الذكاء الاصطناعي.. محرك القرارات الإدارية في المستقبل
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
خالد بن حمد الرواحي
في عصر تهيمن فيه البيانات وتتسارع فيه التطورات التكنولوجية، لم يعد اتخاذ القرار الإداري مجرد عملية تعتمد على الخبرة والتقدير الشخصي فقط، بل أصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا استراتيجيًا في صياغة قرارات دقيقة وفعّالة. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية مساعدة، بل هو قوة محورية قادرة على إعادة تعريف الإدارة وتوجيه المؤسسات نحو مستقبل أكثر ابتكارًا ونجاحًا.
في ورقة بحثية حديثة نُشرت لنا في يناير 2025 بمجلة "أتلانتس" المغربية العلمية المُحكمة، تناولنا دور الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات الإدارية، مع التركيز على كيفية تعظيم الفوائد وتجاوز التحديات. وقد أظهرت النتائج بوضوح أن المؤسسات التي تبنّت الذكاء الاصطناعي سجلت تحسينات ملحوظة في الكفاءة التشغيلية بنسبة تصل إلى 35%، وارتفعت مستويات رضا الموظفين والعملاء بشكل كبير.
تخيَّل منظومة إدارية قادرة على تحليل آلاف البيانات في ثوانٍ، واقتراح قرارات مبنية على معطيات دقيقة، والتنبؤ بالمخاطر قبل وقوعها. هذا ليس خيالًا علميًا، بل هو واقع تحققه الشركات الرائدة مثل Google وTesla، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتطوير منتجات مبتكرة وتحسين تجارب العملاء. في القطاع الحكومي، كانت تجربة سنغافورة لافتة؛ حيث أسهمت الأنظمة الذكية في تحسين تخصيص الموارد وتقليل التكاليف التشغيلية، مع تعزيز رضا المواطنين.
وللتغلب على هذه التحديات، أشارت الدراسة إلى أن الحل يبدأ من الإنسان، بتأهيل العاملين وتزويدهم بالمهارات اللازمة لاستخدام الأنظمة الذكية بكفاءة. هذا الاستثمار في العقول لا يقتصر على رفع الكفاءة، بل يُمكّن المؤسسات من تحقيق أقصى استفادة من التكنولوجيا الحديثة. في الوقت نفسه، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحقق أثره المطلوب دون بنية تحتية قوية تدعمه. لذلك، أكدت الدراسة ضرورة تعزيز البنية التكنولوجية لضمان دمج سلس وفعال لهذه التقنية في العمليات اليومية. أما الجانب الأخلاقي، فهو لا يقل أهمية، إذ شددت الدراسة على أهمية وضع قوانين واضحة تحمي البيانات وتضمن استخدامها بشفافية، لتبني الثقة في التكنولوجيا وتعزيز مصداقيتها.
لكن، كما هو الحال مع أي تحول كبير، لا تخلو الطريق من التحديات. الورقة البحثية أشارت إلى أن ارتفاع تكاليف تنفيذ الأنظمة الذكية ونقص الكفاءات المتخصصة في التعامل معها يمثلان أبرز العقبات. كما يبرز بُعد أخلاقي مهم يتعلق باستخدام البيانات وحمايتها.
والذكاء الاصطناعي ليس مجرد رفاهية تكنولوجية؛ بل هو ضرورة حتمية للمؤسسات التي تطمح للبقاء في صدارة المنافسة. المؤسسات التي تفهم كيف تستثمر في هذه التقنية ستتمكن من تعزيز قدراتها، وتقليل التكاليف، وتحقيق نمو مستدام.
وعندما نلقي نظرة على المؤسسات الأكثر نجاحًا، نجد أن الذكاء الاصطناعي لم يكن فقط أداة تقنية، بل شريكًا استراتيجيًا. الورقة البحثية التي استند إليها هذا المقال ليست مجرد تحليل أكاديمي، بل هي دعوة مفتوحة للمؤسسات العربية للبدء في رحلة التحول الرقمي. الذكاء الاصطناعي يحمل وعودًا لا حدود لها، لكنه يتطلب قيادة واعية ورؤية استراتيجية لتحقيق التغيير المطلوب.
والتغيير لا يبدأ من التقنية وحدها؛ بل من القادة الذين يعرفون كيف يستثمرونها لتحويل مؤسساتهم، فمن يُتقن توظيف الذكاء الاصطناعي اليوم، يصنع قرارات أفضل ويؤسس لمستقبل أكثر إشراقًا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كشف دليل داعش السري: كيف يستخدم التنظيم الذكاء الاصطناعي؟
تمكنت الجماعات الإرهابية في العالم من استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مستمر ومتصل لتعزيز عملياتها، بدءا من استخدام العملات الرقمية لنقل الأموال وحتى استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لصناعة الأسلحة، ولكن وفق التقرير الذي نشره موقع "غارديان" فإن الإرهابيين بدأوا في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويشير التقرير إلى أن الإرهابيين بدأوا في الوقت الحالي باستغلال الذكاء الاصطناعي للتخطيط لهجماتهم وعملياتهم المختلفة، وفق تصريحات هيئات مكافحة الإرهاب بحكومة الولايات المتحدة، ولكن ما مدى هذا الاستخدام؟
الدعاية بالذكاء الاصطناعيتعتمد الجهات الإرهابية بشكل كبير على جذب المتطوعين من مختلف بقاع الأرض والترويج لأعمالهم باستعراضها، وبينما كان الأمر يحتاج إلى مجهود كبير لالتقاط الصور والمقاطع وتجهيز الدعاية المباشرة لهذه العمليات، إلا أن الأمر اختلف بعد انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد تقرير "غارديان" أن الإرهابيين يعتمدون على "شات جي بي تي" لتعزيز نشاطهم الدعائي وجذب المزيد من المتطوعين إلى صفوفهم، إذ يعتمدون على النموذج لتوليد الصور والنصوص التي تستخدم في الدعاية بلغات ولهجات مختلفة.
كما يستطيع النموذج تعديل الرسالة الموجودة في وسائل الدعاية المختلفة لتمتلك أثرا مختلفا على كل شخص أو تحقق هدفا مختلفا، وذلك في ثوان معدودة ودون الحاجة إلى وجود صناع إعلانات محترفين.
ولا يقتصر الأمر على "شات جي بي تي" فقط، إذ امتد استخدامهم إلى بعض الأدوات التي تحول النصوص إلى مقاطع صوتية ومقاطع فيديو، وذلك من أجل تحويل رسائل الدعاية النصية التي يقدمونها إلى مقاطع صوتية وفيديو سهلة الانتشار.
ويشير تقرير "غارديان" إلى أن "داعش" تمتلك دليلا خاصا لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي ومخاطره وتوزعه مباشرة على أعضائها والمهتمين بالانضمام إليها.
إعلان التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعيويذكر التقرير أيضا غرف دردشة تعود ملكيتها لجهات إرهابية، يتحدث فيها المستخدمون عن أدوات الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن استغلالها لتعزيز أنشطتهم واختصار الأوقات والجهود المبذولة في الجوانب المختلفة.
وبينما صممت تقنيات الذكاء الاصطناعي لمساعدة المستخدمين وتسهيل حياتهم، فإن هذا الأمر لم يغب عن أفراد الجهات الإرهابية الذين بدأوا في استخدام روبوتات الدردشة عبر الذكاء الاصطناعي كمساعد شخصي أو مساعد باحث.
ويظهر هذا الاستخدام بوضوح في دليل داعش لاستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث يذكر الدليل بوضوح، أن هذه التقنية يمكنها تحديد النتيجة المستقبلية للحرب وكيف تحولت إلى سلاح محوري في الحروب المستقبلية.
ويذكر التقرير أيضا استخدام الذكاء الاصطناعي في الأبحاث السريعة والمباشرة من أجل وضع المخططات والبحث بدلا من الحاجة إلى جمع المعلومات يدويًا في الميدان، إذ تستطيع التقنية الآن تسريع هذه العملية وإيصالها إلى نتائج غير مسبوقة.
التغلب على القيودتضع شركات الذكاء الاصطناعي على غرار "أوبن إيه آي" مجموعة من القيود على نماذجها، حتى لا تساعد هذه النماذج في بناء الأسلحة المتفجرة أو الأسلحة البيولوجية وغيرها من الأشياء التي يمكن استخدامها استخداما سيئا.
ولكن وفق تقرير "غارديان"، فقد وجدت الجهات الإرهابية آلية للتغلب على هذا الأمر، وبدلا من سؤال نماذج الذكاء الاصطناعي عن آلية صناعة القنابل والأسلحة مباشرة، يمكن تقديم المخططات للنموذج وطلب التحقق من دقتها وسلامتها.
وفضلا عن ذلك، يمكن خداع الذكاء الاصطناعي بعدة طرق لإيهامه، أن هذه المخططات والمعلومات التي يقدمها لن تستخدم استخداما سيئا، وهي الحالات التي حدثت من عدة نماذج مختلفة في السنوات الماضية.
ومع تسابق الشركات على تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي أكثر قوة وقدرة على أداء وظائفها بشكل ملائم، تهمل في بعض الأحيان إرشادات السلامة المعمول بها عالميا.
وربما كان ما حدث مع روبوت "غروك" مثالا حيا لذلك، إذ تحول النموذج في ليلة وضحاها إلى أداة لنشر الخطاب المعادي للسامية وخطاب الكراهية عبر تغريدات عامة في منصة "إكس".