معرض القاهرة الدولي للكتاب: أول هزيمة معنوية لإسرائيل بعد نكسة 67.. وضربة لعزلة مصر الثقافية
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
بعد نكسة 67، كان الألم يملأ كل زاوية من زوايا الشوارع المصرية، كأن الأمل غادر الوطن تاركاً وراءه جراحاً عميقة وأسطورة الهزيمة، الوجوه كانت تعكس مرآة الخيبة، بينما الأسئلة التى لا تنتهى كانت تملأ الأفئدة: كيف حدث ذلك؟ وما الذى ضاع؟ لكن وسط هذا الظلام، بدأت تبرز همسات «لن نركع»، كانت هذه الشرارة بداية صحوة جديدة، الشعب المصرى، الذى اعتاد على الكرامة، وجد فى قلبه عزيمة لمواجهة هذا الجرح، وإصراراً على الوقوف مجدداً.
هذا المعرض يعكس مبدأ «الحرية الشخصية»، حيث يمنح الزوار حرية الاختيار بين مختلف أنواع المعرفة دون أى محاولة لتوجيههم نحو فكر أو ثقافة معينة، فى ظل العولمة التى تسود العالم، يظل العلم والثقافة والتراث تتدفق فى مجرى واحد، يلتقى فيه الجميع دون قيود أو حواجز، وعلى الرغم من أن الهدف الأساسى لمعرض الكتاب هو تسويق الكتاب وتعريف الجمهور بأحدث إصداراته، فإنه يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يشجع على القراءة ويعزز من انطلاق الأفكار وتبادلها بين الناس.
لكن من هو صاحب فكرة معرض القاهرة الدولى للكتاب؟ تعود الفكرة إلى عام 1969، حين طرح الفنان عبدالسلام الشريف، أحد رواد الفن التشكيلى فى مصر، فكرة إقامة المعرض على الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة فى تلك الفترة.
كان «الشريف» يرى فى المعرض فرصة اقتصادية وثقافية عظيمة، تتمثل فى جمع أكبر عدد من الكتب فى مكان واحد، لتكون فى متناول يد كل باحث ومحب للمعرفة، أما الرؤية الثانية، فكانت تهدف إلى توفير منصة للناشرين لعرض إصداراتهم أمام جمهور واسع من المواطنين والمثقفين.
ورحب «عكاشة» بالفكرة، وأبدى اهتماماً بالغاً بتطبيقها، ونقلها بدوره إلى الرئيس جمال عبدالناصر، رغم ألم الهزيمة التى يتجرعها الجميع، وافق الزعيم متحمساً، نظراً لإيمانه الشديد بقيمة القراءة، وقدرة الأسلحة الناعمة على تحطيم معنويات العدو الصهيونى المغتصب.
سارع «عكاشة» بعدها للتواصل مع سوق الكتاب الدولى فى لايبزج (ألمانيا)، وأرسل إسلام شلبى، ممثل وزارة الثقافة، لتسهيل الترتيبات اللازمة لهذا المشروع الطموح، الذى بذل مجهوداً كبيراً فى إقناع كبرى دور النشر العالمية بالمشاركة فى الحدث الكبير، رغم محاولات إسرائيل المستميتة فى إحباط إقامة المعرض.
فى مذكرات الدكتور ثروت عكاشة، وعند الحديث عن فترة توليه وزارة الثقافة عام 1966 (الولاية الثانية)، يتجسد الدور الاستثنائى لإسلام شلبى فى تنظيم أول معرض دولى للكتاب فى مصر عام 1969، ورغم قلة الإشارات التى أوردها «عكاشة» عن الشاب المغمور حينها، فإن ما قام به «شلبى» يعد نقطة فارقة فى تاريخ الثقافة المصرية.
إقامة معرض القاهرة الدولى للكتاب جاءت ضربة قوية للعزل الثقافى الذى فرضته إسرائيل، وكان بمثابة أول هزيمة ساحقة لها، فمع تدفق الناشرين العالميين والإقبال الكبير من دور النشر على المشاركة، ثبتت القاهرة مكانتها كعاصمة ثقافية عالمية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: معرض القاهرة للكتاب معرض القاهرة الدولي للكتاب معرض الكتاب
إقرأ أيضاً:
"حيرة".. مابعد النتيجة
توتر وقلق وترقب، هكذا كان حال أولياء أمور طلاب الثانوية العامة مساء الثلاثاء الماضي انتظارا لاعتماد وزير التربية والتعليم لنتائج امتحانات شهادة الثانوية العامة، هذه اللحظات الصعبة لايدركها الا من عايشها، وبالتأكيد مرت غالبية الأسر المصرية بهذا الموقف العصيب على مدى تاريخ هذه الشهادة المصيرية والفارقة فى مستقبل الأبناء، وفى جنى الآباء لثمار جهودهم المادية والمعنوية فى دعم وتحفيز أبنائهم الطلاب، نتعشم أن يقضي نظام التعليم الجديد، الذى استحدث شهادة البكالوريا التى تتيح خيارات وفرصا متعددة لتحسين المجموع، جنبا إلى جنب مع نظام الثانوية العامة القديم، على هذه الظاهرة التى باتت معها الثانوية العامة "بعبع" يرهب أولياء الأمور والطلاب معا.
فور إعلان النتائج والتى أصيب فيها الناجحون وليس الراسبون أو طلاب الدور الثاني، بخيبة أمل خاصة طلاب القسم العلمي من تدني نسب المجاميع التى كانت محبطة للكثيرين، بدأ التفكير فى مكان لاستكمال الدراسة الجامعية، وسارع كثير من أولياء الأمور الى البحث عن مكان فى جامعة خاصة أو أهلية، وحتى لايضيع جهد من اجتهد ولم يوفق فى الالتحاق بكلية من كليات القمة، وحتى يعزز موقف من لم يحصل على مجموع يؤهله للالتحاق بإحداها، الحكايات التى يمكن ان تروي فى هذا الموضوع كثيرة وغريبة ويتم ابتكار المزيد منها عاما بعد عام.
واذا بدأنا بالتسجيل بالجامعات الخاصة، الذى كان يتم فيما سبق فور اعلان نتائج الثانوية العامة، يتم الآن والطالب ما زال فى الثانوية العامة ولم ينته من الامتحانات، ومن دون ان يعرف حتى المجموع الذى يحصل عليه، ناهيك عن المبالغ التى تدفع مقابل هذا التسجيل، وبالتالي فإن الطالب الذى قام بالتسجيل فى كلية ولم يحصل على الحد الأدني للقبول فيها، يرفض طلبه ناهيك عن ضياع المبلغ الذى تم دفعه..
هناك أعداد غفيرة تلتحق سنويا بالجامعات الخاصة، وهذه الأعداد تقوم بالتسجيل فى الكليات المتاحة أمامهم وفقا للمجموع، عن طريق ملء استمارة معدة لذلك نظير رسوم قد تصل الى خمسة آلاف جنيه، ولنا أن نتخيل إجمالي دخل هذه الجامعات من هذا البند فقط، واذا افترضنا ان بعض الطلاب غيروا رغباتهم أو قبلوا فى كليات حكومية، فإن هذه المبالغ لاترد بالتأكيد، كما أن المصروفات التى يتم دفعها قبل بدء الدراسة بفترة، لا يتم استردادها باي حال الا بعد خصم جزء كبير منها.
يكابد أولياء الأمور من متوسطي الدخل المعاناة فى رحلة البحث عن كلية، وكأنه لا يكفي ماعانوه طوال السنة الدراسية بالثانوية، وما أنفقوه على الدروس الخصوصية، لتستمر رحلة المعاناة بحثا عن ضمان تخصص يؤهل أبناءهم لسوق العمل.
واذا ألقينا نظرة على مصروفات الجامعات الخاصة والأهلية لوجدنا أرقاما تعتبر فلكية لغالبية الشعب المصري، فقائمة المصروفات الدراسية لبعض الجامعات الخاصة والاهلية والتى نشرها موقع صحيفة يومية، وصلت فيها مصروفات كليات الطب البشري على سبيل المثال الى 230ألف جنيه سنويا فى الجامعات الخاصة، بينما وصلت فى بعض الجامعات الاهلية إلى ما يتراوح ما بين 150و120ألف جنيه سنويا، فى حين بلغت مصروفات كلية طب الأسنان الى 274 ألف جنيه، والهندسة 226 ألف جنيه فى إحدى الجامعات الاجنبية.
بعد انخفاض الحد الادني للقبول بكليات المجموعة الطبية وكذلك كليات الهندسة، أصبح أولياء الامور يلثهون خلف منح ابنهم لقب طبيب أو مهندس، وهم بالطبع معذورون فى ذلك، فهذه التخصصات وحدها تمنح فرصا متميزة فى العمل، وتضطر الاسر لضغط إمكاناتها المادية، بل وبيع بعض الممتلكات فى سبيل توفير النفقات التعليمية، وهكذا تستمر الدوامة التى لا يبدو أنها ستنتهي.