كاتب إسرائيلي يتحدث عن مستقبل وقف إطلاق النار ومحاولات الوسطاء قصره على مرحلتين
تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT
أكد المحلل الإسرائيلي تسفي برئيل، أن عجز رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يسمح لحركة حماس بالعودة ‘إلى إدارة الحياة في قطاع غزة، وذلك في الوقت الذي يتم بذل الجهود من أجل التأكد من اتفاق وقف إطلاق النار سيصمد.
وقالت برئيل في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" إن "دخول اتفاق وقف إطلاق النار على حيز التنفيذ وإعادة المخطوفين هي فقط بداية عملية طويلة ومؤلمة، التي هي على بعد شعرة من انفجار وتحطم الأمل، وذلك أكثر مما يتعلق ببنود الاتفاق، وضمانات دول الوساطة والتهديد بالجحيم للرئيس ترامب، فإن تنفيذ الاتفاق مرهون، للرعب الشديد، بنوايا ونزوات حكومة ‘سرائيل وحماس".
وأوضح أن "الصيغة الجزئية، لا تفسر كل البروتوكولات والملحقات السرية، لكنها توضح بماذا كل طرف ملزم وما هو الجدول الزمني لتنفيذ كل مرحلة، ومن الواضح من الصيغة تتضمن أيضا ما الذي سيعتبر خرق للاتفاق".
وذكر "لكن الواقع على الأرض توجد له حياة خاصة به، ومثلما أن الجيش الاسرائيلي غير قادر على أن يكون المسؤول عن أي رصاصة يتم إطلاقها من بندقية جندي – هكذا حماس مرة أخرى ليست الحاكم المطلق في غزة الذي يمكنه منع إطلاق صاروخ أو زرع عبوة على يد مخرب معارض للاتفاق، وهذه الأحداث هي المادة المتفجرة التي ستفجر الاتفاق، والاتفاق الحالي أيضا غير محصن أمامها".
وأكد أنه من أجل حماية الاتفاق من خروقات غير متعمدة الحرص أنه سيتم تنفيذه، تم تشكيل في القاهرة "غرفة عمليات" تشارك فيها "إسرائيل" وقطر وفلسطين والولايات المتحدة، وهي التي ستراقب ترتيبات تشغيل معبر رفح وإدارة إدخال المساعدات الإنسانية وتنسيقها، ومن ضمن ذلك إدخال 600 شاحنة للمواد الغذائية والأدوية والمعدات الطبية، من بينها لا يقل عن 300 شاحنة ستصل إلى شمال القطاع و50 صهريج للوقود.
وأضاف أنه "اليوم يتوقع أن يأتي إلى القاهرة أيضا ممثلون عن الاتحاد الأوروبي الذي أعلن عن منحة بمبلغ 123 مليون دولار لصالح المساعدات الإنسانية، لتحديد ترتيبات العمل في المعبر".
حسب تقارير لوسائل إعلام عربية نقل عنها المقال، فإن النية هي إعادة تشغيل آلية الرقابة والسيطرة التي تم تحديدها في اتفاق المعابر الذي وقعت عليه "إسرائيل" ومصر في 2005، وحسب هذا الاتفاق "إسرائيل" يمكنها الرقابة "من بعيد" على الحركة في المعبر ووضع "الفيتو" على هوية من يدخلون ومواصفات البضائع التي ستدخل إلى القطاع، لكن ممثليها لا يمكنهم التواجد في المعبر.
والترتيبات الجديدة التي ستدخل إلى حيز التنفيذ تستند إلى التفاهمات والخطة التي تم طرحها في شهر آب/ أغسطس (بعد ثلاثة أشهر على سيطرة الاحتلال على المعبر)، عندما قامت "إسرائيل" ومصر بمناقشة مسألة تشغيل معبر رفح.
ورفضت حينها "إسرائيل" اقتراح مصر أن يقوم ممثلون عن السلطة وممثلون من غزة غير مرتبطين بحماس، بالرقابة على الطرف الغزي في المعبر، ولكنها لم تنجح في بلورة آلية بديلة لادارة المعبر وتوزيع المساعدات.
والخميس، وصل إلى القاهرة ممثل السلطة الفلسطينية نظمي مهنا، المسؤول عن المعابر والحدود، وأيمن قنديل، نائب الوزير حسين الشيخ، من أجل المشاركة في النقاشات حول إدارة المعبر وترتيبات التنسيق مع مصر.
وقال المحلل الإسرائيلي: "يبدو أن إسرائيل لن تستطيع تجنب إشراك ممثلي السلطة في إدارة المعبر، وبخصوص قضية الرقابة وضمان توزيع المساعدات في القطاع، هنا أيضا يبدو أن اسرائيل ستقف أمام الواقع الذي أرادت منعه خلال الحرب ولكن بدون نجاح".
وأضاف أن "وزارة الداخلية لحماس أعلنت أول أمس بأن رجالها ورجال الشرطة مستعدون الآن للانتشار في جميع المناطق التي تحتاج إلى عملهم، أي في نقاط المعبر ونقاط توزيع المساعدات لحماية المخازن، وفعليا السيطرة على ترتيبات التوزيع".
وذكر أنه "في هذا السياق، حتى الآن من غير الواضح ما هي قواعد الرد وفتح النار من قبل الجيش الإسرائيلي في الحالات التي سيطلق فيها رجال حماس النار على السارقين، لأن إسرائيل محظور عليها فتح النار على مسلحين طالما أنهم لا يطلقون النار على أهداف اسرائيلية أو على جنود الجيش الاسرائيلي".
وأكد أنه "يبدو أن الجيش الإسرائيلي سيواصل السياسة التي اتبعها حتى الآن، التي بحسبها استفادت عصابات مسلحة من حرية العمل – لكن في هذه المرة حماس هي التي يجب عليها السيطرة على هذه العصابات".
وأشار إلى أن "مصر وقطر، عرابات الاتفاق، من الدول الضامنة لتنفيذه من قبل الطرف الفلسطيني، لكن العبء الرئيسي للتفعيل العملياتي على الأرض سيكون ملقى على القاهرة، فهي التي يمكن أن تنسق مع إسرائيل أي دخول للشاحنات، والفحص بأن كل مواد الحمولة تلتزم بالمعايير التي تم وضعها، والسماح أو منع (بموافقة من إسرائيل) خروج جرحى ومرضى بحاجة الى العلاج، وأيضا السماح بدخول سكان من غزة علقوا في الخارج قبل الحرب".
وكشف أن "هذه مهمة جاءت مع مكافأة اقتصادية: شركات في مصر، مرتبطة بالمخابرات المصرية أو بملكيتها، هي التي ستقوم بتشغيل خط المساعدات، وهي أيضا ستنفذ أعمال إعادة الإعمار الأولية، مثل إزالة الأنقاض وشق الشوارع التي تم تدميرها وبناء أماكن مؤقتة للسكن وإصلاح البنى التحتية مثل شبكة الكهرباء والمياه".
واعتبر أن "مصر راكمت تجربة كبيرة في إدارة مشاريع إعادة الإعمار في غزة، فقد نفذت مشاريع كهذه بعد عملية الجرف الصامد (المسمى الإسرائيلي لتصاعد العدوان عام 2014) من خلال شركة "أبناء سيناء"، التي هي بملكية رجل الأعمال البدوي إبراهيم العرجاني الذي لديه "امتياز" من قبل المخابرات المصرية، هي التي شغلت ونسقت نشاطات إدخال المساعدات، وحركة دخول وخروج السكان من القطاع وإليه قبل الحرب وخلالها، إلى حين إغلاق معبر رفح".
وأكد أن "هذه الشركة تعرضت لانتقاد شديد من قبل السكان في غزة، لأنه طلب منهم دفع آلاف الدولارات مقابل ترتيبات السفر والحصول على تأشيرات، ولكن أول أمس نشر رؤساء العائلات والحمائل الكبيرة في قطاع غزة لائحة دفاع عن الشركة، وقد كتب فيها بأن هذه العائلات تعبر عن مباركة أي نشاط لمصر من أجل إعادة إعمار غزة، والتقدير الكبير للدور الذي لعبته منذ بداية العدوان على غزة، إضافة إلى النشاطات التي تقوم بها الشركات المصرية، على رأسها شركة أبناء سيناء".
وحسب تقديرات عامة، غير نهائية، فان حجم الأضرار المباشرة في غزة تبلغ 18 مليار دولار، واعادة الترميم تحتاج 30 – 40 مليار دولار، كما أن 1.8 مليون شخص بحاجة إلى بيوت، ومئات آلاف الطلاب تقريبا لم يتبق لهم مدارس.
وأكد المحلل برئيل أن غزة ليست الوحيدة التي تنتظر تجند الدول المانحة، ففي الطابور توجد الآن سوريا ولبنان، كل واحدة منها بحاجة إلى مساعدة بعشرات مليارات الدولارات، وإعادة الإعمار هي شرط ضروري لاستقرار الأنظمة الجديدة التي تشكلت فيها في الفترة الأخيرة.
وقال أنه "في غزة فالعبء الاقتصادي لإعادة الإعمار وتشغيل الأجهزة المدنية يمكن أن تتحمله قطر، وهي أيضا ستعمل بواسطة شركات مصرية، ويبدو أن من يتطلع إلى أن تتوقف قطر عن أن تكون عامل مهم في مستقبل غزة بعد الحرب، سيخيب أمله".
وأكد أن "قطر حتى الآن ستكون شريكة حيوية بصفتها الضامنة لتنفيذ كل مراحل الاتفاق، وهي تعمل على استكمال تنفيذ الاتفاق في مرحلتين بدلا من ثلاث مراحل، كما أوضح أول أمس رئيس الحكومة فيها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مقابلة أجراها مع قناة "الجزيرة، أكد على أن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه للتو يشبه في مضمونه الخطوط العريضة التي تم الاتفاق عليها في كانون الأول/ أكتوبر 2023".
وقال المسؤول القطري البارز إن "قطر تطمح إلى أن تكون المرحلة الثانية هي المرحلة النهائية، التي ستنهي الحرب بالكامل بدون الحاجة إلى المرحلة الثالثة.
وتتحدث المرحلة الثالثة من ضمن أمور أخرى، عن خطة إعادة إعمار القطاع، يبدو أن قطر ومصر، اللتان تنويان أيضا عقد مؤتمر دولي لتجنيد المنح لإعادة إعمار القطاع بعد انتهاء المرحلة الأولى للاتفاق، تعطيان أهمية كبيرة لترسيخ إجراءات إعادة الإعمار في المرحلة الأولى وتوسيعها في المرحلة الثانية.
وختم المحلل بالقول إن "الافتراض هو أن تسريع التطوير وإعادة الإعمار يمكن أن يشكل كابح أمام استئناف الحرب في القطاع، ويساعد على استكمال المرحلة الثانية، التي تعتبر الأكثر حساسية وخطورة بسبب الضغوط السياسية في إسرائيل من أجل استئناف الحرب بعد انتهاء المرحلة الأولى، وافتراض مشابه ساعد على الدفع قدما باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، لكن غزة قصة مختلفة كليا، وذلك بالإساس لأن عجز حكومة إسرائيل وتصميمها على عدم تشكيل أي بديل سلطوي، تمنح حماس الفرصة لإعادة إدارة القطاع برعاية اتفاق دولي".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الاحتلال غزة إعادة الإعمار غزة الاحتلال إعادة الإعمار الوسطاء صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وقف إطلاق النار إعادة الإعمار النار على فی المعبر وأکد أن یبدو أن التی تم هی التی فی غزة من أجل من قبل
إقرأ أيضاً:
صراع المال الذي سيشكل مستقبل أوروبا
كارل بيلت -
«المال هو الذي يجعل العالم يستمر في الدوران»، هكذا تغنّي فتاة الاستعراض سالي بولز في مسرحية «كباريه»، المسرحية الموسيقية الشهيرة التي تدور أحداثها على خلفية انحطاط جمهورية فايمار. من المؤكد أن المال سيشكل مستقبل أوروبا، حيث يضطر القادة السياسيون في مختلف أنحاء القارة إلى اتخاذ قرارات مؤلمة حول كيفية تخصيص الأموال العامة في عالم متقلقل على نحو متزايد.
من المنتظر أن تعمل ثلاث أولويات عاجلة على إرهاق الموارد المالية العامة في أوروبا خلال السنوات القليلة المقبلة. الأولى -والأكثر وضوحا- هي الدفاع. الواقع أن القوة الدافعة نحو زيادة الإنفاق العسكري تتمثل في المقام الأول في الرغبة في الرد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلا عن انتقاد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المستمر لحلفاء أمريكا في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد جعلت هذه الضغوط مجتمعة من تعزيز موقف أوروبا الدفاعي ضرورة استراتيجية.
الأولوية الثانية والأكثر إلحاحا هي دعم أوكرانيا في معركتها ضد روسيا. إذا انهارت دفاعات أوكرانيا، فمن المرجح أن تنفجر روسيا في نوبة هياج انتقامية. وضمان قدرة أوكرانيا على الاستمرار في الدفاع عن نفسها يتطلب أن تتجاوز الحكومات الأوروبية التزامات الإنفاق الدفاعي الحالية.
وأخيرا، هناك العملية المطولة المتمثلة في إعداد ميزانية الاتحاد الأوروبي القادمة المتعددة السنوات، والتي ستغطي الفترة من 2028 إلى 2034. وقد قدمت المفوضية الأوروبية اقتراحها بالفعل، لكن التحدي الحقيقي يكمن في المستقبل، حيث يتعين على البلدان الأعضاء والبرلمان الأوروبي إجراء مفاوضات داخلية قبل الاتفاق على الأرقام النهائية. يتضمن اقتراح المفوضية زيادة تمويل الأمن، والالتزامات العالمية، والقدرة التنافسية، فضلا عن تقديم دعم إضافي لأوكرانيا.
ورغم أن هذه الأولويات حظيت بتأييد واسع الانتشار، فإن إعادة تخصيص الموارد اللازمة لتمويلها كانت موضع جدال حاد. من المأمون أن نقول إن اللجنة تتجه نحو مواجهة سياسية مريرة قبل التوصل إلى الإجماع. على الرغم من حدة هذه المعارك المرتبطة بالميزانية، فإن الميزانية التي تقترحها المفوضية تبلغ 1.26% فقط من الدخل الوطني الإجمالي في بلدان الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين. وبينما تزيد هذه النسبة عن الحالية (1.13%)، فإن الزيادة الصافية متواضعة نسبيا بمجرد احتساب تكاليف خدمة الديون الناتجة عن فورة الاقتراض التي أعقبت جائحة كوفيد-19.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالدفاع، تصبح الأرقام أكثر أهمية بدرجة كبيرة. فقد تنامت ميزانيات الدفاع في مختلف أنحاء أوروبا في السنوات الأخيرة بنسبة الثلث تقريبا، حيث تنفق معظم الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو حوالي 2% من ناتجها المحلي الإجمالي أو تقترب من هذا المعيار.
ولكن حتى هذا لم يعد كافيا. ففي قمة الناتو في يونيو في لاهاي، تعهد الأعضاء بإنفاق 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول عام 2035، مع تخصيص 1.5% إضافية للاستثمارات المرتبطة بالدفاع والأمن في عموم الأمر. ويبدو أن نسبة 1.5% الإضافية مصممة لاسترضاء ترامب، الذي دعا الحلفاء الأوروبيين مرارا وتكرارا إلى زيادة الإنفاق العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن يعتمد جزء كبير من هذا الإنفاق الإضافي على المحاسبة الإبداعية بدلا من التمويل الجديد الحقيقي. كما يتطلب دعم أوكرانيا خلال الحرب وإعادة بناء البلاد في نهاية المطاف التزاما ماليا كبيرا. وبينما تتفاوت التقديرات، فإن مبلغ 100 مليار دولار سنويا، على سبيل المثال، سيعادل ما يزيد قليلا على 0.4% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مجتمعين -وهو مبلغ كبير ولكن ليس من السهل على الإطلاق إدارته.
عند مرحلة ما خلال فترة الميزانية 2028- 2035، سيكون من اللازم معالجة تكلفة إعادة بناء أوكرانيا. تشير تقديرات بعض الدراسات إلى أن تكلفة إعادة البناء قد تبلغ نحو 500 مليار دولار، وإن كان هذا الرقم يشمل المناطق التي قد تبقى تحت السيطرة الروسية في المستقبل المنظور. وسوف يعتمد قدر كبير من الأمر أيضا على ما إذا كانت الضمانات الأمنية، واحتمالات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، قد تعزز بيئة مواتية للاستثمار الخاص على نطاق ضخم.
بطبيعة الحال، قد تنشأ مطالب جديدة، وسوف يفرض هذا ضغطا إضافيا على موارد أوروبا المالية. على سبيل المثال، خفّضت عدة حكومات أوروبية بالفعل مساعدات التنمية أو حولت جزءا منها لدعم أوكرانيا. ورغم أن هذا قد يكون ردا ضروريا في الأمد القريب على الحرب الروسية - الأوكرانية، فإن عواقبه في الأمد البعيد تظل غير واضحة. في الوقت الراهن، تلبي النرويج والسويد والدنمارك فقط هدف الأمم المتحدة المتمثل في تخصيص 0.7% من الدخل الوطني الإجمالي لمساعدات التنمية. وبعد التخفيضات الكبيرة التي أجرتها إدارة ترامب على المساعدات الخارجية وإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تنشأ حجة قوية لصالح تركيز أوروبا على شغل هذا الفراغ. فالعالم الأكثر يأسا سيكون أشد تقلبا وأقل أمنا، وهذا كفيل بجعل التنمية ضرورة استراتيجية وأخلاقية في آن واحد.
لن يكون الوفاء بكل هذه الالتزامات سهلا، وخاصة بالنسبة للحكومات التي تعاني بالفعل من ارتفاع العجز وارتفاع الدين العام. وتخميني أن دول شمال أوروبا ستصل إلى هدف الإنفاق الدفاعي وفقا لحلف الناتو بنسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2035، في حين ستفشل دول جنوب أوروبا -باستثناء اليونان- في الأرجح في تحقيقه.
مع توجه كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا إلى الانتخابات بحلول عام 2027، من المرجح أن تظل الشهية السياسية لخفض الإنفاق اللازم لزيادة ميزانيات الدفاع محدودة. يتضح هذا الاتجاه بالفعل في توزيع المساعدات لأوكرانيا. في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025، ساهمت دول الشمال الأوروبي بمبلغ 6.8 مليار دولار، وقدمت المملكة المتحدة 5.3 مليار دولار، وقدمت ألمانيا نحو 760 مليون دولار، بينما لم تقدم إسبانيا وإيطاليا سوى جزء بسيط من هذه المبالغ. من عجيب المفارقات هنا أن بلدان الاتحاد الأوروبي التي توصف غالبا بأنها «مقتصدة» هي ذاتها الراغبة بالفعل في تقديم التمويل اللازم لتعزيز أولويات الاتحاد المتفق عليها.
من ناحية أخرى، تفضّل الدول الأقل اقتصادا الدعوة إلى مزيد من الاقتراض، حتى برغم أن المجال المتاح لها للقيام بذلك بنفسها محدود. هذه التوترات تحرك الآن المعركة المحتدمة حول موارد أوروبا المالية. والتناقض صارخ بين موافقة الناتو السريعة على تعهدات الإنفاق الضخمة، وجدال الاتحاد الأوروبي حول مبالغ أصغر كثيرا. مهما كانت النتيجة، فإن المعركة المالية القادمة ستختبر مدى قدرة قادة أوروبا واستعدادهم لمواجهة التحديات الأمنية الخطيرة المقبلة.