الحُكم الذاتي لكُرد سوريا بانت ملامحه: السياسة والضغوط الأمريكية ستفرض نفسها في النهاية
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
بغداد اليوم - كردستان
رغم عدم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سياسة واضحة تجاه الأكراد في العراق وسوريا، إلا أن المعطيات الإقليمية والدولية تكشف عن توجهات غير مباشرة تُشكِّل مواقف واشنطن. في هذا السياق، يرى الباحث في الشأن السياسي، علي باخ، أن السياسة الأمريكية تتأرجح بين الحفاظ على المصالح الاستراتيجية والضغوط الإقليمية، مما يجعل الموقف الأمريكي تجاه الأكراد غير مستقر لكنه محكوم باعتبارات أوسع.
الملف الكردي في العراق: استقرار نسبي وتحديات مستمرة
يؤكد باخ في حديثه لـ"بغداد اليوم"، أن الوضع الكردي في العراق يتمتع باستقرار نسبي بفضل التسوية الدستورية لعام 2005، التي منحت إقليم كردستان حكمًا ذاتيًا، إلا أن التوترات لم تختفِ، خاصة في ما يتعلق بالمادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها مثل كركوك، إضافة إلى الخلافات حول توزيع الموارد ورواتب الموظفين والعلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة، رغم علاقتها القوية مع القيادة الكردية في أربيل، لا تتدخل مباشرة لحسم هذه الخلافات، بل تفضل لعب دور الوسيط عند الضرورة للحفاظ على التوازن بين بغداد وأربيل، دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في المشهد السياسي.
الموقف الأمريكي من الأكراد في سوريا: حسابات معقدة
أما في سوريا، فيرى باخ أن واشنطن تتعامل بحذر مع الملف الكردي، حيث تسعى لتحقيق توازن بين دعم "قوات سوريا الديمقراطية" التي كانت شريكًا رئيسيًا في محاربة تنظيم داعش، وبين تجنب استفزاز تركيا، التي تعتبر أي كيان كردي تهديدًا لأمنها القومي.
ويضيف أن تركيا تسعى إلى فرض واقع جديد في سوريا يخدم أهدافها الاستراتيجية، وأهمها:
1. تحجيم الدور الكردي ومنع أي كيان سياسي كردي مستقل.
2. منع توسع النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة.
3. تعزيز وجودها العسكري عبر ترسيم الحدود البحرية وإضفاء الشرعية على تدخلها في الشمال السوري.
ويؤكد أن إدارة ترامب، كالإدارات السابقة، لا ترغب في منح تركيا نفوذًا كبيرًا في سوريا، لكنها في الوقت نفسه لا تقدم دعمًا كافيًا للأكراد لتأسيس حكم ذاتي معترف به دوليًا.
التحالفات الإقليمية وتأثيرها على الملف الكردي
يشير باخ إلى أن هناك تحولًا في الموقف الإقليمي تجاه الأكراد، حيث بدأت دول مثل إسرائيل، الأردن، ومصر ترى في وجود كيان كردي في سوريا عامل توازن ضد النفوذ التركي وانتشار الجماعات الجهادية. وحتى إيران، التي كانت تعارض سابقًا أي مشروع كردي مستقل، بدأت تتبنى مقاربة مختلفة، حيث قد يخدم هذا الكيان بعض مصالحها في مواجهة النفوذ التركي المتزايد.
التحولات الكردية: من التحالفات إلى الواقعية السياسية
سابقا ونتيجة لتغير موازين القوى، اضطرت القوات الكردية في سوريا إلى التعاون مع روسيا والنظام السوري، خاصة مع الحديث عن انسحاب أمريكي محتمل أو تخفيض الدعم الغربي. ويرى باخ أن التغيير السياسي في دمشق، مع تولي أحمد الشرع الرئاسة، دفع الأكراد إلى إعادة تقييم خياراتهم، رغم استمرار التعقيدات المرتبطة بالتفاوض حول الحكم الذاتي ورفض دمشق منحهم صلاحيات واسعة.
نحو استنساخ النموذج العراقي في سوريا
يرى باخ أن هناك احتمالًا لتكرار تجربة الحكم الذاتي في العراق داخل سوريا، بحيث يتم منح الأكراد حكمًا ذاتيًا محدودًا ضمن إطار دستوري يضمن وحدة البلاد دون تقسيم. وقد تلقى الأكراد السوريون نصائح من أربيل بضرورة تبني خطاب وطني بعيد عن ارتباطات حزب العمال الكردستاني لضمان قبول إقليمي ودولي.
لكن باخ يحذر من أن تركيا ترفض أي كيان كردي مستقل، مما قد يؤدي إلى تصعيد مشابه لـ "عملية نبع السلام" عام 2019 إذا لم تتم إدارة المفاوضات بحذر.
معادلة واشنطن
رغم عدم وضوح السياسة الأمريكية المعلنة تجاه الأكراد، يبدو أن واشنطن تراهن على إبقاء التوازن بين دعم الأكراد لمكافحة الإرهاب، وطمأنة حلفائها الإقليميين، خاصة تركيا. في ظل هذه المعادلة، لا يُتوقع تغيير جذري في موقف الإدارة الأمريكية، إلا إذا فرضت التطورات الميدانية واقعًا جديدًا يستدعي إعادة تقييم الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: فی العراق فی سوریا
إقرأ أيضاً:
حفل قرعة كأس العالم بين السياسة والرياضة
فى حفل افتتاح استثنائى مختلف عن كل ما سبقه، وهى لحظة تحول فيها حفل الافتتاح إلى عرض سياسى مكشوف. لم يكن منح إنفانتينو لترامب «جائزة الفيفا للسلام» مجرد مجاملة بروتوكولية، بل خطوة محسوبة بعناية، تشبع رغبة ترامب فى لقب دولى يلوح به، بعدما استعصى عليه «نوبل». الفيفا هنا لا تبدو جهة رياضية بقدر ما تبدو مؤسسة تمارس سياسة ناعمة بذكاء شديد.
المشهد ازداد وضوحاً حين ظهر قادة الولايات المتحدة والمكسيك وكندا فى مراسم سحب القرعة. وكان ذلك أشبه بإعلان جماعى بأن البطولة صارت منصة نفوذ، لا حدثاً رياضياً فقط. ثلاث دول أرادت أن تقول: نحن هنا، نصنع الحدث ونعيد رسم صورنا أمام العالم عبر كرة القدم. وهذا التعمد الفج يكشف أن الرياضة أصبحت أداة سياسية من الدرجة الأولى، وأن خطوط الفصل القديمة بين اللعب والسلطة تم محوها تماماً.
وسط هذا كله، يدخل المنتخب المصرى إلى دائرة ضوء لا يرحم، لكنه ضوء مشوه؛ ضوء يصنعه الداخل قبل الخارج. فمنذ سنوات، اعتدنا على حملات تسبق كل بطولة، الهدف منها ليس النقد ولا الإصلاح، بل خلق حالة من التوتر تضرب الجهاز الفنى فى أساسه. تبدأ الحملة دائماً بالجملة السخيفة نفسها: «مجموعة سهلة». جملة تطلق عمداً لرفع سقف التوقعات إلى حد غير معقول، حتى يصبح أى تعثر – ولو تعثر طبيعى جداً فى كرة القدم – جريمة تستحق العقاب.
إنها لعبة نفسية مكشوفة: يعلنون أن الطريق مفروش بالورد، ثم يستعدون لنصب المشانق عند أول خطوة غير كاملة. يعرفون جيداً أن التصفيات ليست نزهة، لكنهم لا يريدون الحقيقة… يريدون فقط جمهوراً مستفزاً جاهزاً للانفجار. رأينا ذلك بوضوح رغم أن المنتخب فاز فى جميع مبارياته وتعادل فى واحدة، ومع ذلك جرى التعامل مع التصفيات كما لو كانت كارثة فنية. لأن الهدف لم يكن الأداء… بل خلق أزمة.
هذا المناخ نفسه يتكرر فى بطولة إفريقيا. التشكيك المسبق فى المنتخب ليس تحليلاً، بل هو مزاج هابط يتغذى على الإحباط. صحيح أن المنافسة صعبة، وأن المغرب على أرضه يمنح نفسه قوة هائلة، خصوصاً بوجود فوزى لقجع، أحد أقوى الأسماء فى الكواليس الكروية العالمية. لكن تحويل البطولة إلى «مهمة مستحيلة» قبل أن تبدأ هو استسهال فكرى وكسل تحليلى. كرة القدم لا تحسم بالتصريحات، بل بالمباراة. وحسام حسن أثبت مراراً أنه قادر على قلب الترشيحات مهما كانت ظالمة أو متحيزة.
لكن كيف يعمل جهاز فنى وسط حالة من الشك الدائم، وسط جمهور جرى دفعه عمداً إلى اليأس؟ كيف يبنى هوية تكتيكية جديدة فى ظل نيران لا تنطفئ، وتشويه مقصود يسبق كل خطوة؟ لاعبو مصر (إلا قليلا) ليس بالقوة من الأساس التى تمكنهم من الصمود فى الاختبارات القاسية لأسباب واضحة يعرفها كل صاحب عين.. لعدة أسباب، ولذلك علينا إصلاح هذه الثغرات، لا تحويلها إلى سلاح لجلد الفريق قبل أن يلمس الكرة.
ما حدث فى افتتاح المونديال يثبت أن العالم كله يستخدم كرة القدم لتحقيق مصالح سياسية. وفى المقابل، ما يحدث داخل مصر يثبت أننا نستخدمها أحياناً لتحقيق خصومات صغيرة وتصفية حسابات تافهة. إن الفرق كبير جداً. العالم يلعب سياسة كبرى.. ونحن نلعب ضجيجاً.
المنتخب لن ينجح بالصوت العالى ولا بالسخرية ولا بالكمائن النفسية. النجاح يأتى من العمل، والعمل يحتاج إلى هدوء. ومن حق الجمهور أن يطمح، ومن حق الإعلام أن ينتقد، لكن ليس من حق أحد أن يصنع أجواء هدامة تجعل الفريق يدخل الملعب وهو محاصر قبل أن يبدأ.
أخيراً.. كرة القدم جزء من معادلة أكبر مما شهده العالم فى حفل الافتتاح
وفى ظل هذا التعقيد، يصبح الحفاظ على استقرار المنتخب مسئولية مشتركة بين الإعلام والجمهور وكل الأطراف ذات الصلة، فبالرغم من أن وحده الأداء فى الملعب قادر على حسم الجدل، ولكن توفير بيئة هادئة هو ما يهيئ لهذا الأداء أن يظهر بأفضل صورة.
والتاريخ علمنا: الرجال تعرف عند الشدائد.. والمنتخب لن يهزم بالضوضاء.
mndiab@hotmail. com