فنانون للوطن، ومغنون لجيش البراءيين
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
صلاح شعيب
من بين الرواد الأحياء من المغنين – أمد الله في أعمارهم – شرحبيل أحمد، والطيب عبدالله، وأبو عركي البخيت، وصلاح مصطفى، وعبد القادر سالم، والتاج مكي، وسمية حسن، والنور الجيلاني، والجيلاني الواثق، وصديق أحمد، وآخرون. ومع تفاوت التزام هؤلاء الفنانين جانب المصلحة الوطنية فقد تعلمنا منهم حب الحق، والخير، والجمال.
فكل واحد من هؤلاء الفنانين ينعكس الوطن الجميل في شخصه، وغنائه، ومواقفه من المساهمة الثقافية في التجريب الغنائي، وتمثل روح البيئة إبداعياً. بالكاد يتمنون في قرارة أنفسهم الآن أن تتوقف الحرب، ويعودوا لبلادهم التي حلموا بأن يرونها شامخة، ومستقرة، ومتقدمة، وسط الأوطان. وليتذكروا تلك الأيام التي عاشوها حينما كان حبهم السودان، وغايتهم إسعاد مواطنينه، والرقي بالفن حلمهم، والوصول به إلى أعلى درجات التفنن همهم الأول. إنهم عباقرة للموسيقى، والكلمة الرقيقة، والأداء المتبتل. محترمون بهندامهم، وأخلاقهم الرفيعة، وحيائهم الملحوظ، وتواضعهم الجم. إنهم لم يتوقعوا بأن تسقط راية كرومة وسرور التي حملوها في غناء مبتذل، ولم يتوقعوا أن يتسلم الراية مغنو ومغنيات الثلاث بخرات الذين يتاجرون بالمنحط من الغناء، وهم من بعد أنصاف مواهب يقعون في حبائل الكيزان لإفساد الذوق الجمعي.
لم يتبرج فنانونا الافاضل في الخارج لشريف مكة، أو نيجيريا. وما عظموا خارج بلادهم إلا الصورة المشرقة للسوداني، وفنه الخماسي الذي يعرف بنا. ولهذا حازوا على قلوب مواطني الحزام السوداني، والقرن الأفريقي، وعربياً ودولياً أظهروا خصوصية النغم السوداني الذي هو جماع روح قومياته.
لقد قلبت الإنقاذ المعادلة فصار الفن مدخلاً لأنصاف المواهب الذين تدنوا بقيمة الكلمة، وشتروا اللحن، وصار المغني الذي يسترزق بأعمال من سبقوه أعلى قيمة من صاحب العمل الأصلي. فإعلام النظام الإسلاموي زاد الساحة الفنية ابتذالاً فوق ابتذال، فظهر الفرافير، والطراطير، والزرازير، كما قال لي وردي في حوار صحفي مطول. فقد رشت الحركة الإسلامية فناني الدرجة الثالثة، ورفعت أسهمهم في محاولة لضرب قيمة الغناء السوداني المتعدد، واستهداف الفن الأصيل الذي لا يتماشى مع برنامجها الضيق مواعينه. فقد أرادوا أن تكون قيمة الفنان بمدى قربه من التطبيل لنظامهم الخرب. ولذلك فشلت أغنية الأسلمة التي جاء بها شنان، ومحمد بخيت، وبقي الذوق السوداني عصياً على الاختراق بأنغام مكرورة، وشعر مصنوع لا قيمة له، وأصوات لا تثير طرباً.
في الوقت الذي يبحث فيه فنان قامة مثل شرحبيل احمد عن ملاذ آمن يأويه في غربته الآن يفرش جيش الكيزان البساط الأحمر في مطار بورتسودان لمغنين ومغنيات يفتقدون القيمة الإضافية للفن. وبينما يعض فنان مثل الطيب عبدالله بنان الندم على انحطاط إرث بلاده الفني لاحظنا أن نظام بورتيكيزان يحتفي بشخصيات فنية منحطة في سلوكها، وضعيفه في محتواها النغمي. وفي وقت يتمترس الفنان القامة أبو عركي البخيت في منزله صابراً على تآمر ضرب الثورة التي غنى لها، يخرج لنا فنان بلا قيمة ليغني بزمن فارق شعراً مكسراً، وألحاناً مسروقة، تمجد الجيش الذي عرد قادته، وجنوده، لخمس دول، وفضلوا عدم العودة.
يا لخيبة هؤلاء المغنين الذين بعضهم من الجواسيس الذين لا أرضاً قطعوا، ولا ظهرا أبقوا فهزمتهم موالات الثوار، وهي تشق عنان السماء في ميدان الاعتصام، وشارع الأربعين، وشارع الستين. إنهم استمروا في التجسس على زملائهم، واستقطابهم لموائد نظام الحركة الإسلامية بينما فضل البعض الآخر أن يغني لحملات المجرم صلاح قرش الذي قتل أمنه الشرفاء من أبناء الشعب المناضل الثائر.
لقد تدهور الغناء في بلادنا بعد دخولنا زمن الحركة الإسلامية المتسلطة، والتي لم تنجب من صلبها مفكراً أو فنانا، أو رساماً، أو ناقداً، أو مسرحياً، أو درامياً، أو روائياً بقيمة تتجاوز المطروح في الساحة الثقافية. والحقيقة أن فاقد الشيء لا يعطيه. فالتنظيم الذي يعجز عن مقارعة الحجة بالحجة، ويبقى كادره عبداً لمرشده، وأمرائه الدينيين، لن يستطيع أن يصنع الفنان، والذي من أهم سيمائه التغريد خارج السرب ليضيف المعرفة الإبداعية في المجالات التي يحترفها. ولا فن تليد بلا رؤية متمايزة عن السائد.
إن مغنيي الجيش الذين ينفخون في نيران الحرب، ويحمل بعضهم رشاشه لقتل الإنسان مجرد أشخاص عاجزين عن القيام بالمهنة العظيمة. فالفنان رقيق بطبعه، وشفاف في حسه، وأداته القلم، والفرشاة، والصوت، والحركة، ومتى عجز خياله في أن يستخدم هذه الملكات للتغيير، وصنع التقدم، والسلام، ويتظاهر مداهناً أمام الكاميرات بحمل السلاح أدرك أنه يريد أن يخلط فشله الفني بأدوار مهنيين آخرين حتى يكمل نقصه الإبداعي، والذي لم يحرك الطاقات نحو مواقع العمل، والفداء، والتضحية.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
تحقيق يكشف مساعدة شركة مايكروسوفت لجيش الاحتلال في التجسس
كشف تحقيقاً أجرته صحيفة "الغارديان بالتعاون مع مجلة +972 الإسرائيلية وموقع لوكال كول الناطق بالعبرية، أن الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، التقى بقائد وحدة المراقبة العسكرية الإسرائيلية 8200، أواخر عام 2021.
ومن بين أجندة خبير التجسس، نقل كميات هائلة من مواد استخباراتية سرية للغاية إلى سحابة الشركة الأمريكية.
و فتحت مايكروسوفت تحقيقاً حول كيفية استخدام وحدة المراقبة العسكرية الإسرائيلية 8200 لمنصتها للتخزين السحابي "أزور Azure" لمراقبة الفلسطينيين.
يأتي ذلك، جرّاء شكوك من أن يكون موظفوا الشركة في إسرائيل قد أخفوا معلومات مهمة، حول عملهم في مشاريع عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتضمن التحقيق، أن الوحدة 8200، شرّعت في بناء أداة مراقبة جماعية جديدة وقوية، تجمع وتخزن تسجيلات ملايين المكالمات الهاتفية التي يجريها الفلسطينيون يومياً في غزة والضفة الغربية.
وكشفت مجموعة من وثائق مايكروسوفت المسربة ومقابلات مع 11 مصدراً من الشركة والمخابرات العسكرية الإسرائيلية كيف استخدمت الوحدة 8200 "أزور" لتخزين أرشيف واسع من الاتصالات الفلسطينية اليومية.
وكشفت مصادر من الوحدة 8200، أن منصة التخزين السحابية سهّلت التحضير لغارات جوية قاتلة، ورسمت ملامح العمليات العسكرية في غزة والضفة الغربية.
وأحدث التقرير، مخاوف لدى إدارة مايكروسوفت بشأن ما إذا كان بعض موظفيها المقيمين في الأراضي المحتلة، قد التزموا بالشفافية الكاملة بشأن معرفتهم بكيفية استخدام الوحدة 8200 لـ أزور، وفقاً لمصادر مطلعة على الوضع.
و أشارت الغارديان إلى أن كبار المسؤولين التنفيذيين بالشركة يبذلون جهوداً حثيثة لتقييم البيانات التي تحتفظ بها الوحدة في منصة مايكروسوفت، السحابية، وإعادة النظر في كيفية استخدامها من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة.
وصرّحت مايكروسوفت في مايو/أيار، بأن مراجعةً لعلاقتها بجيش الاحتلال لم تجد أي دليل حتى الآن" على استخدام "أزور" بغية استهداف أو إيذاء أشخاص في غزة.
ويُعتقد أن نتائج المراجعة اعتمدت جزئياً على تأكيدات تلقتها الشركة من موظفين في إسرائيل.
ومع ذلك، أثار بعض كبار المسؤولين التنفيذيين في المقر الرئيسي للشركة بالولايات المتحدة شكوكاً في الأيام الأخيرة حول صحة المعلومات الواردة من بعض الموظفين في إسرائيل الذين يديرون علاقات الشركة بالجيش الإسرائيلي.
وأفاد أحد المصادر المطلعة على المحادثات الداخلية أن المديرين التنفيذيين لم يتمكنوا من التحقق من بعض المعلومات التي قدمها الموظفون في إسرائيل، وتساءلوا عما إذا كان الموظفون يشعرون بارتباط أكبر بجيش بلادهم منه بجهة عملهم.
وفي سياق متصل، قال متحدث باسم مايكروسوفت إن الشركة "تأخذ هذه الادعاءات على محمل الجد" وإنها "ملتزمة للتحقق من صحة أي بيانات جديدة في هذا الشأن واتخاذ أي إجراء لازم".
وصرّح متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيان صدر بعد نشر التحقيق: "نقدر دعم مايكروسوفت لحماية أمننا السيبراني، ونؤكد أن الشركة لم تكن تعمل مع الجيش الإسرائيلي على تخزين أو معالجة البيانات".
وقالت مصادر في مايكروسوفت" إن مسؤولي الشركة فوجئوا ببيان الجيش الإسرائيلي ، قائلين: "إنه ليس سراً أن الشركة توفر خدمات التخزين السحابي للجيش، بموجب عقود مع وزارة الدفاع الإسرائيلية".