الكتاب: محادثة مع رشدي راشد في الرياضيات، في تاريخ العلوم وفي العالم العربي الإسلامي
الكاتب:  ديديي غازانيادو، ترجمة وتقديم د. يوسف بن عثمان مراجعة رشدي راشد
الناشر: منظمة المجتمع العلمي العربي، إنجلترا ويلز ومؤسسة الربان للدراسات والبحوث، الدوحة- الطبعة الأولى،  2025.
عدد الصفحات: 190 صفحة

ـ 1 ـ

هذا الكتاب حوار مطوّل أجراه أستاذ الأنثروبولوجيا ديدبي غازانيادو، مع الأستاذ الباحث في فلسفة العلوم رشدي راشد، سلّط فيه الضوء على  حياته الخاصة وعلى مسيرته العلمية والفكرية.

وفضله يتمثّل في كونه قدّم لنا قامة علمية عربية لا نكاد نعرف عنها الكثير من جهة نشأتها في القاهرة أو من جهة طلبها للمعرفة في الجامعات الأوروبية ثم أسهامها في إنتاجها هناك.

نشأ رشدي راشد صاحب الأصول القروية واليتيم الأب، ضمن عائلة تقليدية يرعاها جدّ مثقف، حاصل على الدكتوراه من جامعة الأزهر. وخوّل له تميّزه بين أقرانه أن يختتم دراسته الجامعية في مصر بالحصول على شهادة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة القاهرة بتفوّق والحصول على منحة للدراسة في فرنسا. وهناك أحرز على البكالوريوس في الرياضيات من جامعة باريس ثم على درجة الدكتوراه في تاريخ الرياضيات وتطبيقاتها.

ولأنه يرفض العيش في بلاد لا تحترم معنى المواطنة ويتبنى مواقف فكرية وسياسية لا ينظر إليها النظام بعين الرضا عاش مغتربا. فانخرط بصفته باحثا، في أهم مراكزها البحثية كالمركز القومي الفرنسي للبحث العلمي ثم تولى إدارة بعضها كمركز الأبحاث في معهد تاريخ العلوم والفلسفة في باريس أو أبحاث الابستمولوجيا وتاريخ العلوم في جامعة دنيس ديدرو ـ باريس أو مركز الفلسفة والعلوم والفلسفة العربية للعصور الوسطى وأسّس فريق بحوث الابستمولوجيا وتاريخ العلوم والمعاهد العلمية. وأشرف على موسوعة تاريخ العلوم العربية التي صدرت في لندن ونيويورك طبعتها الأولى في 1996م وحرّر بنفسه بعض مداخلها. وبديهي أن يكون الحصاد العلمي وفيرا. فقد نشر أكثر من ثلاثين كتابًا في مجالات تخصصه الدقيق ووجد الاعتراف العالمي فنال الجوائز الكبيرة والأوسمة التقديرية.

ـ 2 ـ

مثلت دراسته للهندسة الكروية وعلم الفلك وبحوثه في الرياضيات التحليلية وفي فلسفتها وتطبيقاتها في العلوم الاجتماعية أُسس مشروعه العلمي. ومثّلت نظرية الاحتمالات قطب الرحى منه.  ولعلّه تأثر بهاجس الفلسفة الوضعية التي كان لها وقع على مختلف مناحي الحياة المعاصرة وبسليلتها، البنيوية من بعد. فاشتغل على موضوع ترييض النظريات غير المهيأة، ويقصد بالمصطلح شكلنة العلوم الإنسانية رياضيا ضمن نظريات وقواعد.

لا يجد رشدي راشد في هزيمة 1967 هزيمة عسكرية بقدر ما يفهمها باعتبارها هزيمة وثقافية وحضارية. فمن الجانب العربي يُرجِع سببها إلى خلل في التعاطي مع العلم والحرية السياسية والديمقراطية. وبالمقابل فمن خلقوا إسرائيل، هم في معظمهم يهود أوروبيون بل وأمريكيون وهم بالأساس أشخاص من ذوي الثقافة والعلم. أضف إلى ذلك أنّ إسرائيل قد احتضنت عددا مهولا من العلماء السوفييت. والتوازن الذي يحفظ الحقوق يقتضي وجود دول عربية تقدمية، واعية ثقافيا، تستثمر في العلم وما ينتج عن العلم. وهذا غير موجود في زمننا الحالي.وعمل على تطبيق الرياضيات في العلوم الاجتماعية. وكانت غايته أن يفهم طبيعة عمل العلوم الاجتماعية ودرجة موضوعيتها وأن يجيب عن بعض الأسئلة الحارقة حينها. فقد كان الاختلاف قائما حول طبيعة هذه العلوم، هل هي علوم حقيقية أم إيديولوجيا خالصة وبسيطة، وحول مدى قابلية تلك العلوم للشكلنة الرياضية. ومن هنا نشأةُ ما اصطلح عليه بعلم الاحتمال. والمراد به حساب الاحتمالات بما هي حسابات مطبقو في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية.

ـ 3 ـ

انتهى البحث برشدي راشد إلى أنّ النظرية الاجتماعية ذاتها لم تتبلور بشكل كاف. فهي ليست محكمة الترابط كفاية لتقبل تشكّلا رياضيا. وقدّر أننا لا نتوفر بعدُ على نظرية في العلوم الاجتماعية تقبل أن تُلبس، بالمعنى الصارم للكلمة، الرياضيات، وإنما توجد إيديولوجيات ليبرالية خاصّة تهيمن على كل الدراسات وتوجه نتائجها العلمية لفائدتها، وتعيق بالنتيجة كل محاولات ترييض العلوم الاجتماعية. وهذا ما جعله يتفق مع كلود لفي شتراوس في رأيه القائل بكونه "لا يشعر بأي ضيق في الاعتراف بأنه ليس بوسعنا أن نزعم وجود تكافؤ حقيقي بين هذه العلوم والعلوم الدقيقة والطبيعية".

ومثلت دراسته للعلوم الرياضيات العربية ولتطبيقاتها في مجال البصريات مجال اهتمامه الثاني. فبحث في فكر كبار العلماء العرب واعتنى بتحليل أعمالهم ونزّلها في سياقاتها الحضارية. وسعى من خلال البحث في تاريخ العلوم العربية وفي فلسفتها إلى أن يمنح للتراث العلمي العربي المكانة التي هو جدير بها ضمن العقلانيات والتقاليد العلمية التاريخية. وظلّ مدافعا عن أطروحته القائلة بفكرة وجود عقلانيات متعددة ممكنة. وللبرهنة على صواب فكره عرّف مختلف أشكال العقلانية وبلورها. وبيّن علاقة العلوم العربية التطورية بالعلم اليوناني السابق عليه والعلم الغربي الحديث اللاحق به. و"أمكن له بواسطة هذا المنهج، وفق محرر الكتاب، أن يكشف عن الطبيعة الخاصة للعلم العربي/الإسلامي وللمجتمعات العربية / الإسلامية التي أنتجته وكيفية تميزه عن العلوم السابقة واللاحقة عليه".

ـ 4 ـ

على مستوى علاقته بهموم المجتمع العربي وانخراطه في قضاياه يذكر رشدي راشد أنه حضر في العام 1958 حفلا في سفارة مصر بباريس احتفاء بالوحدة مع سوريا. وكان طالبا بعد يعوّل على منحة الدولة المصرية لمواصلة دراسته. فإذا به يأخذ الكلمة، وخلافا لخطابات الاحتفاء والتمجيد عبّر عن تشاؤمه بشأن مستقبل هذه الخطوة السياسية لأنّ  "الوحدة لا يمكن أن تقوم في ظل الدكتاتورية". وكان لهذا الرأي تبعات. فقد تم إيقاف صرف منحته ممّا جعله مضطرا للعمل بصفة مساعد في فلسفة العلوم والمنطق في برلين، في ظل جمهورية ألمانيا الديمقراطية.

ورغم عودته للوطن الأم في العام 1965 بعد أن وصلته دعوة للحضور إلى مصر وبعد أن منحه عبد الناصر الأمان، اختار الهجرة من جديد. فالخطاب السياسي حينها جعله يشعر أنه لا وجود لمفهوم المواطن أو لفكرة المواطنة في أذهان السّاسة، سواء كان مثقفاً أو غير مثقف. ويبدو أنه ظل قريبا من الهموم السياسية العربية فكريا، بعيدا عنها جغرافيا، على الأقل. وهذا ما منحه القدرة على التفكير في القضية الفلسطينية وفي أثر هزيمة 1967  ومعاهده كامب دافيد  ونزعات التدين التي اجتاحت العالم العربي وما صحبها من ظهور للإسلام السياسي بروية بعيدا عن الحماسة والانفعال.

ـ 5 ـ

لا يجد رشدي راشد في هزيمة 1967 هزيمة عسكرية بقدر ما يفهمها باعتبارها هزيمة وثقافية وحضارية. فمن الجانب العربي يُرجِع سببها إلى خلل في التعاطي مع العلم والحرية السياسية والديمقراطية. وبالمقابل فمن خلقوا إسرائيل، هم في معظمهم يهود أوروبيون بل وأمريكيون وهم بالأساس أشخاص من ذوي الثقافة والعلم. أضف إلى ذلك أنّ إسرائيل قد احتضنت عددا مهولا من العلماء السوفييت. والتوازن الذي يحفظ الحقوق يقتضي وجود دول عربية تقدمية، واعية ثقافيا، تستثمر في العلم وما ينتج عن العلم. وهذا غير موجود في زمننا الحالي.

من هنا يجد في معاهدة كامب دافيد أكبر الأخطاء السياسية. فهذه الخطوة التي لجأ إليها نظام أنور السادات المهدّد بالمحافظة على بقائه بشكل رسمي، تسبّبت في تفتيت وحدة العالم العربي، وسمحت بصرف النظر عن القضية الفلسطينية. ورغم ما فيها من بنود تخص الفلسطينيين، شأن مسألة حق العودة وإنشاء دولة فلسطينية، فإن إسرائيل لقي بها عرض الحائط ولا يمكن لمصر أن تفرض تفعيلها. وما البنود الأخرى التي لم يفصح عنها بشكل علني كمنع مصر من الاستثمار في بعض حقول البحث، لا سيما في مجال الفيزياء النووية فتنفذ بدقة. وعليه وبشكل، ما يجد أنّ ما يجري اليوم في غزة من بين تبعاتها الثقيلة.

ـ 6 ـ

يصدر رشدي راشد في آرائه من قناعته بأنّ القضية الفلسطينية هي القضية الأساسية في العالم اليوم. ويجد في الطريقة التي يعامل بها فلسطينيو 48 إحدى أكبر فضائح القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين. ذلك أنّ دولة إسرائيل دولة يهودية وأن الأقلية العربية مسلوبة لحقوق. فيطرد الناس من ديارهم وتغتصب أراضيهم. وقانون الجنسية الذي تم التصويت عليه حديثا في البرلمان الإسرائيلي، على سبيل المثال، لا يسمح، للفلسطيني المتزوج بعربية إسرائيلية الحصول على الجنسية الإسرائيلية. وبالمقابل لا تحرك المجموعة الدولية بأسرها ساكنا إزاء التمييز العرقي وحروب التطهير والإبادة الجماعية. وتدع الأشياء تحدث. والأدهى أنّ الأمم المتحدة، التي تمثل المجموعة الدولية، تدعم دولة إسرائيل بشكل ممنهج.

يمكننا أن نكون شيوعيين ملحدين. ولكن لا يمكننا أن ننكر أنّ الدين الإسلامي قد أسهم في خلق حضارة عظيمة توجب علينا أن نقدرها حق قدرها أولا وقد لعب دورا بخصوص قيمة اللغة العربية ومباحثها اللغوية ثانيا.أما عن السلطة الفلسطينية فيقدّر أننا لا نستطيع فهم تصرف مسؤوليها دون تحليل اجتماعي. فمن يكون هؤلاء الأشخاص من الناحية الاجتماعية، مقارنة بالشعب الفلسطيني؟ وفي أسئلته ما ينزع عنها التزامها بالخط الوطني. وهذا السؤال لا يطرح بشأن السلطة في غزة. ومع ذلك يجد أن رجالها يفتقرون إلى النضج السياسي الذي يخول لهم تحليل الوضع السابق، والعلاقة مع الوضع الدولي للتصرّف بحكمة.

هل هم يتصرفون من منطلق اليأس أكثر من التحليل العميق للوضع الراّهن؟ تدفعنا مجريات الأمور إلى التسليم بذلك. فالولايات المتحدة تبارك بشكل ممنهج ما تقوم به إسرائيل. ومن مصلحتها أن تحافظ على هذه الوضعية أي أن يكون لها رجل مسلح على عين المكان طالما مثّلت المنطقة مصدر رئيسيا للطاقة. وكل الفاعلين الآخرين ليسوا سوى شركاء عاجزين. والإسرائيليون الذين يريدون التوصل إلى حلّ حقيقي وسلام دائم يمثلون أقلية تتناقص بشكل مطرد. ولا سلام يلوح الآن في الأفق.

ـ 7 ـ

يمثل الإسلام السياسي وعلاقته بتديّن الشعوب ركنا رئيسيا اليوم في كلّ تفكير حضاري. ويرى رشدي راشد الذي نشأ في شبابه قريبا من الفكر الإخواني ثم وجد نفسه يتبنى أطروحات اشتراكية لاحقا، ضرورةَ التمييز بين ما هو أصيل وما هو غير أصيل. فيمكننا ألا نؤمن بدين معين، ولكن لا يمكننا إلاّ أن نؤمن بحضارة لعب فيها الدين دورًا رياديا. وعليه يمكننا أن نكون شيوعيين ملحدين. ولكن لا يمكننا أن ننكر أنّ الدين الإسلامي قد أسهم في خلق حضارة عظيمة توجب علينا أن نقدرها حق قدرها أولا وقد لعب دورا بخصوص قيمة اللغة العربية ومباحثها اللغوية ثانيا. فقد حفز الهمم. فظهر نحاة كبار كانت دوافعهم دينية في بواكير الحضارة الإسلامية، ثم أصبحت هذه العلوم مقصودة بذاتها لاحقا.

ومن هنا يرى الباحث أنّ الإسلام ليس مجرد دين، إنه ثقافة عريقة تمتد إلى خمسة عشر قرنا تحققت فيها الكثير من الاكتشافات. وعليه أيضا فأغلبنا مسلم دينيا ولكنّ جميعنا مسلم ثقافياً وحضارياً. ومنه يخلص إلى أنّ ["الإسلام قد خلق حضارة عظيمة، أما أن يوجد اليوم استعمال آخر للإسلام أو أن أشخاصا آخرين يحوّلون وجهته، فتلك مسألة أخرى. ذلك هو التاريخ فأولئك الذين يسمون جهاديين أو إرهابيين ليسوا متدينين البتة. أنا أنتمي إلى جيل أو إلى تكوين ينظر إلى الدين كما هو علاقة بالمقدس وعنصر مؤسس الحضارة". وبأسف حول تراجع حريّة التفكير، يذكّرنا بأنّ ابن حزم مفكر قرطبة الكبير، في القرن الحادي عشر، قال : " إن القرآن ليس معجزة"، وأنه لو قالها اليوم، لقتل. لكنه قال ذلك ولم يُحدث صدمة. ووجه الانحراف في العالم العربي الحديث وجود حكم جاهز يؤخذ دون دراسة معمقة للنصوص"]. ولئن عدّ كل الأطروحات ممكنة، فإنّه يحترز على الدفاع عن بعضها دون عمل العقل في بنائها مسبقا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب نشر عرض قطر كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العلوم الاجتماعیة العالم العربی تاریخ العلوم یمکننا أن فی مجال

إقرأ أيضاً:

محمد بن راشد يهنئ البروفيسور عبّاس الجمل لفوزه بجائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة الهندسة والتكنولوجيا

هنّأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، البروفيسور عبّاس الجمل على فوزه بجائزة «نوابغ العرب 2025»، عن فئة الهندسة والتكنولوجيا، مؤكداً أهمية دور العقول العربية في الإنجازات الهندسية والابتكارات التكنولوجية التي تدفع عجلة النهضة الحضارية للمنطقة العربية والمجتمعات البشرية.

وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في منشور على حساب سموه على منصة «إكس»: «الإخوة والأخوات، كما جرت العادة كل عام للاحتفاء بالعقول العربية ضمن جائزة نوابغ العرب وبعد تلقي آلاف الترشيحات.. نعلن اليوم الفائز بجائزة نوابغ العرب عن فئة الهندسة والتكنولوجيا لعام 2025، البروفيسور عباس الجمل من مصر، أستاذ هيتاشي في كلية الهندسة بجامعة ستانفورد.. قدّم إسهامات علمية رائدة في نظرية معلومات الشبكات التي وضعت الأساس للعديد من الشبكات الرقمية الحديثة حول العالم».

وأضاف سموه: «ساهم البروفيسور عباس الجمل في تطوير مصفوفات البوابات القابلة للبرمجة (FPGA) ومستشعرات الصور CMOS المستخدمة في الهواتف الذكية، وأسهمت أعماله في تطوير التقنيات الداعمة لأنظمة الاستشعار الرقمية والحوسبة والاتصالات. نشر أكثر من 230 بحثاً علمياً، وكتابه نظرية معلومات الشبكات يُعد مرجعاً عالمياً لطلبة الهندسة والتكنولوجيا، وتستفيد من أبحاثه كبرى الشركات التقنية حول العالم. نبارك للبروفيسور عباس الجمل فوزه.. ونبارك لمصر وللعالم العربي هذا النبوغ الذي يثبت للعالم أن أمتنا لا تستهلك التقنيات فقط، بل تملك العقول القادرة على صناعتها وقيادة مستقبلها العلمي.. عقول تنتظر من يحتفي بها ويمنحها المنصة التي تستحق».

وتشكّل جائزة «نوابغ العرب»، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مشروعاً استراتيجياً عربياً يحتفي بالإنجازات العربية النوعية، ويكرّم روّادها ضمن ست فئات رئيسية هي الهندسة والتكنولوجيا، والطب، والاقتصاد، والعلوم الطبيعية، والأدب والفنون، والعمارة والتصميم.

وجاء منح جائزة نوابغ العرب عن فئة الهندسة والتكنولوجيا لعام 2025 للبروفيسور عباس الجمل، أستاذ هيتاشي أميركا في كلية الهندسة بجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأميركية، تقديراً لإسهاماته العلمية الرائدة في نظرية معلومات الشبكات، التي أسّست مفاهيم حديثة غيّرت مسار الاتصالات الرقمية، ووضعت الأسس الرياضية لفهم الحدود القصوى لأداء شبكات الاتصال، واعتمدت عليها بروتوكولات الاتصالات الحديثة حول العالم، مما جعل البروفيسور عباس الجمل شخصية علمية وبحثية مرموقة ومرجعاً عالمياً في نظرية المعلومات والشبكات الذكية.

كما ساهم البروفيسور عباس الجمل في تطوير مصفوفات البوابات القابلة للبرمجة (FPGA) التي دعمت إحداث تحوّل جوهري في تصميم الدوائر الإلكترونية وأنظمة الحوسبة المتقدمة. وعمل أيضاً على تطوير هيكلية المسارات (Routing Architecture) المستخدمة اليوم في تصميم التطبيقات الإلكترونية المعتمدة على الشرائح الذكية.

وقاد البروفيسور الجمل تطوير مستشعرات الصور CMOS التي تُعد التقنية الأساسية في العديد من كاميرات الهواتف الذكية والأجهزة الرقمية. كما أدّت أبحاثه وابتكاراته دوراً مهماً في تطوير التقنيات الداعمة لنظم الحوسبة والحساسات الرقمية والاتصال.

وقد نشر البروفيسور عباس الجمل أكثر من 230 ورقة بحثية، ولديه مؤلفات علمية مؤثرة، من أبرزها كتابه «نظرية معلومات الشبكات» الصادر عن دار نشر جامعة كامبريدج، والذي يُعد مرجعاً لطلبة الهندسة والتكنولوجيا حول العالم.

وخطّ البروفيسور عباس الجمل، من مصر، مسيرة أكاديمية ومهنية حافلة تلهم أجيالاً من الشباب والدارسين والمهندسين والمخترعين العرب. فقد حصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف من جامعة القاهرة عام 1972، ودرجة الماجستير في الإحصاء ثم الدكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة ستانفورد عام 1978.

أخبار ذات صلة محمد بن راشد يعلن الفائز بجائزة نوابغ العرب عن فئة الهندسة والتكنولوجيا لعام 2025 رئيس الدولة ونائباه يعزون خادم الحرمين في وفاة والدة الأمير مشعل بن بدر

وأصبح مديراً لمختبر نظم المعلومات في جامعة ستانفورد من عام 2003 إلى عام 2012، ثم رئيساً لقسم الهندسة الكهربائية فيها من عام 2012 إلى عام 2017. وكانت مساهماته البحثية في نظرية معلومات الشبكة، ووحدات FPGA، وأجهزة وأنظمة التصوير الرقمي. وهو يحمل 35 براءة اختراع في نظم الشبكات ومصفوفات البوابات القابلة للبرمجة وأجهزة وأنظمة التصوير الرقمي.

والبروفيسور عباس الجمل عضو في الأكاديمية الوطنية الأميركية للهندسة، وزميل في معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE)، الذي يُعد أكبر هيئة مهنية تقنية عالمياً. كما شارك في تأسيس العديد من الشركات الناشئة في مجال أشباه الموصلات والتكنولوجيا الحيوية، وكان عضواً في مجالس إدارتها ومجالسها الاستشارية.

وأجرى معالي محمد بن عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، رئيس اللجنة العليا لمبادرة «نوابغ العرب»، اتصالاً مرئياً بالبروفيسور عباس الجمل أبلغه خلاله بفوزه بجائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة الهندسة والتكنولوجيا، مشيداً بالإنجازات العلمية والبحثية والابتكارات التقنية والاختراعات العملية التي قادها وأحدثت نقلة نوعية في حياة الأفراد والمجتمعات وتسهيل التواصل البشري والتعلّم الآلي والتحوّل الرقمي في مختلف القطاعات الحيوية.

وقال معالي محمد القرقاوي، إن إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، لجائزة «نوابغ العرب» أكّد لكل المبدعين والعقول في العالم العربي أنهم يحظون بالتقدير الذي يستحقونه، وبالاحتفاء الذي يليق بدورهم الريادي، فهم صُنّاع التقدم ونماذج تُترجم طموحات الأمة نحو مستقبل أكثر إشراقاً.

وأضاف أن تمكين المبدعين والاحتفاء بهم كقدوات يمثل ركيزة أساسية في جهود استئناف الحضارة العربية، مؤكداً أن تكريم البروفيسور عباس الجمل والمبدعين أمثاله ضمن جائزة «نوابغ العرب» هو حق لهم وواجب على كل من يدرك قيمة ما قدموه ويقدمونه لتعود المنطقة العربية إلى سابق عهدها كمساهم فاعل في تطوّر الاختراعات الهندسية والابتكارات التقنية وتقدّم المعارف والعلوم البشرية.

وترأّس لجنة الهندسة والتكنولوجيا في جائزة «نوابغ العرب» للعام 2025 معالي سارة بنت يوسف الأميري وزيرة التربية والتعليم، وضمّت في عضويتها كلاً من الدكتور عارف سلطان الحمادي، نائب الرئيس التنفيذي لجامعة خليفة، والدكتور محمد قاسم عميد أكاديمية دبي للمستقبل، والبروفيسور إسماعيل الحنطي مدير جامعة الحسين التقنية، وعادل درويش المدير الإقليمي للاتحاد الدولي للاتصالات.

وتشكّل مبادرة «نوابغ العرب»، الأكبر من نوعها عربياً، والتي أصبحت تعد بمثابة «نوبل العرب»، منارة لأجيال المستقبل لأنها تقدم لهم نماذج ملهمة يتطلعون إليها ويحذون حذوها لاستئناف الدور التاريخي المؤثر للعالم العربي في الحضارة الإنسانية.

وتمثّل «نوابغ العرب» في دورتها الثالثة على التوالي منصة عربية رائدة تسلط الضوء على إبداعات العقول العربية الفذة وتمنحهم أرفع تقدير عربي في تخصصات نوعية ذات أهمية حيوية لتحفيز الإنتاج العلمي والمعرفي والثقافي والإبداعي وتسريع وتيرة التنمية في العالم العربي.

كما تسهم «نوابغ العرب»، من موقعها كمشروع استراتيجي لبناء الإنسان العربي الذي يُعد الركيزة لبناء الأوطان، في تشجيع الهجرة العكسية للعقول العربية، وتحفيز الأجيال الشابة للعمل في مجتمعاتها وأوطانها على تحويل طموحاتها إلى واقع يصل أثره الإيجابي إلى أبعد مدى.

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • الوجه الآخر لسيول العراق.. بحيرة حمرين تنتعش والطيور المهاجرة تعود إليها
  • معركة العقول: كيف تسيطر إسرائيل على السردية العالمية؟
  • أبرز الملفات المطروحة باجتماع اللجان الوطنية العربية للقانون الدولي الإنساني
  • محمد بن راشد يعلن فوز عالم مصري بجائزة نوابغ العرب
  • رئيس غرفة التجارة العربية الفرنسية: المياه والبيئة في صميم الأزمات والفرص بالعالم العربي
  • المصري عباس الجمل يفوز بجائزة نوابغ العرب عن فئة الهندسة والتكنولوجيا لعام 2025
  • محمد شبانة يكشف أبرز تعديلات قانون نقابة المهن الرياضية
  • محمد بن راشد يهنئ البروفيسور عبّاس الجمل لفوزه بجائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة الهندسة والتكنولوجيا
  • وجهة سياحية متميزة.. تونس عاصمة للسياحة العربية 2027
  • محمد بن راشد يعلن الفائز بجائزة نوابغ العرب عن فئة الهندسة والتكنولوجيا لعام 2025