دخلت الأزمة الدبلوماسية بين السودان وجنوب السودان مرحلة تصعيدية خطيرة مع تصاعد الاتهامات المتبادلة بين وزارتي الخارجية في البلدين، ما يعكس توترًا متزايدًا في العلاقات بين الجارين.

وجاء ذلك بعد مقتل عدد من السودانيين في جنوب السودان، وادعاءات حول مشاركة مرتزقة جنوب سودانيين في النزاع الدائر بالسودان، إضافة إلى مزاعم عن وقوع انتهاكات بحق رعايا جنوب السودان في مدينة ود مدني.

إجلاء السودانيين من جنوب السودان بعد هجمات انتقامية

أقدمت السلطات السودانية، هذا الأسبوع، على إجلاء أكثر من 800 مواطن سوداني من جنوب السودان، بعد تعرض 16 سودانيًا للقتل في مناطق متفرقة، فيما وصفته الخرطوم بأنه "حملات انتقامية" استهدفت السودانيين على خلفية مزاعم عن مقتل مواطنين من جنوب السودان في ود مدني، عقب سيطرة الجيش السوداني على المدينة في 11 يناير الماضي.

وفي هذا السياق، أصدرت وزارة الخارجية في جنوب السودان بيانًا رسميًا، يوم الثلاثاء، دعت فيه مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي إلى دعم طلبها بإجراء "تحقيق موثوق" حول ما أسمته بـ "مذبحة ود مدني"، متهمة القوات السودانية بارتكاب انتهاكات بحق الجنوبيين المقيمين هناك.

الخرطوم تتهم جوبا بالتحريض على العنف

وردًا على هذه الاتهامات، أصدرت وزارة الخارجية السودانية، الأربعاء، بيانًا نددت فيه بموقف نظيرتها في جوبا، معتبرة أن الإشارة إلى "مجازر مروعة" ضد رعايا جنوب السودان في ود مدني ليست سوى تضخيم وتهويل للأحداث، يهدف إلى التحريض على استمرار العنف ضد السودانيين في جنوب السودان.

وأكدت الخارجية السودانية أن "هذا التحريض" أسهم بشكل مباشر في تصاعد الاعتداءات على السودانيين في جنوب السودان، حيث قُتل 16 شخصًا وتم نهب ممتلكاتهم، كما انتقد البيان صمت حكومة جنوب السودان عن الجرائم التي ارتُكبت ضد اللاجئين السودانيين في أراضيها، والذين لجأوا إليها هربًا من الحرب في بلادهم.

جدل حول مشاركة مرتزقة جنوب سودانيين في الحرب السودانية

الأزمة تفاقمت بعد تصريحات عضو مجلس السيادة ومساعد قائد الجيش السوداني، ياسر العطا، في 20 يناير الماضي، والتي زعم فيها أن 65% من القوة القتالية لقوات الدعم السريع تتكون من مرتزقة جنوب سودانيين، وهو ما اعتبرته حكومة جوبا "مزاعم زائفة وخطيرة".

لكن في تطور لافت، أقرت وزارة الخارجية في جنوب السودان لاحقًا، بوجود مقاتلين من جنوب السودان في صفوف قوات الدعم السريع، لكنها شددت على أن نسبتهم لا تصل إلى 65%، مشيرة إلى أن هؤلاء المقاتلين ينتمون في الغالب إلى جماعات معارضة لا تسيطر عليها حكومة جوبا.

وفي المقابل، استنكرت وزارة الخارجية السودانية موقف جوبا، معتبرة أن إقرارها الضمني بمشاركة مرتزقة جنوب سودانيين في الحرب يتناقض مع تصريحاتها السابقة، حيث سبق لها أن نفت أي علم لها بمشاركة مواطنيها في النزاع.

كما أشارت إلى أن تقارير خبراء مجلس الأمن الدولي، والمنظمات الدولية، والإعلام الاستقصائي وثّقت بوضوح وجود قنوات دعم لوجستي ومالي تصل إلى قوات الدعم السريع عبر جنوب السودان، وهو ما أثار قلق الخرطوم ودفعها إلى مطالبة جوبا باتخاذ موقف أكثر وضوحًا تجاه هذه القضية.

اتهامات متبادلة بالتجنيد لصالح النزاعات الإقليمية

وفي تصعيد جديد، أصدرت وزارة الخارجية في جنوب السودان، الأربعاء، بيانًا مضادًا اتهمت فيه الجيش السوداني بتجنيد مقاتلين من جنوب السودان وإرسالهم إلى اليمن، للمشاركة في القتال هناك ضمن ترتيبات اتخذتها الحكومة السودانية.

وزعمت الوزارة أن العديد من المجموعات المسلحة التي جندها الجيش السوداني تقاتل إلى جانبه حاليًا، في إشارة إلى أن السودان أيضًا يستعين بمقاتلين أجانب لدعم قواته، كما تتهم الخرطوم جوبا بالتورط في دعم قوات الدعم السريع.

انعكاسات الأزمة على العلاقات الثنائية

هذا التصعيد الدبلوماسي بين البلدين يأتي في وقت يحاول فيه السودان لعب دور الوسيط في مفاوضات السلام داخل جنوب السودان، حيث استضافت مدينة بورتسودان مؤخرًا محادثات سلام بين حكومة جوبا وفصائل معارضة، برعاية جهاز المخابرات العامة السوداني.

ورغم ذلك، فإن الأزمة الحالية قد تلقي بظلالها على هذه الجهود، خاصة أن الاتهامات المتبادلة تعكس تراجعًا كبيرًا في مستوى الثقة بين الجانبين، مما قد يعيق أي تعاون مستقبلي بين البلدين في ملفات سياسية وأمنية واقتصادية حساسة.

هل يتدخل المجتمع الدولي؟

مع تصاعد حدة التصريحات والمواقف، يظل السؤال الرئيسي ما إذا كان المجتمع الدولي سيتدخل لاحتواء الأزمة، خاصة أن هناك دعوات داخل جنوب السودان لمجلس الأمن والاتحاد الأفريقي للضغط على السودان للتحقيق في أحداث ود مدني.

في المقابل، تسعى الخرطوم إلى تدويل قضية المرتزقة الجنوب سودانيين، عبر تسليط الضوء على الدور الذي تلعبه بعض الجماعات المسلحة في جنوب السودان في تأجيج الصراع داخل الأراضي السودانية.

ومع استمرار الأزمة دون بوادر حل، تبقى العلاقات بين البلدين على المحك، وسط مخاوف من أن تتحول التوترات الدبلوماسية إلى صدامات أكثر تعقيدًا على أرض الواقع.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: السودان جنوب السودان أخبار السودان السودان الان

إقرأ أيضاً:

الغرب بين الدبلوماسية والتردد.. لماذا يخشى مواجهة جذور الأزمة في الشرق الأوسط؟

يواجه الوسط السياسي الغربي أزمة واضحة في التعامل مع تطورات الأزمة في الشرق الأوسط رغم دعوات قادته إلى الدبلوماسية وضبط النفس، تظل مواقفهم مترددة، وغالبًا ما يتجنبون الاعتراف بالأسباب الحقيقية للصراع.

ونشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتبة نسرين مالك، قالت فيه إنه منذ بدء الحرب على غزة، اتسمت الديناميكية المحددة بغضب وذعر وقلق غير مسبوقين من الجمهور، يدور حول وسط سياسي هادئ بشكل مخيف، وإن رد الفعل الضعيف من الأحزاب الليبرالية السائدة لا ينسجم تماما مع خطورة اللحظة.

وأضافت مالك أنه مع انضمام الولايات المتحدة إلى "إسرائيل" في مهاجمة إيران، وتوجه الشرق الأوسط نحو تفكك كارثي، فإن جمودهم أصبح أكثر إرباكا من أي وقت مضى، وإنهم مجرد ركاب في حرب تل أبيب، إما مستسلمون للعواقب أو غير راغبين في جوهرهم حتى في التشكيك في حكمتها.

وتابعت الكاتبة أنه بينما يصرخ الواقع في وجه السياسيين في جميع أنحاء الغرب، فإنهم يخلطون الأوراق ويعيدون تسخين الخطاب القديم، كل ذلك في حين يذعنون لـ"إسرائيل" والبيت الأبيض اللذين فقدا صوابهما منذ فترة طويلة.


وأشارت إلى أنه في وقت يشهد مخاطر جيوسياسية شديدة، يقدم الوسط نفسه على أنه الطرف الحكيم في هذه المشاجرة، ويدعو إلى الهدوء والدبلوماسية، لكنه عاجز تماما عن معالجة السبب الجذري أو تحديه، ويخشى البعض حتى تسميته.

وأضافت أن "إسرائيل" اختفت من المشهد، ولم يتبق سوى أزمة مؤسفة وإيران تهدد، حيث دعا رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلى خفض التصعيد، ولكنه أشار إلى التصعيد نفسه الذي يرغب في تجنبه - أي تدخل الولايات المتحدة - باعتباره تخفيفا لـ"التهديد الخطير" الذي تشكله إيران، في الوقت الذي يعزز فيه القوات البريطانية في الشرق الأوسط.

قالت مالك إن رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أكدت على أهمية الدبلوماسية مع الحرص على التأكيد على أن إيران هي "المصدر الرئيسي" لعدم الاستقرار في المنطقة، كما بدا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وكأنه يعيش في عالم الواقع، محذرا من الفوضى الحتمية التي قد تنجم عن تغيير النظام في إيران وتكرار أخطاء الماضي.

وتابعت قائلة "لكن بحلول يوم الأحد، انضمت فرنسا إلى الجوقة الداعية إلى خفض التصعيد وضبط النفس بعبارات عامة غامضة، وأكدت المعارضة الحازمة للبرنامج النووي الإيراني".

وأكملت كاتبة المقال أن الحرب مع إيران خبر سيئ للغاية، وتُقدم عددا من السيناريوهات المُزعزعة للاستقرار بشكل كبير: تغيير النظام دون خطة لليوم التالي، مما يترك كادرا كبيرا من القوات العسكرية والأمنية المسلحة في وضع حرج، وحشد القوات العسكرية الغربية في المنطقة التي قد تصبح أهدافا ونقاط اشتعال، أو ببساطة حرب استنزاف طويلة الأمد من شأنها أن تُسيطر على المنطقة وتفتح جرحا كبيرا مُتقيحا من الغضب والعسكرة. إنها أيضا - وهذا أمر اعتدنا عليه في هجمات إسرائيل - تقتل مئات الأبرياء ناهيك عن كونها، قبل كل شيء، غير قانونية، نظرا لمخاطرها القائمة.

وأضافت أن معظم القادة الغربيين ما زالوا يتعاملون معها على أنها مجرد فصل آخر من فصول حقائق العالم المؤسفة، ولكنها ثابتة في نهاية المطاف، ويجب التعامل معها. وهنا تكمن الحفرة العميقة في قلب الاستجابة لإسرائيل على مدار العام والنصف الماضيين - وسط شاغر. ترامب هو ترامب. لا أحد يتوقع منه ردا متماسكا وشجاعا ومستقرا تجاه إسرائيل، ولكن المشكلة تسبقه: مؤسسة سياسية من حماة الاستقرار، الذين يبدون ليبراليين وموثوقين، يفتقرون إلى بوصلة أخلاقية، ولا يكترثون للمعايير التي يدّعون باستمرار التمسك بها، تحت إدارتها، انتُهك القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان مرارا وتكرارا في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والآن إيران. كان ردها هو الابتعاد عن طريق إسرائيل في أحسن الأحوال، وتسليحها وتوفير غطاء دبلوماسي لها في أسوأ الأحوال.


وتابعت أن إدارة جو بايدن حددت النبرة، وتبعتها الحكومات الأوروبية. وتمسكت مجتمعة بالوضع الراهن المتمثل في الدعم غير المشروط لإسرائيل، وبذلك، حطمت الأعراف القانونية والأخلاقية التي منحتها أي قدر من النزاهة أو السلطة.

ومع ذلك، ما زالوا يواصلون عملهم وسط الحطام، تبدو تصريحاتهم حول أهمية الدبلوماسية وكأنها أصداء من حقبة مضت منذ زمن طويل - حقبة سبقت إبادة جماعية بثت مباشرة هدمت أي مظهر من مظاهر نظام متماسك للقانون الدولي، وما كشفته اللحظة الراهنة هو مجموعة من الأنظمة غير مؤهلة أساسا للأزمات، صالحة فقط للإدارة؛ مجموعة من السياسيين الذين لا يتمثل دورهم في إعادة التفكير في الطريقة التي تسير بها الأمور أو تحديها، بل ببساطة في توجيه الحركة الجيوسياسية.

وأضافت الكاتبة "مهمتهم هي في الواقع تحقيق الاستقرار، ولكن فقط بمعنى تثبيت نظام عالمي من الافتراضات والتسلسلات الهرمية الفاشلة. ليس الأمر جعل العالم مكانا أفضل، بل إضفاء غطاء من المصداقية على سبب ضرورة أن نعيش في هذا العالم الأسوأ".

وتابعت أنه لا ينبغي الخلط بين هذا وبين "البراغماتية". البراغماتية تعني انعدام الموقف أو المصلحة الشخصية. ما يُخفيه خطاب الانخراط المُتردد هو أنه مُستند إلى معتقدات لا تُحددها القيم، بل التفوق القَبلي. إيران دولة، في نظر المؤسسة الليبرالية، لا تتمتع بسيادة كاملة أبدا لأنها انحرفت عن المصالح الغربية، وليس لها حق الرد عند تعرضها للهجوم (بل في الواقع، يجب عليها التحلي بضبط النفس عند التعرض له). ليس لشعبها الحق في توقع دراسة متأنية لمستقبلها، أو حتى لمستقبل المنطقة بأكملها. أما إسرائيل، من ناحية أخرى، فهي دولة ذات سيادة عظمى، وليست مُذنبة أبدا.

واعتبرت أن "هذا الموقف الافتراضي عارٍ تماما في نفاقه، جاهل ومحدود الأفق في نظرته للعالم، واضح في استخفافه بالحياة البشرية، لدرجة أنه يُمثل تآكلا هائلا في تعقيد الخطاب السياسي، وانحدارا جديدا في ازدراء الجمهور. لا يمكن الدفاع عن دعم إسرائيل إلا بإشارات سطحية ومخالفة للمنطق إلى حقها في الدفاع عن نفسها حتى لو كانت المعتدي، وإلى "تهديد إيران للعالم الحر".

واردفت لكن هل هذا هو العالم الحر نفسه الذي دعم الهجمات الأحادية على أربع مناطق في الشرق الأوسط من قِبل إسرائيل، الدولة التي زعيمها مطلوب من قِبل المحكمة الجنائية الدولية؟ في هذه المرحلة، يُمثل العالم الحر نفسه التهديد الأكبر، الذي سيضحي بكل شيء لضمان عدم السماح بمرور أي تحد لسلطته.


واختتمت مالك قائلة إن النتيجة النهائية هي أن هؤلاء القادة ليسوا متخلّين عن مسؤولياتهم فحسب، بل إنهم غير ممثلين، وغير قادرين وغير راغبين حتى في صنع الموافقة بعد الآن. لقد ترسخت العدمية المتسارعة. تتلاشى التفويضات مع ابتعاد الحكومات والأحزاب السياسية الوسطية أكثر فأكثر عن الجمهور، الذي يُعلن في أوروبا عن مستوى دعم منخفض تاريخيا لإسرائيل. في الولايات المتحدة (بما في ذلك مؤيدو ترامب)، تُعارض الأغلبية التورط في حرب مع إيران. وهكذا تتسع الفجوة بين السياسة المنفصلة والواقع الدموي أكثر فأكثر. إن مديري الهيمنة الغربية يندفعون نحو الفراغ، ويأخذوننا جميعا معهم.

مقالات مشابهة

  • الغرب بين الدبلوماسية والتردد.. لماذا يخشى مواجهة جذور الأزمة في الشرق الأوسط؟
  • قبل عرضها.. التفاصيل الكاملة لمسرحية الملك لير ليحيي الفخراني
  • البرهان يتخذ خطوة.. وينجح في نزع فتيل الأزمة بين رئيس الوزراء وحركات “سلام جوبا”
  • التفاصيل الكاملة لحادث دهس سيدة لأسرة كاملة داخل حديقة فى التجمع الخامس
  • التفاصيل الكاملة لحفل حماقي الأضخم بموازين.. تخطي الحضور 135 ألف فرد
  • بشريات جيدة بشأن ملف النفط بين الخرطوم وجوبا
  • مدونون: الشيكل في الضفة من وسيلة تبادل إلى أداة خنق اقتصادي
  • تقارب جوبا وأبوظبي.. هل يلقي بظلاله على السودان؟
  • اجتماع “بورتسودان” ..فخاخ اتفاق جوبا وضرورة الدولة
  • تعرف على التفاصيل الكاملة فى قضية الحجر على نوال الدجوى