استراتيجية اليمن المستقبلية في إسناد فلسطين من منظور خطاب السيد القائد
تاريخ النشر: 17th, January 2025 GMT
يمانيون/ تقارير
وضح السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- معالم الموقف اليمني تجاه القضية الفلسطينية سواء خلال الأيام القادمة من مراحل اتفاق وقف إطلاق النار بغزة أو في المراحل المستقبلية من الصراع.
خلال الأيام القادمة وقبل دخول الاتفاق حيز التنفيذ الأحد القادم، أكد السيد القائد أن اليمن سيبقى في مواكبة ورصد لمجريات الوضع في فلسطين وفي قطاع غزة، مؤكداً أنه “إذا استمر العدو الإسرائيلي في مجازر الإبادة الجماعية والتصعيد؛ سنستمر بعملياتنا الهجومية والعسكرية المساندة للشعب الفلسطيني”.
وبعد أن شخّص السيد القائد المرحلة الحالية في الصراع مع العدو، انتقل إلى تقديم صورة لمآلات الأحداث في المستقبل، راسماً معالم المرحلة لما بعد الاتفاق، وهنا يؤكد على ثبات الموقف اليمني المبدئي والأخلاقي مع القضية الفلسطينية، معززاً التأكيد على عدم التخلي عن فلسطين في أي جولة صراع قادم، لا سيما وأن العدو لن يتوقف، بناء على أطماعه التوسعية في المنطقة، ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية، والقضاء على مقاومتها الباسلة.
ويرى السيد القائد أن الأعداء يعملون على تطوير قدراتهم العسكرية، مع السعي لتجريد الآخرين من كل عناصر القوة، لكن هذه المحاولة لن تنطلي على اليمن، ولذا يؤكد السيد القائد أننا في اليمن ” سنسعى باستمرار في تطوير القدرات العسكرية بإذن الله تعالى، وبالاعتماد عليه، وعلى توفيقه، وتسديده، ومعونته، من أجل أداءٍ أقوى، وأعظم، وأكثر فاعليةً في إسناد الشعب الفلسطيني، وهذا بالنسبة لنا هو مسار مستمر، نستمر عليه بإذن الله تعالى”.
هذه الرؤية، تعطي دلالة للجميع بأن العدو مثلما يسعى للإعداد والتحضير للجولة القادمة من الصراع، فإن الجبهة اليمنية ستظل على الوتيرة ذاتها من حيث التصنيع والإعداد، والانتباه، والتحضر لأي مواجهة مقبلة، وهذا خيار بالنسبة لليمنيين لن يحيدوا عنه أبداً، فالقضية – كما يقول السيد القائد- قائمة ولن تهدأ إلا بتطهير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني اليهودي، وحتى ينعم الشعب الفلسطيني بالحُرِّيَّة، والاستقلال بشكلٍ كامل.
عنصر المفاجأة.. أهم مميزات جبهة الإسناد اليمنيةوبموازاة ذلك، أطلق السيد القائد في خطابه الأخير بالتزامن مع الاتفاق العديد من الرسائل الهامة، متطرقاً إلى الجبهة اليمنية المساندة لغزة، والتي يرى أنها تميزت بعنصر المفاجأة للعالم وللكثير من المراقبين والمحللين والسياسيين، لما حوت من ضربات نوعية وهجمات لا مثيل لها سواء في البحرين الأحمر والعربي ضد السفن والقطع الحربية الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، أو من خلال إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة نحو العمق الصهيوني.
عنصر المفاجأة هنا للكثيرين أن اليمن البعيد جغرافياً عن فلسطين المحتلة يستحيل أن يدخل كجبهة اسناد لغزة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن هذا البلد خرج من ركام عدوان سعودي أمريكي غاشم، استهدف كل مقومات الحياة على مدى 10 سنوات، فكيف له أن يتحول إلى جبهة إسناد، لكن ما حدث فاق كل التوقعات، فالعمليات اليمنية كانت بسقف عال، والمواجهة مع الأمريكيين والإسرائيليين والبريطانيين كانت موجعة ومكلفة للأعداء، وخرج اليمن منتصراً بقيمه وأخلاقه خلال هذه الجولة من الصراع مع الأعداء.
ويؤكد السيد القائد أن القصف الصاروخي اليمني على العمق الصهيوني كان بـ (ألف ومائتين وخمسة وخمسين) ما بين صواريخ بالِسْتِيَّة، ومُجَنَّحَة، وفرط صوتية، وطائرات مُسَيَّرة، وهذا عدد كبير مقارنة بإمكانيات اليمن، حيث لم يستخدم هذا العدد وبهذا الزخم خلال العدوان السعودي الأمريكي على بلادنا خلال السنوات العشر الماضية.
ما يميز جبهة الإسناد اليمنية أنها شهدت قفزات نوعية في التصنيع العسكري، فخلال أكثر من عام من الإسناد لغزة استطاعت القوات المسلحة صناعة صواريخ متنوعة من أبرزها حاطم، ثم فلسطين 1، وصولاً إلى صناعة صواريخ فرط صوتية من نوع فلسطين 2، إضافة إلى صناعة مسيرات ذات قدرات نوعية مثل يافا، وكذلك صناعة غواصات مسيرة، وهذه الأسلحة لم تكن في المخازن اليمنية من قبل، وهذه من النتائج الإيجابية لمشاركة اليمن في اسناد غزة.
ويشير السيد القائد إلى أن هذه العمليات المتطورة والإنتاج الغزير في صناعة الأسلحة لم يأت في ظل وضع استقرار أو هدوء تام، وإنما جاء في ذروة العدوان الأمريكي البريطاني على بلادنا، والضغوط الاقتصادية المتواصلة على بلدنا، لكن اليمن بثباته وقدراته العسكرية مضى إلى الأمام، واستطاع تحييد القدرات العسكرية الأمريكية، وأن يحشر القطع الحربية الأمريكية والبريطانية والغربية في الزاوية.
ومن أبرز تأثيرات العمليات اليمنية على العدو الإسرائيلي وفق ما تطرق إليه السيد القائد ما يلي:
حالة الرعب والخوف الكبير وهروب المغتصبين وهم على فراش النوم بالملايين أثناء دوي صافرات الإنذار مع صول الصواريخ اليمنية إلى العمق الإسرائيلي. توقف حركات الطيران من وإلى مطار [بن غوريون]، وبشكل متكرر؛ مما أدى إلى أن عزوف الكثير من شركات الطيران عن العودة إلى العمل فيه. التأثير على الوضع الاقتصادي جراء العمليات اليمنية المتصاعدة، وهذه الخسائر بالمليارات، كما تؤكد الكثير من التقارير الاقتصادية للعدو نفسه. افلاس ميناء “أم الرشراش”، وعلى الرغم من العدوان الأمريكي البريطاني على بلدنا، وإرسال القطع الحربية والبوارج وحاملات الطائرات إلا أنها فشلت في حماية الملاحة الإسرائيلية، وأصبحت مدينة “ايلات” مسكونة بالرعب والخوف والقلق، وأصبح الصهاينة فيها في حالة خوف دائم، كما يقول السيد القائد عبد الملك الحوثي.فشل أمريكي في حماية الملاحة الإسرائيلية
ويتناول السيد القائد واحدة من أهم ثمار الجبهة اليمنية المساندة لغزة، وهي الفشل الأمريكي في حماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، رغم عدوانه الغاشم على اليمن، الذي بدأ في 12 يناير 2024م، وتحركه العسكري الكبير عبر قطعه البحرية من بارجات وأساطيل وحاملات للطائرات لإخضاع اليمن وحماية الملاحة الإسرائيلية.
ويلفت السيد القائد إلى أن اليمن اشتبك مع حاملات الطائرات لمرات عديدة، “وطردت من مسرح العمليات، ولهذا طُردت [روزفلت]، وطردت [لينكولن]، وتطارد أيضاً الآن حاملة الطائرات [ترومان]، تطارد وتطرد كثيراً من مسرح العمليات، وأصبحت حركة الأمريكي في البحار ليست كما السابق، في البحر الأحمر، وخليج عدن، اعتراضية، ومطمئنة، ومهددة، ومتوعِّدة، ومخيفة للآخرين، ولا أحد يجرؤ على الرد عليها، ولا على الاستهداف لها، شاهد الأمريكي وضعاً مختلفاً تماماً، شاهد أنه أمام من يواجهه، من يتصدى له، من يردُّ عليه بكل قوةٍ وحزم”.
وأمام الاستهداف اليمني لحاملات الطائرات “فشلت أمريكا في ظل هذه الجولة لحماية الإسرائيلي، وعجزت عن ذلك تماماً، وأصبحت عاجزة بالفعل، كانت في البداية تعترض البعض من الصواريخ، البعض من الطائرات المسيَّرة، والآن لا تكاد تحمي نفسها إلَّا بصعوبة مع الهروب، وباتت تطور تكتيكاتها الهروبية، أكثر من التكتيكات الهجومية؛ ولذلك تهرب [ترومان] إلى أقصى شمال البحر الأحمر، وتبتعد عن السواحل اليمنية بأكثر من ألف كيلو، وإذا حاولت أن تتقدم؛ تواجَه وتستهدف، ثم تهرب على الفور من جديد، وتهرب معها القطع التي هي معها، قطع بحرية حربية، في كل العمليات التي تخطط لها تلك الحاملات، يتم طردها بالتزامن مع تلك الترتيبات، وتبتعد هذه المسافة الكبيرة: إلى أقصى شمال البحر الأحمر”، والكلام هنا للسيد القائد.
حتمية الزوال للكيان
وفي سياق حديثه عن الصراع مع الكيان الصهيوني، يتناول السيد القائد جزئية مهمة، ظل يرددها في أكثر من خطاب خلال معركة “طوفان الأقصى”، وهي التأكيد على حتمية زوال الكيان الإجرامي، مؤكداً أنه “كيان مؤقت، وزواله محتوم في الوعد الإلهي الذي لا يتخلَّف ولا يتبدَّل”.
ومع ذلك ينبه السيد القائد إلى أن العدو يسعى إلى أن ينفرد بغزة، معطياً بعض الملامح لتحركه في المستقبل القريب، ومنها ما يلي:
تحريك قطار التطبيع من جهة. الحملات والهجمات الدعائية، والمحاولات لإغراق الشعوب في الفتن والأزمات؛ لتنسى فلسطين، هذا هو الهدف: لتنسى فلسطين، لإفراد فلسطين.ولهذا يكرر السيد القائد ما ابتدأ به في أول خطاب له بعد “طوفان الأقصى” قائلاً :”أنا أقول لكل إخوتنا في الشعب الفلسطيني: لستم وحدكم، ولن تكونوا وحدكم، الله معكم، ونحن معكم، وسنبقى على الدوام معكم حتى تحرير فلسطين كل فلسطين، وزوال الكيان المغتصب، المؤقت، الظالم، الإجرامي”.
* نقلا عن موقع أنصار الله
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الملاحة الإسرائیلیة السید القائد أن البحر الأحمر إلى أن
إقرأ أيضاً:
حكم إسناد سبب نزول المطر إلى كثرة البحار والأنواء.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم إسناد سبب نزول المطر إلى كثرة البحار والأنواء؟ لقد هطلت الأمطار بغزارة في مدينتنا، فقال بعض الناس: إن سبب نزول هذه الأمطار الغزيرة هو وجود البحار، وقال بعضهم: إن سببها الأنواء، فما حكم عزو سبب نزول المطر إلى كثرة البحار والأنواء؟
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: من أسند سبب وجود المطر إلى كثرة البحار، ووجود النوء بقوتها وطبعها ونسب الفعل إلى ذات تلك الأشياء فهو اعتقاد باطل لا يصح اتفاقًا، ومن أسند سبب نزول المطر إلى النوء وغيرها معتقدًا أنَّها من الله تعالى تفضّلًا منه ورحمة بعباده، وأنَّ النَّوْءَ وغيره لا يزيد عن كونه ميقاتًا وعلامة، اعتبارًا بالعادة التي أجراها الله تعالى، بحيث لا تأثير لها لا بطبع ولا قوة -فهو مؤمن، ولا يضر قوله هذا بإيمانه شيئًا.
من قدرة الله تعالى وحكمته إقامة السنن الكونية على نظامٍ بالغ الإحكام
من سنن الله تعالى في كونه أن أقامه على نظامٍ بالغ الإحكام، قوامُه ارتباط العلل بمعلولاتها ارتباطًا عاديًّا، وإجراء المسببات وفق أسبابها، فليست الأسباب بذواتها مؤثرة موجِدة، بل هي سنن كونية جارية بإذنه تعالى، فالفاعل الحق هو الله وحده، والأسباب لا توصل إلى نتائجها إلا بتقديره سبحانه وتعالى وإعماله لها وفق مشيئته وقدرته، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: 96].
بيان أنه لا مؤثر في الحقيقة سوى الله تعالى
قد أجرى الله تعالى العادة على غزارة الأمطار في المناطق الساحلية المُطِلَّة على البحار والمحيطات مُقَارنةً بالمناطق الداخلية، وأن يَقْتَرنَ وجود الأنواء بطقسٍ متقلِّبٍ. والأنواء جمع نوء، وهو: سقوط نَجْمٍ في المغرب، وطلوع آخر في المشرق، وللأنواء ثمانية وعشرون مَنْزِلَةً، كل مَنْزِلَةٍ مدتها ثلاثة عشر يومًا، وهي منازل القمر المشار إليها في قوله تعالى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ [يس: 39]، واستدل به العرب قديمًا على معرفة أحوال المناخ، وكان يُعْتَقَدُ أنَّ الأمطار والخيرات كلها تجيء منها. يُنْظَرُ: "قرة عين الأخيار" للعلَّامة علاء الدين ابن عابدين الحنفي (7/ 557، ط. دار الفكر)، و"فتوحات الوهاب" المعروف "بحاشية الجمل"، للإمام سليمان الجمل الشافعي (2/ 127، ط. دار الفكر)، و"مطالب أولي النهى" للإمام الرحيباني الحنبلي (1/ 825، ط. المكتب الإسلامي).
فنزول المطر وإن صاحبته هذه الظواهر إلَّا أنه يَظَلُّ فعلًا إلهيًّا خالصًا مرهونًا بأمر الله ومشيئته، إذ لا مُؤَثِّر في الوجود بذاته أو بطبعه غير الله تعالى، فالسِّكِّين لا يقطع بنفسه، بل يخلق الله القطع عند استعماله، والماء لا يروي بنفسه، بل يخلق الله تعالى الريَّ عند شربه، فهكذا البحار والأنواء لا تؤثر بنفسها، بل يخلق الله تعالى المطر عند وجودها، فكُلُّ ما نراه من آثارٍ في الكون فهو بخلقه وإيجاده تبارك وتعالى؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا نَوْءَ وَلَا صَفَرَ» متفق عليه.
قال العلَّامة أبو الحسن الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (7/ 2895، ط. دار الفكر): [«وَلَا هَامَةَ وَلَا نَوْءَ»: بفتح فسكون، أي: طلوع نجم وغروب ما يقابله. أحدهما: في المشرق، والآخر بالمغرب، وكانوا يعتقدون أنَّه لا بد عنده من مَطَرٍ أو رِيحٍ يَنْسُبُونَهُ إلى الطالع أو الغارب، فنفى صلى الله عليه وسلم صحة ذلك] اهـ.
حكم عزو سبب نزول المطر إلى كثرة البحار والأنواء
إذا قال المُكَلَّفُ: أُمْطِرْنَا بكثرة البحار أو بنَوْءِ كذا وما شابه ذلك، واعتقد أنَّها أسبابٌ ومؤثِّراتٌ بذاتها بحيث يُعْزِي إليها وجود المطر؛ فقوله هذا حرام، واعتقاده ذلك لا يصح؛ لأنَّ النَّوْءَ مخلوق، والمخلوق لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا.
قال الإمام جمال الدين المَلَطي في "المعتصر من المختصر من مشكل الآثار" (2/ 195، ط. عالم الكتب): [ورد مرفوعًا عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: 82]، قال: "ما شأنكم تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا". وكان قولهم كفرًا، فأنزل الله وتجعلون شكركم على ما أنزلت عليكم من الرزق والغيث أنَّكم تكذبون؛ تقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 294، ط. دار الكتاب الإسلامي) [(ويكره أن يقول) بعد المطر: (مطرنا بنوء كذا)، بفتح النون وبالهمز، أي: بوقت النجم الفلاني على عادة العرب في إضافة الأمطار إلى الأنواء لإيهامه أنَّ النوء ممطرٌ حقيقة، (بل) يقول: مطرنا (بفضل الله ورحمته، وإن اعتقد أنَّ النوء ممطر) حقيقةً (فمرتد)] اهـ.
وقال العلَّامة البهوتي في "كشاف القناع" (2/ 74-75، ط. دار الكتب العلمية): [ويسن (أن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته، ويحرم) قول: مطرنا (بنوء كذا)] اهـ.
أمّا إذا قال ذلك معتقدًا أنَّ نزول المطر من الله تعالى بفضل رحمته وجوده على عباده، وأنَّ البحار والأنواء وغيرها ما هي إلا مواقيت وعلاماتٌ فحسب، وأنَّها اعتبارًا بالعادة التي أجراها الله تعالى تنزل الأمطار فور حدوثها، بحيث لا تأثير لها لا بطَبْعٍ ولا بقوة، فلا يؤثر قوله هذا على إيمانه؛ لِأَنَّه أسند ذلك ضمنًا إلى سبب من الله تعالى. يُنْظَرُ: "حاشية رد المحتار" للإمام ابن عابدين الحنفي (4/ 243، ط. دار الفكر)، و"منح الجليل شرح مختصر خليل" للشيخ عليش المالكي (2/ 114، ط. دار الفكر)، و"نهاية المحتاج" للإمام الرملي الشافعي (2/ 427، ط. دار الفكر)، و"شرح منتهى الإرادات" للإمام منصور البهوتي الحنبلي (1/ 338، ط. عالم الكتب).
وقد ورد عن زيد بن خالد الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ سمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» متفق عليه.
قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (2/ 60-61، ط. دار إحياء التراث العربي): [لو قال: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كذا معتقدًا أنَّه من الله تعالى وبرحمته وأنَّ النوء ميقات له وعلامة اعتبارًا بالعادة فكأنَّه قال: مُطِرْنَا في وقت كذا؛ فهذا لا يكفر] اهـ. وينظر: "التمهيد" للإمام ابن عبد البر المالكي (24/ 380-381، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية.وأوضحت بناء على ما سبق وفي واقعة السؤال: أن من عزا سبب وجود المطر إلى كثرة البحار، ووجود النوء بقوتها وطبعها ونسب الفعل إلى ذات تلك الأشياء فهو اعتقاد باطل لا يصح اتفاقًا، ومن عزا سبب نزول المطر إلى النوء وغيرها معتقدًا أنَّها من الله تعالى تفضلًا منه ورحمة بعباده، وأنَّ النَّوْءَ وغيره لا يزيد عن كونه ميقاتًا وعلامة، اعتبارًا بالعادة التي أجراها الله تعالى، بحيث لا تأثير لها لا بطبع ولا قوة -فهو مؤمن، ولا يضر قوله هذا بإيمانه شيئًا.