الروائي أحمد مسعود: الانتفاضة الفلسطينية الثالثة ستكون ثقافية
تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT
في ظل الحرب الإسرائيلية الأطول على غزة، وجد الأدباء والفنانون الفلسطينيون أنفسهم أمام تحدٍ مزدوج: نقل معاناة شعبهم إلى العالم، ومحاولة الصمود وسط الألم.
في هذا السياق، استضاف برنامج "ريفريم" (إعادة صياغة)، الذي تقدمه الكاتبة فاطمة بوتو لقناة الجزيرة الإنجليزية، الكاتب والمخرج الفلسطيني أحمد مسعود، الذي نشأ في مخيم جباليا للاجئين ويكرّس أعماله لسرد القصص اليومية من فلسطين.
أحمد، الذي كتب رواية "مهما حدث" (Come What May) ذات الطابع البوليسي، والمسرحية الكوميدية السوداء "صانع الكفن" (The Shroud Maker)، تحدث عن تأثير الحرب على العائلات الفلسطينية، مستعرضا المأساة الشخصية التي عاشها بفقدان شقيقه خالد.
واستهل مسعود حديثه بكلمات مؤثرة عن مقتل شقيقه خالد في 22 يناير/كانون الثاني، عندما استهدفته طائرة مسيرة إسرائيلية من نوع "كوادكوبتر" أثناء ذهابه لشراء الخبز لعائلته. هذه الطائرة، التي وصفها بأنها مزيج بين الطائرة بدون طيار والمروحية، يُعتقد أنها تعمل بالذكاء الاصطناعي وتتخذ قرارات القتل ذاتيا.
ويقول مسعود "أُصيب خالد برصاص الطائرة المسيرة، وتقدّمت الدبابات إلى المنطقة، فظلّ ينزف في الشارع 3 أيام وسط القصف المكثف. ولم يتمكن أحد من الوصول إليه. وعندما استطاع أبناؤه وأبناء عمومته أخيرا سحبه، كان لا يزال على قيد الحياة، لكنه توفي أثناء نقله إلى المستشفى على عربة يجرّها حمار. ولو توفرت سيارة إسعاف أو مسعفون، ربما كان سينجو، لكنه لم يحظَ بهذه الفرصة".
إعلان التعامل مع الألمعن تجربة العيش في المنفى، يعترف مسعود بأنه لا يعرف كيف يتعامل مع مشاعره وسط هذه الأزمة، لكنه يرى في الكتابة ملاذا وعلاجا نفسيا يساعده على مواجهة الصدمة.
"أحاول أن أبقى قويا من أجل عائلتي، أقدم لهم الدعم العاطفي والمالي، وأساعدهم على البقاء على اتصال ببعضهم البعض. لكن في النهاية، الكتابة هي الشيء الوحيد الذي يمنحني بعض الراحة. إنها تتيح لي التعبير عن تلك المشاعر المكبوتة، سواء في شكل قصيدة، أو قصة قصيرة، أو حتى مسرحية. الفن يسمح لي بتفريغ الألم، وتحويله إلى شيء يمكنني النظر إليه دون الشعور بنفس الجروح التي أحدثها".
ويرى أحمد مسعود أن الفن هو مساحة للأمل وخلق عوالم بديلة، حيث يمكن للفنان أن يرسم واقعا جديدا أو يسائل الواقع القائم. ومن خلال الأدب والمسرح، يسعى إلى إلقاء الضوء على التجربة الفلسطينية بطريقة إنسانية تتجاوز العناوين الإخبارية الجافة.
ويؤكد مسعود أن الفلسطينيين لا يملكون سوى الأمل والقدرة على الحكي، مشددا على أن الرواية والشعر والمسرح ليست مجرد أدوات تعبير، بل هي أيضا أدوات مقاومة تحفظ الذاكرة وتنقلها للأجيال القادمة.
حفظ للذاكرة الفلسطينيةيرى الكاتب والمخرج الفلسطيني أحمد مسعود أن الفن شكل من أشكال المقاومة، وأن الكتابة ليست فقط وسيلة للتعبير، بل أداة للحفاظ على التاريخ الفلسطيني في وجه محاولات الطمس والتدمير. في حواره مع فاطمة بوتو، تحدث مسعود عن تأثير الحرب على غزة، وكيف تغيرت حياته ككاتب خلال العام الماضي، حيث أصبح حسابه على إكس (تويتر سابقا) منصة لتوثيق يوميات الحرب، كما بدأ في كتابة الشعر لأول مرة.
ويؤكد مسعود أن الكتابة أصبحت بالنسبة له رد فعل مباشر على الدمار الذي يحيط به، ويقول "لم أكن أكتب الشعر من قبل، لكنني بدأت ذلك عندما فقدت شقيقي، لأنني لم أستطع التعبير عن مشاعري في شكل مسرحية أو قصة لها حبكة ونهاية. لا توجد نهاية هنا، الأمر واضح: إنها إبادة جماعية. كيف يمكن للمرء أن يعبّر عن ذلك؟".
إعلانوأشار إلى أن فقدان غزة التي يعرفها جعله عاجزا عن التعرف على المدينة التي نشأ فيها، مضيفا "لطالما كتبت عن غزة التي كانت، وأتمنى أن أكتب عن غزة التي ستكون، وليس عن غزة التي يراها الجميع اليوم في الأخبار، مجرد أنقاض ودمار".
غزة التي كانتعندما طلبت منه فاطمة بوتو أن يصف غزة كما يتذكرها، أجاب مسعود بحنين واضح: "كانت فوضى جميلة، تشبه نابولي إلى حد كبير. عندما زرت نابولي لأول مرة، شعرت أنني وصلت إلى نسخة أوروبية من غزة. كانت مدينة متوسطية مفعمة بالحيوية، بأزقتها الضيقة، وأسواقها، ومقاهيها، ومطاعمها، ومسارحها، ومراكزها الفنية. كان سكانها مبتسمين، يحبون المزاح، ويأكلون الكثير من الفلفل الحار".
لكنه يوضح أن رحلته الأولى من مخيم جباليا إلى مدينة غزة كانت بمثابة صدمة ثقافية بالنسبة له، إذ نشأ في بيئة تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية مثل نظام الصرف الصحي، بينما وجد في المدينة عراقة التاريخ وجماله، من المسجد العمري الكبير الذي يعود للقرن السادس، إلى قصر الباشا العثماني.
فقدان التراث الثقافي في غزةمع تدمير المسجد العمري وكنيسة القديس بورفيريوس، التي تُعد ثالث أقدم كنيسة في العالم، تساءلت بوتو: كيف يمكن الحفاظ على التراث الثقافي لغزة؟
يرى مسعود أن الكتابة هي الوسيلة الأهم لحفظ هذا التاريخ، قائلا "الأدب هو الأثر الذي يبقى. بعد 200 أو 300 عام سيبقى الشعر والروايات والأعمال الفنية كشهادات على ما حدث. لدينا مسؤولية كفنانين فلسطينيين، وكحركة تضامن دولية، للحفاظ على هذه الذاكرة".
وأضاف أن تجاهل الإعلام العالمي لتدمير المعالم الثقافية يزيد من ألمه، خاصة أن المسجد العمري كان جزءا من روايته "مهما حدث"، حيث دارت بعض أحداثها داخل أروقته.
وتحدث مسعود عن نشأته كلاجئ فلسطيني، حيث كانت القصص، التي يسمعها من والده وجدّه عن المنزل العثماني الفاخر الذي امتلكته العائلة في حين أصبح الآن لإسرائيل، جزءا من ذاكرته الجماعية. في المقابل، كان واقعه اليومي مختلفا تماما، إذ اعتاد الذهاب كل أربعاء لاستلام المساعدات الغذائية من وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، المكونة من الخبز والذرة واللحم المعلّب.
إعلانورغم صعوبة الظروف المعيشية، كان منزلهم يعج بالكتب أكثر من الطعام، فقد درس والده الأدب العربي وكان شغوفا بالقراءة، مما جعل أحمد يتعرف على الأدب في سن مبكرة: "في سن التاسعة قرأت لينين، لأن والدي كان يساريا. وبحلول العاشرة، كنت قد قرأت جميع أعمال غسان كنفاني، الروائي الفلسطيني الذي اغتيل عام 1972 بسبب كتاباته. كان لدينا 4 مجلدات من كتب محمود درويش، وبدلا من شراء الطعام، كان والدي يشتري كتبا مستعملة من السوق".
ويرى مسعود أن الأدب هو السلاح الذي سيضمن بقاء الهوية الفلسطينية حيّة، رغم كل محاولات الطمس والتدمير.، معتبرا الكتابة ليست مجرد توثيق، بل وسيلة للحفاظ على التاريخ الفلسطيني من الطمس. فبالنسبة له، القصص والأدب ليست مجرد خيال، بل هي واقع موازٍ يمنح الفلسطينيين القوة للبقاء، ويمنح العالم نافذة لفهم معاناتهم وتاريخهم.
ويؤمن الكاتب والمخرج الفلسطيني أحمد مسعود بأن الكتابة ليست مجرد أداة تعبير، بل هي وسيلة للبقاء والمقاومة في وجه محاولات الطمس والتدمير. وفي حواره مع فاطمة بوتو، ناقش مسعود كيف أصبح الأدب والفن في قلب المواجهة، ليس فقط عبر توثيق الفظائع، بل أيضا كآلية لمقاومة الإبادة الثقافية والوجودية للفلسطينيين.
مصير الأدباء والفنانينيرى مسعود أن الكتاب والأدباء لا يملكون قوة عسكرية، لكنهم يمتلكون قوة الأمل، ويقول "الكتاب يصنعون عوالم جديدة، يفتحون الأفق لرؤية إمكانيات لم تكن تخطر على البال، ويقربون الحقيقة من الناس. لا أعتقد أن قصيدة غيّرت الحكومات، لكنها تصنع فرقا هائلا لأنها تمنح الأمل، وهو في حد ذاته قوة جبارة".
وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الأدباء والشعراء والمترجمين عمدا، لأنهم قادرون على تغيير القلوب والعقول. وأشار إلى أن العديد من الكتاب في غزة تلقوا تهديدات مباشرة بالقتل من الجيش الإسرائيلي قبل أن يتم اغتيالهم، مما يعكس الخوف من تأثير الكلمة.
إعلانوعند سؤاله عن آماله، أجاب مسعود بأنه يؤمن بحل الدولة الواحدة، حيث يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون على قدم المساواة، لكنه يرى أن التحدي الأكبر هو أن يُنظر إلى الفلسطينيين كبشر عاديين، وليس فقط كضحايا أو أعداء.
"نريد أن نُرى ككتاب، كأطباء، كمهندسين، كأكاديميين. نريد أن يُفهم أننا مجتمع كامل، فيه الخير والشر، الأبطال والأوغاد، وليس مجرد صور نمطية".
وأشار إلى أن الفلسطينيين يوثقون يوميات حياتهم تحت الحصار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليس فقط للحديث عن الاحتلال، بل أيضا عن التحديات اليومية، مثل الغلاء الفاحش والاحتكار، مما يؤكد أن الفلسطينيين ليسوا مجرد "قضية"، بل شعب حيّ له تعقيداته الاجتماعية والاقتصادية.
دور المقاطعة الثقافية في المقاومةعند مناقشة تأثير المقاطعة الثقافية لإسرائيل، أوضح مسعود أن العديد من الكتاب والفنانين حول العالم دعموا القضية الفلسطينية، لكنه شدد على أن هذا الدعم ليس كافيا.
"هناك كتّاب لم يتخذوا موقفا بعد، وليس لدي وقت لهؤلاء. يجب أن نستخدم الضغط الأخلاقي ونرفض التعامل معهم حتى يدركوا أن صمتهم مكلف".
وعن الانتقادات التي ترى أن المقاطعة الثقافية "تقيد الحوار"، قال مسعود "عندما يكون هناك إبادة جماعية، لا يوجد مجال للحوار مع المؤسسات الثقافية الإسرائيلية، خاصة أن معظمها مدعوم من الدولة وتشارك في تقديم عروض بالمستوطنات غير الشرعية".
الانتفاضة الثالثة ثقافيةيعتقد مسعود أن الانتفاضة القادمة ستكون انتفاضة ثقافية، ويؤكد أن الإنتاج الثقافي الفلسطيني، سواء في المسرح أو السينما، شهد نموا كبيرا في العقد الأخير، حيث يتم إنتاج أفلام من فلسطين أكثر من تلك القادمة من سوريا ولبنان مجتمعتين.
"علينا حماية هذا الزخم الثقافي، لأنه رغم قتل العديد من الفنانين، فإن الفكرة والتأثير يجب أن يستمرا".
وعندما طُلب منه ذكر نص ساعده على التعامل مع المجازر والدمار، أشار مسعود إلى أنه بدأ كتابة الشعر كرد فعل مباشر على مقتل شقيقه، لأنه لم يكن يستطيع صياغة الألم في حبكة أو قصة تقليدية، قائلا "ليس هناك التواءات حبكة درامية هنا، إنه واضح: إنها إبادة جماعية. كيف يمكنك التعبير عن ذلك؟".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أن الکتابة أحمد مسعود لیست مجرد أن الکتاب مسعود أن غزة التی إلى أن
إقرأ أيضاً:
شاهد.. إبداعات ورشة الكتابة الصحفية بملتقى فتيات أهل مصر بشرم الشيخ
اختتمت ورشة الكتابة الصحفية التي اقيمت في أجواء ملهمة تحت سماء شرم الشيخ، ضمن فعاليات الملتقى الثقافي الـ22 لمشروع أهل مصر لفئة الفتاة والمرأة، الذي يقام برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، وتنفذه ثقافة المرأة برئاسة الدكتورة دينا هويدي، والتابعة للإدارة المركزية للدراسات والبحوث برئاسة الدكتورة حنان موسى.
وقدّمت الفتيات المشاركات نموذجًا مُبهِرًا لإبداع الأجيال الجديدة وقدرتهن على توظيف الكلمة في صناعة الوعي. وشهدت الورشة التي قدمها الكاتب الصحفي محمد خضر إنتاجًا متنوعًا من التقارير والقصص الصحفية، عكَس تطورًا ملحوظًا في مهارات المشاركات، وروحًا حماسية تؤكد أن الفتاة المصرية قادرة على صياغة محتوى مهني يحمل بصمتها الخاصة.
موجز اخبار الملتقى
كتب - ايمان رشدي
1 ـ قطار فتيات أهل مصر الثاني و العشرين يحط رحاله فى مدينة شرم الشيخ
2ـ الطور تحتضن مائة واربعَة عشر فتاة حدودية في إنطلاق أولى الفعاليات
3ـ ملتقى فتيات أهل مصر في ضيافة مسجد الصحابة وكنسية السمائيين
4 -فتيات المحافظات الحدودية في جولة ميدانية بمحمتي رأس محمد و نبق
5 -خليج نعمة وسوهو اسكوير يشهدان رحلة ترفيهية لفتيات الملتقي
6-خيامية ومكرمية وتصوير .. ورش حرفية وإبداعية تزين فاعليات ملتقى الفتاة و المرأة
7- لقاءات تكنولوجية وإجتماعية وريادة أعمال تناقش قضايا وثقافة المرأة
8- متحف شرم الشيخ يجذب الأنظار بأكثر من 5 آلاف قطعة أثرية تحكي تاريخ مصر عبر العصور
9- ممر شرفي للدكتورة دينا هويدي تقديراً وامتنانًا لإسهاماتها الإيجابية فى نجاح برنامج الملتقى
10 مدير قصر ثقافة شرم الشيخ لورشة الكتابة الصحفية: التنظيم وإدارة الوقت سر تحقيق التوازن بين الحياة العملية والإبداعية والاجتماعية.
11 - دينا هويدي خلال ورشة الكتابة الصحفية: الثقافة ليست رفاهية وأهل مصر يصنع جيلاً مؤثرًا.. ولا أقبل إلا التّميز
12 الليلة حفل ختام الملتقى الثقافي الثاني والعشرين لفنون الفتاة والمرأة بحضور اللواء الدكتور شعيب خلف
مدينة السلام تحتضن ملتقى فتيات أهل مصر في أجواء من السحر والجمال
كتبت - ندى الصغير
شرم الشيخ مدينة لا تُشبه إلا نفسها؛ تُرحّب بزائريها بنسيم دافئ، وبحر زاخر وجبال شاهقة كأنها واحة أنارها الضوء وأعاد تشكيلها الجمال، وفي ظل هذه الطبيعة التي تجمع بين الهيبة والسكينة، يواصل اللواء الدكتور خالد مبارك محافظ جنوب سيناء إشرافه الحاضر والدقيق على كل ما ينهض بالمدينة، لتظل وجهة للسلام وقِبلة للثقافة والسياحة معًا.
وسط هذا المشهد الفريد، انطلقت فعاليات ملتقى فتيات أهل مصر، الحدث الذي يجمع الفتيات من 6 محافظات حدودة ليعبرن عن أحلامهن ومواهبهـن في مساحة آمنة ملهمة، تجمع بين التعلم والإبداع والانفتاح على الآخر
الملتقى الذي يقام برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، وتنفذه ثقافة المرأة برئاسة الدكتورة دينا هويدي، والتابعة للإدارة المركزية للدراسات والبحوث برئاسة الدكتورة حنان موسى، تحوّل إلى مساحة خصبة للحوار والتعلّم وتبادل الخبرات، في مدينة تُشبه منصة طبيعية للإلهام بما تمنحه من صفاء وهدوء وفرص للابتكار.
وهكذا اجتمع جمال المكان بقيادة واعية ورؤية ثقافية طموحة، ليرسم الملتقى مشهدًا جديدًا من مشاهد القوة الناعمة المصرية في مدينة السلام.
صوت الصحراء ابو سالم
كتبت - اسماء ابراهيم
يُعتبر الشاعر البدوي أبو سالم (رحمه الله) أحد أبرز شعراء النبطي في جنوب سيناء، ولقبه النقاد بـ"أمير شعراء سيناء". وُلد في مدينة نويبع ونشأ بين وادي وتير والعين، وعاش أكثر من خمسه وثمانين عامًا، حاملاً إرثًا شعريًا غنيًا يعكس حياة البدو وروح الصحراء.
وقد جمع شعره بين الفخر القبلي والحكمة والوصف الطبيعي للصحراء، واستخدمه أداة اجتماعية أيضًا، حيث ساهم في إصلاح النزاعات القبلية، أبرزها بين قبيلتي بني عطية والحويطات، عبر إرسال قصائد تهدئ النفوس وتؤسس للصلح.
من أبرز أعماله: قصيدة "لي ونة" حيث تقول"يا قلبي لا تحزن على فراق الأحبة
فربما التقينا في جنة الرحمن" التي تعكس الحزن والضيق، وكذلك قصيدة "يا أبو براطم"حيث تقول "أبو براطم عنده براطم طويلة
ياكل العصيدة ويترك العيشة هزيلة"
التي أظهرت مهارته في الوصف والكناية، وكذلك قصيدة الصلح التي حملت رسائل التسامح والمصالحة.
ترك أبو سالم إرثًا شعريًا خالدًا يروي حياة البدو ويجسد الهوية الثقافية لجنوب سيناء، ليظل اسمه علامة مضيئة في تاريخ الشعر النبطي المصري.
مَحْمِيّاتُ سِينَاءَ أَبْوابٌ مَفْتوحَةٌ تَكْشِفُ سِحْرَ الطَّبِيعَةِ وَجَمالَ المَكانِ
كتبت - زهراء كمال
عَلى امتِدادِ جَنوبِ سِينَاءَ، تَتَكشَّفُ أَسْرارُ الطَّبِيعَةِ في كُلِّ اتِّجاهٍ، وَتَتَعانَقُ الجِبالُ مَعَ زُرْقَةِ البَحْرِ، فَتَقِفُ المَحْمِيّاتُ الطَّبِيعِيَّةُ كَصَفَحاتٍ مَفْتوحَةٍ مِن كِتابِ الجَمالِ الإِلَهِيِّ. أَراضٍ يَكْتَسِيها الهُدوءُ وَالبَهاءُ، تَحْمِلُ في طَيّاتِها قِيمَةً بِيئِيَّةً وَسِياحِيَّةً فَريدَةً، وَتَسْعَى الدَّوْلَةُ إِلى صَوْنِها لِما تُمَثِّلُهُ مِن ثَرْوَةٍ لا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ.
تَأْتِي مَحْمِيَّةُ رَأْسِ مُحَمَّدٍ في مُقَدِّمَةِ هذِهِ الكُنوزِ، بِمِساحَةٍ تَصِلُ إِلى ٨٥٠ كم² ( ثماني مائة وخمسين كيلو مترا) ، حَيْثُ تَمْتازُ بِوُجودِ أَشْجارِ المانجروفِ الَّتي تُشَكِّلُ جِسْرًا طَبيعِيًّا بَيْنَ شِبْهِ جَزيرَةِ رَأْسِ مُحَمَّدٍ وَجَزيرَةِ بِعيرَةَ بِطولٍ يُقارِبُ ٢٥٠ ( مائتين وخمسين) مِتْرًا، إِضافَةً إِلى شَواطِئِها المُرْجانِيَّةِ البَديعَةِ وَأَسْماكِها المُلَوَّنَةِ الَّتي تَجْذِبُ هُواةَ الغَوْصِ مِن مُخْتَلَفِ أَنْحاءِ العالَمِ. كَما تُعَدُّ مَوْطِنًا مُهِمًّا لِكَثيرٍ مِنَ الطُّيورِ المُهاجِرَةِ مِثلَ النَّوارِسِ.
وَبِمِساحَةٍ تَبْلُغُ ٦٠٠( ستمائة كيلو متر) كم²، تَكْشِفُ مَحْمِيَّةُ نَبْقٍ عَنْ طابِعٍ بِيئِيٍّ فَريدٍ، فَهِيَ مُتَعَدِّدَةُ الأَغْراضِ تَحْتَوِي عَلى كَثافَةٍ كَبيرةٍ مِن أَشْجارِ المانجروفِ، إِلى جانِبِ نُظُمٍ بِيئِيَّةٍ صَحْراوِيَّةٍ وَجَبَلِيَّةٍ وَوِدْيانٍ تَضُمُّ أَنْواعًا مِنَ الطُّيورِ المُقيمَةِ وَالمُهاجِرَةِ. وَتُعَدُّ قِبْلَةً لِعُشّاقِ الغَوْصِ وَالسَّفاري وَمُراقَبَةِ الطُّيورِ لِما تَمْتازُ بِهِ مِن تَنَوُّعٍ طَبيعِيٍّ آسِرٍ.
طابا… تَاريخٌ يَرْوِي ذاتَهُ
أَمّا مَحْمِيَّةُ طابا، فَتَمْتَدُّ عَلى مِساحَةٍ تَصِلُ إِلى ٣٥٩٥ كم² ( ثلاثةِ الافٍ وخمسمئة وخمسةٍ وتسعين كيلومترا ) وَتُعَدُّ مُتْحَفًا طَبيعِيًّا مَفْتوحًا. تَضُمُّ تَكْويناتٍ جِيولُوجِيَّةً مُذْهِلَةً وَمَواقِعَ أَثَرِيَّةً تَعودُ إِلى أَكْثَرَ مِن ٥٠٠٠ عامٍ. وَتَحْتَوِي وِدْيانُها عَلى حَياةٍ بَرِّيَّةٍ نادِرَةٍ مِثلَ الغِزْلانِ وَالطُّيورِ الكَبيرةِ، إِضافَةً إِلى نَحْوِ ٤٨٠ ( ربعمئةٍ وثمانين ) نَوْعًا نَباتِيًّا. وَتُعَدُّ هِضابُها الَّتي يَتَجاوَزُ ارْتِفاعُ بَعْضِها أَلْفَ مِتْرٍ مِن أَجْمَلِ المَشاهِدِ الطَّبِيعِيَّةِ في المِنْطَقَةِ.
تَبْقى مَحْمِيّاتُ جَنوبِ سِينَاءَ شاهِدًا حَيًّا عَلى جَمالِ الطَّبِيعَةِ المِصْرِيَّةِ، وَتُراثًا طَبيعِيًّا لا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ. إِنَّها كُنوزٌ تَحْتاجُ إِلى حِمايَةٍ دائِمَةٍ وَتَوْعِيَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ بِقيمَتِها، فَبَيْنَ جِبالِها وَبِحارِها تَتَجَلّى عَظَمَةُ الخالِقِ، وَتَبْقى مِصْرُ مُتَمَيِّزَةً بِما تَمْتَلِكُهُ مِن طَبيعَةٍ لا يُشابِهُها مَكانٌ آخَرُ… وَيَبْقى الفَخْرُ دائِمًا بِهذا الوَطَنِ الَّذي يَجْمَعُ بَيْنَ القَداسَةِ وَالجَمالِ وَالخُلودِ.
سيناويَّةٌ تقتحمُ أبوابَ الإبداعِ.. وتحوِّلُ نواةَ التمرِ إلى أملٍ علميٍّ جديدٍ
كتبتْ – نورُ أيمنَ:
في جنوبِ سيناءَ تولدُ الحكاياتُ، وتكبرُ الأحلامُ رغمَ متاعبِ الطريقِ.. من هنا من أرضِ الفيروزِ خرجتْ رضوى رمضانَ، الفتاةُ السيناويةُ التي قررتْ منذ طفولتِها ألا تكونَ مجردَ رقمٍ عابرٍ في الحياةِ. شغفُها بالعلومِ لا يهدأُ، وفضولُها يقودُها دومًا إلى المعاملِ والتجاربِ، حتى قبل أن تعرفَ إلى أين ستمضي بها خطواتُها. لم تصلْ إلى كليةِ الطبِّ كما كانتْ تحلمُ، لكن حلمَها لم ينتهِ، بل تغيّرَ مسارُه ليصبحَ أكثرَ وضوحًا وإشراقًا.
لا تؤمنُ رضوى رمضانَ، ابنةُ بدو جنوبِ سيناءَ، بأن الحلمَ طريقٌ مستقيمٌ؛ فهي واحدةٌ من تلك الفتياتِ اللاتي كلما أُغلقَ أمامَها بابٌ جاءَ آخرُ، فتحتْ لنفسِها نافذةً أوسعَ، فمنذ سنواتِها الأولى، كانتْ تنحازُ إلى روائحِ المعاملِ ودهشةِ التجاربِ العلميةِ، وكانتْ الكيمياءُ بالنسبةِ لها عالمًا ساحرًا يشبهُ المغامراتِ الأولى التي تصنعُ الشخصيةَ وتحدِّدُ المصيرَ.
كان حلمُها الأكبرُ أن تلتحقَ بكليةِ الطبِّ، وظلتْ تطاردهُ بجدٍّ وإصرارٍ، غيرَ أن القدرَ قادَها إلى طريقٍ آخرَ؛ التحقتْ بمعهدِ الصناعاتِ المتطورةِ التابعِ لوزارةِ الإنتاجِ الحربيِّ قسمِ كيمياءَ، لم يكنْ ذلك الانحرافُ عن المسارِ نهايةَ حلمِها، بل بدايةَ حلمٍ جديدٍ. هناكَ لمعَ اسمُها بين المتفوقينَ، وبدأ شغفُها العلميُّ يفتحُ أبوابًا جديدةً للتجريبِ والبحثِ.
صنعتْ رضوى من داخلِ معملٍ بسيطٍ وإمكاناتٍ محدودةٍ فكرتَها التي شاركتْ بها في ملتقى عباقرةِ الجامعاتِ: تحويلُ بقايا نواةِ التمرِ إلى كربونٍ نشطٍ، يدخلُ في صناعاتِ الدواءِ والتنقيةِ وفلاترِ المياهِ والهواءِ.
جمعتْ رضوى نوى التمرِ وعالجتْه حراريًا عند أكثرَ من 400 درجةً مئويةً مع عزلِ الهواءِ وإضافةِ موادَّ كيميائيةٍ، لتخرجَ بمادةٍ عاليةِ القيمةِ يمكن أن تتحولَ إلى مشروعٍ صناعيٍّ واعدٍ يخدمُ البيئةَ ويحققُ مردودًا اقتصاديًا.
وعندما شاركتْ في ملتقى "فتاةِ أهلِ مصرَ"، شعرتْ أنها وجدتْ ضالتَها، وتحدثتْ معي عن بحثِها، ورفعتْ صوتَها بهدوءِ العلماءِ وثقةِ أبناءِ سيناءَ، مناشدةً وزارةَ البحثِ العلميِّ أن تتبنى مشروعَها ليصبحَ نموذجًا مصريًا لإعادةِ تدويرِ المخلفاتِ بطرقٍ مبتكرةٍ.
تقولُ رضوى رمضانُ، ابنةُ مدينةِ أبوزنيمةَ إن مشروعَ تخرجِها وزملائِها انطلقَ من محورينِ أساسيينِ هما تحقيقُ عائدٍ بيئيٍّ يحافظُ على الطبيعةِ، وآخر اقتصاديٍّ يوفرُ مادةً مهمةً يحتاجُها السوقُ المحليُّ والعالميُّ. ومن هنا جاءتْ فكرةُ تصنيعِ الكربونِ النشطِ باستخدامِ المخلفاتِ الزراعيةِ مثل قشِّ الأرزِ ونوى البلحِ بدلَ التخلصِ منها بطرقٍ تضرُّ البيئةَ.
وتوضحُ رضوى أن المشروعَ يسهمُ في تقليلِ البطالةِ وتوفيرِ العملةِ الصعبةِ عبرَ تلبيةِ احتياجاتِ السوقِ المحليِّ ثم التصديرِ، إلى جانبِ إنتاجِ مادةٍ عاليةِ القيمةِ تستخدمُ في تنقيةِ الهواءِ والمياهِ وإزالةِ الملوثاتِ ولها تطبيقاتٌ طبيةٌ متعددةٌ.
رضوى رمضان نموذجٌ لروحٍ لا تستسلمُ، ولمسارٍ يدركُ أن البدايةَ الحقيقيةَ في الشغفِ الذي نحملُه، وفي إيمانِنا بأن الحلمَ قابلٌ لإعادةِ التشكيلِ دائمًا.