بغداد اليوم -  كردستان

رغم عدم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سياسة واضحة تجاه الأكراد في العراق وسوريا، إلا أن المعطيات الإقليمية والدولية تكشف عن توجهات غير مباشرة تُشكِّل مواقف واشنطن. في هذا السياق، يرى الباحث في الشأن السياسي، علي باخ، أن السياسة الأمريكية تتأرجح بين الحفاظ على المصالح الاستراتيجية والضغوط الإقليمية، مما يجعل الموقف الأمريكي تجاه الأكراد غير مستقر لكنه محكوم باعتبارات أوسع.


الملف الكردي في العراق: استقرار نسبي وتحديات مستمرة

يؤكد باخ في حديثه لـ"بغداد اليوم"، أن الوضع الكردي في العراق يتمتع باستقرار نسبي بفضل التسوية الدستورية لعام 2005، التي منحت إقليم كردستان حكمًا ذاتيًا، إلا أن التوترات لم تختفِ، خاصة في ما يتعلق بالمادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها مثل كركوك، إضافة إلى الخلافات حول توزيع الموارد ورواتب الموظفين والعلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم.

ويشير إلى أن الولايات المتحدة، رغم علاقتها القوية مع القيادة الكردية في أربيل، لا تتدخل مباشرة لحسم هذه الخلافات، بل تفضل لعب دور الوسيط عند الضرورة للحفاظ على التوازن بين بغداد وأربيل، دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في المشهد السياسي.


الموقف الأمريكي من الأكراد في سوريا: حسابات معقدة

أما في سوريا، فيرى باخ أن واشنطن تتعامل بحذر مع الملف الكردي، حيث تسعى لتحقيق توازن بين دعم "قوات سوريا الديمقراطية" التي كانت شريكًا رئيسيًا في محاربة تنظيم داعش، وبين تجنب استفزاز تركيا، التي تعتبر أي كيان كردي تهديدًا لأمنها القومي.

ويضيف أن تركيا تسعى إلى فرض واقع جديد في سوريا يخدم أهدافها الاستراتيجية، وأهمها:

1. تحجيم الدور الكردي ومنع أي كيان سياسي كردي مستقل.

2. منع توسع النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة.

3. تعزيز وجودها العسكري عبر ترسيم الحدود البحرية وإضفاء الشرعية على تدخلها في الشمال السوري.

ويؤكد أن إدارة ترامب، كالإدارات السابقة، لا ترغب في منح تركيا نفوذًا كبيرًا في سوريا، لكنها في الوقت نفسه لا تقدم دعمًا كافيًا للأكراد لتأسيس حكم ذاتي معترف به دوليًا.


التحالفات الإقليمية وتأثيرها على الملف الكردي

يشير باخ إلى أن هناك تحولًا في الموقف الإقليمي تجاه الأكراد، حيث بدأت دول مثل إسرائيل، الأردن، ومصر ترى في وجود كيان كردي في سوريا عامل توازن ضد النفوذ التركي وانتشار الجماعات الجهادية. وحتى إيران، التي كانت تعارض سابقًا أي مشروع كردي مستقل، بدأت تتبنى مقاربة مختلفة، حيث قد يخدم هذا الكيان بعض مصالحها في مواجهة النفوذ التركي المتزايد.


التحولات الكردية: من التحالفات إلى الواقعية السياسية

سابقا ونتيجة لتغير موازين القوى، اضطرت القوات الكردية في سوريا إلى التعاون مع روسيا والنظام السوري، خاصة مع الحديث عن انسحاب أمريكي محتمل أو تخفيض الدعم الغربي. ويرى باخ أن التغيير السياسي في دمشق، مع تولي أحمد الشرع الرئاسة، دفع الأكراد إلى إعادة تقييم خياراتهم، رغم استمرار التعقيدات المرتبطة بالتفاوض حول الحكم الذاتي ورفض دمشق منحهم صلاحيات واسعة.


نحو استنساخ النموذج العراقي في سوريا

يرى باخ أن هناك احتمالًا لتكرار تجربة الحكم الذاتي في العراق داخل سوريا، بحيث يتم منح الأكراد حكمًا ذاتيًا محدودًا ضمن إطار دستوري يضمن وحدة البلاد دون تقسيم. وقد تلقى الأكراد السوريون نصائح من أربيل بضرورة تبني خطاب وطني بعيد عن ارتباطات حزب العمال الكردستاني لضمان قبول إقليمي ودولي.

لكن باخ يحذر من أن تركيا ترفض أي كيان كردي مستقل، مما قد يؤدي إلى تصعيد مشابه لـ "عملية نبع السلام" عام 2019 إذا لم تتم إدارة المفاوضات بحذر.


معادلة واشنطن

رغم عدم وضوح السياسة الأمريكية المعلنة تجاه الأكراد، يبدو أن واشنطن تراهن على إبقاء التوازن بين دعم الأكراد لمكافحة الإرهاب، وطمأنة حلفائها الإقليميين، خاصة تركيا. في ظل هذه المعادلة، لا يُتوقع تغيير جذري في موقف الإدارة الأمريكية، إلا إذا فرضت التطورات الميدانية واقعًا جديدًا يستدعي إعادة تقييم الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.


المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: فی العراق فی سوریا

إقرأ أيضاً:

بين الانسحاب الأمريكي والتهديد الروسي.. هل أوروبا مستعدة للدفاع عن نفسها؟

واشنطن "د. ب. أ": يحتاج أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأوروبيون إلى عقيدة دفاعية لضمان سلامة القارة من التهديدات الروسية بشكل مستقل، هذا ما يراه بنيامين جيلتنر محلل السياسات في مجال الدفاع والسياسة الخارجية بمعهد كاتو، والذي يركز على قضايا الاستراتيجية العسكرية الأمريكية والسياسة الخارجية والتنافس بين القوى العظمى والأسلحة النووية والردع.

وأشار جيلتنر في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، إلى أنه في نهاية الشهر الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الرومانية أن نحو 700 جندي أمريكي سينسحبون من حدودها.

ورغم أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي أعربوا عن قلقهم إزاء هذا الانسحاب، فإن عدد الجنود ضئيل في ميزان القوى بين الناتو وروسيا في القارة الأوروبية. ومع ذلك، حتى لو سحبت الولايات المتحدة جميع قواتها البرية من أوروبا، فإن الدول الأوروبية تمتلك قدرات كافية لردع أي غزو بري روسي وأكد أنه يجب عليها أن تمتلك تلك القدرات. وتعيد أوروبا اكتشاف حقيقة السياسة الدولية، وأن الإدارة الفعالة للدولة سوف تتطلب قيامها ببذل جهود خاصة لردع العدوان الروسي.

ما الذي ينبغي عليها فعله لردع روسيا؟

فعلى الرغم من أن الحرب في أوكرانيا كشفت عن نقاط ضعف روسيا، نجد التاريخ حافل بحالات تعلمت فيها جيوش مهزومة من أخطائها وأعادت بناء نفسها لتصبح قوات قتالية تتمتع بقوة أكبر. وقال جيلتنر إنه أولا وقبل كل شيء، يجب على الدول الأوروبية تحديد أهدافها العسكرية. ويجب أن تشمل هذه الأهداف ردع روسيا عن مهاجمة أراضي حلف الناتو والحد من التصعيد إذا قررت روسيا القيام بذلك.

ويرى جيلتنر أنه لتحقيق هذين الهدفين، يجب على الأعضاء الأوروبيين في الناتو تحديد نوع العقيدة التي يرغبون في تطبيقها، وهي مهمة في غاية الأهمية. ينبغي على الدول الأوروبية المتحالفة تطبيق "عقيدة دفاعية"، تتضمن نشر قوات أوروبية كافية لردع ومواجهة أي إغراءات روسية للحرب. وستكون هذه العقيدة أفضل كثيرا من العقيدة البديلة وهي "عقيدة الردع"، والتي تتطلب فقط تبني قدرات عسكرية كافية لمعاقبة أي مهاجم.

وبالنسبة لأهداف أوروبا، لن يكون هذا كافيا لردع روسيا، التي أبدت استعدادها لقبول خسائر متزايدة.

الناتو يحتاج إلى اتخاذ خمس خطوات لردع روسيا

وأكد جيلتنر أنه مع وضع عقيدة دفاعية في الاعتبار، ينبغي على حلف الناتو، بقيادة أوروبية وصانعي السياسات الأمريكيين أن يتخذوا خمس خطوات لتحقيق رادع تقليدي فعال ضد روسيا لتمكين الحلفاء الأوروبيين.

أولا، ينبغي على صانعي السياسات الأمريكيين البدء في سحب قواتهم البرية من القارة، لأنه على الرغم من امتلاك الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو القدرة العسكرية لمواجهة أي عدوان روسي محتمل، لا تزالن هذه الدول تعتمد على الولايات المتحدة فيما يتعلق بأمنها. وعلى الجانب الاستراتيجي الكبير، لدى الولايات المتحدة أمور أكثر أهمية للتعامل معها، وهي مشاكلها الداخلية ونصف الكرة الغربي والصين الصاعدة. ومن خلال سحب القوات البرية الأمريكية من أوروبا، سيحفز صانعو السياسات الأمريكيون الدول الأوروبية على تولي مسؤولية أمنها بنفسها.

ثانيا، ينبغي على الدول الأوروبية زيادة إنفاقها الدفاعي. وهذا لا يعني مجرد الالتزام بتعهدات إنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي، لأن الالتزام بهذه النسب المئوية البسيطة للإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي يحد في الواقع من إنفاق أوروبا الدفاعي، حيث يحول التركيز من تحقيق احتياجات أمنية حقيقية إلى تحقيق أهداف إنفاق عشوائية. ويجب على حلف الناتو التراجع عن هذه القاعدة السخيفة في الإنفاق الدفاعي، والتركيز على أهداف تؤمن أوروبا بشكل ملموس ضد أي غزو روسي.

ثالثا، ينبغي على الدول الأوروبية المتحالفة تحسين قدرة جيوشها على التعبئة والانتشار السريع في حالة وقوع هجوم روسي. وهذا يعني تحسين بنيتها التحتية لنقل المعدات والأفراد شرقا وتدريب المزيد من القوات وتحسين قدرات القيادة والسيطرة والاتصالات وأجهزة الحاسوب والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. وإذا حاولت روسيا غزو دولة عضو في حلف الناتو، يتعين على أعضائه الأوروبيين أن يكونوا مستعدين لنشر قواتهم للقتال في أسرع وقت ممكن.

رابعا، ينبغي على أعضاء حلف الناتو الأوروبيين نشر دفاعات خفيفة في منطقة البلطيق، لأنه في ظل وجود روسيا وبيلاروس في الشرق وبحر البلطيق في الغرب، لا تمتلك دول البلطيق مساحة كافية لتمركز وحدات مدرعة ثقيلة وأسلحة في المنطقة. وبدلا من ذلك، فإن نشر دفاعات خفيفة - وحدات مشاة خفيفة ومدفعية وأسلحة مضادة للدبابات وأفخاخ وقدرات دفاع جوي - سيبطئ تقدم روسيا من خلال حرب المدن. وعلى الرغم من أن هذا ليس الخيار الأمثل لدول البلطيق، فإنه الخيار الأمثل نظرا للموقع الجغرافي للمنطقة.

نشر قدرات عسكرية لمنع الاختراق الروسي

وأخيرا، ينبغي على الدول الأوروبية الشريكة نشر قدرات عسكرية أثقل - دبابات ومركبات مشاة مدرعة وألوية مدرعة وميكانيكية وطائرات ودفاعات جوية متوسطة وطويلة المدى- في جميع أنحاء ألمانيا وبولندا. ستحقق هذه الأسلحة والوحدات العسكرية هدفين: منع اختراق روسي عميق من بيلاروس إلى بولندا، والعمل كاحتياطيات عملياتية إذا هاجمت روسيا دول البلطيق. ولتحقيق الهدفين، يتعين على حلف الناتو بقيادة أوروبية نشر هذه القوات بشكل متناسق في ألمانيا وبولندا، بحيث تكون كل منهما بمثابة جزيرة مقاومة.

ويرى جيلتنر أن تردد الأوروبيين في إعادة التسلح ضد روسيا أمر مفهوم. فالحرب واحدة من أكثر سمات الإنسانية انحطاطا، وقليل من المواطنين العاديين يرغبون في ترك عائلاتهم وأصدقائهم للمخاطرة بحياتهم من أجل الدفاع عن دولة أخرى. وهناك خوف مفهوم من أن إعادة تسليح القارة ستؤدي إلى العسكرة وعودة إلى الأنظمة القمعية والحروب التي ابتليت بها القارة في السابق.

واختتم جيلتنر تحليله بالقول إنه على الرغم من ذلك، تحتاج كل دولة إلى وسائل لحماية حريتها ومواطنيها. و لا تعني تقوية الأعضاء الأوروبيين في حلف الناتو أن أوروبا ستصبح مفتونة بالعسكرة، ولكن من خلال تطبيق هذه التدابير، سيكون من الممكن الحفاظ على السلام في بقية القارة الأوروبية.

مقالات مشابهة

  • الخط الأصفر في غزة.. والخطة الأمريكية في أوكرانيا
  • بعد عرض الحلقة السابعة.. مسلسل ورد وشوكلاتة يتصدر الترند
  • عاجل- بوتين: الخطة الأمريكية للسلام في أوكرانيا قد تشكل أساسًا لحل نهائي للصراع
  • الشكيلي: عُمان تتصدر عربيًّا في الأمن الغذائي .. ورفع الاكتفاء الذاتي لمستويات قياسية
  • بين الانسحاب الأمريكي والتهديد الروسي.. هل أوروبا مستعدة للدفاع عن نفسها؟
  • الأوروبيون يرفضون خطة أمريكية للسلام ستفرض تنازلات على أوكرانيا
  • عاجل - 190 يومًا على طريق السلام في سوريا والسودان بقيادة سمو ولي العهد
  • رئيس الوزراء يكشف لـ صدى البلد: هل تستطيع الحكومة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح؟
  • قضية كأس السوبر السعودي تقترب من النهاية
  • سايكس- بيكو يعود والمنطقة تعيد تعريف نفسها: قراءة في رسائل MEPS 2025