بغداد اليوم -  بغداد

يشهد العراق تصاعدًا في أزمة المخدرات، حيث لم يعد الأمر مقتصرًا على عمليات التهريب والاتجار، بل تجاوز ذلك إلى مرحلة أكثر خطورة تتمثل في تصنيع المخدرات داخل البلاد. وقد كشفت لجنة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في مجلس النواب عن ضبط أربعة معامل لتصنيع الحبوب والمواد المخدرة، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا ودفع الجهات الحقوقية إلى المطالبة برفع السرية عن هذا الملف والكشف عن المتورطين فيه.

ويعكس هذا التطور عمق المشكلة ومدى تغلغل شبكات الجريمة المنظمة في المجتمع العراقي، مما يتطلب استجابة عاجلة من الجهات المختصة لكبح جماح هذه الظاهرة التي تهدد الأمن والاستقرار.


تفاصيل الكشف عن المعامل المخدرة

وفقًا لما صرح به رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، علي العبادي لـ"بغداد اليوم"، فإن الأجهزة الأمنية تمكنت مؤخرًا من ضبط أربعة معامل متخصصة في تصنيع المواد المخدرة داخل البلاد، وهي سابقة خطيرة تكشف أن العراق لم يعد مجرد محطة عبور للمخدرات القادمة من دول الجوار، بل أصبح دولة منتجة لهذه المواد القاتلة. وأكد العبادي أن لجنة مكافحة المخدرات النيابية التي يترأسها النائب عدنان الجحيشي كشفت عن هذه المعامل، ما يشير إلى وجود جهات نافذة أو متنفذة قد تكون متورطة في تسهيل عمليات التصنيع أو التستر عليها.

وأوضح العبادي أن التداعيات المترتبة على هذا الملف لا تقتصر فقط على الأبعاد الأمنية، بل تمتد إلى مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، حيث يؤدي انتشار هذه المواد إلى زيادة معدلات الإدمان بين الشباب والمراهقين، مما يترتب عليه ارتفاع في معدلات الجريمة، بما في ذلك الجرائم العنيفة، جرائم السرقة، الاعتداءات الجنسية، وحتى الجرائم السوداء التي باتت تسجل ارتفاعًا مقلقًا مثل زنا المحارم والجرائم العائلية التي تصاحب تعاطي المواد المخدرة.


تأثير تصنيع المخدرات على الأمن والاستقرار

يؤكد الخبراء أن وجود معامل تصنيع المخدرات داخل العراق يمثل تحولًا خطيرًا في طبيعة الأزمة، إذ أن تصنيع المخدرات محليًا يجعلها أكثر انتشارًا وأرخص ثمنًا، مما يسهل وصولها إلى شرائح واسعة من المجتمع، وخاصة الفئات الشابة، ويؤدي إلى تفشي الإدمان بشكل أكبر. ومع زيادة تعاطي المخدرات، تشهد البلاد تصاعدًا في معدل الجرائم المرتبطة بالمخدرات، حيث تشير تقارير وزارة الداخلية إلى أن نسبة كبيرة من الجرائم المسجلة، سواء القتل أو السطو أو الاعتداءات الجسدية والجنسية، تعود إلى متعاطين أو مروجين للمخدرات.

ولا تقتصر المخاطر على الجانب الجنائي فقط، بل تمتد إلى زعزعة الأمن الوطني، حيث يمكن أن تتحول تجارة المخدرات إلى اقتصاد موازٍ تسيطر عليه شبكات منظمة، قد تكون لها ارتباطات بجماعات مسلحة أو جهات سياسية. وتثير هذه المعطيات مخاوف من أن تتحول بعض الفصائل أو المجموعات الخارجة عن القانون إلى أطراف مستفيدة من تجارة المخدرات، وهو ما يعقد جهود مكافحتها، خصوصًا إذا كانت هناك تواطؤات داخل بعض المؤسسات الرسمية أو تغطية سياسية لأنشطة التهريب والتصنيع.


العقبات أمام كشف الحقيقة والمحاسبة

رغم أن الملف أصبح علنيًا بعد الكشف عن هذه المعامل، إلا أن العديد من النشطاء يؤكدون أن هناك تعتيما واضحا على التحقيقات، حيث لم يتم الإفصاح حتى الآن عن الجهات التي كانت تدير هذه المصانع أو الشخصيات المتورطة في عمليات التصنيع والتوزيع. ويشير الناشط الحقوقي علي العبادي إلى أن أي محاولة للكشف عن الحقيقة تتعرض لتهديدات وضغوطات كبيرة، مما يؤكد أن هناك جهات نافذة تسعى إلى عرقلة جهود كشف الحقيقة.

وقد دعا مركز العراق لحقوق الإنسان إلى تنظيم تظاهرات شعبية للضغط على السلطات لكشف الجهات التي تقف وراء هذا الملف، إلا أن العديد من الناشطين تعرضوا لمضايقات وتهديدات مباشرة، مما يشير إلى حجم المصالح الضخمة المرتبطة بهذه التجارة غير المشروعة، حيث يتم التعامل مع تجارة المخدرات كـملف حساس قد يتسبب في إسقاط رؤوس كبيرة إذا تم الكشف عن تفاصيله بالكامل.


ما المطلوب لمواجهة هذه الظاهرة؟

مع تفاقم خطر المخدرات، أصبح من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة وجذرية لمعالجة هذه الأزمة قبل أن تتحول إلى كارثة وطنية. ومن أهم الخطوات المطلوبة:

أولًا، رفع السرية عن ملف المعامل الأربعة التي تم ضبطها، وإعلان نتائج التحقيقات للرأي العام، مع ضمان عدم تدخل أي جهات متنفذة لحماية المتورطين. ويجب أن يكون هذا الملف مفتوحًا أمام وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية حتى لا يتم طمسه كما حدث مع العديد من القضايا السابقة.

ثانيًا، توسيع دائرة التحقيقات لتشمل جميع الجهات المحتملة التي قد تكون لها صلة بعمليات التصنيع أو التوزيع، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات أو حتى جهات داخلية تعمل تحت غطاء رسمي. يجب أن يتم التعامل مع هذا الملف كـقضية أمن قومي، وليس مجرد جريمة جنائية عادية.

ثالثًا، تطبيق عقوبات مشددة على جميع المتورطين في تصنيع المخدرات أو الاتجار بها، وعدم الاكتفاء بعقوبات بسيطة قد تشجع الآخرين على الانخراط في هذه التجارة المحرمة. يجب أن تكون هناك أحكام صارمة ورادعة تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد لكل من يثبت تورطه في هذه الأنشطة.

رابعًا، تعزيز الجهود الأمنية والتعاون الإقليمي والدولي لمكافحة تهريب المخدرات إلى العراق، مع إصلاح الأجهزة الأمنية لضمان عدم وجود تواطؤ داخلي يسهل دخول أو تصنيع المخدرات.

خامسًا، إطلاق حملات توعية مكثفة في المدارس والجامعات والمناطق الشعبية، مع توفير برامج علاج وتأهيل للمدمنين، خاصة أن العراق يعاني من غياب شبه كامل للمراكز المتخصصة في علاج الإدمان، مما يدفع المدمنين إلى الغرق أكثر في هذه الآفة.


جرس إنذار: انعكاسات كارثية

إن الكشف عن وجود معامل لتصنيع المخدرات في العراق يعد جرس إنذار خطير يتطلب استجابة عاجلة من جميع الجهات المختصة. فالأمر لم يعد مجرد قضية تعاطٍ فردي أو تهريب، بل أصبح ملفًا أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا معقدًا قد تكون له انعكاسات كارثية إذا لم يتم التعامل معه بحزم. ومع تصاعد الضغوط الشعبية والحقوقية، تبقى الكرة في ملعب الحكومة والجهات الأمنية للكشف عن الحقيقة ومحاسبة جميع المتورطين، وإلا فإن العراق سيواجه مستقبلًا خطيرًا قد يتحول فيه إلى بؤرة إقليمية لإنتاج المخدرات بدلاً من مكافحتها.


المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: تصنیع المخدرات هذا الملف الکشف عن قد تکون

إقرأ أيضاً:

التنفيذ الحكومي المُوحَّد

 

 

 

 

خلفان الطوقي

 

أهم استحقاق ينتظر عُمان هو تحقيق الرؤية الوطنية "عُمان 2040"، ومعنى تحقيقها هو إنجاز خطوات مرحلية تمتد لعشرين عاماً، بمعنى أن يتحقق جزء منها خلال الخمسة أعوام الأولى بدءًا من عام 2020 إلى 2025، ومن ثم تبدأ المرحلة الثانية والثالثة والرابعة، إلى أن تكتمل الصورة كاملة كما هو مخطط لها في عام 2040، وليس كما يظن البعض أو يروج من البعض أنه لن يتحقق شيء من الآن، ولكن كل شيء سوف يتحقق في عام 2040، وهذا ليس بصحيح، والصحيح أنَّ الرؤية تتكون من عدة مراحل كما هو موضح أعلاه.

استحقاق رؤية عُمان هو مطلب مجتمعي، كما أنه يعتبر مرجعية للحكومة، ويتم من خلال برامج وطنية تحاول أن تجمع الجهود لتنصب في هدف واحد، وبالرغم من أن الحكومة ترى أنها قطعت شوطا في تحقيق الرؤية، إلا أن هناك أشواطا عديدة وجهودا مضاعفة في الانتظار، والتحديات لم ولن تتوقف، بل تتزايد وتتعقد، وهذه هي طبيعة الحياة، ولابد للاستعداد لها، وتتهيأ الحكومة لذلك بمجموعة من الاستراتيجيات والأدوات.

تحقيق رؤية عُمان يحتاج إلى لغة موحدة من الحكومة؛ بل والأصح تنفيذ مُوحَّد؛ فالتنظير مطلوب ويكون في المراحل الأولى، ومن فوائد التنظير أن يتفق الجميع على كيفية التنفيذ؟، ومن المسؤول عن التنفيذ؟ ومراحله؟ وكيفية توزيع الأدوار؟ وغيرها من تفاصيل دقيقة، وعلى جميع الجهات الحكومية أن تكون على علم بذلك، لذلك فلا بُد من أن يكون التنفيذ موحدا وممنهجا ومركزا، وبدون ذلك فإن تحقيق الرؤية سوف يكون صعبًا ومعقدًا للغاية.

أثبتت الأحداث والأيام أنه لا يوجد ملف بيد جهة حكومية واحدة، لذلك إذا أرادت الحكومة أن تحقق نجاحات وقفزات، فلابد أن تعمل وفق قاعدة: فكر وكلمة وتنفيذ موحد، وهذا سوف يحقق لها ما تسعى إليه، وفي أوقات قياسية، وما المرحلة الأولى من رؤية "عُمان 2040" إلا فرصة للتجهيزات والاستعدادات لما هو قادم، وعلينا الإيمان بأنَّ القادم لن يكون سهلًا أبدًا، وجميع السيناريوهات وكيفية التعامل معها حاضرة وبكامل الجاهزية الممكنة.

ولتوضيح الصورة أكثر أذكر ملف التعمين أو كما أعيد تسميته بمصطلح "التوطين"، ما زال الكثير يرى أن وزارة العمل هي المسؤولة عنه، ولكن الواقع يقول غير ذلك، وإن كانت الوزارة هي من في فوهة المدفع، ولكن لابد من توافر العوامل المساعدة من كل الجهات الحكومية، وذكرت هذا المثال فقط للتوضيح، ولكن ذلك ينطبق على كل الملفات مثل الصحة والإسكان والتنمية الاجتماعية، وغيرها من مواضيع، خاصة الخدمية منها.

التوقعات ليست سوداوية أو تشاؤمية؛ بل هكذا يُخبرنا التاريخ، والاحداث التي مرت خير شاهد لذلك، ولكن بالتعامل مع المواضيع والتحديات بشكل متحد ومنصهر ومتكامل يكون أسهل، والجهود ملحوظة وفعَّالة، والتعامل مع المعطيات والمستجدات أسرع، عليه، فلا بُد أن يضع الجميع من الجهات الحكومية هذه الشعارات: لا إنجاز لجهة حكومية واحدة مالم تتحد مع غيرها من الجهات، والمنجز ليس لجهة دون غيرها؛ بل لتنمية عُمان ومواطنيها والمقيمين فيها، والمعول على تنفيذ ذلك مجلس الوزراء أولا، ووحدة تنفيذ ومتابعة تنفيذ رؤية "عُمان 2040"، والبرامج الوطنية المتفرعة منها، متأملين في تكملة الأشواط المحققة لتنفيذ حكومي مُوحَّد ومركز وملحوظ.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • القانون يحظر تصنيع معدات وأجهزة الاتصالات بالمخالفة
  • فن صناعة الأزمات
  • طعنة نافذة بالرقبة.. حبس عامل أنهي حياة زوجته في البحيرة 4أيام على ذمة التحقيقات.
  • حبس المتهمين بقتل شخص أثناء جلوسه على مقهى ببنها 4 أيام على ذمة التحقيقات
  • تقرير:العراق ضمن الدول العشرة التي تهيمن على المشهد العالمي للموارد الطبيعية
  • 12 دولة رفضت وقف إطلاق النار في غزة .. ما هم ولماذا فعلوا ذلك؟
  • التنفيذ الحكومي المُوحَّد
  • مصدر يكشف طبيعة الأصوات التي سمعت في العراق: ليست قصفا
  • أيهما أقوى ذاكرة: النساء أم الرجال؟ ولماذا؟
  • نتنياهو: بعد اغتيال نصر الله وكسر المحور الإيراني تقدمت طهران نحو تصنيع سلاح نووي