هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة في قيام الليل .. وماذا أفعل لو كانت ظهراً؟
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة في قيام الليل؟ سؤال يشغل ذهن الكثيرين خاصة من فاتتهم بعض الصلوات إما لعملٍ أو سفرٍ أو غفلة عنها بسبب النوم، وفي بيان هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة في قيام الليل؟ نرصد ما قالته دار الإفتاء المصرية.
هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة في قيام الليل؟أجمع الفقهاء على وجوب قضاء الصلاة المفروضة الفائتة، ولا يجوز تأخير القضاء إلا لعذرٍ، ولا يرتفع إثم ترك الصلاة عمدًا بغير عذر بمجرد القضاء، بل يجب معه التوبة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن وجد الإنسان من نفسه القدرة على الإتيان بالنوافل وقضاء الفوائت معًا فلا حرج عليه في تقديم النافلة الراتبة على الفريضة الفائتة، فإن كان قضاء الفوائت يؤثر على أداء النوافل وجب قضاء الفرائض أولًا، ثم يأتي بالسنن الرواتب بعد ذلك إن وجد القدرة عليها، ثم يتنفل بعد ذلك بما شاء من الصلوات في غير أوقات الكراهة.
اختلف الفقهاء في حكم الترتيب بين الصلاة الفائتة والحاضرة اللتين لا جمع بينهما في حالة الصلاة منفردًا إذا اتسع وقت الحاضرة لهما؛ فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والحنابلة: إلى وجوب الترتيب بينهما، فيقضي الفائتة أولًا، ثم يصلي فرض الوقت؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ؛ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُعِدِ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ، ثُمَّ لِيُعِدِ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ» أخرجه أبو يعلى الموصلي في "المعجم" واللفظ له، والبيهقي في "السنن الكبرى" و"الآثار" و"الخلافيات".
فلو لم يكن الترتيب بينهما واجبًا لَمَا أُمِرَ بإعادة الصلاة الحاضرة بعد صلاتها.
قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني الحنفي في "الأصل" المعروف بـ"المبسوط" (1/ 151-152، ط. إدارة القرآن بكراتشي): [قلت: أرأيت رجلًا نسي صلاة الفجر فذكرها حين زالت الشمس؛ أيبدأ بها أو بالظهر؟ قال: بل يبدأ بها فيصلى الفجر ثم يصلي الظهر. قلت: فإن بدأ فصلى الظهر متعمدًا لذلك؟ قال: لا يجزيه، وعليه أن يصلي الفجر ثم يصلي الظهر] اهـ.
وقال فخر الدين الزيلعي في "تبيين الحقائق" (1/ 186، ط. المطبعة الكبرى الأميرية): [قال رحمه الله: (الترتيب بين الفائتة والوقتية وبين الفوائت مستحق) وهذا مذهب مالك، وأحمد، وجماعة من التابعين، وقال الشافعي هو مستحب؛ لأن كل فرض أصل بنفسه فلا يكون شرطًا لغيره. ولنا قول ابن عمر: "مِنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي نَسِيَ، ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ"، والأثر في مثله كالخبر، وقد رفعه بعضهم أيضًا، وفي حديث جابر رضي الله عنه: "أنه عليه الصلاة والسلام صلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى المغرب بعدها"، دَلَّ على أن الترتيب مستحق؛ إذ لو كان مستحبًا لما أَخَّرَ المغرب التي يكره تأخيرها لأمرٍ مستحب] اهـ.
وقال بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (2/ 583، ط. دار الكتب العلمية) في كيفية قضاء الصلوات الفائتة: [(وقدَّمها على فرض الوقت) ش: أي قدَّم الفائتة على الوقتية لوجوب الترتيب على ما يأتي الآن م: (والأصل فيه) ش: في هذا الباب م: (أنَّ الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت مستحق) ش: أي واجب م: (عندنا)] اهـ.
وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 227، ط. دار الفكر): [فإن اتسع وقت الحاضرة قدم الفائتة] اهـ.
وقال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (1/ 283، ط. دار الفكر): [(و) وجب غير شرط مطلقًا ترتيب قضاء (يسيرها) أي الفوائت (مع) صلاة (حاضرة) كالعشاءين مع الصبح؛ فيجب تقديم قضاء يسير الفوائت على الحاضرة إن اتسع وقتها ولم يلزم عليه خروج وقتها] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (1/ 196، ط. دار الكتب العلمية): [فإنْ فاتته صلوات لزمه قضاؤهن مرتبات؛ لأنهن صلوات مؤقتات فوجب الترتيب فيها كالمجموعتين، فإنْ خشي فوات الحاضرة قدمها لئلَّا تصير فائتة؛ ولأنَّ فعل الحاضرة آكد] اهـ.
وذهب الشافعية إلى أنَّ المكلَّف مخيَّرٌ في الترتيب بين الصلاتين الفائتة والحاضرة إذا اتسع وقت الحاضرة للقيام بهما؛ لأنَّ الترتيب قد استُحِقَّ لكونه من توابع الوقت المخصص لأداء الصلاة فيه وضروراته، فإذا فات الوقت سقط معه وجوب مراعاة الترتيب؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فَذَكَرَهَا وَهُوَ فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ؛ فَلْيَبْدَأْ بِالَّتِي هُوَ فِيهَا، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا؛ صَلَّى الَّتِي نَسِيَ» أخرجه الدارقطني في "السنن" -واللفظ له-، والبيهقي في "السنن الكبرى" و"الخلافيات"، فلَمَّا لم يلزمه بإعادة الصلاة الحاضرة للبدء بالفائتة؛ عُلم أنَّ الترتيب بينهما غير واجب.
آراء الفقهاء في الترتيب بين الصلاة الحاضرة والفائتة عند اتساع الوقت لصلاتهمانص الفقهاء على استحباب الإتيان بهما على الترتيب؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: "حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ".. قال: "فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِلَالًا؛ فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّى الْعَصْرَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"، ولكون الصلاة الفائتة قد استقرت في ذمته بفوات وقتها مع عدم صلاتها، فإنْ مات قبل أن يقضيها مات عاصيًا، بخلاف الحاضرة؛ حيث ما زال وقتها متسعًا فلا تلحقه لائمة العصيان بها إنْ مات في وقتها قبل أن يصليها، ولما تقرَّر في قواعد الفقه من أنَّ "الْخُرُوجَ مِنَ الْخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ"؛ كما في "قواعد الأحكام" لعز الدين بن عبد السلام (1/ 254، ط. مكتبة الكليات الأزهرية)، و"الأشباه والنظائر" لتاج الدين السبكي (1/ 114، ط. دار الكتب العلمية).
قال القاضي حسين في "التعليقة" (2/ 809، ط. مكتبة نزار مصطفى): [عندنا: الترتيب ليس بشرط في قضاء الفوائت بعضها مع البعض، ولا في قضاء الفوائت مع فرائض الأوقات، حتى لو ذكر خمس صلوات؛ له أن يقضيها مرتبًا وغير مرتب.
ولو ذكر صلاة وقد دخل عليه وقت الفرض؛ إن كان في الوقت سعة: يُخيَّر بين أداء فرض الوقت وبين قضاء الفائتة، غير أن المستحب أن يبدأ بقضاء الفائتة؛ لأنها استقرت في ذمته، ولو مات قبل فعلها يعصي الله تعالى مذهبًا واحدًا، وفرض الوقت لم يتأكد استقراره؛ لأنه لو مات قبل فعله لا يقضيه على أحد الوجهين] اهـ.
هل يجوز قضاء صلاة الظهر في الليل؟يقول الدكتور مجدي عاشور المستشار السابق لمفتي الجمهورية إن من ترك الصلاة بغير عذرٍ عليه التوبة والاستغفار من ذلك الذنب، موضحا أن قَضاءُ الفوائت واجبٌ ولو كانت لمدة طويلة بلغت سنوات ؛ لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِك رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : " إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ ، أَوْ غَفَلَ عَنْهَا ، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ، فإن الله يقول : {وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِي} [طه: 14].
وأوضح أن الأصل أن يقضيَ الإنسانُ ما عليه من فوائتَ ؛ لأنها واجبةٌ على الفور ؛ بمعنى أنه كلما وجد وقتًا ، فعليه أن يقضيَ فيه ما فاته ولا ينشغلَ بسننٍ أو نوافلَ ؛ إذ الواجب مُقدَّم على المندوب والمستحب ؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ : " شَغَلَنَا الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الخَنْدَقِ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِي القِتَالِ مَا نَزَلَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى : {وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَ} [الأحزاب: 25]، فَأَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِلَالًا فَأَقَامَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ فَصَلَّاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا لِوَقْتِهَا ، ثُمَّ أَقَامَ لِلعَصْرِ فَصَلَّاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ، ثُمَّ أَذَّنَ لِلْمَغْرِبِ فَصَلَّاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا " . وهذا مذهب جمهور الفقهاء .
ولفت إلى رأي الحنفيَّةُ جوازَ صلاة السنن الراتبة التي لها أجرٌ منصوصٌ عليه في الشرع ، كقيام الليل ، مع قضاء ما عليه من فوائت، مشدداً : عليك أنْ تقضيَ ما فاتك من صلواتٍ ؛ إذ هي مُعَلَّقةٌ بِذِمَّتِك ، حتى تستشعرَ أنك قضيتها ، وذلك خُرُوجًا مِن خلاف الفقهاء ، ثم تصلي بعد ذلك ما شئتَ من الرواتبِ والنوافل .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: قيام الليل الله صلى الله رضی الله عنه ال إ م ام ى الله الله ص
إقرأ أيضاً:
مفهوم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أمر الله المؤمنين بإظهار شرف نبيّه المبين، وتعظيم شأن سيّد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم أجمعين، واستغراق الوسع في ذلك بالمدح وكثرة الثناء، وتمام المتابعة والاقتداء، وذلك كلُّه مضمَّن في الأمر الإلهي بالصلاة والسلام على الجناب النبوي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]. والصَّلاةُ: هي التعظيم؛ كما قال الإمام الحليمي [ت 403هـ] في "شعب الإيمان" (2/ 133، ط. دار الفكر)، وهي: الدّعاء، والتّبريك، والتّمجيد، كما نقله الراغب [ت 502هـ] في "المفردات" (ص: 490، ط. دار القلم) عن كثير من أهل اللغة.
معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلمقال حجة الإسلام الغزالي -فيما نقله الإمام الزركشي في "تشنيف المسامع" (1/ 105، ط. مكتبة قرطبة)-: [الصلاة موضوعة للقدر المشترك؛ وهو: الاعتناء بالمصلى عليه] اهـ.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقال الإمام البيضاوي [ت 685هـ] في "تفسيره بحاشية الشهاب" (7/ 184، ط. بولاق 1283هـ): [﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: 56] يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ اعتنوا أنتم أيضًا؛ فإنكم أولى بذلك] اهـ، قال العلامة الشهاب الخفاجي [ت 1079هـ] في حاشيته عليه "عناية القاضي وكفاية الراضي": [الصلاة بمعنى الدعاء تجوّز بها عن الاعتناء بصلاح أمره وإظهار شرفه] اهـ بتصرف.
وقال الشيخ ابن القيم الحنبلي [ت 751هـ] في "جلاء الأفهام" (ص: 168، ط. مجمع الفقه): [معنى الصلاة: هو الثناء على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والعناية به، وإظهار شرفه وفضله وحرمته، كما هو المعروف من هذه اللفظة] اهـ.
وقال الإمام الحافظ ابن الجزري [ت 833هـ] في "مفتاح الحصن الحصين" (ق: 21أ، خ. الأزهرية): [الصلاة في الأصل: التعظيم، وإذا قلنا: "اللّهُمّ صَلِّ عَلَى مُحَمّد" فالمعنى: عظِّمْه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وتضعيف أجره ومثوبته] اهـ.
وقال الإمام الخطيب الشربيني [ت 977هـ] في تفسيره "السراج المنير" (3/ 268، ط. بولاق 1285هـ): [أي: حيُّوهُ بتحيّة الإسلام وأظهروا شرفه بكل ما تصل قدرتُكم إليه؛ من حسن متابعته، وكثرة الثناء الحسن عليه، والانقياد لأمره في كل ما يأمر به] اهـ
الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
والأمر بالصلاة على الجناب النبوي الشريف معناه: الاعتناء بإظهار شرفه وفضله وحرمته، والثناء عليه بكمال خِلْقته وفطرته، وجميل أخلاقه وشمائله وسيرته، وتمجيده بكريم مكانته ورفيع درجته، وتعظيم شأنه وذكره بعظيم ما أولاه مولاه، وتنزيهه عمَّا لا يليق بجنابه الشريف، والانقياد لأمره، وبذل الجهد واستفراغ الوسع في ذلك كله قولًا وفعلًا، على قدر ما تصل إليه القدرة وتستطيعه الطاقة.