اعتبر النائب عماد الحوت في الندوة التي نظمتها الجماعة الإسلامية في صيدا  في "ذكرى تحرير صيدا من الاحتلال الاسرائيلي في العام ١٩٨٥" أن "تحرير صيدا عام 1985 شكَّل انتصارًا للإرادة اللبنانية في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو محطة رئيسية في النضال الوطني. في ذكرى هذا الحدث، يُطرح واقع لبنان اليوم بمواجهة تحديات كبرى تستدعي استراتيجيات شاملة.

التحدي الأول: مواجهة العدو الإسرائيليفلبنان يواجه تهديدات إسرائيلية متزايدة،وحتى نفهم مواجهة العدو فهماً صحيحاً فلا بد أن نفهم استراتيجيات العدو المركبة وطبيعته العدوانية:مناورات عسكرية في قبرص تحاكي حرباً على لبنان قبل خمسة أشهر من طوفان الأقصى.وقوف رئيس وزراء العدو على منبر الأمم المتحدة قبل شهر من طوفان الأقصى ليتكلم عن خارطة إسرائيل الكبرى التي تشمل جزءاً كبيراً من لبنان، وخارطة الطريق التجاري من الهند الى ميناء حيفا وما ينتج عنه من إنهاء لدور مرفأ بيروت استخدم أدوات إعلامية وثقافية للتأثير على الهوية الوطنية وزرع الإحباط بين المواطنين. محاولة زرع الفتن لخلق بيئة مضطربة تمنع وحدة الموقف اللبناني تجاه العدو. لذلك نحن بحاجة الى تطوير مفهوم المقاومة والانتقال الى استراتيجية المقاومة لتشمل جوانب متعددة:بناء مجتمع القيم المتماسك والمتفاعل مع القضية، بناء الوعي إعلامياً وثقافياً حول حقيقة المخاطر التي تواجه لبنان، بناء اقتصاد مزدهر ومستقر يؤمن رفاهية المواطن ويزيد من قدرته في الصمود، تعزيز الوحدة الوطنية: عبر نشر الوعي بخطورة الانقسامات الطائفية والسياسية التي يستغلها المحتل، بناء دولة عادلة تقوم على النزاهة وتأمين الحقوق وصاحبة استراتيجية دفاعية لمواجهة العدو".

أضاف:" التحدي الثاني: الأزمة الاقتصادية، لبنان يواجه أزمة عميقة بدأت قبل ٢٠١٩ وتسارعت بعدها، واسبابها متعددة ومتشابكة:أسباب محلية مرتبطة بسوء الإدارة والفساد والمحاصصة.أسباب مرتبطة بالواقع السوري بعد ٢٠١١ (تهريب عملة ودواء وغيره وتحمل لبنان عملياً عبء اقتصادين، حصار مالي أمريكي مرتبط بقانون قيصر لحصار النظام السوري مالياً.انكفاء عربي لاعتبارهم لبنان شريان حياة النظام السوري بسبب القوى اللبنانية الحليفة للنظام.  الأسباب الثلاثة الأخيرة تغيرت بسبب سقوط النظام: تراجع التهريب وإقفال الإدارة السورية الجديدة المعابر غير الشرعية من الجانب السوري، تخفيف أمريكي للقيود المالية على سوريا، عودة لبنان للحضن العربي. يبقى السبب الأول وهو الأصعب وتحدي الإصلاحات ومحاربة الفساد وهو واجب الوقت، بالغضافة الى تعزيز الثقة والتعاون مع الدول العربية".

تابع:" التحدي الثالث: بناء الاستقرار وإصلاح المؤسسات، لبنان يعيش مجموعة أزمات مركّبة: أزمة ثقة بين اللبنانيين تحتاج معالجة حكيمة وبناء هوية وطنية جامعة. أزمة ثقة بين المواطن والسلطة تستدعي أداءً جديداً من الحكومة.أزمة اقتصادية متشعبة تستدعي إجراءات إصلاحية واستعادة للثقة وإعادة أموال المودعين. معالجة آثار العدوان الإسرائيلي الأخير وتنفيذ القرار 1701 ونحن أمام عهدٍ جديد وحكومة جديدة حملت عملية تشكيلها مجموعة من الإيجابيات مثل وجود كفاءات عالية، وكسر عرف الثلث المعطّل، ولكن بالمقابل شابها مجموعة من السلبيات مثل الإبقاء على حصرية عدد من الوزارات، ومعايير تم التعامل معها باستنسابية. واليوم وقد ولدت الحكومة فينتظرها مجموعة من المهام ابرزها: تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، إعادة الإعمار، إرجاع أموال المودعين، إعادة هيكلة القطاع العام، تصحيح الرواتب والأجور، إدارة الانتخابات بحيادية وشفافية".

اضاف:" التحدي الرابع: تحدي الانتقال من هيمنة محور الى هيمنة محور آخر. واحدة من اشكاليات ممارسات المحور الايراني أنه انشغل في مواجهة شعوب المنطقة فوقف مع النظام السوري في جرائمه، وشكّل في العراق حكومة بالتنسيق مع الامريكي وادخل الشعب العراقي في متاهات صراعات طائفية، وأدخل الشعب اليمني في متاهة الصراع على السلطة، ومارس التعطيل والهيمنة على القرار في لبنان من خلال فائض القوة.هذا كله منع شعوب المنطقة من التفاعل مع قضاياها الأساسية كقضية فلسطين نتيجة انشغالها بمشاكلها المحلية. بالمقابل، فإن المشروع الأمريكي منحاز بالكامل للعدو الإسرائيلي ويعمل على وقع تأمين مصالحه وحماية أمنه وهذا يستدعي:بناء الوعي في رفض كل أشكال التطبيع مع العدو، سياسة وطنية متوازنة تحفظ مصلحة لبنان.تحصين القرار السياسي اللبناني من التدخلات الخارجية. بناء علاقات دولية متعددة بحيث لا يكون لبنان رهينة لمحور معين بل يعتمد سياسة انفتاح متوازنة. صمود غزة في وجه العدوان شكل نموذجاً حقيقياً لمقاومة للاحتلال، حيث استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تواجه آلة الحرب الإسرائيلية والتحالف الدولي الداعم بقدرات محدودة ولكن بإيمان عميق وإرادة صلبة ومجتمع داعم، وساهم في إعادة تشكيل الوعي الشعبي بأن الاحتلال، مهما امتلك من قوة، لا يمكنه القضاء على إرادة الشعوب الحرة".

ختم:"نحن اليوم أمام تحديات جديدة تتطلب وعياً عميقاً واستراتيجيات فعالة لمواجهتها. المقاومة لم تعد فقط عملاً عسكرياً، بل أصبحت منظومة متكاملة تشمل الاقتصاد، الثقافة، والسياسة. ومن أجل لبنان المستقبل القادر على مواكبة معركة تحرير المسجد الأقصى، علينا أن نتّحد  على رؤية وطنية تستند إلى الاستقلال الحقيقي، بناء المؤسسات، تحقيق الاستقرار، والاستراتيجية الدفاعية للدولة"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

استراتيجيات الموارد البشرية لمواجهة الأزمات

 

 

 

 

د. سعيد الدرمكي

 

في ظل ما يشهده الشرق الأوسط من صراعات مُتكررة، لم تعد الأزمات مجرد حالات طارئة، بل أصبحت واقعًا دائمًا تتعامل معه المؤسسات بشكل  مستمر ويومي. ومن أبرز هذه التوترات، الصراع المتصاعد بين إيران وإسرائيل، الذي يُلقي بظلاله الثقيلة على أمن واستقرار المنطقة، لا سيما في دول الخليج العربي. هذه الأزمات لا تقتصر على الجانب الجيوسياسي فحسب، بل تتغلغل في حياة العاملين، لتنعكس على الاستقرار النفسي، والولاء الوظيفي، وحتى على قراراتهم المتعلقة بالبقاء أو مُغادرة مواقعهم.

في خضم هذه التحديات، يبرز دور إدارات الموارد البشرية لتكون خط الدفاع الأول، ليس بصفتها جهة تنفيذية فحسب، بل كعنصر استراتيجي يعزز التماسك المؤسسي، ويدير المشهد البشري بإدراك يتجاوز المعادلات التقليدية. فهي مطالبة اليوم بتوفير بيئة عمل داعمة نفسيًا، وتطبيق سياسات مرنة وسريعة الاستجابة تراعي ظروف العاملين، وتُبقي المؤسسة متماسكة رغم الضغوط الخارجية.

حين تتزلزل المعادلات الجيوسياسية، لا يبقى العامل في منأى خلف جدران المكتب. تتسرب أصداء الأزمات إلى مساحات العمل، وتتحول التحديات النفسية إلى عنصرٍ مؤثرٍ في الأداء والإنتاجية. الأثر الإنساني للصراعات يتجاوز الخسائر الاقتصادية، ليمس استقرار الإنسان نفسه، ويخلق بيئة عمل مشحونة بالقلق والخوف، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاج، وضعف الروح المعنوية، وربما فقدان بعض الكفاءات التي تسعى إلى أماكن أكثر أمانًا.

من هنا، يتوجب على إدارات الموارد البشرية الانتقال من نمط الإدارة التقليدية إلى نموذج القيادة الاستراتيجية. ويتضمن ذلك تفعيل خطط الطوارئ، وتشكيل فرق استجابة سريعة، وتوفير الدعم النفسي والمشورة المتخصصة، إلى جانب تطوير سياسات للعمل عن بُعد أو إعادة توزيع القوى العاملة في مواقع أقل تأثرًا لضمان استمرارية العمل. كما يشمل الدور التنسيق مع الجهات الحكومية المعنية لضمان الامتثال والتأمين المهني.

يُعد الاتصال الفعّال في مثل هذه الظروف المشحونة عنصرًا جوهريًا، إذ يسهم في بناء الثقة وطمأنة العاملين. وتلعب إدارات الموارد البشرية دورًا محوريًا في إصدار تحديثات دورية وشفافة حول الأوضاع، وتفنيد الشائعات من خلال تقديم معلومات دقيقة وموثوقة، فضلًا عن إنشاء قنوات تواصل مباشرة، كالمراكز الداخلية للاتصال أو الفرق المتخصصة بإدارة التواصل في حالات الطوارئ.

ولضمان استمرارية العمليات بكفاءة عالية، يجب أن تتبنى الموارد البشرية سياسات بديلة مرنة، بما يشمل تفعيل خطط التعاقب الوظيفي، وتحديث أنظمة العمل والدوام، مثل العمل الهجين أو بنظام المناوبات، بما يتماشى مع الظروف الطارئة. كذلك، من الضروري الالتزام بالقوانين المحلية إلى جانب السياسات الداخلية لضمان الحقوق والامتثال.

وقد أثبتت التجارب الحديثة، مثل جائحة كوفيد-19، والتوترات الإقليمية خلال عامي 2023 و2024، أن الجاهزية النفسية للعامل لا تقل أهمية عن الجاهزية المهنية. فقد لاحظت مؤسسات عديدة تراجعًا في الولاء والاستقرار، ما استدعى اعتماد برامج للدعم النفسي، وتقديم مرونة في الحضور والانصراف، مما ساعد في تجاوز الأزمة بأقل الأضرار.

في ظل هذه التحديات، يُصبح الحفاظ على الكفاءات أولوية ملحة. ويمكن أن تقدم الموارد البشرية حلولًا مرنة، مثل الإجازات الاستثنائية، وخيارات العمل المرن، وبيئة تواصل إنسانية. كما يمكن عند توفر الإمكانات صرف حوافز رمزية أو علاوات خطر للموظفين في الخطوط الأمامية، ما يعزز الشعور بالتقدير والانتماء.

وما ينبغي التأكيد عليه هو ضرورة عدم الاكتفاء بالنظر إلى الأزمات كعنصر تهديد، بل يجب التعامل معها كفرصة استراتيجية. ففي مثل هذه الأوقات، تستطيع إدارات الموارد البشرية أن تثبت جدارتها كشريك في صياغة القرار، وبناء ثقافة مؤسسية مرنة قادرة على التكيف والاستجابة، إضافة إلى تطوير خطط استباقية لإدارة المخاطر البشرية، تعزز من جاهزية المؤسسة على المدى الطويل.

في نهاية المطاف، يتجلى دور إدارات الموارد البشرية في شخصية القائد الهادئ الذي يوجّه دفة المؤسسة وسط العواصف، واضعًا الإنسان في صميم اهتمامه، قبل الإنتاج، وقبل الأرباح. وهكذا، تتحول من وظيفة دعم إلى ركيزة استراتيجية، تصون رأس المال البشري، وتحفظ استقرار المؤسسة في زمن الاضطراب.

لذلك، تُعد الجاهزية المؤسسية مسؤولية إدارات الموارد البشرية في المقام الأول، عبر تشكيل فرق تدخل سريعة، وتفعيل برامج الدعم النفسي والتوعية، وإعادة توزيع الأدوار الحرجة، والتعاون المستمر مع الجهات الرسمية، بما يضمن بيئة عمل مرنة، متماسكة، ومستعدة لمواجهة أي أزمة مستقبلية.

إدارات الموارد البشرية اليوم ليست رفاهًا تنظيميًا، بل صمّام أمان استراتيجي لضمان بقاء المؤسسات واستقرار مجتمعات العمل في زمن الاضطراب.

 

مقالات مشابهة

  • بعد وقف إطلاق النار.. ترامب: تغيير النظام في إيران سيخلق فوضى ولا أريد حدوثه
  • الحرس الثوري يعلن استشهاد مجموعة من الإيرانيين في هجوم وحشي لجيش الاحتلال
  • شحادة عرض مع وفد من المديرين العامين تحديات العاملين في الإدارات العامة
  • القومي للنظام السوري الجديد: لمراجعة فكر الدولة وتطهيرها من عناصر التكفير
  • استراتيجيات الموارد البشرية لمواجهة الأزمات
  • واشنطن لطهران: لا نسعى لتغيير النظام والضربة كانت رسالة ردع
  • في محاولة واضحة لاحتواء التصعيد.. “واشنطن” تبلغ “طهران” بأنه لا نية لديها لتغيير النظام الإيراني أوالدخول في حرب شاملة
  • ما الأسلحة التي يواجه مخزونها خطرا في إسرائيل؟
  • ضربة إسرائيل القوية التي وحّدت إيران
  • الأحرار الفلسطينية تحذر من جر الكيان الصهيوني المنطقة إلى كارثة كبرى