ثلاث افتراضات متشائمة تجاه التحول السوري
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
هناك ثلاثة افتراضات متشائمة في المنطقة العربية تجاه التحول السوري، رغم أنه لا يتم التعبير عنها بوضوح:
الأول، أن تصدُّر هيئة "تحرير الشام" المشهد بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وفرض سلطة جديدة بقيادتها يُشكلان تهديدًا للطبيعة الطائفية والثقافية والعرقية المتنوعة لسوريا، ويُقوضان من فرص إعادة بناء البلد وفق معايير الدولة الحديثة.والثاني، أن هذا التحول نذير شؤم للمنطقة العربية؛ لأنه سيُغرق سوريا في فوضى طويلة الأمد وستترك عواقب وخيمة على الأمن الإقليمي، وقد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في بعض الدول العربية. والثالث، أن سوريا بعد هذا التحول ستُصبح تحت وصاية تركيا التي تطمح إلى إعادة إحياء إرثها العثماني في العالم العربي.
لحسن الحظ، فإن هذه الافتراضات لم تمنع الدول العربية المتوجسة ضمنيًا من هذا التحول من الانفتاح على السلطة الجديدة، وإظهار استعدادها لدعمها من أجل إنجاح عملية التحول.
سارعت السعودية إلى إرسال وفد دبلوماسي إلى دمشق في الأيام التي أعقبت الإطاحة بالأسد، واستضافت وفدًا من الإدارة السورية الجديدة.
كما أجرى وزير الخارجية الإماراتي أول اتصال رسمي مع نظيره السوري الجديد أسعد الشيباني. وكذلك زار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي دمشق، والتقى بقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع.
إعلانيندرج هذا الانفتاح قبل أي شيء في إطار التكيف الذي تُظهره الدول العربية مع الواقع الجديد، بعد أن كانت أعادت تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد في السنوات الأخيرة، وهو تكيف لا يُبدد بأي حال هذه الافتراضات الثلاثة.
مع هذا، يبدو أن العواصم العربية، التي عارضت تحولات الربيع العربي بعد عام 2011، لاعتبارات مُختلفة ليس أكثرها أهمية الهاجس من صعود تيار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص، لديها الكثير لتقلق بشأنه في حال عدم إظهار تفاعل إيجابي مع التحول السوري.
لا شك أن معظم هذه العواصم، لم تكن ترى في بشار الأسد عندما أعادت علاقاتها معه المخلص لسوريا. لكنها اعتقدت لفترة أن الأسد انتصر في الحرب، ولا بُد من التعاطي مع هذا الوضع كحقيقة لا مفر منها.
كما ساد اعتقاد قوي بأن الانفتاح على الأسد يُمكن أن يُشكل محفزًا له لتقويض حضور إيران في سوريا، وإخراجها منها في نهاية المطاف. وبمعزل عما إذا كان مثل هذا الرهان واقعيًا لو بقي الأسد في السلطة، فإن إيران من بين أكبر الخاسرين في التحول السوري. ومثل هذه النتيجة ينبغي أن تكون مُرضية بشدة لهذه الدول.
علاوة على ذلك، فإن الحكمة في التعامل مع الحالة السورية منذ اندلاع الصراع، أن الانكفاء عن لعب دور عربي مؤثر يوجد فراغات تستفيد منها قوى إقليمية ودولية أخرى. بينما أصبحت إيران وروسيا اليوم خارج المعادلة السورية تقريبًا، فإن تردد العالم العربي في الحضور في سوريا، سيُعزز بطبيعة الحال من المكاسب الهائلة التي حققتها تركيا في هذا البلد.
وعلى الرغم مما سبق، فإن النظرة إلى الحضور التركي القوي في سوريا على أنه مُهدد للمصالح العربية، تتجاهل في الغالب حقيقتين مُهمتين:
الأولى، أن هذا الحضور يعمل كضمانة قوية لتوجيه التحول السوري، والحفاظ على وحدة سوريا، والحد من مخاطر تحوّلها إلى دولة فاشلة مُهددة لاستقرار الإقليم. والثانية، أن الأتراك أنفسهم يرغبون في أن يكون للعالم العربي انخراط قوي في بناء سوريا الجديدة وتعافيها من آثار الحرب. ولا يرجع ذلك إلى حقيقة أن الدول العربية الغنية يُمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تمويل جهود إعادة الإعمار فحسب، بل أيضًا إلى تصور تركي بأن الشراكات الإستراتيجية الناشئة مع المنطقة العربية في السنوات الأخيرة تؤسس لعهد تركي عربي قادر على لعب دور محوري في إدارة شؤون المنطقة، بينما لم تعد الولايات المتحدة قادرةً أو راغبة -أو كلتيهما معًا- على لعب دور القوة العالمية المُهيمنة في الجغرافيا السياسية الإقليمية. إعلانإن الانخراط العربي الواسع في دعم ورعاية التحول السوري، يُمكن أن يؤدي إلى تبديد الهواجس من هذه الافتراضات الثلاثة المتشائمة. فمن جانب، سيعمل هذا الانخراط كورقة تأثير قوية على هيئة تحرير الشام لتوجيه التحول السوري بما يخدم فرص العبور نحو الدولة الجديدة، وفق المعايير والمبادئ التي طرحها بيان اجتماع العقبة.
ومن جانب آخر، يجلب الانخراط في عملية إعادة إعمار سوريا فرصًا اقتصادية كبيرة ومزايا جيوسياسية للعالم العربي، ما دام أنه سيحد من مخاطر فشل التحول. علاوة على ذلك، فإن الفوضى المحتملة المترتبة على فشل عملية التحول السوري، ستخلق تحديات أمنية وجيوسياسية خطيرة للمنطقة العربية.
لقد تقبلت إيران على مضض حقيقة أنها انهزمت في سوريا. لكنّ مثل هذه الفوضى قد تمنحها فرصة جديدة للعودة إلى سوريا. كما أن إسرائيل، التي سارعت إلى استثمار التحول السوري من أجل السيطرة على المنطقة العازلة في الجولان المحتل، وعلى قمة جبل الشيخ الإستراتيجية، ستجد في فوضى كهذه فرصة لتكريس احتلالها الجديد لسوريا بحجة أمنها.
يُعظم التعاون التركي- العربي في دعم ورعاية التحول السوري من فرص نجاحه، ويُمكن أن يسهم في معالجة هواجس بعض الدول العربية من هذا التحول.
بالنظر إلى النفوذ القوي الذي تمتلكه أنقرة في سوريا الجديدة، فإن بمقدورها العمل على تخفيف الصبغة الإسلامية للسلطة الجديدة، وتشكيل حكومة شاملة قادرة على إعادة تشكيل الدولة وتعافيها وإخراجها من عزلتها الدولية.
كما أن المزايا الكبيرة التي يجلبها الانخراط العربي في سوريا يُمكن أن تُشكل حافزًا قويًا لهيئة تحرير الشام، لتعزيز أجندتها الجديدة كقوة إسلامية وطنية تعمل على مخاطبة كافة الشرائح السورية، والتعبير عن طموحاتها في بناء دولة القانون والمؤسسات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
إعلان aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الدول العربیة هذا التحول فی سوریا ی مکن أن
إقرأ أيضاً:
وزير الإدارة المحلية والبيئة في سوريا : دور دولة قطر في دعم الشعب السوري يمتد إلى سنوات طويلة في مجالي الإغاثة والتنمية
أكد سعادة السيد محمد عنجراني وزير الإدارة المحلية والبيئة في الجمهورية العربية السورية أن الوزارة بصدد تنفيذ خطة إصلاحية واسعة تهدف إلى إعادة هيكلة العمل الإداري وتفعيل الشراكة المجتمعية والقطاعية، في إطار رؤية وطنية شاملة للاستجابة للتحديات المتراكمة، وبما يواكب الانفتاح الإقليمي والدولي المتزايد تجاه سوريا.
وقال سعادته في حوار خاص مع وكالة الأنباء القطرية /قنا/: إن دور قطر في دعم الشعب السوري ليس جديدا، بل يمتد لسنوات طويلة من العمل الإغاثي والتنمية، مشيدا بانخراطها في جهود التنمية في سوريا في هذه المرحلة أيضا، ومؤكدا أن التنسيق بين الجانبين بلغ مراحل متقدمة.
وأضاف الوزير عنجراني "نطمح للاستفادة من الخبرات القطرية المتقدمة في مجالات الإدارة المحلية والبيئة، خصوصا فيما يتعلق بتقديم الخدمات المحلية وإدارة النفايات والتخطيط العمراني".
وأشار إلى أن واقع الوزارة عند استلامه لمهامه كان شديد الصعوبة، إذ كانت المؤسسات منهكة بفعل سنوات الحرب، وتعاني من ترهل إداري كبير وضعف في تحديد المهام والصلاحيات، وهو ما انعكس سلبا على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
وأكد سعادته ضرورة إعادة هيكلة الوزارة بشكل فني وتقني، مع الاستفادة من التجارب الناجحة في بلدان المنطقة، لكي تتمكن من تقديم خدمات تلبي تطلعات الناس وتأخذ في الاعتبار واقعهم.
وشدد على أن الوزارة لا تعد المواطنين بحلول سريعة، وإنما تعد بالشفافية والعمل الدؤوب، موضحا أن هذه الشفافية تترجم عمليا عبر إبقاء المجتمع المحلي مطلعا على تفاصيل عمل الإدارة المحلية، وتشجيع مشاركته الفعلية في صياغة القرارات وتنفيذ المشاريع.
وتابع: "نعمل على تعزيز مبدأ الشراكة بين المجتمع والمجالس المحلية، فالإدارة المحلية لا يجب أن تكون فوق الناس بل نابعة منهم وممثلة لتطلعاتهم".
وفي معرض حديثه عن الأهداف الاستراتيجية، أشار إلى أن الوزارة تعتمد نهجا مزدوجا يجمع بين المسارات الاستراتيجية الطويلة الأمد، والمسارات المرحلية التي تستجيب للاحتياجات الطارئة، وخاصة في المناطق المنكوبة، مبينا أن التحدي الأكبر الذي واجه الوزارة فور توليها المهام هو غياب قاعدة بيانات دقيقة لحجم احتياجات هذه المناطق، سواء من حيث المنازل المتضررة أو البنية التحتية أو النقل والخدمات العامة.
وأضاف في هذا الصدد، باشرنا بإعداد قاعدة بيانات طارئة شاملة، وقد قطعنا شوطا كبيرا بنسبة إنجاز تبلغ نحو 90 في المئة، ما سيسمح بإطلاق تدخلات فعالة بدءا من شهر يونيو المقبل، هذه التدخلات ستكون مدعومة من جهات إنسانية، وجهات حكومية، وأخرى استثمارية، خصوصا في ظل التغيرات السياسية الأخيرة، وإزالة بعض العقوبات التي كانت تعيق عملنا وعمل المؤسسات الدولية.
وأكد سعادته أن الوزارة تولي اهتماما خاصا لتفعيل المجالس المحلية ودعم المجتمع المدني، موضحا أن فلسفة الإدارة المحلية تعتمد في جوهرها على المجتمع، الذي يجب أن يكون شريكا حقيقيا في التنمية.
ولفت إلى أن المجالس المحلية ستكون قادرة على تقديم خدمات مباشرة للمجتمع، مبينا أن ذلك يتطلب تأهيل الكوادر بشكل مكثف لضمان عمل هذه الأجسام المنتخبة بمهنية وكفاءة عالية.
وفيما يخص إعادة هيكلة الوزارة، أوضح أن العملية جرت على أسس علمية، مستندة إلى دراسات ومقاربات إدارية حديثة، مشيرا إلى أن وزارته أنجزت المهمة خلال الخمسين يوما الماضية، وسيتم الإعلان خلال يوم أو يومين عن الرؤية النهائية والهيكلية التنظيمية الجديدة، التي سيتم تطبيقها مطلع يونيو المقبل، وهو ما سيمثل بداية مرحلة جديدة في عمل الوزارة - حسب تعبيره.
ونوه بأن التغيير لا يقتصر على الهيكل الإداري، بل يشمل أيضا تبسيط الإجراءات وتحويل الخدمات إلى أنظمة مؤتمتة، مؤكدا ضرورة تغيير الصورة الذهنية السائدة عن الإدارة المحلية كجهة بيروقراطية معقدة.
وذكر سعادته أن الوزارة تطمح إلى تبسيط الإجراءات وتقليل الكلفة، وتسهيل الوصول إلى الخدمات، ثم الانتقال إلى أتمتة كاملة للمعاملات الحكومية الخاصة بها، معتبرا ذلك جزءا من التوجه العام للحكومة السورية نحو الحوكمة الرقمية.
وفيما يتعلق بكفاءة الأداء في الوحدات الإدارية، أشار سعادة وزير الإدارة المحلية والبيئة السوري إلى أن هذه الوحدات تعاني من ضغط كبير، حيث جرى تحميلها مسؤوليات تفوق طاقتها دون توفير الأدوات والأنظمة اللازمة، مؤكدا عزم الوزارة على تمكين هذه الوحدات عبر منحها الصلاحيات اللازمة وتحديث الأنظمة التي تحكم عملها، لتتمكن من دخول مسار التنمية المحلية الفعلية "بدلا من أن تظل رهينة الأزمات".
وحول الشراكة مع القطاع الخاص، بين أن هذه الشراكة ليست جديدة ولها تطبيقات واقعية، وتستند إلى مبدأ متوازن يحفظ استقلالية القطاع العام مع تسريع عجلة التنمية مؤكدا على ضرورة توسيع هذه الشراكات في مختلف قطاعات الإدارة المحلية، من المعاملات إلى الاستثمار والتخطيط العمراني، وحتى في إعداد المخططات التنظيمية على المستوى الإقليمي، مشددا على أن الجهات العامة لن تكون أسيرة للقطاع الخاص، ولا العكس، واعتبر أن هذه التوازنات ضرورية لتحقيق تنمية سريعة ومستدامة.
وأوضح الوزير السوري أن العمل في الوزارة يسير وفق مبدأ الشفافية الكاملة، قائلا: "نحن لا نعمل خلف الأبواب المغلقة، ولا نعد الناس بمفاجآت، بل نعدهم بسرعة في الأداء واحترافية في العمل. لقد بدأنا باستقطاب كوادر نوعية وما زلنا مستمرين في هذا الاتجاه".
وختم سعادة وزير الإدارة المحلية والبيئة في الجمهورية العربية السورية حواره مع /قنا/ بالتنويه بأن الوزارة تدخل مرحلة جديدة عنوانها التحول والكفاءة والانفتاح، مستفيدة من المتغيرات الدولية والدعم المتزايد من الشركاء الإقليميين، وفي مقدمتهم دولة قطر، لتنفيذ مشاريع تعزز الاستقرار المحلي وتعيد الأمل إلى المناطق المتضررة، مبشرا بأن الشهور القادمة ستحمل نتائج ملموسة على أرض الواقع في عدة مجالات.