الأزهر: المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي هو من يمتلك المهارات الرقمية
تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إن الفتوى صناعة، وهي عِلم له مقومات وأركان ومبادئ، يصنع المفتي صُنعًا، فليس كلُّ مَن تصدَّرَ عبرَ شاشةٍ أو وسيلةٍ إعلاميَّةٍ يعد مفتيًا، وإن توارى خلف مصطلحاتِ العلمِ، أو شقشقَ بألفاظٍ تحسبها من الفقه، وما هي من الفقهِ بسبيلٍ.
جاء ذلك خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية بالمؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، التي ألقاها نيابة عن فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
وأشاد وكيل الأزهر بجهود دار الإفتاء المصرية بقيادة الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، في اختيار موضوع المؤتمر، مؤكدًا أن اختيار عنوان "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي" يعكس وعيًا عميقًا بضرورة إعداد المفتين إعدادًا متوازنًا يجمع بين التأصيل الشرعي والمهارات الرقمية.
وأشار إلى أن الفتوى ليست مجرد كلمة عابرة من نوع "يجوز" أو "لا يجوز"، بل هي عملية علمية مركبة تبدأ بفهم المسألة من واقع السائل، ثم تكييفها على القواعد الفقهية، وصولًا إلى إصدار الحكم بعد النظر في المآلات، مؤكدًا أن هذه الصناعة تتطلب وعيًا شرعيًّا راسخًا وبصيرةً نافذة.
ولفت الدكتور الضويني النظر إلى أن التاريخ الإسلامي حافل بتحذيرات العلماء من التجرؤ على الفتوى بلا علم، مستشهدًا بقول عبد الرَّحمنِ بن أبي ليلى، من كبار التابعين: "أدرَكتُ عِشـرينَ ومِئةً مِنَ الأنصارِ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ما مِنهم من أحَدٍ يُحَدِّثُ بحَديثٍ إلَّا ودَّ أنَّ أخاه كَفاه إيَّاه، ولا يُستَفتى عن شَيءٍ إلَّا وَدَّ أنَّ أخاه كَفاه الفتوى".
وشدَّد وكيل الأزهر على أن الذكاء الاصطناعي لا يُمكن أن يكون بديلًا عن المفتي المؤهَّل أو الراسخ الذي يحمل على عاتقه أمانة البيان عن الله تعالى، واستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها المعتبرة بفهم عميق وإدراك دقيق لمقاصد الشريعة من ناحية، ولأحوال الناس المتجددة من ناحية أخرى.
وأوضح أن لهذه التقنيات الحديثة دورًا بنَّاءً في مجال الإفتاء، وفي خدمة العلماء والمفتين، من خلال تيسير الوصول إلى المصادر والمراجع، وترتيب البيانات وتحديثها، وتحليل كَمٍّ كبيرٍ من الفتاوى الشرعية، وإتاحة إجابات أولية سريعة مبنية على المعلومات الموثوقة والمخزنة، بما يسهم في دعم منظومة الفتوى، وإثراء محتواها وترشيدها.
وأكد الدكتور الضويني أن الذكاء الاصطناعي يمكن استثمار أدواته لزيادة دقة البحث، وسرعة الوصول إلى النصوص، وربط القضايا بنظائرها ومستجداتها، موضحًا أن العقل البشري والمَلَكة الفقهية هما الفيصل والحاكم في إصدار الفتوى؛ فصناعة الفتوى لا تقف عند حدود استخراج نصوص محفوظة، وفتاوى ثابتة، بل هي عملية اجتهادية تقتضي فقهًا دقيقًا، وبصيرة نافذة، وفهمًا لمقاصد الشريعة، وربطًا دقيقًا بين النص الشرعي والواقع الذي يمر به المستفتي، وفهمًا للمصالح والمفاسد، وإدراكًا لخصوصية الزمان والمكان.
وأوصى الدكتور الضويني بضرورة وضع ميثاق أخلاقي يضبط التعامل مع الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، بما يضمن ألا يتحول من أداة نافعة إلى وسيلة تنتهك الخصوصية، وتُقوِّض القيم والمبادئ الأخلاقية التي يقوم عليها تماسك المجتمعات.
كما أوضح أن الأزهر الشريف يعمل حاليًّا على صياغة وثيقة أزهرية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، من خلال لجنة عليا بإشراف فضيلة الإمام الأكبر.
وفي ختام كلمته، طرح الدكتور الضويني جملة من التساؤلات العميقة التي تعكس وعيًا بخطورة المرحلة، مؤكدًا أنَّ الذكاء الاصطناعي يفرض على العلماء والمفتين وأبناء العصر وقفة جادة، وتساءل: “أين هِم الباحثين والمجتهدين في زمن التوسع في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي؟ وهل أصبح لزامًا علينا أن نتمسك أكثر بأصولنا العلمية والشرعية لتكون صمام أمان ضد أي تزييف أو تحيز معرفي؟”.
كما دعا إلى الانتقال من موقع المفعول به إلى موقع الفاعل والمؤثر في إدارة هذه التقنية، حتى لا نصبح أسرى للشاشات، ولا تُدار عقولنا من وراء البحار.
واختتم فضيلته كلمته بالتأكيد على ضرورة إعداد قائمة بالكفاءات والمهارات العلمية والعملية التي يجب أن تتوفر فيمن يتصدر للإفتاء باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، محذرًا في الوقت ذاته من ذوبان الهوية وضياع الشخصية في الفضاء الرقمي.
وحول القضية الفلسطينية، أدان الدكتور الضويني ما يقوم به الإرهاب الصهيوني من هدم وتخريب متعمد داخل الأراضي الفلسطينية، واستمراره في الاعتداءات الدموية ضد الشعب الفلسطيني الشقيق، مؤكدًا أن تلك الأعمال الوحشية تعد مظاهر ضد الإنسانية قبل أن تكون ضد القضية الفلسطينية.
وثمن دور مصر الداعم للقضية الفلسطينية وجهود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: محمد الضويني وكيل الأزهر شيخ الأزهر الشريف غزة القضية الفلسطينية الذکاء الاصطناعی الدکتور الضوینی الأزهر الشریف وکیل الأزهر مؤکد ا أن
إقرأ أيضاً:
مهارات يجب أن يتمتع بها المفتي في عصر الذكاء الاصطناعي.. تعرف عليها
أجاب الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، على سؤال يقول: ما هي المهارات الجديدة التي يحتاجها المفتي في عصر الذكاء الاصطناعي؟
وقال مفتي الجمهورية، في حوار لصدى البلد، إنه لا شك أنَّ مفتي اليوم بحاجة إلى مهارات إضافية بجانب تأصيله الشرعي المتين، فمع دخولنا عصر الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، لم يعُد يكفي للمفتي أن يكون عالمًا بالنصوص الشرعية فحسب، بل ينبغي أن يكتسب وعيًا بالتقنيات الحديثة وكيفية عملها.
وأكد مفتي الجمهورية، أنه يجب على المفتي أن يكون ملمًا بأساسيات الثقافة الرقمية، وقادرًا على استخدام الحاسوب وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تعينه في الوصول السريع للمعلومة الشرعية الصحيحة.
وتابع المفتي: لقد لمسنا أن بعض العلماء يواجهون صعوبة في أداء مهامهم بالكفاءة المطلوبة بسبب ضعف التأهيل التقني لديهم ، لذلك صار التدريب التقني ضرورة لا رفاهية.
كما حرصت دار الإفتاء على إعداد برامج ودورات لتدريب المفتين على مهارات الإعلام الرقمي ووسائل التواصل، ليكونوا أقدر على توصيل الفتوى والتفاعل مع الجمهور بأدوات العصر الفعالة . أيضًا من المهارات المهمة اليوم التواصل الجماهيري وصناعة المحتوى الدعوي الجذَّاب عبر الإنترنت، مع الالتزام بالانضباط الشرعي.
وأوضح نظير عياد، أن المفتي المعاصر بحاجة إلى الإلمام بأساليب التحليل وإدارة البيانات ليستطيع قراءة الواقع المتغيّر واستشراف حاجات المجتمع على ضوء معطيات جديدة.
وتابع: ولا يفوتني التأكيد على مهارة التعلُّم المستمر؛ فالتطور التقني متسارع، والمفتي الرشيد هو الذي يُحدِّث أدواته المعرفية باستمرار ويطوِّر من نفسه ليتفاعل مع كل جديد دون تفريط بالثوابت. باختصار، يحتاج المفتي اليوم أن يجمع بين أصالة العلم الشرعي وحداثة المهارة التقنية، وأن يكون قادرًا على الاستفادة من التقنيات الحديثة بأمانٍ وحكمة لخدمة مقاصد الشرع الحنيف.