من الخيام إلى الركام .. لهفة وحنين رغم ألم الفقد والدمار
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
غزة- «عُمان»- بهاء طباسي:
على أطراف إحدى المخيمات في مدينة خان يونس، تجلس أم عاشور الخالدي، بجوار حقيبة بالية تحمل بداخلها كل ما تبقى من حياتها. تمسح دموعها وهي تحكي بحزن: «منذ أن تركنا بيتنا في بيت حانون قبل خمسة عشر شهرًا، وأنا أعيش على أمل العودة. اليوم، ونحن نحضر أنفسنا للرجوع، أشعر أني أعود إلى الحياة من جديد».
تروي النازحة الخمسينية أنها فقدت زوجها في القصف الذي استهدف بيتهم، لكنها رغم الألم لم تفقد الأمل في أن ترى بيتها من جديد حتى لو كان بين الركام.
تقول لـ«عُمان»: «أكبر مخاوفي كانت أن أفقد ذكريات بيتنا، أن يصبح بيت حانون مجرد ذكرى بعيدة في خيال أبنائي. لكن الآن، ومع اقتراب لحظة العودة، أشعر أنني أستعيد جزءًا من روحي. العودة بالنسبة لي ليست فقط إلى بيت من طوب وحجارة، بل إلى ذكريات وأيام حملت فيها كل معاني الفرح والحزن».
حنين وألم العودة
قصة أم عاشور تتكرر بين آلاف النازحين من شمال القطاع الذين يستعدون للعودة إلى ديارهم بعد أكثر من سنة وثلاثة أشهر من التهجير القسري. على الرغم من التحديات، يعيش هؤلاء النازحون بين حنين العودة إلى منازلهم وذكرياتهم، وبين ألم فقدان الأحبة والدمار الذي حل ببيوتهم.
تتحين صبيحة عطية، وهي نازحة سبعينية كان تقيم في المخيم ذاته، لحظة العودة إلى المدينة نفسها. يملأ الحنين حديثها وهي تقول: «اشتقنا لتراب بيت حانون، لأولادنا، ولرمل بيت حانون. مهما كان الحال هناك، سأعود إلى بيتي. حتى لو كان بين الركام، يكفي أن أعيش على أرضي وبين أهلي».
صبيحة، التي كانت تعيش حياة بسيطة في بيت حانون، تروي خلال حديثها لـ«عُمان» كيف كانت تجمع أطفالها وأحفادها حول مائدة الإفطار في رمضان، وكيف كانت رائحة الخبز تنبعث من فرن منزلها كل صباح: «اشتقت لتلك اللحظات الصغيرة التي كانت تجعل حياتنا كبيرة ومليئة بالحب. العودة ليست مجرد خطوة، إنها استعادة لكل ما فقدناه من تفاصيل حياتنا اليومية».
تضيف صبيحة أن العودة تعني لها الفرصة لاحتضان حفيدها لأول مرة منذ النزوح: «عندما رأيت حفيدي لأول مرة في المخيم، كنت أشعر أنني غريبة في مكان لا أنتمي إليه. الآن، ومع العودة، أشعر أنني سأتمكن من احتضانه في مكان أحبه وأشعر فيه بالأمان».
وعلى مقربة منها، بدأ محمد الغول، نازح عشريني، في فكفكة خيمته وتجهيز نفسه للعودة. يقول بحماس: «أنا جاهز للعودة. بعرف إن الدار مقصوفة، بس خلاص بدي أروح وأقعد على الردم. المهم أرجع لمنطقتنا وأشم ريحة الدار».
محمد يتذكر كيف كان يقضي وقته مع أصدقائه في حارة الخزان بمدينة بيت لاهيا، وكيف كانوا يجتمعون كل مساء في أرض فضاء للعب كرة القدم.
يقول : «كان بيتنا مركزًا لكل شيء. الآن، حتى لو كان البيت مجرد أنقاض، أريد أن أعود لأعيش بين تلك الذكريات».
بالنسبة لمحمد، العودة تمثل فرصة لبدء حياة جديدة حتى لو كانت بين الركام: «أعلم أن التحديات كبيرة، وأن الحياة لن تعود كما كانت، لكن المهم أن أكون في مكاني الذي أنتمي إليه. العودة تعني لي استعادة هويتي».
استعادة الكرامة
رغم كل ما عانوه، يتمسك النازحون بأمل العودة وإعادة بناء حياتهم من جديد. «رغم سنة وثلاث شهور من الألم والتجويع والحرمان، فرحتنا لا توصف ونحن نعود لبلدنا»، يقول توفيق حسان، نازح أربعيني: «سنعيش بين الركام، ونبني من جديد. المهم أن نكون على أرضنا».
توفيق يروي خلال حديثه لـ«عُمان» كيف كانت الحياة في المخيم مليئة بالصعوبات، من نقص الطعام والماء إلى الظروف الصحية القاسية: «كنا نعيش على طعام التكيات الخيرية ونشرب المياه المالحة. العودة تعني لي فرصة لاستعادة كرامتي».
بالنسبة لتوفيق، الأمل في بناء مستقبل أفضل لأطفاله هو الدافع الأكبر للعودة: «أريد أن يرى أطفالي مدرستهم القديمة، أن يلعبوا في الشارع الذي كبروا فيه. العودة هي حقنا، وهي البداية الجديدة التي نحلم بها».
«كل ليلة كنت أقول لأولادي أن العودة قريبة. عندما أعلنوا عن العودة، لم أستطع أن أتمالك نفسي من الفرح. بدأت أحزم أمتعتنا رغم أنني أعرف أن بيتنا في شمال غزة لم يعد موجودًا. المهم أن أعود إلى أرضي»، يقول أبو إياد، وهو أب لخمسة أطفال عاشوا ظروفًا صعبة في مخيمات النزوح.
يضيف أبو إياد : «عندما نزحنا، كنت أشعر أني فقدت جزءًا من كرامتي. الآن، ومع العودة، أشعر أني أستعيد هذا الجزء. حتى لو كانت العودة إلى بيت مهدوم، المهم أن أكون على أرضي وبين أهلي».
بالنسبة لأطفاله، العودة تعني لهم فرصة لاستعادة طفولتهم. يوضح النازح الأربعيني: «أريد أن أرى الابتسامة تعود إلى وجوههم، أن يشعروا بالأمان مرة أخرى. العودة ليست فقط لنا، بل لأجيالنا القادمة».
العودة تعني الأمل
أما أسماء علي، وهي أم لثلاثة أطفال، كانت تخشى أن ينسى هؤلاء الأطفال شكل بيت أبيهم وأجدادهم، لكن اتفاق وقف إطلاق النار هدّأ من مخاوفها: «كنت دائمًا أحدثهم عن بيتهم وأنشط ذاكرتهم بالحياة التي تركوها خلفهم، الآن، ونحن نستعد للعودة، أرى الحماس في عيونهم. العودة ليست فقط إلى بيت، بل إلى جذورنا وهويتنا».
تتحدث أسماء لـ«عُمان» عن التحديات التي واجهتها كأم في مخيمات النزوح: «كان من الصعب جدًا أن أشرح لأطفالي لماذا لم نبق في منزلنا؟ الآن، ومع العودة، أشعر أني أستطيع أن أعطيهم إجابة. العودة تعني الأمل».بالنسبة لأسماء، العودة ليست مجرد حدث، بل هي بداية لمرحلة جديدة من النضال: «سنعيش ونبني من جديد. سنعلم أطفالنا أن الحب والسلام أقوى من أي دمار».
كيف ومتى تكون العودة؟
وفقًا لمكتب الإعلام الحكومي في غزة، من المقرر أن تبدأ عودة النازحين صباح اليوم الأحد، سيسلك العائدون شارع الرشيد الساحلي مشيًا على الأقدام، فيما ستمر المركبات فقط عبر شارع صلاح الدين، حيث سيتم فحص جميع المركبات بمختلف أنواعها (كارو – توكتوك – سيارة – باص – عربة نقل) عبر أجهزة «إكس-راي».
فيما دعا ناشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي الأسر إلى تدوين بيانات أطفالهم على ورق ووضعها في جيوبهم، لتجنب فقدانهم أثناء الطريق. وقالوا إن «هذه الخطوة تأتي بعد تجارب سابقة في النزوح شهدت فقدان العديد من الأطفال عن أهاليهم».
شعب يعشق الحياة والسلام
رغم الجراح والدمار، يصرّ النازحون على العودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم. يُظهر العائدون للعالم أنهم شعب يعشق الحياة والسلام، مستعدون للعيش بين الركام من أجل الحفاظ على هويتهم وجذورهم.
وتبقى قصة أم خالد وأبو إياد وصبيحة عطية صورة مصغرة لمعاناة آلاف النازحين في غزة. العودة إلى شمال القطاع ليست مجرد رحلة إلى مكان، بل هي رحلة نحو الكرامة والحياة رغم الألم. كل خطوة يخطوها النازحون نحو بيوتهم هي رسالة للعالم بأن شعب غزة سيظل ينبض بالحياة مهما كانت التحديات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العودة لیست بین الرکام العودة إلى حتى لو کان بیت حانون المهم أن لـ ع مان إلى بیت کیف کان من جدید
إقرأ أيضاً:
من يتحمل تكاليف رفع الركام من غزة.. إعلام عبري يكشف مفاجأة
نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن مصادر مطلعة، أن "إسرائيل وافقت على تحمل تكاليف إزالة الركام بغزة بما سيصل إلى مئات ملايين الدولارات".
وقالت المصادر إن "واشنطن طالبت إسرائيل بتحمل تكاليف إزالة الركام الهائل الناتج عن الحرب في قطاع غزة".
وفي وقت سابق، أفاد برنامج تحليل الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة "أونوسات" أن الحرب حتى الثامن من تموز/ يوليو 2025، أدت إلى تدمير أو إلحاق أضرار في حوالي 193 ألف مبنى من مختلف الأنواع في القطاع الفلسطيني، أي ما يعادل 78 بالمئة من المباني التي كانت موجودة قبل الحرب.
وبحسب الصور التي جُمعت في 22 و23 أيلول/ سبتمبر، قدّرت الوكالة الأممية أن 83 بالمئة من أبنية مدينة غزة وحدها دمّرت أو تضررت.
وقال التقرير الأممي إن كمية الحطام في القطاع الفلسطيني، والتي تبلغ 61,5 مليون طن، توازي حوالي 170 مرة وزن ناطحة السحاب الشهيرة في نيويورك إمباير ستايت، أو 6 آلاف مرة وزن برج إيفل في باريس.
منا يوازي ذلك 169 كيلوغراما من الركام لكل متر مربع من القطاع البالغة مساحته 365 كيلومترا مربعا.
وأشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى أن ثلثي الحطام كان نتيجة العمليات العسكرية خلال الأشهر الخمسة الأولى من الحرب.
في سياق متصل، أوضحت تقديرات أولية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة نُشرت في آب/ أغسطس تعرّض هذه الأنقاض السكان لمخاطر صحية، حيث قدّر البرنامج أنّ 4.9 مليون طن منها قد تكون ملوثة بمادة الأسبستوس المستخدمة في الأبنية القديمة الواقعة خصوصا قرب مخيّمات اللاجئين مثل جباليا شمال القطاع، والنصيرات والمغازي في وسطه، وخان يونس ورفح جنوبا.
يضاف إلى ذلك أن 2.9 مليون طن من الحطام الناجم عن المواقع الصناعية السابقة قد يكون ملوّثا بمواد كيميائية وغيرها من المنتجات السامة، بحسب البرنامج الأممي.
والشهر الماضي، قالت مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين فرانشيسكا ألبانيزي إن تقريرا جديدا للأمم المتحدة خلص إلى أن الحرب الإسرائيلية على غزة محت 69 عاما من التنمية البشرية، بما دمرته من منظومات الرعاية الصحية والتعليم والبنى التحتية وحتى البنوك.
وذكرت ألبانيزي أن هذا يمثل أسوأ انهيار اقتصادي تم تسجيله على الإطلاق، وأضافت "هذه ليست حربا، إنها إبادة جماعية".
وحذرت الأمم المتحدة من انهيار غير مسبوق للاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، مؤكدة أن الحرب التي استمرت عامين محت أثر عقود من التنمية، ودفعت غزة إلى مرحلة الدمار الكامل.
وقال التقرير إن الدمار الواسع الذي خلّفته الحرب في البنية التحتية والأصول الإنتاجية والخدمات الحيوية ألغى عقودا من التقدم الاجتماعي والاقتصادي في قطاع غزة.
وأوضحت التقرير الأممي إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني تراجع إلى مستوى عام 2003، بما يعادل خسارة 22 عاما من التنمية.
وبين أن الأزمة الاقتصادية الناتجة تُعد من بين أسوأ 10 أزمات اقتصادية عالمية منذ عام 1960.
كما حذر من أن حجم الدمار في غزة يعني أن القطاع سيظل "يعتمد اعتمادا تاما على دعم دولي مكثف"، وأن عملية التعافي قد تستغرق عقودا طويلة.
وأشار إلى أن الحرب الإسرائيلية دمّرت على نطاق واسع كل ركيزة من ركائز البقاء من غذاء ومأوى ورعاية صحية، مما دفع غزة نحو "حافة الانهيار الكامل".
وأكدت أن إعادة إعمار غزة ستتطلب أكثر من 70 مليار دولار وقد تمتد لعقود، في ظل تواصل الدمار وغياب البنية الأساسية القادرة على التعافي السريع.