ثلاثة إجراءات اتخذتها الحكومة المصرية مؤخرا تكشف عن توجهها نحو تقنين مراقبة هواتف المصريين، وتسجيل اجتماعاتهم الخاصة، ومنح النيابة حق مراقبة حساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

القرار الأول، صدر الأحد الماضي، بإقرار مجلس النواب المصري نهائيا، (المادة 79) من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، التي تتيح للنيابة العامة إصدار أوامر بضبط أو مراقبة أو الاطلاع على وسائل الاتصال ومنها الحسابات على السوشيال ميديا أو الإيميلات أو الهواتف المحمولة ومراقبة الاتصالات والمراسلات والحسابات لمصلحة التحقيق، بما يشمل "إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص".



المادة؛ تتيح للنيابة العامة بعد الحصول على إذن مسبب من القاضي الجزئي سلطة إصدار أوامر بـــ(ضبط جميع الخطابات، والرسائل، والبرقيات، والجرائد والمطبوعات، والطرود، وأن يأمر بمراقبة الإتصالات السلكية واللاسلكية، وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة غير المتاحة للكافة".

وأيضا: "البريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المسموعة أو المصورة علي الهواتف أو الأجهزة أو أية وسيلة تقنية أخري، وضبط الوسائط الحاوية لها أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس  لمدة تزيد على 3 أشهر".



المحامي الحقوقي خالد علي، لفت إلى أنه "يجوز تجديد مدة مراقبة تلك الاتصالات (30 يوم) لمدة أو مدد مماثلة، بدون رقابة من منصة القضاء على قرار النيابة، وبدون حد زمني أقصى لهذه التسجيلات".

وأكد أن "هذه القواعد من العيوب الواردة بالقانون الحالي للإجراءات الجنائية، وكنا نعارضها ونطالب أن تخضع كل هذه الإجراءات الاستثنائية لرقابة القضاء دون إطلاق يد النيابة فيها وبدلا من الاستجابة لمطالب التعديل تم النص عليها في المشروع".


والثلاثاء، انتقد "المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة"، إقرار مجلس النواب (المادة 79)، مطالبا بإعادة مراجعة نصها وتعديلها في ضوء أحكام الدستور، مؤكدا عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أنها مخالفة لنص (المادة 73) من الدستور، وموضحا أن "إجراء تسجيلات لأحاديث جرت بمكان خاص مخالفة للدستور ولو بإذن قضائي".

وتنص (المادة 73) من الدستور على أن "حق الاجتماع الخاص سلميا مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته أو التنصت عليه".

ويواصل أعضاء مجلس النواب إقرار مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية والتي وصلت حتى الثلاثاء، 170 مادة من أصل 540 مادة بمشروع القانون الذي شهد العديد من الإنتقادات من المعنيين والخبراء والمؤسسات المدنية ونقابات الصحفيين والمحامين وغيرها.


وعبر صفحاتهم بمواقع التواصل انتقد البعض هذا الإقرار، وبينهم القيادي بحزب "المحافظين" مجدي حمدان، الذي أكد أن هذا "الكلام يتنافى مع باب الحقوق والحريات في الدستور"، فيما كتبت الناشطة أمينة حسانين: "إلى هذا الحد منع الحريات وتكمميم الأفواه"، متسائلة: "كيف لمجلس النواب الموقر أن يقر هذا القانون؟"، في حين خاطب البعض المصريين: "أنت في كوريا الشمالية مصر سابقا".

"القرار الثاني"

جرى مطلع كانون الثاني/ يناير الجاري، بإلزام الحكومة المصرية لأكثر من 14 مليون مصري يقيمون في الخارج وفقا لإحصائيات رسمية، بتنزيل تطبيق على هاتفهم المحمول مهمته حساب الضريبة المقررة على كل هاتف يشترونه من الخارج لدفعها عند دخولهم به البلاد، وسط مخاوف من أن يكون التطبيق وسيلة للتجسس على المصريين بالخارج.

فرض الحكومة المصرية هذا التطبيق على المصريين لفرض الرسوم الجمركية الجديدة على الهواتف المستوردة بقيمة 38.5 بالمئة، وللسيطرة على سوق الأجهزة المحمولة ومنع المستوردة منها والبالغ حجمها نحو ملياري دولار سنويا، وفق بيان لوزارتي المالية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مطلع كانون الثاني/ يناير الجاري.

"سجل تجسس مثير"

هذا التوجه يأتي في الوقت الذي أعلنت فيه شركة "ساندفين" الكندية، المصنعة لبرامج المراقبة التي سمحت للدول الاستبدادية برقابة الإنترنت والتجسس على مواطنيها، في أيلول/ سبتمبر الماضي، أنها ستغادر عشرات الدول "غير الديمقراطية" ومنها مصر بحلول نهاية آذار/ مارس 2025، فيما يشهد نهاية العام إنهاء خدمة العملاء غير الحكوميين في مصر.

ويأتي تغيير اتجاه الشركة الكندية بعد سنوات من التحقيقات التي أجرتها وكالة "بلومبرغ" والتي أفادت بأن "ساندفين" باعت منتجات مراقبة الإنترنت الخاصة بها إلى أنظمة استبدادية، بما في ذلك بيلاروسيا ومصر وإريتريا والإمارات وأوزبكستان.

وزارة التجارة الأمريكية وضعت "ساندفين" في شباط/ فبراير الماضي، على القائمة المحظورة متهمة الشركة ببيع منتجاتها للحكومة المصرية، التي استخدمت ساندفين "في مراقبة الويب والرقابة الجماعية لمنع الأخبار وكذلك استهداف الجهات السياسية ونشطاء حقوق الإنسان".

ويظل ملف اعتماد الحكومة المصرية على برامج التجسس ومنها الإسرائيلية مقلقا للمعارضين المصريين خاصة بعدما كشفه تحقيق دولي في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من أن شركة مراقبة رقمية إسرائيلية باعت للنظام المصري برامج تجسس، لاستخدامها ضد المعارضين.

وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن التحقيق كشف عن وثائق تفيد بأن شركة "إنتليكسا" وهي تحالف لشركات أسلحة ومراقبة رقمية مملوكة لإسرائيليين وعمل بها رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت كمستشار، باعت برنامج التجسس المعروف باسم "بريداتور" لمصر لاستخدامها لتقويض حقوق الإنسان وحرية الصحافة والحركات الاجتماعية.

ومنذ العام 2017، وتحجب حكومة القاهرة بالتعاون مع الشركة الكندية وشركات أخرى بينها إسرائيلية نحو 700 موقعا إخباريا، إلى جانب مراقبة هواتف سياسيين ومعارضين كان آخرهم السياسي أحمد الطنطاوي المحبوس حاليا.

وفي أيلول/ سبتمبر 2023، كشف تقرير لمعمل "سيتزن لاب" الكندي أن هاتف المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية المصرية بمواجهة رأس النظام عبدالفتاح السيسي، النائب السابق أحمد الطنطاوي، تعرض إلى هجمات باستخدام برمجية تجسس بين أيار/ مايو وأيلول/ سبتمبر من نفس العام، وذلك ببرمجية (بريداتور) "Predator"، التي تعمل من إسرائيل والمجر.

وتأتي عمليات تقنين التنصت على هواتف وحسابات وتجمعات المصريين بعد شهرين فتح  المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التحقيق بجريمة مقتل آلاف المدنيين على الحدود المصرية- الليبية في العملية المخابراتية والعسكرية المعروفة بـ"سيرلي"، التي امتدت بين أعوام 2015 و2019،  والتي كشف فيها موقع (ديسكلوز) الاستقصائي عن اشتراك السلطات العسكرية الفرنسية والعسكرية المصرية فيها بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" ضد مصريين، بدعوى محاربة الإرهاب.

خلال سنوات حكم السيسي، شهدت البلاد أوضاعا أمنية وحقوقية قاسية وصفتها، مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية 26 شباط/ فبراير 2024، بالقول: "قمعت حكومته المعارضة السلمية بعنف، وقضت على العديد من الحريات الأساسية، بطرق أسوأ بكثير من أي نظام استبدادي في تاريخ مصر الحديث".

وطالما انتقدت دول غربية في أوقات وقضايا متفرقة، ملف نظام السيسي الحقوقي، كما تواصل منظمتي "العفو الدولية"، و"هيومن رايتس ووتش"، انتقاداتها، مؤكدتين على تحول مصر إلى "دولة قمع"، مجمعتين على وجود أكثر من 60 ألف مصري كمعتقل سياسي بالسجون.

"غضب متزامن"
يتزامن مع القرارات السابقة حالة من الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تطال أكثر من 107 ملايين مصري يعيشون في الداخل ودفعت بكثيرين منهم إلى السقوط في دوائر الفقر والفقر المدقع، خاصة مع تواصل ارتفاع أسعار السلع والخدمات وعجز الحكومة عن ضبط الأسواق، وتراجع قيمة الجنيه المصري، ما دفع مصريين للمطالبة برحيل رأس النظام.

وفي مقابل تلك القرارات، تواصل الحكومة المصرية قراراتها بتقليص نسب الدعم على الوقود والكهرباء والغاز والسلع التموينية والتي كان آخرها إقرار مجلس النواب المصري، الثلاثاء، مشروع "قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي".

ويسعى القانون لتقليص أعداد المستفيدين من برنامج الدعم النقدي المشروط "تكافل وكرامة" المخصص للأفراد والأسر الفقيرة، حيث يقرر شروطا للاستفادة من هذا الدعم ويلزمهم بتوفيق أوضاعهم وفقا لأحكام القانون الجديد ولائحته التنفيذية.

وحول أسباب تقنين الحكومة المصرية عمليات المراقبة والتجسس على هواتف المصريين وحساباتهم واجتماعاتهم الخاصة، ودلالات توقيت إصدار تلك القرارات تقنن مراقبة المصريين، ومدى مخالفة تلك الإجراءات للقانون والدستور المصري، تحدثت "عربي21"، إلى متخصصين وسياسيين مصريين.

"قوانين كورية بنكهة مصرية"

وفي رده، قال السياسي المصري والمحامي ممدوح إسماعيل، إن "هذه القوانين التي أصدرها برلمان السيسي شكلية؛ فمن المعلوم أن الأجهزة الأمنية المتعددة تراقب كل وسائل الاتصال بصورة بشعة لا مثيل لها، وقد نددت بذلك تقارير دولية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف البرلماني المصري السابق، أن "إعطاء النيابة العامة هذه السلطة هو وضع إطار قانوني شكلي للمراقبة بعدما ضجت المنظمات الحقوقية بالصراخ من الرقابة الأمنية المصرية على كل وسائل الاتصال".



واعتبر أنه "تغيير يوسع من القبض والاعتقال لكل صاحب رأي، ويجعل الحرية جريمة كبرى لا تُغتفر؛ رغم أن الدستور الذي وضعه السيسي ينص في المادة (54) منه على أن (اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺣﻖ ﻃﺒﻴﻌﻲ وهي ﻣﺼﻮﻧﺔ ﻻ تُمس".

ولفت إلى أن "كما كثيرا من مواد الدستور والقانون كله كلام لا يساوي شيئا على أرض الواقع؛ فالشرطة والمخابرات والقضاء كلها منظومة واحدة تقوم على خدمة نظام العسكر في الاستبداد وسجن كل صاحب رأي".

وختم حديثه بالقول إن "مصر يتم حكمها بنظام أمني في كل مناحي الحياة؛ مثل النظام الكوري الشمالي لكن بنكهة مصرية، وهو مشابه لنظام بشار الأسد كثيرا، ولذلك يتفاءل كثيرون بسقوطه كما سقط بشار في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي".

"مهزلة تقنين التجاوزات"

من جانبه، قال السياسي والمحامي المصري عمرو عبدالهادي،إن "ما كان يفعله السيسي سابقا مع كل المصريين بحجه أنه يلاحق أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ويوافقه المجتمع الدولي عليه، لم يعد مقبولا الآن".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أنه "لذلك يحاول تقنين تلك التجاوزات في القوانين؛ لذلك خرج رئيس البرلمان المصري ليعلن عدم وجود اعتقالات، في مصر".

وفي واقعة مثيرة للجدل، وخلال مناقشة البرلمان قانون "الإجراءات الجنائية" الجديد الثلاثاء، اعترض رئيس مجلس النواب حنفي جبالي حول ذكر النائب عاطف المغاوري، مصطلح "معتقلين"، ليرد قائلا: "فى ظل الجمهورية الجديدة لا يوجد ما يسمى اعتقالات، ولكن تطبيق القانون كما يجب، فنحن في دولة سيادة القانون".

وهنا أكد عبدالهادي، أنه "بالفعل أصبح عمليات التنصت والمراقبة والاعتقال جزءا من القانون"، موضحا أن "كل تلك التجاوزات كانت تحدث منذ عام 1952"، مذكرا باعتراف وزير الداخلية الأسبق في عهد حسني مبارك، حبيب العادلي أمام المحكمة، بمراقبة الهواتف لحفظ الآداب العامة".

وفي نهاية حديثه شدد على أن "ما يحدث الآن من تقنين لتلك الجرائم وإعطاء سلطات أكبر لانتهاك حرية المواطن بالقانون؛ هي مهزلة جديدة تضاف لمهازل السيسي".

"لا يبدع إلا في التجسس"

وفي قراءته السياسية، قال السياسي المصري والبرلماني السابق الدكتور محمد عماد صابر، لـ"عربي21"، إن "نظام السيسي نظام أمني استبدادي في أصله؛ فهو وليد الانقلاب العسكري على الشرعية الشعبية".

وأوضح أنه "لهذا فهو منذ نشأته تسكنه هواجس الخوف من ثورة 25 يناير 2011، ومن أي حراك شعبي، ولذا فقد حرص على ممارسة أقصى درجات القمع وقام بتكميم الأفواه وأغلق الأفق السياسي للبلاد".

صابر، أكد أنه "لا يُبدع إلا في التجسس على المصريين، فضلا عن أنه لا يعبأ بقانون أو دستور".

ولفت إلى أن "نجاح الثورة السورية ضد أقسى نظام قمعي في تاريخ الشرق الأوسط في غضون أيام قليلة أيقظ كوابيس النظام حول إمكانية قيام ثورة شعبية بالرغم من كل ممارساته القمعية".

ويرى أنه "لذلك فقد سارع النظام في الآونة الأخيرة بزيادة الإجراءات القمعية التي تمكنه من اختراق خصوصيات المصريين، وتقنين عمليات تجسس النظام على الشعب عبر مجموعة من القوانين التي تخالف كل قوانين حقوق الإنسان".

وختم قائلا: "تلك القوانين تجعل المصريين أسرى لنظام مهووس بالسلطة ومتشبثا بها بالرغم من التردي الشديد والانهيار الذي تشهده البلاد، ولكننا نؤكد أن درس التاريخ الدائم يقول إن الشعوب صاحبة الكلمة الأخيرة دائما في حياة أي نظام مهما كان قمعه وتسلطه واستبداده".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية المصرية مراقبة تجسس قمع مصر تجسس قمع مراقبة المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحکومة المصریة مجلس النواب إلى أن

إقرأ أيضاً:

انقطاع الكهرباء شبح يطارد المصريين مع استمرار حرب إسرائيل وإيران

القاهرة – يأمل محمد الفولي، صاحب سوبر ماركت بالجيزة (ثاني أكبر محافظات مصر سكانًا)، عدم تكرار أزمة انقطاع الكهرباء العام الماضي. ورغم وعود الحكومة، يخشى الفولي عودة تخفيف الأحمال بسبب الحرب بين إسرائيل وإيران.

وقال الفولي إن "أكثر ما يثير قلقنا نحن أصحاب المحال الغذائية هو انقطاع التيار الكهربائي، لأن نشاطنا يعتمد بشكل أساسي على حفظ المنتجات المبردة والمجمدة التي تتطلب تبريدا مستمرا من دون انقطاع، وخاصة في فصل الصيف".

وأضاف للجزيرة نت أنه وجميع العاملين في هذا القطاع وغيرهم "تكبدوا خسائر فادحة العام الماضي، بعد خروج الأمر عن السيطرة وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة، مما أدى إلى تلف كميات كبيرة من الأغذية".

ترشيد الكهرباء لتجنب الانقطاع

وفي ظل انخفاض واردات مصر من الغاز الطبيعي من إسرائيل وتراجع الإنتاج المحلي، دقت الحكومة ناقوس الحذر، وبدأت بالتحرك لتفادي العودة إلى سيناريوهات "تخفيف الأحمال" وتكرار أزمة انقطاع الكهرباء العام الماضي.

وخلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة، حث رئيس الوزراء مصطفى مدبولي المواطنين على ترشيد استهلاك الكهرباء في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة، مع تأكيده التزام الحكومة بإمداد محطات الكهرباء بالوقود اللازم لتشغيلها بالكفاءة المطلوبة.

لكنه لم يستبعد انقطاع التيار الكهربائي في بعض المناطق؛ نتيجة لمشكلات الصيف التقليدية التي تواجهها شركة الكهرباء، مثل ارتفاع درجات الحرارة وخروج بعض المحولات عن الخدمة أو تضررها، واصفًا إياها "بالعوارض الطارئة".

ووجهت الحكومة جميع المحافظين بتنفيذ إجراءات ترشيد استهلاك الكهرباء بدءًا من إنارة الشوارع والمنشآت الحكومية وحتى ساعات العمل، مما يثير تساؤلات حول مدى فاعلية هذه الإجراءات، وهل ستكون كافية لتغطية احتياجات البلاد المتزايدة من الطاقة، أم إن سيناريو انقطاع التيار الكهربائي سيبقى شبحا يطارد المصريين؟

الحكومة المصرية تحث على ترشيد استهلاك الكهرباء في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة (الجزيرة) أبرز إجراءات ترشيد الكهرباء التي أقرتها المحافظات: التشدد في مواعيد غلق المحال التجارية عند الساعة 11 مساء. خفض استهلاك الكهرباء في المصالح الحكومية بنسبة 30%. تقليص إنارة الطرق العامة إلى 60% فقط. فصل الكهرباء والأجهزة داخل المباني الحكومية يوميا بدءا من الساعة 8 مساء. منع إضاءة لوحات الإعلانات بالشوارع من الساعة 9 مساء حتى منتصف الليل. خفض الإضاءة العامة ووقف إنارة الميادين خلال ساعات النهار. تقليل إنارة دور المناسبات وبعض المحال في النهار. إلزام الموظفين بفصل أجهزة التكييف قبل مغادرة المكاتب. إعلان

بالتوازي، قررت السلطات المصرية السبت الماضي تعليق إمدادات زيت الوقود والديزل لبعض الصناعات لمدة أسبوعين، لتوفير ما يصل إلى 9 آلاف طن من الديزل يوميا لمصلحة محطات الكهرباء، في انتظار وصول شحنات الغاز المسال المستوردة.

سيناريوهات استدامة الكهرباء

وقال الرئيس التنفيذي الأسبق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك حافظ سلماوي "إن استدامة التيار الكهربائي في مصر باتت مرتبطة بتطورات الوضع الإقليمي، واستمرار التصعيد العسكري في المنطقة قد يجعل من الصعب تفادي سيناريو تخفيف الأحمال، رغم الإجراءات الحكومية الحالية لترشيد الاستهلاك".

وأوضح سلماوي، في حديث للجزيرة نت، أن ما تقوم به الحكومة في الوقت الراهن هو تقنين للاستخدام وليس تغييرا في أنماط الاستهلاك، مشيرا إلى أن ترشيد الاستهلاك الحقيقي يتطلب تغيير سلوك الأفراد من خلال برامج توعية طويلة الأجل. ولفت إلى أن الإجراءات الحالية توفر من 3% إلى 4% فقط من إجمالي استهلاك الكهرباء.

وفي ما يتعلق بوضع الغاز في مصر، أوضح أن الغاز الإسرائيلي يمدّ مصر بنحو 15% من احتياجاتها، بتكلفة تُقدّر بـ 7.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، في حين يبلغ العجز في الإمدادات المحلية نحو 30%، وتتم تغطيته من خلال استيراد الغاز المسال بتكلفة تقارب الضعف.

وتابع المتحدث أن الحكومة تحركت على مسارين متوازيين منذ انقطاع الغاز الإسرائيلي:

أولهما برنامج تدريجي لخفض استهلاك الغاز شمل تقليص الإمدادات لبعض الصناعات. أما المسار الثاني فكان تشغيل جزء من المحطات بالمازوت، رغم أن كفاءته أقل بنحو 30% مقارنة بالغاز، وذلك ما يجعله خيارا غير اقتصادي لكنه مقبول مؤقتًا في ظل الأزمة، مؤكدا أن خفض الغاز للصناعات الإنتاجية والمصدّرة يترتب عليه خسائر اقتصادية مباشرة. الحكومة المصرية تحث على ترشيد استهلاك الكهرباء في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة (الجزيرة) متى تضطر مصر إلى تخفيف الأحمال؟

وأوضح الرئيس التنفيذي الأسبق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء أن السيناريو الأصعب الذي قد تواجهه مصر هو اضطرارها إلى مضاعفة وارداتها من الغاز المسال الذي تصل تكلفته إلى نحو ضعف تكلفة الغاز المستورد من إسرائيل، وذلك يمثل عبئا ماليا كبيرا، خاصة أن إبرام تعاقدات جديدة لاستيراده يستغرق وقتا طويلا، مشيرا إلى أن هذا السيناريو يمكن أن يحدث إذا تصاعدت الحرب وتوسعت.

وأشار إلى أن مصر تمتلك حاليا 3 سفن تغويز: اثنتان في البحر الأحمر وواحدة في البحر المتوسط، لكن الحاجة إلى سفينة رابعة تبدو ملحّة في هذا السيناريو، وهو ما يصطدم بعنصر الزمن. وفي حال تأخر التعاقدات أو عدم كفاية البنية الحالية، فإن العودة إلى سياسة تخفيف الأحمال ستصبح خيارا صعبا لكن شبه حتمي.

بدائل طويلة الأجل في إمدادات الطاقة

وإذ يشكل الغاز 80% من وقود محطات الكهرباء في مصر، حذر أنور القاسم، المحلل الاقتصادي في صحيفة "فايننشال تايمز"، من أزمة وشيكة في الأفق بسبب الحرب الإقليمية التي ستؤثر تحديدا على كل من مصر والأردن.

وأشار القاسم في حديثه إلى الجزيرة نت "إلى ضرورة اللجوء إلى بدائل مبكرة، خاصة أن طرق التوعية بترشيد الاستهلاك لا تحقق نتائج سريعة، داعيا مصر للتوجه فورا إلى شراء سفن الغاز من الأسواق الإقليمية والدولية، خاصة أنها دولة كبيرة وتضم صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.

القاسم أكد أن انقطاع الغاز مدة طويلة قد يحدث أزمة اقتصادية، نظرا لاعتماد الكهرباء بنسبة 80% على الغاز، وتهديد تعطل إنتاج المصانع والشركات، سواء المحلي أو الموجه للتصدير، عند عدم توفر بدائل كالتحول إلى المازوت في بعض محطات توليد الكهرباء.

إعلان

ويرى المحلل الاقتصادي أن شبح أزمة تخفيف الأحمال لا يزال ماثلًا أمام المصريين بسبب التطور الكبير في البنية التحتية وزيادة الإنتاج. ومن هنا، شدد على ضرورة تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستثمارات الأجنبية في استخراج الغاز وتحقيق اكتشافات جديدة لضمان استدامة إمدادات الطاقة.

ارتفاع فاتورة الطاقة

وتضاعفت فاتورة صافي واردات الطاقة المصرية لأكثر من الضعف في عام 2024 لتصل إلى 11.3 مليار دولار، فرفع ذلك عجز الحساب الجاري إلى 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ3.2% العام السابق.

ويُتوقع أن ترتفع فاتورة الطاقة الشهرية هذا الصيف إلى نحو 3 مليارات دولار بدءًا من يوليو/تموز المقبل، مقارنة بملياري دولار فقط العام الماضي، حسب تقديرات سابقة.

إنتاج مصر المحلي من الغاز الطبيعي يبلغ 4.2 مليارات قدم مكعب يوميا، بينما يصل الطلب إلى 6.2 مليارات، و7 مليارات في الصيف.

مقالات مشابهة

  • رئيس بلدية طرابلس التقى شرطة البلدية المكلفة مراقبة مجرى نهر أبو علي
  • الرقابة النووية: نتائج مراقبة المواد المشعة في الهواء طبيعية ومطمئنة
  • انقطاع الكهرباء شبح يطارد المصريين مع استمرار حرب إسرائيل وإيران
  • إير كايرو تطور برامج السلامة بتطبيق نظام مراقبة للبيانات بأسطولها الجوي
  • مواصفات سيارة شانجان الجديدة: Uni-V وEado Plus
  • التضخم ما زال مرتفعًا.. والفيدرالي يواصل مراقبة السوق
  • قطع الاحتلال إمدادات الغاز يستنفر الحكومة المصرية.. خطة لخفض استهلاك الكهرباء
  • اليوم.. آخر فرصة لسداد مقدم جدية حجز شقق «سكن لكل المصريين 7»
  • "البيئة" تنشىء 150 محطة رصد لمبادرة مراقبة جودة الهواء في المملكة
  • إيه الأكلة المفضلة في بيتك.. شاهد تعليقات المصريين