الاستقلال الأوروبي ضرورة حتمية
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
ترجمة : بدر بن خميس الظفري -
أحد أكثر الأحداث تحديًا لأوروبا هذا العام هو عودة دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة. فقد وصفت مجلة الإيكونوميست، في توقعاتها لعام 2025، هذا الحدث بأنه «لحظة صادمة». ومن منظور أوروبي، فإن الوضع يبدو خطيرًا بالفعل. إن موقف ترامب أقوى من أي وقت مضى، إذ يتمتع الحزب الجمهوري بأغلبية في كلا مجلسي الكونجرس، كما أن ترامب فاز أيضًا بالتصويت الشعبي، إذ صوّت له عدد من الأمريكيين أكثر من أي مرشح آخر.
هذا الوضع يمنح قوة إضافية لرئيسة المفوضية الأوروبية المنتخبة من جديد، أورسولا فون دير لاين، التي تبدو مستعدة لاغتنام الفرصة. ولكن بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي، فإن سلطتها محدودة للغاية في مجالات السياسة الخارجية والأمن والدفاع.
كما أن الاقتصاد الأوروبي ليس في حالة جيدة. فمن بين أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 5% في عام 2024، والاقتصاد الأمريكي بنسبة حوالي 3%، بينما نما اقتصاد الاتحاد الأوروبي بنسبة حوالي 1% فقط.
لذا، فإن أوروبا ليست في وضع جيد للتعامل مع رئيس أمريكي يفاجئنا باستمرار بتصريحات غير مدروسة. ويناقش المحللون حول ما إذا كان يجب أخذ تصريحاته بجدية أو لا. وما يعنيه هذا بالنسبة للتعريفات الجمركية على السلع الأوروبية، أو المطالب بزيادة الإنفاق الدفاعي من قبل دول الناتو الأوروبية، أو حل الأزمة الأوكرانية في «يوم واحد» أو «ستة أشهر»، كل ذلك غير واضح.
حتى وقت قريب، كان هناك نقاش يدور بشكل دائم بين صانعي القرار في أوروبا حول كيفية التعامل مع ترامب. لذلك، فإن الوقت قد حان للنظر في كيفية إدارة أوروبا لعلاقاتها مع بقية العالم، وخاصة مع الصين، في وقت تزداد فيه التحديات في العلاقة عبر الأطلسي.
حاليًّا، يبدو أن هناك ثلاث مدارس فكرية رئيسية. فالسياسيون، خاصة في الدول الأوروبية الكبرى، لديهم أملٌ أنه من خلال الحجج القوية والمجاملات الشخصية، يمكنهم إقناع ترامب بأن مشاركتهم في الناتو تصب في مصلحة الولايات المتحدة، وأن فرض التعريفات ضد الشركاء الأوروبيين أمر غير سديد. هذا الرأي شائع في ألمانيا، التي تخلت، على عكس المملكة المتحدة وفرنسا، عن الأسلحة النووية. وفي وقت أدلى فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتصريحات لا تستبعد استخدام هذه الأسلحة، تعتمد ألمانيا بشكل خاص على المظلة النووية الأمريكية.
على النقيض من ذلك، يبدو أن بعض الحكومات الأوروبية، مثل المجر وسلوفاكيا، وربما قريبًا النمسا، تعتقد أنه إذا ما ابتعدت واشنطن عن أوروبا، فإن هناك حاجة إلى بنية أمنية دولية أكثر قومية وصديقة لروسيا.
حتى الآن، هناك عدد قليل يدعو إلى حل ثالث، وهو الاستقلال الأكبر للدبلوماسية الأوروبية الذي طال انتظاره.
قبل إعادة انتخاب ترامب، كان كثيرون في أوروبا يعتقدون أن رئاسته الأولى كانت مجرد استثناء عابر. ولكن الآن، يبدو أن الولايات المتحدة تتبع بقوة مسار «أمريكا أولاً» المستدام، الذي انقطع لفترة وجيزة خلال إدارة جو بايدن.
سياسات هذا المسار تعود إلى الواجهة من جديد، وتهدف إلى تقليص العجز التجاري الأمريكي الكبير مع الاتحاد الأوروبي بشكل عدائي، وهو موقف غير مريح بشكل خاص لألمانيا، التي تمتلك الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا كبيرًا معها. لذلك، من مصلحة ألمانيا قيادة الطريق نحو سياسة أوروبية أكثر استقلالية.
لن تسعى هذه السياسة إلى إيجاد توازن متساوٍ بين واشنطن وبكين، لكنها ستعتمد بشكل أكبر على توقعات الصين وأقل على القرارات الفردية من واشنطن.
الرئيس الجديد للحكومة الألمانية، المتوقع أن يكون فريدريش ميرتس، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي، سيولي العلاقة عبر الأطلسي أهمية كبيرة. ولكن على المستوى الاقتصادي، من المحتمل أن يصغي ميرتس إلى قطاع الأعمال الألماني.
يمكن أن تشكل علاقة أقرب بين ألمانيا والصين مصلحة مشتركة لكلا الطرفين، وهما مستفيدان كبيران من سياسات العولمة.
يمكن للشركات الألمانية والصينية أن تقود الجهود لتعزيز العولمة والتجارة الحرة وتوسيع التبادل الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي والصين والجنوب العالمي.
ولفغانغ روهر عضو سابق في الخارجية الألمانية، وأستاذ استشاري في جامعة تونجي، وباحث زائر في مركز الدراسات الثقافية للعلوم والتكنولوجيا في جامعة برلين التقنية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی یبدو أن
إقرأ أيضاً:
دعوات لسحب ذهب ألمانيا وإيطاليا من الاحتياطي الأمريكي خشية عواقب تدخلات ترامب
ألمانيا – تلقت ألمانيا وإيطاليا دعوات لاستعادة احتياطياتهما من الذهب المودوعة في نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وقيمتها 245 مليار دولار.
ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن جهات تدعو الدولتين الأوروبيتين لاستعادة الذهب وذلك بسبب المخاوف بشأن استقلالية البنك المركزي الأمريكي والتوترات الجيوسياسية.
وجاء في مقال الصحيفة: “تواجه ألمانيا وإيطاليا دعواتٍ لإخراج ذهبهما من نيويورك بعد الهجمات المتكررة للرئيس دونالد ترامب على نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وزيادة الاضطرابات الجيوسياسية… تبلغ القيمة السوقية للذهب المخزَّن في الولايات المتحدة أكثر من 245 مليار دولار.”
وبحسب بيانات “مجلس الذهب العالمي” التي استشهد بها المقال، تحتل ألمانيا وإيطاليا المرتبتين الثانية والثالثة عالميا في احتياطيات الذهب بعد الولايات المتحدة، حيث تمتلك ألمانيا 3352 طنا، وتمتلك إيطاليا 2452 طنا. وتعتمد كلتا الدولتين بشكل كبير على الاحتياطي الفيدرالي، حيث يُخزِّن كل منهما أكثر من ثلث سبائكه الذهبية في الولايات المتحدة.
ونقل المقال أن “رابطة دافعي الضرائب في أوروبا” قد وجَّهت رسائل إلى وزارات المالية والبنوك المركزية في ألمانيا وإيطاليا، داعيةً الساسة إلى مراجعة اعتمادهم على الاحتياطي الفيدرالي في تخزين الذهب.
وقال رئيس الرابطة مايكل ييجر للصحيفة: “نحن قلقون للغاية من تدخُّل ترامب في استقلالية بنك الاحتياطي الفيدرالي. توصيتنا هي إعادة (الذهب الألماني والإيطالي) إلى الوطن، حتى تتمكن البنوك المركزية الأوروبية من السيطرة الكاملة عليه في أي وقت”.
هذا وقد دعا ترامب مرارا الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة، ووصف رئيس البنك المركزي الأمريكي بأنه “أحمق”، وتحدَّث عن إقالته. وفي المقابل، يرى الخبراء أن استبدال جيروم باول سيؤثر سلبا على ثقة الأسواق في السياسة النقدية للسلطات الأمريكية واستقلالية الاحتياطي الفيدرالي.
وكان “مجلس الذهب العالمي” (WGC) قد أعلن في يونيو الماضي أن البنوك المركزية تتوقع انخفاض حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية خلال السنوات الخمس المقبلة، مع زيادة الاستثمار في الذهب في الوقت نفسه.
المصدر: وكالة “نوفوستي”