في عمليات اغتيال وإطلاق القذائف بالمناطق المدنية وقمع المتظاهرين وفي انتهاكات ضد مختلفي العقيدة والمذهب والترويج للرسائل التاريخية لقيادة تنظيم القاعدة على الإنترنت من أن يُعاد النظر دوليا وأمريكيا وإقليميا في تصنيفها جماعة إرهابية.
وفي كل الحالات التي جرى التمكين فيها لإسلاميين وجهاديين من السلطة والتعامل معهم كسياسيين تم التغاضي سريعا عن الماضي العنيف المعروف والموثق، في ما يتعلق بالإخوان أو جماعة طالبان في أفغانستان وأخيرا هيئة تحرير الشام في سوريا التي شنت المئات من الهجمات ونفذت العشرات من العمليات الانتحارية.
ولتسويق هذا النموذج في الإعلام الغربي وتبرير التعامل معه تُقدم الفصائل المتطرفة كجزء من المعارضة الشرعية الثائرة. ولا يأتي إفشال النموذج الجديد الصاعد إلى الفضاء السياسي عادة من الخارج إنما من داخل الهيكل التنظيمي في شكله القديم ومن داخل منظومة التيار الديني الأوسع؛ حيث تلاقي غالبية فصائل هذا التيار، من الإسلاميين الجهاديين، صعوبة في الانتقال من أسلوب قيادة الجماعات إلى قيادة الدول.
وتطيح برئيس الدولة الصاعد من صفوف جماعة دينية في الغالب إملاءات رفاقه المدروسة في سياق منعه من إلغاء تنظيمه القديم أو تهميشه والتقليل من شأن برنامجه في الحكم والحيلولة من دون ذوبانه في بوتقة الدولة، علاوة على مزايدات القوى والفصائل الدينية الأخرى.
وكما كان من الصعب على محمد مرسي الذي صعد مُمثلا لجماعة الإخوان في السلطة بمصر فك ارتهانه لتنظيمه وأيديولوجيته، وتلافي مزايدات التيار السلفي ليحقق استقلالية القرار ويظهر رجل دولة مسؤول عن أطياف وانتماءات اجتماعية ودينية متعددة، سيكون صعباً على أحمد الشرع الفكاك من نفس المعضلة داخل فصيله وداخل الفصائل الأكثر تشددا وهي التي تتربص بتجربته بهدف إفشالها.
وأثبتت تجربة إدارة هيئة تحرير الشام لمحافظة إدلب طغيان أدبيات وقناعات التنظيم على مناورات وبراغماتية الجولاني، حيث فُرض الحجاب على النساء ومُنعن من التمثيل السياسي إلى جانب غير المسلمين وحُظرت مظاهر الترفيه والموسيقى، كما مُورس التعذيب في سجون الهيئة التي حبست معارضيها بلا محاكمة، ما يعني أن إدلب كانت نواة لحكم قمعي استبدادي بغطاء ديني.
وللبراغماتية في هذا الجانب حدود لا تتخطاها حتى لا تضرب الانقسامات والانشقاقات التنظيم؛ حيث أن أولوية الجماعات الجهادية في سوريا وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام إزالة الحكم العلماني البعثي وإقامة حكم إسلامي لا تأسيس دولة مدنية تعددية، كما أن الأولوية لديهم إزاحة الطائفة العلوية والانتصار للمسلمين السنة، وليس تدشين نموذج وطني جامع يراعي حقوق مختلف المذاهب والطبقات.
ومن المرجح أن تكون هناك جولة صراع بين الجهادية السياسية وهو الشكل الجديد الذي يدشنه أحمد الشرع، مقابل الشكل القديم التقليدي للجهاديين وهو الجهادية السلفية، ويضم قطاعاً واسعاً من الجهاديين المنضوين تحت راية داعش ومنهم متشددون لا يزالون يعملون في صفوف هيئة تحرير الشام وغالبيتهم أجانب.
ويلعب داعش في سوريا بشكل رئيسي بورقة المتشددين داخل هيئة تحرير الشام من غير الراضين عن النهج الموصوف بالمعتدل والبراغماتي الذي تتبناه الهيئة، وهو ما يتيح لداعش استقطاب المتشددين وضمهم إلى صفوفه عبر الترويج لدعايات مفادها وقوع الجولاني وفريقه في فخ النفاق والردة وموالاة النصارى والصليبيين وتقديم تنازلات لأميركا والغرب على حساب الشريعة والعقيدة.
ونجح تنظيم داعش خراسان في السابق بأفغانستان في تنفيذ خطة مشابهة مع حركة طالبان، وتسبب على وقع الدعايات المضادة في خسارتها لعديد من عناصرها وقادتها المتشددين الذين تحولوا وانضموا إلى تنظيم الدولة ومثلوا أحد أهم عوامل قوته بالنظر إلى خبراتهم التنظيمية السابقة ومعرفتهم بالكثير من أسرار طالبان.
ويُغري صعود هيئة تحرير الشام القيادات المتشددة التي سبق وتخلص منها أبومحمد الجولاني وطردها من الهيئة للعودة في الاتجاه المضاد، وهو ما يعزز إمكانية حدوث انشقاقات بشكل واسع وتشكيل كيانات موازية مناهضة لتجربة ومشروع أحمد الشرع في السلطة.
ويجهّز داعش في سوريا لتأسيس دولة موازية وحكومة ظل يقودها جهاديون أكثر تشددا من منطلق صعود سلفيين سابقين إلى السلطة، وهو ما من شأنه تعميق الانقسامات الطائفية على خلفية تصوير الصراع على أنه صراع سني شيعي، وهي المعادلة التي ستفيد داعش في سوريا كما أفادته في العراق بشكل معاكس، وفي الحالتين قام دعم الحرب على الإرهاب على أساس طائفي.
كما أن داعش في سوريا يتجهز لمواصلة مخطط "كسر الجدران" مستغلا الحرب التي تشنها تركيا ضد الأكراد عبر وكلائها، ومستهدفا تحرير ما يقارب العشرة آلاف من عناصره المحتجزين بأماكن واقعة تحت سيطرة وحراسة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وإذا نجح داعش في تحرير عناصره سيراكم قوة نوعية في مسار استعادة حضوره ونشاطه لمنافسة نموذج دولة أحمد الشرع على الأرض، كما أن نجاحه في تنفيذ عملية هروب سيمكنه من تدشين دعاية مضادة ناجحة تعكس قوته ما يشجع على الانضمام إليه من قبل الكثيرين ممن لديهم خلافات فقهية وسياسية مع فصيل الجولاني.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد هیئة تحریر الشام داعش فی سوریا أحمد الشرع فی السلطة کما أن وهو ما
إقرأ أيضاً:
رئيس مجلس القيادة يجتمع برئاسة هيئة التشاور ومكوناتها السياسية
شمسان بوست / سبأنت:
اجتمع فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليوم الاحد برئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، ونوابه عبد الملك المخلافي، صخر الوجيه، جميلة علي رجاء، وأكرم العامري، وامناء عموم الأحزاب، والمكونات السياسية في الهيئة، بحضور رئيس الفريق الاقتصادي حسام الشرجبي.
كرس الاجتماع لمناقشة مستجدات الاوضاع المحلية والمتغيرات الاقليمية والدولية، ومسار الاصلاحات المالية والادارية والجهود المبذولة للوفاء بالالتزامات الحتمية للدولة، وفي المقدمة استمرار دفع رواتب الموظفين، وتدفق السلع والواردات الاساسية، وتحسين الخدمات والحد من وطأة الازمة الانسانية التي فاقمتها هجمات المليشيات الحوثية الارهابية المدعومة من النظام الايراني على المنشآت النفطية، وسفن الشحن البحري.
وفي الاجتماع، وضع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رئاسة هيئة التشاور والمصالحة، وامناء الاحزاب والمكونات السياسية امام مجمل التطورات المحلية والاقليمية بما في ذلك التداعيات المحتملة للتصعيد الحربي في المنطقة على الأوضاع الامنية، والاقتصادية، والانسانية في البلاد.
واكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ان الملف الاقتصادي، والخدمي سيبقى التحدي الاهم للمجلس، والحكومة، و في صدارة اولوياتهما القصوى على الدوام.
وعرض فخامته نتائج اجتماعاته، ومشاوراته خلال الايام الماضية مع الحكومة، والبنك المركزي، ولجنة ادارة الازمات، والجهات ذات العلاقة، لتشارك الرؤى، والسياسات المدروسة لاستعادة السيطرة على عجز الموازنة العامة، وتعزيز موقف العملة الوطنية.
كما تطرق رئيس مجلس القيادة الى النجاحات المهمة التي تحققت على الصعيد الامني، بما في ذلك ضبط خلايا ارهابية على صلة بالمليشيات الحوثية، والتنظيمات المتخادمة معها، واحباط مخططاتها التخريبية في عدد من المحافظات المحررة.
ونوه فخامة الرئيس بجهود القوات المسلحة وكافة التشكيلات العسكرية، وجهوزيتها العالية لردع مغامرات المليشيات الحوثية، والمضي قدما في معركة التحرير الشامل.
وشدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي على اهمية توحيد كافة الجهود، وتصفير الخلافات بين القوى الوطنية، لمواجهة التحديات الماثلة، وتشارك المسؤوليات والمشورات في الاستجابة المثلى لأولويات المواطنين، وتحقيق تطلعاتهم في استعادة مؤسسات الدولة، والامن والاستقرار والتنمية.
واكد الرئيس على دور هيئة التشاور والمصالحة، والاحزاب والمكونات السياسية في دعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي بموجب اعلان نقل السلطة، وترسيخ قيم الشراكة فضلا عن دورها الرقابي على كفاءة السلطة التنفيذية في الاستجابة لتطلعات، واحتياجات المواطنين في مختلف المحافظات.
وجدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي التزام المجلس والحكومة بالعمل على انتظام دفع رواتب الموظفين، واستدامة الخدمات خصوصا الكهرباء والطاقة، منوها في هذا السياق بدور الاشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، التي مثلت تدخلاتهم الاقتصادية، والإنمائية والإنسانية، عاملا حاسما في استمرار وفاء الدولة بالتزاماتها الحتمية خلال السنوات الماضية.
على الصعيد الاقليمي والدولي، جدد فخامة الرئيس التأكيد على موقف اليمن الواضح من التصعيد الخطير في المنطقة، بما يخدم قضية الشعب اليمني، وتطلعاته في استعادة مؤسسات الدولة، واسقاط انقلاب المليشيات الحوثية الارهابية المدعومة من النظام الايراني.
واطلع الاجتماع من رئيس الفريق الاقتصادي الى تحديث حول المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية، والمتغيرات في وضع العملة الوطنية على ضوء استمرار توقف الصادرات النفطية، وارتفاع اسعار الشحن البحري وانعكاساتها الكارثية على الاوضاع المعيشية، والتدابير المتخذة والمقترحة لاحتواء تداعيات ممارسات المليشيات الحوثية المدمرة للاقتصاد الوطني.
كما استمع الاجتماع الى ملاحظات رئاسة هيئة التشاور، والمكونات السياسية ومقارباتهم للقضايا الوطنية، وتطورات المشهد المحلي، والاقليمي، مؤكدين دعمهم الكامل لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة، واهمية المضي قدما في برنامج الاصلاحات الشاملة، وجهود مكافحة الفساد، واستمرار التشاور مع مختلف القوى على اساس الشراكة الوطنية الواسعة.
حضر اللقاء مدير مكتب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اللواء الركن صالح المقالح.