«تريندز» يدشن مكتبه الافتراضي في جنيف ليكون الـ18 عالمياً
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
دافوس (الاتحاد)
أعلن مركز تريندز للبحوث والاستشارات عن افتتاح مكتب افتراضي جديد في جنيف، بسويسرا، وذلك على هامش مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس. ويمثل المكتب، الذي يعد الثامن عشر عالمياً للمركز، إضافة نوعية إلى شبكة تريندز البحثية الدولية، ويساهم في تعزيز التعاون البحثي والمعرفي مع المؤسسات الأكاديمية والبحثية في القارة الأوروبية.
وقال الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز، إن هذه الخطوة الجديدة تُشكّل محطة أخرى من محطات تريندز العالمية وليصبح المكتب الثامن عشر لـ«تريندز» حول العالم، بهدف تسهيل تبادل الخبرات والكوادر والتعاون في الإنتاج العلمي والمعرفي، ودعماً للتواصل المعرفي بين مراكز الفكر، إقليميّاً ودوليّاً، وترجمةً لاستراتيجية المركز البحثية الشاملة، الهادفة إلى إنتاج معرفة وازنة، خصوصاً في مجال الدراسات الاستشرافية.
وبيّن الدكتور محمد العلي، أن تدشين المكتب الافتراضي في جنيف جاء لما تمثله هذه المدينة السويسرية من قيم دبلوماسية وإنسانية وسياسية وعالمية، وكونها تحتضن أبرز وأهم المؤسسات العالمية الدولية.
«اتجاهات الذكاء الاصطناعي»
بالتزامن مع تدشين المكتب الجديد، أطلق مركز «تريندز» سلسلة بحثية جديدة بعنوان «اتجاهات الذكاء الاصطناعي»، وذلك في «البيت الإبراهيمي» بدافوس. تهدف هذه السلسلة إلى استكشاف أحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي وتأثيره على مختلف جوانب الحياة، من الاقتصاد والسياسة إلى المجتمع والثقافة. كما تسعى السلسلة إلى رصد التنافس الدولي المتزايد على تطوير هذه التقنيات، وتأثيره على العلاقات الدولية.
وتشكل منصة فكرية رائدة للدراسات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، وتسهم في مواكبة التطورات الحاصلة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، من خلال دراساتٍ تلتزم بمعايير البحث العلمي، إضافة إلى نقل وتوطين التكنولوجيا بين دول وأقاليم العالم. وتعمل السلسلة على استشراف مستقبل الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في المجالات المختلفة وتأثيراته المحتملة.
حلقة نقاشية
عقب إطلاق السلسلة، أُقيمت حلقة نقاشية موسعة تناولت موضوع «سباق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتنافس بين القوى العظمى». شارك في هذه الحلقة نخبة من الخبراء والباحثين والمسؤولين، الذين استعرضوا الآثار الاقتصادية والسياسية لهذا السباق التكنولوجي المتسارع.
أكد المشاركون في الفعالية الأهمية الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي في تشكيل مستقبل العالم، مشيرين إلى قدرته على تحسين كفاءة الإنتاج، وتطوير الخدمات، وحل المشكلات المعقدة. ومع ذلك، حذروا من التحديات التي يطرحها هذا التطور التكنولوجي السريع، مثل فقدان الوظائف، والتفاوت الرقمي، والتهديدات الأمنية.
كما شددوا على أن سلسلة «تريندز» تمثل بداية مهمة لفهم أعمق لأبعاد الذكاء الاصطناعي في عصرنا الحديث، ودوره المتزايد في تشكيل مستقبل البشرية على المستويات كافة.
ثورة في طرق تفكيرنا
وقال د. محمد العلي، الرئيس التنفيذي لـ«تريندز للبحوث والاستشارات»، إن الذكاء الاصطناعي أصبح واقعاً معاشاً، وظاهرةً حقيقية في حياتنا اليومية، لافتاً إلى الاستخدامات المتزايدة للذكاء الاصطناعي في مجالات متنوعة، مثل إعداد الميزانيات الشخصية، والبحث العلمي، والرعاية الصحية، والإعلام، والخدمات التجارية، والاستثمار، حيث تعتمد شركات كثيرة على أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة، وتوفير الوقت. وأضاف أنّ تقنيات الذكاء الاصطناعي أدّت إلى إحداث ثورة في طرق تفكيرنا التقليدية بخصوص كافة الظواهر والأحداث من حولنا.
وأشار الدكتور محمد العلي، إلى أنه رغم نجاح الذكاء الاصطناعي في تحسين تشخيص الأمراض وتقليل الأخطاء الطبية، إضافةً إلى دوره في مجال الإعلام والتحقيقات الصحفية وغيرها، فإن ثمّة مخاوفَ من الاستخدامات السلبية للذكاء الاصطناعي، مثل التلاعب بالمعلومات والأصوات، كما حدث في حوادث احتيال بارزة. وهناك أيضاً مخاوف متعلقة باستبدال البشر في وظائف معيّنة. ولعل ذلك يؤكد أهمية وضع أطر تنظيمية لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي. وأكد الدكتور محمد العلي، أن سلسلة اتجاهات الذكاء الاصطناعي التي يُطلقها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، جاءت، لتغطية كافة القضايا المذكورة آنفاً وغيرها، لتطرح نفسها منصّة فكرية رائدة للدراسات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة. وأوضح أن هذه السلسلة تستقطب أقلاماً مرموقة لنخبة من الخبراء والباحثين العرب والأجانب من داخل دولة الإمارات وخارجها، وتنشر إصدارات متميزة لتغطي أبعاد التحوّل لعصر الذكاء الاصطناعي، كما أنها تُولي أهميةً خاصة للتطورات الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي ودورها في مختلف القطاعات، خصوصاً التعليم والصحة والاقتصاد والبحث العلمي. كما تُولي أهمية فائقة لقضايا نقل وتوطين التكنولوجيا بين دول وأقاليم العالم.
وشدد على أن سلسلة اتجاهات الذكاء الاصطناعي على عاتقها تشكل وعاءً للرؤى الثاقبة والأفكار الابتكارية لتعزيز تحوّل إقليم الشرق الأوسط إلى عصر الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أنها ستهتم بتطوير رؤية استشرافية مستقبلية تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والاستدامة، لتحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
إمكانات هائلة
من جانبها، ركزت المهندسة أمل عبد الرحيم، وكيلة الوزارة المساعدة لشؤون الدعم الخدماتي في وزارة التغير المناخي والبيئة بدولة الإمارات، على الإمكانات الهائلة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجال الاستدامة البيئية. وأوضحت، أن التقنيات الذكية قادرة على تحسين كفاءة استهلاك الموارد الطبيعية، مثل المياه والطاقة، وتقليل الانبعاثات الضارة، من خلال أنظمة ذكية لإدارة النفايات والمصانع. كما أشارت إلى تجربة الإمارات الرائدة في توظيف الذكاء الاصطناعي ضمن مشاريعها البيئية الكبرى، مثل الزراعة الذكية والمدن المستدامة. ودعت إلى تبادل المعرفة بين الدول لتبني أفضل الممارسات التقنية في هذا المجال الحيوي.
حماية البنية التحتية
أما د. دوريت دور، الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا في شركة «تشيك بوينت»، فقدمت عرضاً حول أهمية الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأمن السيبراني. وأشارت إلى أن التكنولوجيا الذكية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حماية البنية التحتية الرقمية، في ظل التزايد الهائل في الهجمات الإلكترونية. كما تطرقت إلى كيفية توظيف تقنيات التعلم الآلي وتحليل البيانات في اكتشاف الهجمات قبل وقوعها، وتقديم حلول استباقية.
رؤى قيمة
بدوره، تطرق الدكتور وليد العابد، الخبير الدولي ومؤسس شركة Global Data Excellence، الضوء على الدور الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي في دعم عملية اتخاذ القرارات. وأوضح أن البيانات الضخمة أصبحت المورد الجديد الذي تتحكم به الدول والشركات لتحقيق التفوق في الأسواق. وتحدث عن أهمية إنشاء بنى تحتية قوية لإدارة البيانات بفعالية، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يستطيع استخراج رؤى قيمة من البيانات الضخمة، ما يدعم الاستراتيجيات الدقيقة والفعالة. كما دعا إلى ضرورة وضع سياسات دولية تعزز الشفافية وتحمي الخصوصية في التعامل مع البيانات.
قوة تحولية
الباحث الرئيس في تريندز سلطان الربيعي، رئيس معهد تريندز الدولي للتدريب، أكد أن الذكاء الاصطناعي يشكل قوة تحولية تعيد تشكيل الصناعات والاقتصادات والمجتمعات، حيث يُعتبر تقنية شاملة شبيهة بالكهرباء في تأثيرها.
وذكر أن دولا مثل الولايات المتحدة والصين تسعى لقيادة السباق العالمي في هذا المجال، إذ تعتمد الولايات المتحدة على الابتكار في القطاع الخاص، بينما تركز الصين على التقدم المدعوم من الدولة. ومع ذلك، فإن دولاً مثل الإمارات العربية المتحدة تسجل إنجازات استراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي، كما يظهر في استثماراتها البارزة مثل نموذج «فالكون» اللغوي.
وأشار الربيعي إلى أنه رغم الفرص الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي لتحقيق التقدم، إلا أنه يطرح أيضاً تحديات أخلاقية واستراتيجية. تشمل هذه التحديات استخدام تقنيات مثل الأسلحة المستقلة والتزييف العميق، مما يهدد الاستقرار الدولي ويضع المعايير العالمية على المحك.
وشدد سلطان الربيعي على أن التصدي لهذه المخاطر يتطلب تعاوناً دولياً لوضع معايير أخلاقية، وتحقيق توازن بين الابتكار والاعتبارات الأمنية، وضمان استفادة جميع الدول من ثمار هذه التقنية. كما تُبرز التجربة الإماراتية دور القوى المتوسطة في تشكيل مشهد الذكاء الاصطناعي عبر استثمارات استراتيجية وابتكارات نوعية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: جنيف سويسرا تريندز مركز تريندز للبحوث والاستشارات مركز تريندز دافوس منتدى دافوس الاقتصادي منتدى دافوس المنتدى الاقتصادي العالمي المنتدى الاقتصادي منتدى الاقتصاد العالمي محمد العلي اتجاهات الذکاء الاصطناعی فی مجال الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی للذکاء الاصطناعی الدکتور محمد محمد العلی إلى أن
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي.. أداة للتمكين أم بديل يُضعف التفكير؟
في ظل تسارع وتيرة التكنولوجيا وتوسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتشمل مختلف جوانب الحياة، يبرز تساؤل جوهري: هل أصبح الذكاء الاصطناعي بديلاً عن التفكير البشري؟ وهل باتت الأجيال الناشئة تعتمد عليه اعتمادًا يُهدد قدراتها الذهنية؟
فمع تزايد استخدام أدوات مثل "GPT" للحصول على المعلومات وحلول المشكلات، لم يعد الجهد الذهني مطلبًا ضروريًّا لدى كثير من المستخدمين، صغارًا وكبارًا. وأصبح الوصول السهل والفوري للمعرفة سببًا في تراجع عمليات التحليل والتفكير النقدي، خصوصًا بين المراهقين والشباب.
الاستطلاع الذي أجريناه رصد تباينًا في وجهات النظر حيال هذه الظاهرة، لكنه كشف بوضوح عن اعتماد متزايد على الذكاء الاصطناعي لتلبية مختلف الاحتياجات المعرفية واليومية، وهو ما يثير مخاوف التربويين والأسر من تحول هذه التقنيات من أدوات مساعدة إلى بدائل تُغني عن الجهد العقلي.
ويرى مختصون أن المشكلة لا تكمن في التقنية ذاتها، بل في طريقة استخدامها. فالذكاء الاصطناعي -إذا أُحسن توظيفه- يمكن أن يكون داعمًا قويًّا لتعزيز التفكير والتحليل، لا بديل عنهما. ومن هنا تبرز أهمية توعية النشء بكيفية استخدام هذه الأدوات بشكل متوازن، وتشجيعهم على التفكير المستقل، بما يعزز مهاراتهم الذهنية بدل أن يُضعفها.
الاستطلاع طرح تساؤلات مهمة: إلى أي مدى يعتمد الأفراد على الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية؟ وما دور الأسرة في ضبط هذا الاستخدام، خاصة لدى الأبناء الذين باتوا يطلبون الإجابات الجاهزة لكل كبيرة وصغيرة؟
أسئلة مفتوحة على نقاش واسع، في وقت لم يعد فيه الذكاء الاصطناعي ترفًا، بل واقعًا يفرض إعادة النظر في أساليب التعليم والتفكير.
معلم ذكي
تصف ثراء أسعد محمد علاقتها بالذكاء الاصطناعي بقولها: "هو معلمي الذكي ورفيقي في اتخاذ القرارات". وتضيف أنها تعتمد عليه بكثافة سواء في دراستها أو في شؤون حياتها اليومية والمهنية، حيث تراه أداة مساعدة متاحة دائمًا حتى في ساعات الليل المتأخرة.
وتوضح أنها تبدأ عادة بالتفكير الذاتي، ثم تقارن استنتاجاتها بما يقدمه الذكاء الاصطناعي، لتصل في النهاية إلى قرار "أكثر اتزانًا ومنطقية".
وترى ثراء أن الذكاء الاصطناعي يمتلك قدرة على التفكير المستقل بشكل يشبه الإنسان، خاصة في قدرته على فهم السياق وتحليل المعلومات بشكل منطقي. وتشير إلى أن أحد أبرز تفوقاته هو الموضوعية، إذ يساعد المستخدمين في رؤية الأمور من زوايا متعددة قد لا ينتبه لها الإنسان الذي يتأثر غالبًا بعواطفه أو تجاربه الشخصية.
تطوير التفكير
من جانبها، تؤكد مريم بنت أحمد الكيومية أن الذكاء الاصطناعي كان له أثر إيجابي مباشر في تحسين مستواها الدراسي، حيث تستخدمه لفهم الدروس وحل التمارين في الوقت الذي يناسبها، مما خفف من اعتمادها على المعلمين والدروس الخصوصية.
تقول: "طريقة شرحه سلسة ودقيقة، وكان له دور في رفع درجاتي الدراسية".
وعند اتخاذ القرارات، تعتمد مريم أيضًا على الجمع بين التفكير الذاتي أولًا، ثم استخدام الذكاء الاصطناعي للمقارنة والتمحيص، وتؤمن أنه لا يقلل من قدراتها، بل على العكس يعينها على ملاحظة أمور كانت تغفل عنها سابقًا. وتضيف: "ساعدني في تطوير طريقة تفكيري، لا في طمسها".
وترى أن الفرق الأساسي يكمن في اتساع أفق التحليل لدى الذكاء الاصطناعي مقارنة بالرؤية المحدودة التي قد تصاحب التفكير البشري، خاصة في حالات التشويش أو ضيق الأفق أو غياب البيانات الكافية.
بين المساندة والاستغناء
من خلال هذه الآراء، يتضح أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في نظر العديد من الشباب أداة تعزز الفهم وتنظم التفكير، لكنه في الوقت ذاته يحمل احتمالية أن يتحول -إن أُفرط في استخدامه- إلى بديل يهدد المهارات العقلية المستقلة.
وإذا كان بعض المستخدمين يتعاملون معه بوعي واتزان، فإن التحدي الأكبر يظل في بناء ثقافة تضمن الاستخدام المسؤول لهذه الأدوات، بما يحافظ على القدرات الذهنية، ويُبقي على التفكير النقدي والتحليلي كعنصر أصيل في حياة الجيل الجديد.
وتتعدد دوافع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لدى المستخدمين، بين من يراه وسيلة لتوفير الوقت والجهد، ومن يخشى أن يتحوّل مع الزمن إلى أداة تُضعف القدرات الذهنية وتُعوّق التفكير المستقل.
السرعة والمنطق
ترى تقى بنت قاسم الذهلية أن الذكاء الاصطناعي يؤدي دورًا مهمًّا في مساعدتها على اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول، وتُرجع ذلك إلى ما توفره التقنية من سرعة في توليد الأفكار، واقتراحات منطقية وجديدة، الأمر الذي يمثّل اختصارًا فعّالًا للوقت.
لكنها رغم اعتمادها عليه، تؤكد أنه لا يمتلك قدرة حقيقية على "التفكير المستقل"؛ لأن نتائجه تقوم على بيانات مصدرها البشر أنفسهم.
وترى الذهلية أن الذكاء الاصطناعي يتفوق على التفكير الذاتي في معالجة القضايا العلمية المعقدة والبيانات الرقمية، حيث يبتعد عن التأثيرات العاطفية التي تضعف أحيانًا قرارات الإنسان. وتشير إلى نقاط ضعف في التفكير البشري مثل التعب، والانحياز العاطفي، والقصور في التعامل مع البيانات الكبيرة، وهي ثغرات يسدها الذكاء الاصطناعي بدقة وموضوعية.
"الإعاقة الذهنية"
أما عائشة بنت عبدالله البلوشية فتعبّر عن تخوّفها من الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، وتقول إنها لا تلجأ إليه إلا في حالات محددة، خصوصًا إذا كانت المسألة علمية أو تحتاج إلى تحليل بعيد عن التأثيرات العاطفية.
لكنها في المقابل، تُبدي تحفظًا واضحًا تجاه استخدامه المكثف، وتوضح: "أحاول تجنب استخدامه حتى لا أقع في فخ الإعاقة الذهنية، فالذكاء الاصطناعي من صنع البشر، ومحتواه معتمد في الأساس على ما يُغذيه به المستخدمون، وله دورة حياة تنتهي بإعادة البرمجة والتحديث".
وتحذّر البلوشية من أن الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تراجع المهارات الفكرية لدى الإنسان، مشيرة إلى أن الطبيعة البشرية تميل دائمًا إلى البحث عن الحلول السهلة، والذكاء الاصطناعي وفّر تلك السهولة إلى حد الاستحواذ على العقول، مما أدى في رأيها إلى "خمول ذهني" وعدم استغلال القدرات العقلية الذاتية بالشكل الأمثل.
يرى زهير بن عوض العجمي أن الذكاء الاصطناعي يشكل أداة قوية في دعم اتخاذ القرار وتحليل البيانات، خاصة في مجالات مثل التخطيط والتنبؤ وتحسين الكفاءة.
لكنه يُصر على أن هذه التقنية تبقى وسيلة مساعدة وليست بديلاً عن التفكير البشري. ويقول: "الذكاء الاصطناعي لا يملك وعيًا ولا ضميرًا أخلاقيًّا. إنه لا يتخذ قرارات مبنية على قيم إنسانية، بل على أنماط مستخلصة من بيانات سابقة".
ويؤكد أن قوة الذكاء الاصطناعي تظهر بوضوح في إزالة التحيّزات العاطفية من بعض القرارات مثل التوظيف أو تقييم المخاطر. لكن في المقابل، يتميز التفكير البشري بالقدرة على التأمل القيمي والإبداع والمرونة. ويختم بالتحذير من مغبة الاعتماد الزائد، الذي قد يؤدي إلى تآكل مهارات التفكير النقدي لدى الجيل الجديد.
التفكير الذاتي
أما رزان بن طارق الهنائية، فتتخذ موقفًا أكثر تحفظًا تجاه الذكاء الاصطناعي، إذ تقول إنها لا تعتمد عليه كثيرًا، وتفضل استخدام قدراتها الذهنية، رغم إدراكها أن نتائج الذكاء الاصطناعي قد تكون أكثر منطقية أحيانًا.
وتضيف: "تفكيري الذاتي هو ما يصقل عقلي ويؤهلني لمواجهة تحديات الحياة... لا أريد أن أضيع تلك الفرصة باعتمادي على تقنية جاهزة".
وترى رزان أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُستخدم كمرجع مساعد، لتوضيح الإيجابيات والسلبيات فقط، وليس لاتخاذ قرارات نهائية. وتقرّ بأن له قدرة فائقة في معالجة المعلومات "الحقائقية"، خاصة في حالات التعب أو ضيق الأفق، لكنها تحذّر من خطورة الاعتماد الكلي عليه.
الحسم للعقل البشري
من جانبه، يصف نبيل بن محمد اللواتي اعتماده على الذكاء الاصطناعي بـ"المتزن"، مؤكدًا أنه أداة فعالة في تحليل البيانات التقنية والإدارية، لكنه يحرص على أن يكون القرار النهائي إنسانيًّا يأخذ في الاعتبار الجوانب العاطفية والثقافية والدينية.
ويقول: "الذكاء الاصطناعي لا يفكر بمعناه الكامل، بل يعمل بخوارزميات رياضية مبنية على بيانات. قد يُظهر إبداعًا في الظاهر، لكنه يفتقر للنية والوعي والمشاعر".
ويُعدد اللواتي حالات يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي على التفكير الذاتي مثل، تحليل البيانات الضخمة، والتشخيص الطبي المعتمد على الصور، والتنبؤ بالمخاطر المالية، وكتابة النصوص التلقائية، والمقارنات التفصيلية.
لكنه يُشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يعاني من ضعف في فهم القيم وعدم القدرة على ربط المعلومات ذات الأبعاد الأخلاقية والوجدانية، وهو ما يُشكل جوهر الفكر البشري.
بين الدعم والتحديات
وفي سياق الحديث عن أثر الذكاء الاصطناعي على عمليات التفكير واتخاذ القرار، لا يمكن تجاهل البعد النفسي والاجتماعي لهذا التطور التقني المتسارع. سهير العامرية، أخصائية نفسية بوزارة التربية والتعليم ومدربة دولية، تؤكد أن الذكاء الاصطناعي بات يسهم بشكل فعّال في تحسين جودة الحياة على مستويات عدّة، لكنه يحمل في طياته أيضًا تحديات نفسية واجتماعية قد تؤثر في الأفراد والمجتمعات إذا لم يُستخدم بوعي.
مساهمات إيجابية
توضح العامرية أن الذكاء الاصطناعي يوفر أدوات ذكية تسهّل الحياة اليومية، من بينها تحسين الوصول إلى المعلومات والدعم الشخصي السريع، وتعزيز الاستقلالية في المهام اليومية خاصة لكبار السن وذوي الإعاقة، ورفع كفاءة العمل والتعلم والرعاية الصحية من خلال تقنيات تساعد في إدارة الوقت وإنجاز المهام بشكل أفضل.
وفي الجانب الصحي، تبرز أدوار متعددة للذكاء الاصطناعي منها الصحة النفسية: كأدوات لمراقبة القلق والاكتئاب عبر تحليل سلوك المستخدم على الهواتف ووسائل التواصل، ودعم نفسي مباشر: مثل روبوتات المحادثة (كـ Woebot) التي تقدم إرشادات سلوكية يومية بأسلوب علمي، والصحة الجسدية: من خلال التشخيص المبكر عبر قراءة الصور الطبية، وتتبع الحالة الصحية باستخدام الساعات الذكية وتطبيقات النوم والتغذية، إضافة إلى خدمات طبية مخصصة تعتمد على تحليل بيانات المستخدم.
تحديات مقلقة
إلى جانب الفوائد، تحذر العامرية من آثار سلبية محتملة للاستخدام المكثف وغير الواعي للذكاء الاصطناعي، أبرزها العزلة الاجتماعية: نتيجة الاعتماد المفرط على الأجهزة الذكية وضعف التفاعل البشري، والقلق التقني، خاصة في ما يتعلق بالخوف من فقدان السيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي أو عدم فهم كيفية عملها، والإرهاق الذهني بسبب التعامل المستمر مع توصيات أو نتائج غير متوقعة، والاعتمادية النفسية، حيث قد يفقد الفرد القدرة على اتخاذ قراراته بشكل مستقل دون الرجوع إلى الخوارزميات.
الاستخدام السلبي
وللوقاية من الآثار النفسية والمعلومات المضللة، توصي العامرية بعدة خطوات منها تعزيز الوعي الرقمي عبر الالتحاق بدورات وورش لفهم آلية عمل الذكاء الاصطناعي، والتحقق من المعلومات وعدم الاعتماد التلقائي على النتائج أو التوصيات، وضبط الخصوصية الرقمية من خلال مراجعة إعدادات التطبيقات الذكية وتحديد البيانات التي تتم مشاركتها، واستخدام أدوات الأمان مثل برامج منع الإعلانات وVPN، والإبلاغ عند وجود اختراقات أو استخدام غير آمن للتطبيقات والخدمات الذكية.
ما بين الاستخدام المسؤول والدخول في دوامة الاعتمادية النفسية، تبقى العلاقة مع الذكاء الاصطناعي خاضعة لمعادلة دقيقة من الوعي، والتعليم، والرقابة الذاتية.
ففي النهاية، ما يُقرر إن كان الذكاء الاصطناعي أداة تمكين أم عائقًا ذهنيًّا، هو طريقتنا في استخدامه ومدى قدرتنا على حماية تفكيرنا وصحتنا النفسية من آثاره الجانبية.