حرية مكبلة بالأغلال: اعتقال النشطاء المصريين في الخارج وضعف القانون الدولي
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
يزداد العالم ترابطا، فتظهر قضايا حقوق الإنسان كأحد أهم التحديات التي تواجه المجتمع الدولي. قضية اعتقال الشاعر والناشط السياسي المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي في لبنان وتسليمه إلى الإمارات ليست مجرد حادثة معزولة، بل هي نموذج صارخ لتهديد حرية التعبير وحقوق النشطاء السياسيين في المنفي. هذه القضية تثير أسئلة جوهرية حول مصير حرية التنقل، وحقوق اللاجئين السياسيين، وأزمة القانون الدولي في ظل تعاون أمني إقليمي مثير للجدل، وتزداد المؤامرات في الغرف المغلقة فيمن يدفع أكثر بعيدا عن القانون والأعراف الدولية.
خلفية القضية:
في يوم مشؤوم، اعتُقل عبد الرحمن يوسف القرضاوي في مطار بيروت بعد زيارته لأرض الشام المحررة في طريق عودت إلى تركيا. ما يثير القلق في هذه القضية ليس الاعتقال نفسه، بل الإجراءات غير المعتادة التي تمت خلال عملية تسليمه إلى الإمارات. فقد تم تجاوز العديد من الضمانات القانونية المتعارف عليها دوليا وحقوقه الإنسانية في أن يقابل محاميه المدافع عنه، مما أثار تساؤلات حول مدى احترام الدول لالتزاماتها الدولية في حماية حقوق الإنسان.
تتعارض عملية اعتقال القرضاوي وتسليمه مع العديد من المواثيق الدولية التي تكفل حقوق الإنسان
الأبعاد القانونية للقضية:
1- انتهاك المواثيق الدولية:
تتعارض عملية اعتقال القرضاوي وتسليمه مع العديد من المواثيق الدولية التي تكفل حقوق الإنسان. من أبرز هذه الانتهاكات:
- حق التنقل والسفر: حيث يكفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 13 الحق في حرية التنقل والسفر. اعتقال القرضاوي في مطار بيروت يمثل انتهاكا صارخا لهذا الحق.
- حماية اللاجئين السياسيين: يجب أن يتمتع اللاجئون السياسيون وفقا للقانون الدولي، بالحماية من الترحيل القسري إلى دول قد يتعرضون فيها للاضطهاد.
- حظر الترحيل القسري: تنص المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب على حظر ترحيل أي شخص إلى دولة قد يتعرض فيها لخطر التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية.
2- إشكالية اتفاقيات التسليم:
تثير عملية تسليم القرضاوي إلى الإمارات تساؤلات حول مدى شفافية اتفاقيات التسليم بين الدول. من أبرز الإشكاليات:
- غياب الضمانات القضائية: لم يتم إعطاء القرضاوي الفرصة للطعن في قرار تسليمه أو اللجوء إلى القضاء اللبناني.
- تجاوز الإجراءات القانونية: تمت عملية التسليم بشكل سريع ودون اتباع الإجراءات القانونية المعتادة.
- تسييس عمليات التسليم: كان الاعتقال والتسليم مدفوعين بأجندات سياسية وانتقام في شخص الشاعر عبد الرحمن يوسف القرضاوي، حيث لا يحمل القرضاوي الجنسية الإماراتية إنما يحمل الجنسية التركية والمصرية مما يضعف مصداقية القانون الدولي.
نمط متكرر: استهداف النشطاء في المنفي:
- حالات مشابهة: ليست قضية القرضاوي الأولى من نوعها، بل هي جزء من نمط متزايد لاستهداف النشطاء السياسيين في المنفي. في السنوات الأخيرة، شهدنا:
- تزايد عمليات الاعتقال خارج الحدود: حيث سبقت عمليات استهداف النشطاء في دول اللجوء وتسليمهم إلى دولهم الأصلية أو دول أخرى، والنماذج كثيرة مثل الناشط اليمني فهد رمضان، والناشط المصري محمد عبد الحفيظ، والناشط الكويتي سلمان الخالدي الذي سلمه العراق إلى الكويت، ونشطاء كثر من جنسيات عدة، كما سبقت محاولات لتسليم نشطاء مثل الإعلامي أحمد منصور والناشط المصري عبد الرحمن عز في مطارات المانيا.
- التعاون الأمني الإقليمي المثير للجدل: تتعاون أجهزة الأمن في الدول العربية بشكل وثيق لملاحقة النشطاء، حتى خارج حدودها، وهذا ما اجتمع عليه وزراء الداخلية العرب في تونس في 2019 ومشاركة قوائم بأسماء النشطاء السياسيين بين وزارات الداخلية العرب.
التداعيات السياسية:
هذا النمط من الانتهاكات له تداعيات خطيرة على الحريات الأساسية:
- تقييد حرية المعارضة: يؤدي استهداف النشطاء في المنفى إلى إسكات الأصوات المعارضة وتقليص مساحة حرية التعبير.
- تهديد حق اللجوء: يصبح اللجوء السياسي غير آمن، مما يدفع النشطاء إلى العزلة أو التخلي عن نشاطهم.
- تراجع الحريات الأساسية: يؤثر هذا النمط سلبا على الحقوق الأساسية مثل حرية التنقل وحرية الرأي والتعبير.
الأثر على المجتمع الدولي:
- تقويض القانون الدولي: تعكس قضية القرضاوي أزمة عميقة في القانون الدولي:
- إضعاف آليات الحماية الدولية: يتم تجاهل المواثيق الدولية بشكل متكرر، مما يضعف من فعاليتها ويدفع لزيادة البطش بالناشطين السياسيين على مستوى الدول التي تتعدى حدود القوانين الدولية والمواثيق الدولية.
- تراجع دور المؤسسات الحقوقية: تواجه المنظمات الدولية صعوبات في التدخل لحماية النشطاء بسبب التعقيدات السياسية.
- تآكل مبدأ سيادة القانون: يؤدي انتهاك القانون الدولي إلى تقويض الثقة في المؤسسات الدولية.
مسؤولية المجتمع الدولي:
يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة في مواجهة هذه الانتهاكات:
- ضرورة التحرك العاجل: يجب على الدول التي ما زالت تحترم القانون الدولي والمواثيق الدولية والإنسانية والمنظمات الدولية؛ التحرك سريعا لحماية النشطاء المعرضين للخطر.
- تفعيل آليات الحماية: تمكين استخدام آليات الحماية يجعل المقررين الخاصين في الأمم المتحدة لهم سلطة التدخل في مثل هذه القضايا.
- محاسبة المنتهكين: يجب تفعيل آليات المحاسبة لتلك الدول التي تنتهك القانون الدولي عبر العقوبات الدولية والأممية.
توصيات وحلول:
على المستوى القانوني:
- تعزيز آليات الحماية الدولية: يجب تطوير آليات أكثر فعالية لحماية حقوق النشطاء مثل حماية الموظفين الدوليين في المؤسسات الدولية والاممية.
- تطوير اتفاقيات التسليم: يجب أن تتضمن اتفاقيات التسليم ضمانات قضائية لحماية حقوق الأفراد من الانتهاكات والممارسات التي قد تمارسها بلدان التسليم من تعذيب بدني وإخفاء قسري حتى الوصول للتصفية الجسدية.
- ضمان المحاكمات العادلة: يجب أن يتمتع المعتقلون بحقوقهم القانونية الكاملة، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة.
على المستوى السياسي:
- تفعيل الضغط الدبلوماسي: يمكن للدول والمنظمات الدولية ممارسة ضغط دبلوماسي على الدول التي تنتهك حقوق الإنسان.
يتم تجاهل المواثيق الدولية بشكل متكرر، مما يضعف من فعاليتها ويدفع لزيادة البطش بالناشطين السياسيين على مستوى الدول التي تتعدى حدود القوانين الدولية والمواثيق الدولية
- دعم المؤسسات الحقوقية: يجب توفير الدعم المالي والسياسي للمنظمات الحقوقية التي تعمل على حماية النشطاء، وأن تكون لها سلطة حقيقية على الأرض.
- حماية حرية التعبير: يجب أن تعمل الدول على تعزيز حرية التعبير وحماية النشطاء من الملاحقة، وذلك عبر تفعيل القوانين الحامية للتعبير عن الرأي وحرية الفكر.
على المستوى المجتمعي
- تعزيز التضامن الدولي: عبر حملات التضامن مع النشطاء المعتقلين من قبل منظمات المجتمع المدني المحلية والعالمية.
- توثيق الانتهاكات: يجب توثيق حالات الاعتقال والانتهاكات بشكل دقيق لنشر الوعي والضغط من أجل التغيير.
- رفع الوعي العام: يمكن استخدام كل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات وحشد الدعم، وإطلاق حملة مظاهرات أمام سفارات الدول التي تنتهك حقوق الإنسان واللاجئين وبالأخص في أوروبا أمريكا وكندا وأمريكا الجنوبية، لمحاولة خلق حالة من الرفض الشعبي والدولي.
ليست قضية عبد الرحمن يوسف القرضاوي مجرد حادثة معزولة، بل هي نموذج لتهديد متزايد للحريات الأساسية وحقوق الإنسان في العالم العربي.
يتطلب الأمر تحركا عاجلا من المجتمع الدولي لحماية النشطاء السياسيين المعارضين للأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية وضمان احترام القانون الدولي. في النهاية، فإن حماية حقوق الإنسان ليست مسؤولية الدول فقط، بل هي مسؤولية مشتركة بين الحكومات والمجتمع المدني والأفراد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات حقوق الإنسان المصري عبد الرحمن يوسف لبنان الإمارات مصر لبنان الإمارات حقوق الإنسان عبد الرحمن يوسف مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عبد الرحمن یوسف القرضاوی النشطاء السیاسیین المواثیق الدولیة المجتمع الدولی القانون الدولی آلیات الحمایة حریة التعبیر حقوق الإنسان الدول التی حمایة حقوق یجب أن
إقرأ أيضاً:
الديباني: حكم استئناف بنغازي يُسقط قانونيًا هيئة الانتخابات الموازية التي أنشأها الرئاسي
الديباني: حكم استئناف بنغازي يحسم الجدل حول عدم مشروعية قرارات الرئاسي
ليبيا – علّق الخبير القانوني والمحلل السياسي الليبي عبدالله الديباني على حكم محكمة استئناف بنغازي القاضي بإلغاء قرارات المجلس الرئاسي بشأن إنشاء مفوضية موازية للانتخابات، معتبرًا أن الحكم جاء ليحسم الجدل القانوني القائم حول مشروعية قرارات المجلس الرئاسي المتعلقة بإنشاء مفوضية للاستفتاء والاستعلام.
تأكيد غياب الصلاحيات القانونية
وفي تصريحات خاصة لموقع “العين الإخبارية”، قال الديباني إن الحكم أكد بشكل واضح أن المجلس الرئاسي لا يملك الصلاحية القانونية لإنشاء هيئة موازية للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، موضحًا أن الهيئة المقترحة تمارس مهامًا واردة نصًا ضمن اختصاصات المفوضية العليا، ما يضعها في تعارض مباشر مع هيئة سيادية مخوّلة بموجب القانون.
مخالفة للاتفاق السياسي
وأضاف الديباني أن الاتفاق السياسي المنظّم لاختصاصات المجلس الرئاسي لا يمنحه حق تأسيس هياكل سيادية جديدة، واصفًا الخطوة بأنها قرار عشوائي وغير مدروس، استُخدم كوسيلة للضغط على السلطتين التشريعية والتنفيذية.
حجية الأحكام القضائية
وأشار إلى أن الأحكام القضائية تتمتع بحجية الشيء المقضي به، وهو ما يمنح هذا الحكم قوة قانونية تُسقط شرعية الهيئة التي حاول المجلس الرئاسي تأسيسها، مؤكدًا أن السلطة التنفيذية لا يجوز لها التدخل في إنشاء مؤسسات انتخابية أو استفتائية، طالما توجد مفوضية سيادية مختصة قائمة وفق القانون.