آثار اليمن بين مطرقة التهريب وسندان غياب الدولة
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
تحليل_ طارق أحمد السميري:
يعد اليمن واحدًا من أقدم وأغنى البلدان تاريخيًّا وثقافيًّا، فهو مهد حضارات عريقة تعود لآلاف السنين، كحضارة سبأ ومعين وقتبان وحضرموت. هذه الحضارات خلفت إرثًا هائلًا من الآثار التي لا تقدر بثمن، من معابد وتماثيل ونقوش إلى مدن أثرية كاملة. ومع ذلك، فَــإنَّ هذا الإرث يواجه خطرًا وجوديًّا؛ بسَببِ عمليات التهريب المنظمة وغياب الدولة الفاعلة لحمايته.
تهريب التماثيل اليمنية: مأساة متكرّرة
من أحدث وأبرز الأمثلة على تهريب الآثار اليمنية، عرض تمثال يمني أثري للبيع في أحد المزادات العالمية. التمثال المصنوع من المرمر، والذي يعود تاريخه إلى ما بين عامي 200 و100 قبل الميلاد، يُظهر امرأة تحمل طفلها بين يديها. على قاعدة التمثال، نقش بخط المسند القديم عبارة “أبنسي” والتي تعني “ابني”، مما يعكس دفء العلاقة الإنسانية التي خلَّدتها الحضارة اليمنية القديمة.
هذا التمثال، الذي يُعد من أجمل التماثيل اليمنية وأكثرها رمزية، تم تهريبه إلى الإمارات، حَيثُ ما زال هناك حتى الآن. يعد وجوده في المزادات العالمية جرحًا جديدًا يضاف إلى سلسلة الانتهاكات التي تطال التراث اليمني.
غياب الدولة وتفاقم المشكلة:
في ظل الحرب والأوضاع السياسية المتدهورة التي تعيشها اليمن منذ سنوات، باتت الدولة شبه غائبة عن المشهد الثقافي والتراثي. لا توجد آليات فعالة لحماية المواقع الأثرية أَو استرداد القطع المهربة، مما يجعلها عرضة للنهب المنظم من قبل عصابات دولية.
الدولة التي يفترض أن تكون الحارس الأول للآثار أصبحت عاجزة عن التصدي لهذا النزيف الثقافي. ضعف القوانين، وغياب الرقابة على الحدود، بالإضافة إلى نقص الموارد والكوادر المؤهلة، كلها عوامل ساهمت في تفاقم الوضع.
شبكات التهريب الدولية:
تهريب الآثار اليمنية ليس جريمة عشوائية، بل هو جزء من شبكة دولية منظمة. تبدأ عمليات التهريب عادة بالتنقيب غير المشروع في المواقع الأثرية داخل اليمن. يقوم المهربون بعد ذلك بنقل القطع إلى الخارج عبر الحدود البرية أَو البحرية، مستغلين الثغرات الأمنية.
العديد من القطع تصل إلى دول مثل الإمارات، والتي أصبحت محطة لتمرير هذه الكنوز إلى الأسواق العالمية. تُباع هذه القطع في المزادات العلنية بمبالغ طائلة، حَيثُ يتم اقتناؤها من قبل تجار آثار أَو جامعي تحف لا يعيرون اهتمامًا لمصدرها أَو قيمتها الثقافية.
الأثر الثقافي والحضاري:
فقدان الآثار لا يعني فقط خسارة قطع أثرية، بل يعني تدميرًا لذاكرة اليمن وهويته. كُـلّ قطعة تُهرب تمثل جزءًا من قصة حضارة قديمة ساهمت في تشكيل التاريخ الإنساني. التماثيل والنقوش ليست مُجَـرّد أعمال فنية، بل هي شواهد على تطور الفكر والثقافة والعلاقات الإنسانية في تلك الحقبة.
الجهود المبذولة لحماية الآثار:
رغم الواقع القاتم، هناك محاولات من بعض الجهات لإنقاذ التراث اليمني. تعمل بعض المنظمات الدولية مثل اليونسكو على توثيق المواقع الأثرية المهدّدة، كما تسعى بعض الجهات إلى استرداد القطع المهربة عبر القنوات القانونية.
ومع ذلك، تظل هذه الجهود غير كافية في ظل غياب الدور الحكومي الفاعل. استعادة التمثال المذكور وغيره من القطع المهربة يتطلب تنسيقًا دبلوماسيًّا وجهودًا قانونية، بالإضافة إلى شراكة حقيقية مع الدول التي تحتضن هذه القطع.
الحلول الممكنة:
لحماية التراث اليمني، يجب اتِّخاذ عدة خطوات على المستويين المحلي والدولي:
تعزيز القوانين المحلية: يجب تشديد العقوبات على عمليات التنقيب غير المشروع والتهريب. إنشاء فرق متخصصة: تكوين وحدات متخصصة بحماية الآثار ومراقبة المواقع الأثرية. التعاون الدولي: تفعيل الاتّفاقيات الدولية لاسترداد القطع الأثرية المهربة وتعزيز التعاون مع الدول التي تمر عبرها هذه القطع. رفع الوعي المحلي: توعية السكان بأهميّة الآثار كجزء من الهوية الوطنية وتشجيعهم على الإبلاغ عن أي نشاط مشبوه. دعم المنظمات الأهلية: تشجيع المبادرات المحلية التي تعمل على توثيق التراث وحمايته.ختامًا:
آثار اليمن ليست ملكًا لليمنيين وحدهم، بل هي إرث إنساني يعكس عظمة حضارة كانت منارة في تاريخ البشرية. استمرار عمليات التهريب، كما في حالة التمثال المذكور، يعني فقدان أجزاء لا تقدر بثمن من هذا التاريخ. إن حماية هذا الإرث مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية لضمان بقاء هذا التاريخ حيًّا للأجيال القادمة.
وزير السياحة بحكومة شباب اليمن المستقل*
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: المواقع الأثریة
إقرأ أيضاً:
وزيرة البيئة: نحتاج 300 مليار دولار لمواجهة آثار تغير المناخ.. والقطاع الخاص شريك رئيسي
قالت وزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد إن خطة المساهمات الوطنية 2030 تتطلب تمويلًا يفوق الـ300 مليار دولار، لمواجهة آثار تغير المناخ بشقيها التخفيف والتكيف، وهو ما يستدعي توسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص في هذا المجال.
جاء ذلك خلال الحوار المفتوح الذي عقدته وزيرة البيئة مع أعضاء لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب، وذلك عقب استعراضها لجهود الوزارة في دعم مسار التنمية المستدامة وتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وذلك في إطار استراتيجية الحكومة (2024 - 2027)، حيث استمعت الوزيرة إلى تساؤلات النواب.
وأكدت الوزيرة وفقًا لبيان الوزارة اليوم الثلاثاء أهمية تعزيز دور القطاع الخاص لا سيما في ملفات الأمن الغذائي والزراعة، وإجراءات التكيف مع آثار تغير المناخ على المحاصيل، والحاجة إلى استنباط أنواع جديدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، مشددة على أهمية التعاون مع البنوك التنموية الدولية لدعم القطاع الخاص، مما يحقق الربح ويعزز مشاركته، على غرار ما تم في مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة.
وأضافت "أنه تم توفير تمويل يقارب 500 مليون دولار لتقليل مخاطر استثمارات القطاع الخاص، مما ساهم في دخول الشركات الخاصة بقوة مع توافر التكنولوجيا الحديثة بأسعار أقل.
وردًا على تساؤلات اللجنة بشأن ربط ملف المناخ بالطاقة الجديدة والمتجددة والمياه والغذاء، أشارت إلى برنامج نوفي الذي يركز على زيادة إنتاج الطاقة المتجددة واستخدامها في تحلية المياه والزراعة باعتبارها مشروعات للتكيف، مما يفتح المجال لمشاركة أكبر من القطاع الخاص والقطاع البنكى في تمويل هذه المشروعات وتقليل المخاطر المرتبطة بها.
وتابعت "أنه خلال الفترة من 2021 وحتى الآن، تم تقديم قروض ومنح لدعم القطاع الخاص بقيمة نحو 15 مليون دولار، في حين بلغ ما قٌدم لوزارة البيئة وحدها في هذا الشأن منذ 2018 وحتى الآن ما يقرب من 380 مليون دولار منها 100 مليون دولار كقروض ومنح.
وفيما يتعلق بالحفاظ على البيئة البحرية في البحر الأحمر، أوضحت الوزيرة أن الحكومة تعمل على إعلان ساحل البحر الأحمر كاملًا محمية طبيعية، حيث تم حتى الآن إعلان 50% من الشعاب المرجانية محمية.
ولفتت إلى أنه سيتم خلال الفترة المقبلة العمل على إعلان محميات في البحر المتوسط ووضع خطط لإدارتها بالشراكة مع القطاع الخاص وإجراء التقييم والرصد، كما يتم وضع خطة لكل محمية تسمى خطة تمنطق يتم تحدثيها كل ثلاث سنوات ويعتمدها مجلس إدارة جهاز شؤون البيئة.
وأشارت إلى أنه يتم حاليًا إعداد استراتيجية وطنية للاقتصاد الدائري بالتعاون مع الجانب الألماني والاتحاد الأوروبي، والتي سيتم الانتهاء منها بنهاية العام الجاري، مؤكدة أن هناك ملفات بيئية هامة على طاولة البرلمان خلال الفترة القادمة منها ملف تغير المناخ خاصة في ظل الإعداد لمؤتمر المناخ في البرازيل.
وحول ملف التلوث البلاستيكي، قالت الوزيرة نه من المقرر إقرار صك دولي ملزم قانونًا في أغسطس المقبل للحد من التلوث البلاستيكي، مؤكدة أن مصر يجب أن تكون لاعبًا قويًا بهذا الملف لما له من أهمية بيئية وصحية، بالإضافة إلى ارتباطه بالتحول التكنولوجي وتحقيق القيمة الاقتصادية للقطاع الخاص.
ولفتت إلى إنشاء وحدة الاستثمار البيئي والمناخي بوزارة البيئة عام 2023، وإطلاق أول مؤتمر للاستثمار البيئي والمناخي، حيث تم توفير 65 فرصة استثمارية مختلفة، بجانب العمل على إطلاق دليل المشروعات الصغيرة والمتوسطة الخضراء، والآلية الرقمية للتقييم الذاتي للأداء البيئي، والتي تم إعدادها بالتعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO).
وأوضحت وزيرة البيئة أن ملف الصناعة الخضراء سيكون له شأن كبير خلال الفترة المقبلة، بالتعاون مع وزارة الصناعة، ضمن المرحلة الرابعة من برنامج التحكم في التلوث الصناعي تحت اسم الصناعة الخضراء بدعم من الاتحاد الأوروبي بقيمة 251 مليون يورو، على أن يبدأ التنفيذ في يناير القادم، ما سيساعد الشركات على الالتزام باتفاقية CBAM وتعزيز فرص التصدير.
ونوهت بأنه تم إشراك القطاع الخاص بقوة في مشروعات الحفاظ على الموارد الطبيعية بالبحر الأحمر، والشعاب المرجانية والسياحة البيئية من خلال مشروع كبير سيتم تنفيذه بتمويل قدره 15 مليون دولار بدءًا من يوليو المقبل، بالإضافة إلى مشروع شرم خضراء والغردقة خضراء، الذي يهدف إلى تحفيز القطاع الخاص للدخول بقوة في الاستثمار بالمحميات الطبيعية.
وحول مبادرة قللها، أشارت الوزيرة إلى إطلاق الحملة الوطنية للتوعية بمخاطر الاستخدام المفرط للأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام، كخطوة أولى في سلسلة من الأنشطة التوعوية التي تهدف إلى تعزيز التحول نحو بدائل أكثر استدامة.
وفيما يتعلق بخطط الوزارة المستقبلية، قالت الدكتورة ياسمين فؤاد "إنه تم وضع أسس قوية خلال السنوات الماضية، حيث تم إنشاء نظام أرشفة داخلي شامل داخل الوزارة لكافة الملفات البيئية والإجراءات التي مرت بها والإجراءات المستقبلية، وتشكيل فرق عمل مشتركة مع الوزارات المعنية لكل ملف بيئي".
وأكدت في ختام حديثها أن الحكومة تولي أهمية كبيرة لمؤشرات الأداء البيئي ضمن برنامج الحكومة المعتمد من مجلس النواب، معربة عن ثقتها في جميع المعنيين بالشأن البيئي، مشددة على أهمية تكامل الجهود لضمان نجاح السياسات البيئية على كافة المستويات.
اقرأ أيضاًوزيرة البيئة تبحث مع مفوض الاتحاد الأوروبي مستجدات معاهدة الحد من التلوث البلاستيكي
وزيرة البيئة تطلق دليل المشروعات الصغيرة والمتوسطة الخضراء للتقييم الذاتي للأداء البيئي
وزيرة البيئة تدعو لإطلاق حوار بيئي لرجال الأعمال المصريين