عبد الله علي إبراهيم
اتربص ما أزال بالليبرويساريين الذين يصعب عليهم العيش ويتنكد في الديمقراطيات التي أفنوا العمر لاستعادتها من براثن نظم للديكتاتورية في 1958، 1969، 1989. فمتى فازت القوى التقليدية أو المحافظة في انتخاباتها قنعوا من البرلمانية ظاهراً وباطناً وقضوا عليها بانقلاب، أو بطلوع الخلاء في أثر جيش خلاء.
إذا انتقلنا من حديث السياسية إلى السياسات سنجد أن كلمة الدكتور أحمد إبراهيم أبوشوك عن دار الوثائق القومية (بعد ثورة ديسمبر 2018) مثالاً طيباً لهذه النقلة. فلم ينشغل بتسيس إدارتها في ظل النظام المباد دون تمييز متانتها ك"ذاكرة للأمة" برغم ذلك. فلم يشغله عدوان الإنقاذ عليها دون عرضها تاريخها، ومأثرتها والرجال والنساء الذين اعتنقوها بالسهر والحمى. وترصّد آفاق ترقيها لا بعد زوال نظام أحسن إليها بوجوه وأساء إليها بوجوه كثيرة فحسب، بل لتلقى تحديات تكنلوجيا التوثيق المعاصرة، واستزادة الإيداع الحكومي والأهلي فيها، وتسليس خدمتها الوثائقية لدواوين الدولة.
ذكر أبوشوك قيام الدار القومية للوثائق، في صورة مكتب لمحفوظات السودان، بوزارة الداخلية في 1948. ثم صارت دار الوثائق المركزية في 1965 ودار الوثائق القومية في 1982. وانتقلت إلى دار مصادرة كانت للمرحوم الإمام عبد الرحمن المهدي على شارع الجمهورية ثم لمبانيها الجديدة حسنة الإعداد لمهنة التوثيق في نحو 2005. ولي ذكريات مع دارها الأولى والثانية. فاذكر أول معرفتي بها كانت حين شرعت في البحث العلمي بجامعة لخرطوم في 1966 وغشيتها في وزارة الداخلية لألتقي بالمسؤول عنها المرحوم محمد إبراهيم أبو سليم الذي صار مديرها حتى تقاعده في 1995. أما الدار الثانية على شارع السيد عبد الرحمن فكنا نغشاها ممثلين لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم على عهد حكومة عبود لاجتماعات الجبهة الوطنية التي رعاها طيب الذكر الإمام الصديق المهدي على قبره سحائب الرحمان.
كلمة أبو شوك وافية. فهو ابن بجدتها عمل في دار الوثائق حيناً ثم انتقل إلى الجامعات أستاذاً محسناً للتاريخ لأنه يكتب من فوق معرفة دقيقة بدروب الوثيقة فيها. ولا أزيد هنا على كلمته في سوى التوسع في ضروب الخدمات التي نرنوا لتقوم الدار بها للدولة بتوفير الوثائق متى احتاجت لدراسة شأن شاغل مثل لجنة تصفية الإدارة الأهلية في 1964، أو حتى ما زودت به مصر لتحقق لها تبعية طابا من براثن إسرائيل.
من رأيي أن تتوسع خدمات دار الوثائق لخدمة نواب البرلمان كما تخدم مكتبة الكونغرس مجلس النواب والشيوخ الأمريكيين في تكوين رأيهم حول المشروعات المعروضة عليهم. ومعلوم أن هذا الغرض كان السبب في نشأة المكتبة الأمريكية أصلاً. ولهذا الاقتراح مني قصة عمرها فوق الثلاثين عاماً. فقد عدت من بعثتي للدكتوراه في أمريكا في 1987 مفتوناً بالمكتبة الأمريكية التي غشيتها مرات وبفكرتها. وزرت عطبرة ووجدتها تختنق بالسخرية من نائبها البرلماني علي محي الدين، أسطى الأوناش بالسكة حديد، تسلقه سلقاً لأنه لا يحسن التعبير عن نفسه والمدينة في مداولات البرلمان. وكانت النكتة عنه الأكثر سخرية (صدقت أو كذبت) أنه وقف مرة في البرلمان وقال إن مشكلة البلاد مشكلة أوناش. ووجدتهم من الجهة الأخرى يشيدون بالأداء البرلماني الفصيح لرفيقنا المرحوم محمد إبراهيم نقد اللسِن الحاذق.
وبالطبع أمغصني، كماركسي، هذا التعريض بعامل خلال أداء بروليتاريته. وكتبت كلمة في عمودي "ومع ذلك" بجريدة "الخرطوم" أدافع عن حق مثل على محي الدين (وهو اتحادي ديمقراطي بالمناسبة) في الوجود في البرلمان بغض النظر. وقلت إن نقد، على طول باعه السياسي، يتغذى بالمعارف، متى عُرض شأن ما على البرلمان، من مكاتب الحزب الاقتصادية والنسائية والشبابية والثقافية ليُلحن بحجته. وجاء هنا موضع عرضي لتجربة مكتبة الكونغرس في بذل المعارف حول الشؤون المعروضة أمام البرلمان حتى يدلي النائب دلوه في الأمر على بينة. وزدت، مفتتناً ما أزال بآليات المعرفة في صلب العملية الديمقراطية الأمريكية، باقتراح أن تكون للنائب البرلماني مكاتب في البرلمان وفي دائرته لخدمته في بحث المسائل المعروضة وتقليب الرأي معه حولها. وأذكر أن الدكتور على عبد القادر، الاقتصادي المميز، استحسن الفكرة وقال إنه لا يمانع أن يتطوع لمثل هذه الخدمة ولاء للسكة الحديد التي عمل بها والده.
وجئت لذلك الاقتراح من درب آخر أيضاً. فقد رأيت العزة بالشهادة الجامعية العليا في تزكية النواب للناس. وأكثر من اقترف هذه العزة الجبهة الإسلامية القومية فروجت لمرشحيها ببينة علو كعبهم في التعليم. وخشيت أن يتسرب للناس فهم مؤداه أن النيابة عن الشعب قاصرة على أهل الشهادة دون غيرهم من غمار الناس. واشمأزت نفسي، كعطبراوي ترعرع في الديمقراطية النقابية وقادتها اللسنين، من ترويج البرجوازية الصغيرة لنفسها كأهل الحل والعقد البرلماني لا شريك لهم.
ولما رأيت المزاباة الأخيرة بالشهادات في تكوين مجلس الوزراء الانتقالي عادني حديث "الأوناش". وقلت هل يريد حملة الشهادات، على وزن حملة السلاح، أن يكون الحكم فيهم إلى جنى الجنى؟ وهي شهادات قال شكري غالي، نقلاً عن منصور خالد، إنها ليست علماً محضاً لأنها في واقع الأمر شهادات ميلاد طبقية.
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی البرلمان دار الوثائق
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء: الشبكة القومية للغاز الطبيعي تعزز دعم قطاعات الاستهلاك خلال فصل الصيف
تفقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، ومرافقوه، جاهزية الرصيف الثاني بميناء شركة سوميد، لاستقبال سفينة التغييز الثانية للغاز الطبيعي المسال المستورد «إنرجوس إسكيمو» ودخولها الخدمة، وذلك عقب استكمال الأعمال الفنية التي تفقدها رئيس الوزراء خلال زيارته اليوم بميناء السخنة.
وفي بداية الجولة، أكد رئيس مجلس الوزراء أن هذا المشروع يُعد أحد المشروعات القومية الاستراتيجية لتعزيز قدرة الشبكة القومية للغاز الطبيعي على توفير مزيد من الإمدادات، ودعم تأمينها لقطاعات الاستهلاك خلال فصل الصيف.
وأكد المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، أنه تم الانتهاء من تنفيذ مشروع تجهيز رصيف سوميد لاستقبال ورسو سفينة التغييز الثانية إنرجوس إسكيمو بنسبة 100%، بما في ذلك أعمال التركيبات وعمليات الاختبار التجريبي لاستقبال سفينة التغييز البالغ طاقتها التصميمية 750 مليون قدم مكعب يوميًا، لتصبح السفينة الثانية من نوعها بعد سفينة التغييز الأولى «هوج جاليون» التي دخلت الخدمة العام الماضي بنفس القدرة.
وأشار الوزير إلى أن أعمال تجهيز الرصيف الثاني بميناء سوميد بدأ العمل بها منذ سبتمبر الماضي بواسطة الفرق الفنية لشركات قطاع البترول المصري، استعدادًا لاستقبال سفينة التغييز الثانية للغاز الطبيعي المسال المستورد ودخولها الخدمة.
وفي هذا الإطار، أوضح المهندس كريم بدوي أن المشروع تضمن التعديلات الفنية على الرصيف البحري، وإنشاء خطي غاز جديدين لنقل إمدادات الغاز من السفينة، أحدهما بحري بطول 2.2 كم، والآخر بري بطول 3.8 كم، بالإضافة إلى تركيب أذرع شحن مُتخصصة لربط السفينة بخطوط الشبكة القومية للغاز، مُوجهاً الشكر لفرق العمل بشركات إيجاس، وجاسكو، وبتروجيت، وإنبي، وسوميد، على الجهود الكبيرة التي بُذلت في تنفيذ هذا المشروع وتنفيذ أعمال تجهيز وتشغيل منظومة استيراد الغاز الطبيعي المُسال.
كما تفقد رئيس مجلس الوزراء عمليات استقبال واردات الغاز الطبيعي المُسال التي تقوم بها حالياً سفينة التغييز الأولى هوج جاليون بالميناء، حيث تتم إعادة الغاز إلى حالته الطبيعية وضخه في الشبكة القومية للغاز الطبيعي إلى قطاعات الاستهلاك لتلبية الاحتياجات. كما اطلع رئيس الوزراء على عمليات استقبال شحنة جديدة من الغاز المسال عبر إحدى ناقلات الغاز، والتي تقوم بتفريغ حمولتها الى السفينة تمهيداً لبدء عملية التغييز وضخ الغاز المعالج إلى الشبكة القومية. وتم شرح اجراءات السلامة التي يتم اتباعها عند سير العمل على الرصيف.
وخلال تفقده السفينة وعمليات استقبال الغاز المسال، استمع الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إلى شرح من المهندس يس محمد، العضو المنتدب التنفيذي للشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، أوضح خلاله أن قطاع البترول نجح في التعاقد مع شركة «هوج» لاستئجار السفينة «جاليون» لاستقبال واردات الغاز الطبيعي المسال وضخها في الشبكة القومية للغاز للسوق المحلية بقدرة تصل إلى 750 مليون قدم مكعب يوميًا، حيث تم تحويل الوحدة من ناقلة غاز مُسال إلى وحدة تخزين وتغييز لصالح مصر، كما تم تجهيز رصيف بحري مُخصص لها بميناء سوميد، وإنشاء خط غاز يربطها بالشبكة القومية للغاز، وقد دخلت الخدمة فعلياً في صيف عام 2024، وتعمل بانتظام على تأمين الإمدادات.
كما استعرض المهندس يس محمد الجهود الاستباقية المبذولة منذ عام 2024 لتوسيع قدرات استيراد الغاز الطبيعي وتنويع مصادر الإمداد بالغاز، وإضافة ثلاث سفن جديدة في هذا المجال إلى البنية التحتية المصرية خلال الصيف الحالي، اثنتين منها في منطقة السخنة، والثالثة في دمياط بالبحر المتوسط.
كما تابع رئيس الوزراء شرحاً فنياً من المهندس ياسر صلاح الدين، رئيس شركة جاسكو، والمهندس محمد عبد الحافظ، رئيس شركة سوميد حول الموقف الحالي لتجهيز منظومة استيراد الغاز الطبيعي بالميناء والأعمال التي تم تنفيذها.
وأوضح رئيس شركة جاسكو أنها تولت تنفيذ الدراسات الفنية والهندسية لمشروعي استيراد الغاز الطبيعي بميناءي سوميد وسونكر بالعين السخنة، وتوريد الخامات والمهمات وإدارة المشروعين بأيادي فرق عمل شركة بتروجت، مضيفًا أن المشروعين شملا تنفيذ خطوط نقل غاز بحرية وبرية بأطوال مختلفة وأقطار كبيرة، وتوريد ذراعي شحن بقطر 16 بوصة يُعدان من الأكبر عالمياً، لاستيعاب كميات الغاز المُعاد تغييزها وضخها بالكفاءة المطلوبة.
وقد تم الانتهاء من أعمال التنفيذ لتكون الأرصفة والبنية التحتية على جاهزية لاستقبال سفينتي التغييز للغاز الطبيعي المُسال المُستورد ونقل الإمدادات منهما إلى شبكة نقل الغاز الطبيعي القومية لتوزيعها إلى كافة قطاعات الاستهلاك المحلي.
بدوره، أشار رئيس شركة سوميد إلى الانتهاء من استعدادات استقبال سفينة إعادة التغييز الثانية على الرصيف البحري بالعين السخنة، بعد تنفيذ التعديلات الفنية اللازمة وتدريب الأطقم البحرية على عمليات الرباط وفق أحدث النظم، كما تم تعزيز جاهزية الميناء بتوفير أربع قاطرات بحرية لدعم عمليات الرباط والسلامة، وأوضح أنه فيما يتعلق بمنظومة استيراد الغاز الطبيعي المُسال بالميناء فقد تم استقبال 35 ناقلة غاز مستورد بمعدل 6 ناقلات شهرياً، ومن المُقرر أن ترتفع إلى 85 ناقلة سنويًا بعد تشغيل السفينة الجديدة للتغييز لاستقبال الغاز المُسال بالميناء.
اقرأ أيضاًرئيس الوزراء: إنتاج جديد من شركة شيل وإيني سيدخل الخدمة في يوليو
رئيس الوزراء يبدأ جولة تفقدية لمتابعة استعدادات البنية التحتية لاستيراد الغاز
رئيس الوزراء: نحرص على توفير مخزون آمن من الأدوية والمستلزمات الطبية