سمية الغنوشي: باريس وبرلين ليستا في موقع تقديم دروس أخلاقية لدمشق
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
قالت الكاتبة والباحثة السياسية التونسية سمية الغنوشي، إن زيارة وزيري خارجية ألمانيا وفرنسا إلى سوريا، لم تكن أكثر من صلف واستعلاء أوروبي، دون أن تملك الدولتان والدروس الأخلاقية لتقديمها للسوريين.
وأضافت في مقال بموقع "ميدل إيست آي"، أن ألمانيا لم تأت لتدافع عن حقوق الإكراد، بل لتعزيز كيان انفصالي يستخدم ضد دمشق، أما فرنسا، التي تتباهى بتعالي العلمانية على الأديان، فجاءت وكأنها حاملة للصليب إلى الشرق الأوسط.
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
سوريا ما بعد الأسد: باريس وبرلين ليستا في موقع تقديم دروس أخلاقية لدمشق
مذ حطت الطائرة التي تقل وزيرة الخارجية الألمانية ونظيرها الفرنسي بمدرج مطار دمشق احتدم الجدل حول مسائل شكلية، من قبيل امتناع الشرع عن مصافحة المسؤولة الألمانية وامتناعها هي عن ارتداء بدلة أو حتى سترة، كما درجت الأعراف الديبلوماسية.. لكن الزيارة تحمل رسائل أبعد من يد الشرع وهيئة برويبرك، المشفرة منها وغير المشفرة.
بعثت الوزيرة الألمانية برسالتين واضحتين، لا تحتاجان الى تأويل وتنقيب، تعبران عن توجهات برلين ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، فقدوم وزيري خارجية ألمانيا وفرنسا سويا في حد ذاته مفاده أن أوروبا الاقتصادية ( برلين) والسياسية (باريس) بصدد الانخراط في الملف السوري .
الرسالة الأولى هي أن برلين معنية أساسا بما أسمته الدفاع عن الأكراد، وأنها لن تقدم أموالا للهياكل الاسلامية الجديدة. ترجمة ذلك العملية والبسيطة: أولا، نحن مع حماية كيان كردي انفصالي جنوب شرق سوريا وتزويده بالمال والسلاح يمكن أن نستخدمه ضد دمشق وأنقرة في أي وقت من الأوقات. هذا هو الموقف الرسمي لبرلين وأغلب العواصم الأوروبية فيما يعرف بالملف الكردي، الذي يُتناول بخلفية الانفصال وإنهاك المركز، لا الدفاع عن مبدأ العدالة والمواطنة وحماية الحقوق الثقافية واللغوية للأكراد في مجتمع أغلبي ناطق بالعربية.
ثانيا، نحن ضد أي توجهات إسلامية في سوريا في الثقافة والمجتمع والسياسة، وضد م "الإسلام السياسي"، كيفما كان شكله ولونه، توافقيا معتدلا كان، أو جذريا متطرفا. مواقف لا تعبر عن توجهات فردية أو مزاج شخصي لوزيرة الخارجية المتنطعة، بل تعكس العقل المؤسساتي الألماني في التعاطي مع منطقة الشرق الأوسط. الألمان عبروا مرارا وتكرارا عن رفضهم التعاون أو التواصل مع تعبيرات الإسلام السياسي في المنطقة، مراهنين على قوى ليبرالية علمانية لا وجود بها على أرض الواقع.
أما زميلها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، فقد استغل حضوره في دمشق ليجلس مع مطارنة الطائفة المسيحية الأرثودوكس ويعبر لهم عن حرص باريس على دعم الأقلية المسيحية.
هكذا تحولت فرنسا اللائكية جدا، التي تتبنى نظرية الجمهورية المتعالية على الانتمائات الدينية والاثنية ولا تعترف بغير مفهوم المواطنة المجردة، فجأة الى حاملة للصليب، مدافعة عن سائر طوائف المسيحية. هكذا تتبخر القيم الجمهورية في الشرق الأوسط، ولا ترى باريس إلا حفنة متناثرة من الأديان والطوائف والأعراق. مفارقة عجيبة ليست بالجديدة، ففي القرن التاسع عشر حين كانت الجمهورية تخوض حربا لا هوادة فيها ضد الكنيسة الكاثوليكية في عقر دارها وتتهمها بالتخلف والظلامية وتحد من سطوتها على المدارس والحياة السياسية والعامة، كانت الجيوش النابليونية تسير في الشرق، في مصر وبلاد الشام رافعة راية الدفاع عن المسيح وحماية الكنيسة. منطق مزدوج موغل في الانتهازية مازال يحكم السياسة الخارجية الفرنسية الى يوم الناس هذا.
كان من الطريف رؤية وجه الوزير الفرنسي يمتقع عندما رد مسيحي سرياني أرثوذكسي على تعهدات باريس بالوقوف مع مسيحيي الشام، قائلاً: "نحن لسنا بحاجة لحماية أجنبية. كل ما نريده هو أن نعيش كمواطنين سوريين متساوين، أحراراً من أي ظلم. نريد العدالة لنا ولجميع إخواننا السوريين".
الوضوح الأخلاقي لهذه الكلمات العفوية فكك في لحظات خطاب "فرق تسد" الاستعماري الفرنسي، الذي جهد الديبلوماسي الفرنسي لإخفائه بعناية بعبارات أخلاقية إنسانية زائفة.
وعودا على وزيرة الخارجية الألمانية التي عيّنت نفسها مرشدا ومعلما باستعلاء "آري" مفضوح، متناسية أنها قبل أسابيع قليلة قد انتصبت مبررة حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل، حتى حرق النساء والأطفال أحياء في خيامهم داخل المستشفيات، متغافلة عن بشاعة صورتها في عيون شعوب المنطقة، الذين يرون فيها شريكا كاملا في محرقة غزة.
أما باريس فليس لها من دروس أخلاقية تقدمها للسوريين وهي التي ارتكبت أفظع الجرائم في الجزائر وكل مستعمراتها السابقة، وتورطت في المشاركة بحرب إبادة جماعية في رواندا، ولا تنفك تدعم الدكتاتوريين والانقلابيين، من بن علي ومبارك إلى السيسي وحفتر.
لا أجد مبررا لهذا الصلف والاستعلاء الأوروبي، والحال أن أوروبا تحتاج الشرق الأوسط أكثر مما يحتاجها هو، في عالم بات أوسع بكثير من باريس أو برلين أو لندن، التي لا تعدو في ميزان القوى اليوم، لاعبا صغيرا أو متوسطا في أفضل الأحوال، بين قوى أثقل بكثير. شيئا من الواقعية والتواضع من فضلك، أوروبا!
(ميدل إيست آي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية سوريا أوروبا سوريا المانيا أوروبا الغرب المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
44 سنة على تأسيس النهضة.. الغنوشي من سجنه: فلسطين بوصلتنا والحرية طريقنا
في رسالة مؤثرة وجهها من داخل سجنه في المرناقية، استذكر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذكرى الرابعة والأربعين لتأسيس الحركة الإسلامية في تونس، مؤكداً تمسكه بالحرية، وانحيازه لقضايا الأمة، وعلى رأسها فلسطين. جاءت رسالته في ظرف سياسي داخلي بالغ التعقيد، يتسم بتصاعد القمع السياسي، واستمرار ما يصفه معارضون بـ"الانقلاب على الديمقراطية"، في ظل حملة استهداف ممنهجة طالت أبرز رموز المعارضة الوطنية.
تعود جذور "حركة النهضة" إلى سنة 1981 حين تأسست باسم "حركة الاتجاه الإسلامي"، مستلهمةً فكرها من مدرسة الإحياء الإسلامي، ومطالِبة بحق التونسيين في استعادة هويتهم الثقافية والسياسية. وعلى امتداد أكثر من أربعة عقود، خاضت الحركة صراعات طويلة مع الأنظمة الاستبدادية، ودخلت السجون والمنافي، لكنها واصلت الحضور في المشهد الوطني، سواء من موقع المعارضة أو السلطة، خصوصاً بعد الثورة التونسية عام 2011.
وفي رسالته، استعرض الغنوشي محطات القمع والاضطهاد التي تعرضت لها الحركة منذ نشأتها، من أحداث 1981 إلى حملات 1987 و1991 و1992، وصولاً إلى موجة الاعتقالات الأخيرة عقب انقلاب 25 جويلية 2021، مؤكداً أن ما يجري اليوم لا يستهدف النهضة فقط، بل يشمل كل الأحرار في البلاد.
الغنوشي ليس وحده خلف القضبان، إذ يقبع معه في السجن عدد من قيادات الصف الأول في حركة النهضة، مثل الصحبي عتيق وعبد الكريم الهاروني، إضافة إلى نواب سابقين، فضلاً عن شخصيات بارزة من المعارضة الوطنية، من مختلف التوجهات الفكرية، بينهم قياديون في "جبهة الخلاص الوطني" وسياسيون مستقلون ونشطاء مدنيون. وقد وصفت منظمات حقوقية دولية الوضع التونسي بأنه يشهد "انحداراً حاداً في مؤشرات الحرية والعدالة"، مع تصاعد وتيرة المحاكمات السياسية وغياب المحاكمات العادلة.
ولم يغب عن رسالة الغنوشي البعد القومي الإسلامي، حيث أكد أن قضية فلسطين ستظل "آية من آيات الله"، وأن غزة تمثل اليوم "قدوة لكل مناضلي العالم"، في إشارة رمزية إلى تلاقي مسار النضال المحلي مع القضايا الكبرى للأمة، التي ظلت حاضرة في خطاب الحركة منذ تأسيسها.
ويأتي حديث الغنوشي في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية خانقة، واحتقان اجتماعي متزايد، وسط انتقادات داخلية ودولية لسلوك السلطة، خاصة بعد تمرير دستور جديد يعيد تركيز السلطة في يد الرئيس قيس سعيّد، ويقوّض استقلالية القضاء والحياة الحزبية.
الرسالة، التي ختمها بتهنئة الشعب التونسي والأمة الإسلامية بعيد الأضحى، بدت أقرب إلى وصية سياسية تختزل عقوداً من النضال، وتُعيد التأكيد على أن معركة الحرية لم تنتهِ، وأن فجر التغيير لا يزال ممكناً: "إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب؟".