المصريون فى الخارج صف واحد في دعم موقف الدولة الرافض لتهجير الفلسطينيين
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
كانت سعادتي كبيرة بلقاء عدد من الشباب المصريين العائدين من لندن إلى القاهرة، وغالبيتهم يعيشون في بريطانيا، حيث كانوا متحمسين في التعبير عن رفضهم مقترح الرئيس الأمريكي دولاند ترامب. قالوا إن الرد عليه جاء أولا من الواقع بعفوية وبدون "تسييس"، متمثلًا في عودة سكان غزة إلى ديارهم مشياً على الأقدام، وعبروا بنفس تلك العفوية وبعباراتهم الغاضبة أن "تلك الأقدام الجبّارة للغزاوية داست على كل حرف من ذلك المقترح البغيض الذي وُلد ميتًا".
هذا ملخص للدردشات التي جمعتني مع عدد من الركاب في المطار أو على الطائرة، وغالبيتهم يستحقون أن نرفع لهم القبعة ونفتخر بإنجازاتهم العلمية والعملية، أولًا لأنهم يرفعون راية مصر عالية بمسيرتهم ونجاحهم في الخارج، وثانيًا لأنهم يدعمون بلادهم عند الحاجة. وزادت وتيرة الاحتجاجات الطلابية التي شهدها عدد من الجامعات البريطانية أو في المظاهرات الحاشدة أمام مقر الحكومة البريطانية في وايتهول وسط لندن من أجل إيصال صوت قوي ضد التهجير القسري وجميع أشكال الاضطهاد الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. وقد طالبت التظاهرات الأخيرة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر باتخاذ موقف واضح وحازم ضد تصريحات ترامب التي تدعو إلى تهجير الفلسطينيين، والتي تُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي والحقوق الفلسطينية المشروعة.
الملاحظ أن القضية الفلسطينية تحظى بدعم متزايد من بريطانيين وجاليات عربية وإسلامية وأصبح من السهل تمييز العلم الفلسطيني مرفوعا أمام المنازل، والكوفية الفلسطينية يرتديها مواطنون بشكل يرمز لموقفهم من القضية. كما أن المشاركات في سلسلة من الفعاليات لصالح القضية أصبحت تستقطب المزيد من رموز المجتمع المدني والسياسي والجهات الأكاديمية والنخب الطلابية والعمالية، ويسعون من خلالها إلى تسليط الضوء على خطورة تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تدعو لتهجير الفلسطينيين وتكريس سياسة التطهير العرقي. وقد رفع العلم المصري إلى جانب الفلسطيني في إحدى التظاهرات في لندن الأسبوع الماضي كدعم أيضا للموقف المصري الرافض للتهجير.
وذكر الشباب أن التحركات الطلابية مؤخراً أدت إلى سحب عدد من الجامعات استثماراتها من الشركات المتورطة في الانتهاكات بغزة، إضافة إلى إنهاء التعاون مع شركات للأسلحة كانت تقدم تمويلات بحثية للأقسام العلمية، خاصة كليات الهندسة. وقد أصدرت إحدى الكليات في كينغز لندن قرارا، على إثر احتجاجات واسعة النطاق تضامنًا مع غزة، يقضي بوقف استثماراتها في شركات تعمل في إنتاج الأسلحة أو تصديرها. ونشرت صحيفة التايمز مؤخرا إعلان الجامعة أنها ستضيف بندًا جديدًا إلى سياستها، ينص على عدم الاحتفاظ بأي استثمارات في شركات تعمل في مجال إنتاج الأسلحة، مع التشديد على حظر مشاركة شركات الأسلحة في الفعاليات المهنية والمشروعات البحثية بالجامعة. يضاف إلى تلك التحركات، قيام 51 عضوًا من مجلس اللوردات والعموم في البرلمان البريطاني ببعث رسالة إلى وزيرة الداخلية إيفيت كوبر مطالبين بإجراء تحقيق حول اعتداءات الشرطة على مظاهرة متضامنة مع فلسطين في 18 يناير الماضي. وأكد رئيس حزب العمال البريطاني السابق وعضو البرلمان جيرمي كوربن على الوقوف بجانب الحق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال.
ومع الشباب دائما، حيث حدث على نفس رحلة الطائرة العائدة إلى مصر موقف طارئ يخص راكبة فاجأتها أزمة صحية، مما دفع بالمضيفة إلى طلب المساعدة من أي طبيب موجود على الطائرة. وعلى الفور وقف أربعة أطباء عبروا عن استعدادهم لمد يد العون، ناهيك عن خامس كان متخصصا في الأشعة. بالمناسبة، الطائرة مليئة بالركاب من جنسيات مختلفة وما يفرح القلب أن الأطباء جميعهم مصريون. ولم يتركوا السيدة المريضة لحظة واحدة طوال الرحلة. كانوا جاهزين بحقيبة إسعافات للكشف عن الحالة والتعامل معها، وتبادلوا الرأي والنصيحة من الأصغر إلى الأكبر سنًا وخبرة، ثم اتفقوا على إعطائها دواء معينًا. بعد ذلك، نقلوها للاسترخاء في مقاعدهم الأمامية لتأخذ بعض الراحة؛ لم تتحسن الحالة، حيث إنها من أصحاب الأمراض المزمنة، لذلك فتحوا حقائبهم الصغيرة وأخذوا منها أفضل ما لديهم من أدوية تفيد في إسعاف الحالة لحين الوصول إلى القاهرة. كل ركاب الطائرة كانوا فخورين بهم ويدعون لهم ويشدون على أيديهم. وهكذا هم أطباء مصر خيرة رجالها ونسائها، لا يترددون في المساعدة، وهم على الأرض أو حتى في الجو، لا فرق في جاهزيتهم وعطائهم مع تواضع ورقيهم منقطع النظير.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الرافض لتهجير الفلسطينيين القضية الفلسطينية خمسة أطباء عدد من
إقرأ أيضاً:
المصريون ينتفضون في مواجهة التغييب
منذ بدء عملية طوفان الأقصى، أي على مدى ما يقرب من عامين، عاش الشعب المصري حالة من الحيرة منقطعة النظير، تمثلت فيما يردده الإعلام الرسمي على لسان المسؤولين على مدار الساعة، بأن معبر رفح الفاصل الحدودي مع قطاع غزة مفتوحا طوال الوقت، إلا أن كيان الاحتلال هو الذي يغلق المعبر من الجانب الآخر، في الوقت الذي دافع فيه الكيان عن نفسه أمام محكمة العدل الدولية بالعكس تماما، نافيا أنه يغلق المعبر، وهو الأمر الذي لم تستغله السلطات المصرية بالتكذيب أمام المحكمة، أو بالفعل على أرض الواقع، وذلك بتسيير قوافل المساعدات الإنسانية، للاصطدام بالجانب الآخر على مرأى ومسمع العالم.
يأتي ذلك في الوقت الذي سمحت فيه مصر للكيان باحتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا) على خلاف الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين، ومن ثم كان احتلال معبر رفح أمرا طبيعيا، لم تعترض عليه مصر أيضا، مما ضيق الخناق على الشعب الفلسطيني في القطاع، البالغ تعدادهم مع بداية حرب الإبادة نحو 2.3 مليون نسمة، سقط منهم ما يزيد على 60 ألف شهيد، ونحو 170 ألف جريح، بخلاف الآلاف ممن غادروا القطاع لأسباب مختلفة، ما بين مرافقة المرضى، والفرار من الحرب، والهجرة وغيرها.
الأمر في الشارع، خلال الأيام الأخيرة، خرج عن السيطرة إلى حد ما، نتيجة حالة الجوع التي يعانيها سكان القطاع الآن، والتي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا، لا في وقت الحرب ولا وقت السلم، والتي تسفر عن سقوط أعداد من الوفيات بشكل يومي، بين كل الأعمار، بخلاف من يسقطون برصاص الاحتلال
عامان من الأحداث الساخنة، التزم خلالهما الشعب المصري الصمت على عمليات القتل والإبادة في صفوف أشقائه الفلسطينيين، ومخططات التجويع والموت ليل نهار، وسط حالة من الضجر والاستياء، مع منع السلطات أبسط مظاهر الشجب والاحتجاج، التي نراها في كل دول العالم الغربي بشكل خاص، إلا أن الأمر في الشارع، خلال الأيام الأخيرة، خرج عن السيطرة إلى حد ما، نتيجة حالة الجوع التي يعانيها سكان القطاع الآن، والتي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا، لا في وقت الحرب ولا وقت السلم، والتي تسفر عن سقوط أعداد من الوفيات بشكل يومي، بين كل الأعمار، بخلاف من يسقطون برصاص الاحتلال.
ربما كانت الشرارة الأولى هي البيان الذي صدر عن مشيخة الأزهر، وتم التراجع عنه بعد دقائق معدودة، بضغوط رسمية كما هو واضح، على الرغم من أن الأزهر قال في توضيح: إن التراجع يهدف إلى خدمة المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وهو ما لم يكن مقنعا لأي متابع من قريب أو بعيد، ما جعل الأحداث تتوالى، بقيام مجموعات من المصريين في الخارج بإغلاق بوابات السفارات والقنصليات المصرية بالجنازير والأقفال، في أكثر من عاصمة ومدينة، في عملية رمزية تشير إلى إغلاق القطاع الفلسطيني المحاصر مصريا بالأسلاك الشائكة والجدران والحواجز.
في الوقت نفسه، واحتجاجا على إغلاق معبر رفح، جاءت العملية المتداولة لاقتحام أحد مقرات الأمن الوطني، في منطقة المعصرة في محافظة حلوان، على أطراف القاهرة، من قبل شابين احتجزا أحد الضباط، حسب بيان أصدراه وفيديو تم بثه، لتضيف هي الأخرى أزمة جديدة للنظام، لم تكن في الحسبان بأي حال، وهو ما حدا بوزارة الداخلية لإصدار بيان على الفور، ينفي هذه العملية جملة وتفصيلا، في الوقت الذي تم فيه اعتقال الشابين. إلا أن هذه العملية تحديدا فتحت الباب واسعا أمام مناقشات شعبية، محورها بالدرجة الأولى هي إمكانية وأهمية قيام كل فرد بما يستطيع، للضغط في اتجاه إنهاء الحصار على الشعب الفلسطيني الشقيق في القطاع.
المتابع لحالة الشارع في مصر، وسجالات "السوشيال ميديا" سوف يكتشف أن ذلك الحراك في الخارج نحو السفارات، أو في الداخل نحو الأجهزة الأمنية، قد لاقى تجاوبا إلى حد كبير، خصوصا في ضوء ما أسفر عنه من السماح بعبور شاحنات المساعدات، والسماح أيضا بعمليات إنزال جوية لمساعدات أخرى، في دلالة على أحد أمرين هما، إما أن القرار بيد مصر وأنها خضعت للضغوط، وإما أنها تستطيع الضغط على كيان الاحتلال، وهو ما أسفر في أي من الحالتين عن النتيجة الإيجابية، وهي السماح بإيصال المساعدات، التي أثارت حالة من البهجة بين طوائف الشعب، خصوصا أنها تزامنت مع نداء القيادي في حركة حماس خليل الحيّة للشعب المصري قائلا: يا أهل مصر، أيموت إخوانكم في غزة من الجوع، وهم على حدودكم؟ وهو النداء الذي لاقى تعاطفا كبيرا.
ويبدو أن الجميع قد ألقى بكل الكرات دفعة واحدة في الملعب المصري، وتحديدا في ملعب النظام، الذي أصبح متهما بالمشاركة مع كيان الاحتلال في تجويع شعب شقيق، إلى حد الموت والإبادة، وهو الأمر الذي يصعب نفيه في ظل الظروف الحالية التي شهدت متغيرات كثيرة، خصوصا في ظل إعلام رسمي ضعيف، يفتقر إلى المصداقية، بعد أن أمضى أكثر من عشر سنوات في خدمة سياسات تغييب واسعة، دون تطوير للمضمون أو الوجوه على حد سواء، مما جعل من قضية غزة حالة عامة، وحّدت صفوف المصريين للمرة الأولى منذ عام 2013، بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، وانقسام الشارع إلى أبعد مدى.
وقد أرغمت هذه التطورات، فيما يبدو، الرئيس عبد الفتاح السيسي للخروج بنفسه لإلقاء بيان، استمر نحو سبع دقائق، ينفي فيه مسؤوليته أو مسؤولية بلاده عن ذلك الذي يجري، مطالبا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتدخل لوقف الحرب وإدخال المساعدات، باعتباره هو القادر على ذلك، على حد تعبيره. إلا أن بيان السيسي لم يكن مقنعا أيضا، لأنه لم يحمل جديدا عما يتناوله الإعلام طوال الوقت، وعما ردده هو في السابق، ناهيك من أنه لم يتضمن أي خطة مصرية لتدارك الأمر، أو أي تغيير في الموقف مع كيان الاحتلال، بل على العكس، حاول تقزيم حجم مصر في التعامل مع الأحداث.
أمام انتفاضة شعبية حقيقية، قد تكسر حاجز الخوف بين عشية وضحاها، بالنزول إلى الشارع، الذي يعد بمثابة خط أحمر مع النظام، ما يوجب الإسراع بتدارك الأمر من وجوه عديدة، أهمها، تغيير الموقف السياسي فيما يتعلق بحرب الإبادة في قطاع غزة، ليس ذلك فقط، بل تغيير الموقف من الكيان الصهيوني بشكل عام
نحن إذن أمام انتفاضة شعبية حقيقية، قد تكسر حاجز الخوف بين عشية وضحاها، بالنزول إلى الشارع، الذي يعد بمثابة خط أحمر مع النظام، ما يوجب الإسراع بتدارك الأمر من وجوه عديدة، أهمها، تغيير الموقف السياسي فيما يتعلق بحرب الإبادة في قطاع غزة، ليس ذلك فقط، بل تغيير الموقف من الكيان الصهيوني بشكل عام، في ضوء اتهامات للنظام بمحاباته وخشيته، لأسباب قد تتعلق بميول وأهواء شخصية، أو حسابات عسكرية وسياسية، إلا أنها في كل الأحوال لا تصون الكرامة، ولا تحمي الأمن القومي، ولا تحقق السلام للمصريين على المدى البعيد، وربما القريب أيضا.
على العكس تماما، سوف يكتشف المتابع للحالة المصرية أن هناك حالة من الجمود، إن لم يكن الإصرار، على استمرار الموقف السياسي كما هو، خصوصا مع ما يردده بعض المسؤولين، إلى حد التفاخر، بإغلاق آلاف الأنفاق مع القطاع، وبناء الكثير من الجدران والحواجز، إلى غير ذلك مما يعد أعمالا عدائية مع الشعب الفلسطيني، وكأن الموقف المصري يتماهى مع الإسرائيلي في الإبادة والتجويع والحصار، خصوصا مع استمرار العلاقات التجارية والأمنية والسياسية مع الكيان دون تعديل، على الرغم من جرائمه في المنطقة ككل، وليس في غزة أو الضفة الغربية فقط.
لا أحد يستطيع أن ينكر أن النظام الحاكم في مصر، يعيش أزمة داخلية، تتمثل في حالة من الاستقطاب واسعة النطاق، تهدد بمصادمات غير محمودة بين لحظة وأخرى، ناهيك عن حالة الضغط الأمني الذي جعل من عشرات آلاف السياسيين في السجون أمرا تقليديا، إضافة إلى الحالة المعيشية الصعبة، نتيجة ارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة الجنيه، وتردي الأوضاع الخدمية بشكل عام. إلا أن قضية الإبادة في قطاع غزة، أصبحت تتصدر الساحة، إلى الحد الذي لم يعد يجدي معه تغييب إعلامي منفّر، أو حجج سياسية خادعة، أو أي شيء من هذا القبيل.
بعض المراقبين يؤكدون أن الحكومة الإسرائيلية، بالتعاون مع الإدارة الأمريكية، سوف تبذل قصارى جهدها للتوصل إلى صيغة اتفاق ينهي الأزمة في القطاع على أي وجه، إنقاذا للنظام في مصر، خشية الاستبدال بما لا يحمد عقباه، بينما يرى آخرون أنها قد تكون فرصة أمامها للخلاص من نظام رفض توطين أهالي غزة في سيناء، على أمل تجهيز بديل يمكن أن يوافق على ذلك الطرح، إلا أنه في كل الأحوال يمكن التأكيد على أن عجلة الاستفاقة قد دارت في صفوف المصريين، ما بين مواطني الداخل، ومغتربي الخارج على حد سواء، وفي ظل تنسيق واضح بين نخبة من هؤلاء وفاعلين من أولئك، يمكن التنبؤ بحراك واسع على المدى القريب، قد يغير الكثير من شؤون وخرائط المنطقة.