جُمعة رجب.. تفرُّدٌ يمني واستحقاق
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
دينا الرميمة
قليل هم أبناء الأُمَّــة الإسلامية الذين حافظوا على هويتهم الإيمَـانية والروحية الإيمانية، التي ربى النبي الكريم أمته عليها، وتخلى عنها الكثير نتيجة الاستهداف المتعمد من الأعداء لسلبها منهم وتمزيق الأُمَّــة شر ممزَّق ليجعلوها خانعة وذليلة ومتواطئة معهم في كُـلّ أفعالهم وحروبهم ضد الإسلام وأهله.
وقد اتضح ذلك جليًّا من خلال العدوان على غزة، الذي غضت الأُمَّــة الطرف عنه، وتركت غزة وشأنها تواجه ما يمارسه الصهاينة وحيدة بدون ناصر إلا من رحم ربي من الأحرار، وعلى رأسهم اليمن التي وقفت مع غزة قولًا وفعلًا، وهي الدولة التي لا تزال تجابه حرباً وحصاراً منذ عشر سنوات، على الرغم من قسوتها وبشاعتها نهضت من تحت ركامات الدمار لتكون سنداً وعوناً لغزة، أمر لم يتوقعه أحد، وأثبته اليمنيون الذين ما زالوا على عهدهم للنبي الكريم منذ أن توجّـهم بالهوية الإيمانية بعد أن أرسل إليهم الإمام علي -عليه السلام- مبعوثاً إليهم حاملاً رسالته إليهم، يدعوهم فيها للإسلام، وطواعية دخل اليمنيون الإسلام جماعات وأفرادًا فور انتهاء قراءتها برغبة أذهلت الإمام عليًّا فأنشد فيهم قصدية شعرية ختمها بقوله:
فلو كنت بواباً على باب جنة
لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
ومن فوره أرسل للنبي رسالة يخبره بإسلام أهل اليمن فاستبشر النبي بذلك وسجد حمداً وشكراً لله ثم قال: «آتاكم أهل اليمن هم أرق قلوبًا وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية» قالها معجبًا ومحبًّا لأهل اليمن، الذين نسب نفسه إليهم بقوله: «وأنا رجل يماني» وهم الذين من أول فجر الدعوة الإسلامية في مكة كان منهم من آمن به وبدعوته كعمار بن ياسر ووالديه اللذان كانا أول شهداء الإسلام.
ومنهم الأوس والخزرج، قبيلتان سابقتا الزمن فور سماعهما بنبي مرتقب في شبه الجزيرة العربية فهاجرتا واستقرتا في يثرب انتظاراً لظهوره، وما إن ظهر حتى آمنتا به، واستبدل برجالها قريش التي حاربته وأخرجته من مكة؛ فأووه وتقاسموا مع أصحابه الأرض والدور ومثلوا أروع معاني الإخوة في الإسلام، وناصروا النبي، وكانوا له العون والسند في كُـلّ معاركه ضد فلول الشرك، وَأَضَـافَ إسلام اليمن قوة كبيرة للإسلام وكان انتمائهم له انتماء صادقًا جسدوه بأفعالهم جهاداً وتضحية، استحقوا بها مسمى الأنصار، وكانوا أهلاً للتتويج بأعظم هُوية وأحق بها، جسدوها على مدى التأريخ، حصنتهم ضد رياح حضارة الغرب الكافر، وكانوا بها أكثر وعياً تجاه حرب العدوّ الناعمة، وبها حافظوا على قيم ومبادئ دينهم، وكانوا الشعب الأكثر غيرة على دينهم وأرضهم، وبها انتصروا على أعتى عدوان تآمر فيه الشرق والغرب عليهم، وأصبحوا مَثَلًا للبطولة ويتغنى الكثير بشجاعتهم وتفانيهم في سبيل نصرة الحق غير آبهين بقوة الأعداء؛ لأَنَّهم يعلمون أن عاقبة أمرهم إما نصرٌ يعزون به وتعزُّ به الأُمَّــة ودينها، أَو شهادة فيها حياة أبدية عند ربهم يُرزقون!! وبهذا تفردوا بقوة واجهوا بها الصهاينة والأمريكان عدوهم الأزلي؛ دفاعًا عن شعب مسلم مظلوم، كما تفردوا بإحياء الجمعة الأولى من رجب، كان فيها إسلامهم كموروث ديني، حمداً وشكراً لله على نعمة الإسلام والهداية، وعيد ديني ثالث فيه نعمة إسلام وهُوية.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺗﺘصدى ﻟﻠﺒﺸﻌﺔ
هل تخيلت يومًا أن يلعق إنسان عاقل قطعة من الحديد خرجت لتوها من النار لإثبات برائته، وهذا فى عصر الدولة والقانون، بل فى زمن التكنولوجية والذكاء الاصطناعى!.
هذا ما حدث مؤخرًا فى مقطع فيديو مُنتشر لفتاة تجرى اختبار(البِشعة) لإثبات عُذريتها، حيث ظهرت ترتجف من الخوف فى محاولاتها لإثبات برائتها أمام اتهامات زوجها، لتُعيد إحياء واحدة من أكثر الممارسات الجاهلية الصادمة فى المجتمع المصرى فى موجة عنيفة من الجدل والتعاطف، ولكن الصادم أن رواد مواقع التواصل الاجتماعى اكتشفوا فيما بعد أن المقطع لبلوجر معروف باسم(كيداهم)، وهكذا سرعان ما انقلب المشهد ضدها، بعدما تم تداوله من أن ما جرى قد يكون جزءًا من محتوى مُعد مسبقًا، بحثًا عن الترند، ويقدمه أشخاص يتقاضون أموالًا مقابل تمثيل تلك الطقوس، حيث قامت البلوجر بنشر أرقام من يمارسون البِشعة.
ما هى البِشعة؟
البِشعة هى أحد الموروثات القديمة التى نشأت فى الحياة القبلية والصحراوية، واعتمدتها بعض قبائل البدو كوسيلة لتقاضى النزاعات بين العشائر عند غياب الشهود، وتشكل حاليًا أحد أخطر أشكال الانتقام خارج نطاق القانون والقضاء الشرعى، حيث يتم إجبار المتهم على وضع لسانه على حديد محمّاة بالنار، للاستخلاص من آثار الحرق صدقه أو كذب.
وقال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء إن البشِعة ما زالت موجودة فى صحراء مصر الشرقية، خاصة فى محافظات سيناء والإسماعيلية والشرقية، كأحد أساليب التحكيم بين المتخاصمين من البدو، وتُستخدم هذه العادة كوسيلة لكشف الكذب، حيث يحتكم المتخاصمون للنار ويُجبرون على لعقها أمام محكم متخصص يُعرف باسم «المبشع»، المسئول عن تنفيذ حكم القضاة العرفيين.
مؤسسات الدين
ووفقًا لهذا الجدل المتصاعد فى الرأى العام المصرى، خرجت المؤسسات الدينية لتُصحح الطريق وتنفى تلك الممارسات الجاهلة، حيث خرجت دار الإفتاء المصرية تؤكد بشكل قاطع أن «البشعة» محرّمة شرعًا ولا أصل لها فى الإسلام، وأن الشريعة لا تقبل بأى ممارسة تُعرض الإنسان للأذى أو الامتهان، مستشهدةً بالقاعدة النبوية الراسخة: «البَيِّنةُ على مَنِ ادَّعى، واليَمِينُ على مَن أنكر».
وكذلك جاء رد الأزهر حاسم بتحريم نشر أى فيديو أو صورة أو خبر يُروِّج لممارسة «البِشعة»، معتبرًا إياها من أخطر أشكال التعذيب والإذلال التى تتعارض مع مبادئ الإسلام فى حفظ الكرامة والعدل، وأن الإسلام أسّس منظومة قضائية وأخلاقية قائمة على أدلة ثابتة والبَيِّنات، وليس على الخرافات أو الممارسات الجارحة.
وأشار الأزهر فى تصريحاته إلى أن «البشعة» تمثّل استحضارًا لممارسات تعود إلى الجاهلية، تشبه ما كان يُعرف بـ«الاستقسام بالأزلام»، وهو أمر نهى عنه القرآن، وهذه الممارسات تحتوى على تعذيب جسدى ونفسى، وإذلال للإنسان، وتتنافى مع قوله : «لا ضَررَ ولا ضِرَار».
أمام القانون
كما أشارت وزارة الأوقاف المصرية فى ردها على الجدل القائم إلى أن البشعة ليست مجرد خطأ أخلاقى، بل جريمة قانونية أيضًا، تشمل الاعتداء البدنى والتحايل على القضاء، وهو ما يعاقب عليه القانون المصرى وفقًا للمواد المتعلقة بالإيذاء البدنى وتعذيب المتهم.
وأكدت أن الإسلام وفر بدائل شرعية تحفظ الحقوق والكرامة، من خلال القضاء الرسمى القائم على الأدلة الشرعية والقانونية، والتحكيم الأهلى المنضبط برضا الطرفين، والوساطة المجتمعية المبنية على الصلح والتعويض، مع الالتزام بالبينة والقرائن الشرعية والإقرار غير المُكره.
فيما أكد المحامى محمد ميزار بالدستورية العليا، أن قانون العقوبات المصرى لا يذكر «البشعة» بالاسم، لكن ذلك لا يبرئ ممارسيها، إذ تُطبق عليهم مواد تجريم الإيذاء الجسدى والإكراه، وتُعد ممارستها تحت ضغط اجتماعى أو عرفى جريمة يعاقب عليها بالحبس أو الغرامة، مع إمكانية رفع المتضرر دعوى مدنية أو جنائية للتعويض عن الأذى النفسى أو الجسدى وفق المادة 163 من القانون المدنى، وقد تصل التعويضات فيها إلى عشرات الآلاف من الجنيهات.
وأضاف ميزار أن استخدام «البشعة» كبديل عن القضاء يمثل تحريضًا على مخالفة القانون ويخالف الدستور الذى يكفل الحق فى اللجوء للقضاء، وأن بثها أو نشرها يعد مخالفة صريحة لقوانين الإعلام والآداب العامة.
شرك وكفر صريح
ومن جانبة حذر الشيخ محمد أبوبكر جاد الرب، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، من اللجوء إلى ما يُعرف بـ«البشعة» لإثبات الحقوق أو نفى التهم، مؤكدًا أن هذه الممارسة تُخرج المسلم من الملة وتعد شركًا بالله، حتى وإن كان يحافظ على الصلاة والصيام، واصفًا انتشار ظاهرة «البشعة» بين الناس بأنها كارثة أخلاقية ودينية، وقال إنها لا تمثل دينًا ولا أخلاقًا ولا مروءة.
أعراف المجتمع
ورد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، على من يدعى أن البِشعة جائزة لأنها من العُرف قائلًا: "أى عرف يخالف نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية لا يُعمل به، ومن يقول إنها من قديم الأزل وكان يمارسها الآباء والأجداد، فكذلك كانت عبادة الأصنام"، «هذا ما وجدنا عليه آباءنا».
وأضاف: «الاعتقاد بأن للبشعة تأثيرات معجزة غير صحيح، فالمعجزات تكون للنبى فقط، مثل ما حدث مع سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما أمر الله النار أن تكون بردًا وسلامًا عليه، ولم يحدث مثل ذلك لأى إنسان آخر».
وأشار إلى أن حتى الاعتماد على أجهزة كشف الكذب التى تركن إلى التكنولوجيا غير دقيقة، قائلاً: «حتى فى الماضى، استطاع بعض الأشخاص خداع أجهزة كشف الكذب، كما حدث فى بعض العمليات التابعة للموساد الإسرائيلى كما فى قصة رأفت الهجان وجمعة الشوال».
فيما أكد الدكتور مصطفى الهلباوى، من علماء الأزهر الشريف، أن البشعة جريمة كبيرة، ولا توافق الشرع الشريف من قريب أومن بعيد، لأن العرف الصحيح هوما يوافق أحكام الكتاب والسنة، وعندما نضع ممارسة البِشعة على مبدأ القياس فى الدين الإسلامي(وهو ما يستخدمه العلماء لتحديد حكم الأمور المستحدثة) نجد أن البِشعة توافق ما كان يُسمى فى الجاهلية بـ(الاستقسام بالأزلام)، أى أنها تأخد حكم الاستسقام بالأزلام وهو التحريم
وتابع موضحًا أن الاستقسام بالأزلام عادة جاهلية محرمة، كانت تحدث قبل الإسلام حين يذهب بعض الناس إلى الكاهنة لتحديد الأمور باستخدام الأسهم فى كأس، ويأخذون القرار حسب ما يظهر من السهم الأول أو الثانى، وقد حرم الله الاستقسام بالأزلام وقال عنه فى كتابه الكريم: «وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ».
واختتم الدكتور الهلباوى تصريحه مؤكّدًا: «أى ممارسة مثل البشعة تتعارض مع الشريعة والعقل، ولا يجوز اللجوء إليها أو اعتبارها وسيلة مقبولة لتقرير المصائر».