اعتبرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمثل تهديدا للديمقراطية في أوروبا.. موضحة أن الهجوم الذي شنه نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس على الديمقراطيات الأوروبية الأسبوع الماضي في ميونيخ، جعل الولايات المتحدة في موقع الخصم الجديد للأوروبيين، ليس فقط على الصعيدين الاقتصادي والجيوستراتيجي، ولكن على المستوى السياسي والأيديولوجي.


وأشارت "لوموند" - في افتتاحيتها اليوم /السبت/ - إلى أن رؤية نائب الرئيس الأمريكي لحرية التعبير غير المحدودة ليست سوى وسيلة للترويج لأيديولوجية يمينية متطرفة تسعى إلى استبدال سيادة القانون بمنطق القوة، وإلغاء السياسات التي تحمي الحقوق الاجتماعية وحقوق النساء والفئات الأخرى التي تعاني من التمييز.. موضحة أن حديث دي فانس في ميونخ ـ الذي يمزج بين الابتزاز الأمني ​​والضغوط السياسية ـ يشكل إشارة إنذار وجودية جديدة للأوروبيين.


وأوضحت الصحيفة "أنه يتعين أولا إدانة النفاق الشديد لهذا الدرس في الديمقراطية الذي قدمه الرجل الثاني في إدارة ترامب الذي أصدر عفوا عن 1500 شخص أدينوا بالهجوم على مبنى (الكابتيول) في السادس من يناير 2021، مما يمثل انقلابا حقيقيا ضد الديمقراطية الأمريكية".


وذكرت "لوموند" أن جيه دي فانس بمعارضته إرداة الشعب بشكل مستمر في المؤسسات والمسئولين السياسيين والقوانين والقضاة المكلفين بتطبيقها وعن طريق المطالبة برفق الحاجز الصحي الذي يبعد اليمين المتطرف عن السلطة في ألمانيا، فإنه يعزز ببساطة الجماعات القومية والشعبوية والاستبدادية التي تخوض حربا ضد سيادة القانون في القارة العجوز.. موضحة أن احتقاره للأحزاب المعتدلة هو جزء من رغبة ترامب في التقسيم من أجل إضعاف أوروبا المبنية على القانون من أجل فرض نموذجه التعاملي القائم على القوة، بحجة الدفاع عن الحريات.


وترى الصحيفة أنه في مواجهة هذه الهجمات غير المسبوقة، يتعين على الأوروبيين الخروج على وجه السرعة من حالة الصدمة التي انتابتهم، فتجربة المآسي في التاريخ تركت لهم ممارسة صارمة للحريات الفردية خاصة حرية التعبير، مع تقييدها فقط بتجريم التشهير والحض على الكراهية وعلى العنف أو التمييز.
 

ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن فترة حكم رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" اتسمت بالتحالف مع قوى أجنبية متعددة، والعمل على إخراج بلاده من الطريق المسدود المتمثل في سياسة "عدم الانحياز" التي استمرت على مدى العقد الماضي. 


وأوضحت المجلة أنه خلال زيارته واشنطن قبل أيام ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تمكن مودي من الاطلاع بوضوح على كيفية تطوير ترامب لتحالفاته الخاصة، معتبرة أن جهوده لتخفيف التزامات الولايات المتحدة تجاه أوروبا، والتواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومغازلة الرئيس الصيني شي جين بينج علنا، تمثل قطيعة تاريخية مع فكرة النظام الدولي القائم على القواعد والمدعوم بالقوة الأمريكية والغرب الجماعي.


كما أن رؤية ترامب "أمريكا أولا" تشير إلى أن الرئيس الأمريكي يبحث حاليا عن "صفقات" ثنائية مع قوى أخرى لتأمين المصالح الأمريكية. وإذا نجح ترامب في ذلك، فقد تصبح التحالفات المتعددة هي القاعدة بين القوى الكبرى في النظام الدولي.


ورأت المجلة الأمريكية أن مودي بدفعه الهند إلى الاقتراب من الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، فقد تخلى عن أحد المبادئ المهمة وغير المعلنة لسياسة عدم الانحياز الهندية طويلة الأمد، والمتمثلة في الحفاظ على مسافة سياسية من الولايات المتحدة بشأن القضايا العالمية والإقليمية. وإن كان قد اختار، في الوقت نفسه، الحفاظ على شراكة بلاده القديمة مع روسيا، وعلى حوار صعب مع الصين وسط توترات حدودية مستمرة وعجز تجاري متزايد، وكذلك تكثيف المشاركة مع القوى الرئيسية في القارة الأوروبية، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وكذلك الاتحاد الأوروبي.


ولفتت "فورين بوليسي" إلى أنه رغم ما سبق، لا يمكن إنكار مركزية الولايات المتحدة في تعدد تحالفات الهند. فالواقعيون في نيودلهي يدركون أهمية الشراكة مع واشنطن لتسريع التحديث الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري للهند، مع ضرورة مراعاة حاجة الهند إلى الاحتفاظ بحرية العمل وتجنب فخاخ ربط مصيرها بقوة عظمى من المؤكد أن مصالحها ستتغير بمرور الوقت. 


ونوهت إلى أن نيودلهي وبعد أن استشعرت الزلازل السياسية والجيوسياسية في واشنطن، دفعت باتجاه عقد اجتماع مبكر بين مودي وترامب لإضفاء الاستقرار على العلاقات الثنائية.


وإدراكا منها لأهمية الهجرة غير الشرعية والتعريفات الجمركية بالنسبة للمؤسسة الجديدة في واشنطن، تحركت حكومة مودي بسرعة لمعالجة كلتا القضيتين، حيث وافقت على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى الهند وتسريع المفاوضات بشأن اتفاقية تجارية. 


كما أن الهند، وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أعلنت أنها ستخفض بعض التعريفات الجمركية، بما في ذلك على السيارات والدراجات النارية، التي تؤثر على المنتجين الأمريكيين. كما تستكشف الهند إمكانية زيادة واردات الطاقة من الولايات المتحدة، بما في ذلك النفط والغاز والمفاعلات النووية المدنية.


وحيث يريد ترامب أن تشتري الهند المزيد من الأسلحة أمريكية الصنع، وافق مودي على إنهاء بعض الصفقات قيد التفاوض في مقابل موافقة ترامب على مراجعة القيود الحالية على التعاون الدفاعي مع الهند والصادرات إليها. 
وبعيدا عن الدفاع، قرر الزعيمان أيضا البناء على التعاون واسع النطاق في مجال التكنولوجيات الحرجة والناشئة التي تم الاتفاق عليها في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، فيما يسعى الجانبان بقوة لرؤية نتائج ملموسة لهذا التعاون بحلول الوقت الذي يزور فيه ترامب نيودلهي لحضور قمة الحوار الأمني الرباعي في وقت لاحق من العام الجاري.


وبينت المجلة الأمريكية أنه على النقيض من القلق واسع النطاق في الهند من أن ترامب قد يحرج مودي علنا خلال لقائهما، أبدى الرئيس الأمريكي الكثير من حسن النية تجاهه مقارنة بحلفاء تقليديين للولايات المتحدة. وقد يكون جزء من الفضل في هذه المعاملة يعود –في رأي المجلة- إلى ميل ترامب المفترض إلى معاملة القادة الأقوياء - بما في ذلك الخصوم - باحترام أكبر من الزعماء الحلفاء من الأوروبيين والآسيويين، الذين يبدو أنه ينظر إليهم على أنهم أقل قوة.


وترى "فورين بوليسي" أن الهند تبدو اليوم في وضع أفضل من معظم القوى الكبرى في التعامل مع تعطيل ترامب للنظام العالمي وتوازن القوى بعد عام 1945. فعلى سبيل المثال، سوف تستفيد الهند من حماس ترامب لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتحسين العلاقات مع بوتين، حيث ستعلن بلا شك تأييدها لمبادرة ترامب للسلام في أوكرانيا، خاصة وأن العواقب الاقتصادية والجيوسياسية للحرب في أوكرانيا شكلت تحديا كبيرا للهند. لذا، سوف تقدر الهند بشكل خاص التأثير الذي قد تخلفه التسوية بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن أوكرانيا وتخفيف العقوبات أو إزالتها على أسعار النفط، لاسيما وأن نيودلهي مستهلك رئيسي للهيدروكربونات وتستورد معظمها.


وأوضحت المجلة أن استفادة نيودلهي لن تقتصر على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل ستمتد إلى الجوانب السياسية أيضا، خاصة وأن الصراع مع روسيا في أوروبا شجع الغرب على التقرب من الصين. وتأمل نيودلهي أن يساعد التوفيق المستدام بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الأمن في أوروبا على تركيز طاقات واشنطن على استقرار آسيا، ومحاولة ترامب إقناع بوتين اتباع سياسة أكثر استقلالية في آسيا بدلا من الدعم الحالي لسياسات الصين في القارة.


وحول العلاقات الأمريكية الآسيوية، ذكرت "فورين بوليسي" أن الظاهر يشير إلى ترحيب الهند باتجاه الولايات المتحدة نحو آسيا، إلا أن حرص ترامب على "التوافق" مع الرئيس الصيني يرسل إشارات متضاربة بهذا الصدد. ففي حين يشغل الصقور الجمهوريون من المناوئين للصين مناصب رئيسية في فريق الأمن القومي لترامب، نجد الأخير يترك الباب مفتوحا أمام صفقة كبيرة محتملة مع شي. 
وتساءلت المجلة عما إذا كان ترامب يفكر في صفقة كبرى مع الصين في آسيا، بنفس الطريقة التي يحاول بها عقد صفقة مع روسيا في أوروبا؟ وأشارت المجلة –في هذا الصدد- إلى أنه رغم أن الهند، ستكون أقل عرضة من اليابان وكوريا الجنوبية، وبشكل أكثر وضوحا تايوان، من أي تحول كبير في السياسة الأمريكية تجاه الصين، إلا أن التحديات الاقتصادية والأمنية التي ستواجه نيودلهي ستصبح حينها أكبر بالتأكيد.


ودللت المجلة الأمريكية على ما ساقته بشأن الصفقة المحتملة بالإشارة إلى أنه عندما سعى أحد المراسلين الهنود إلى إغراء ترامب بالحديث بقوة عن الصين خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع مودي، رفض ترامب ذلك. وأكد بدلا من ذلك رغبته في التفاهم مع شي. وأشار إلى الصراع الحدودي بين الهند والصين، عارضا المساعدة في حلحلته إذا طلب منه ذلك.


وأخيرا، لفتت المجلة الأمريكية إلى أن هناك فصيلا في نيودلهي يعتقد أن التسوية مع بكين على وشك الحدوث، وأن الهند لابد أن تستمر في الضغط من أجل ذلك. وبقدر ما قد تكون هذه التسوية جانبا آخر من استراتيجية التحالفات التعددية (تحالف صيني هندي)، إلا أنها غير واقعية في الوقت الحاضر، نظرا لعدم التكافؤ الهائل في القوة الذي يعطي الصين اليد العليا، ما يفرض على الهند التركيز على بناء علاقات أقوى مع الولايات المتحدة حتى في حالات سعيها لبناء تحالفات تعددية مع قوى أخرى بجانب واشنطن.

ذكرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية إن المستشار الألماني المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتز، ساهم في شل حركة بلاده بسبب تردده في الوقت الذى جعل فيه ،منافسه من التحالف المسيحي المحافظ، فريدريش ميرز الذي تتوقع استطلاعات الرأي فوزه، من إحياء الثنائية الفرنسية الألمانية أولوية.


وأوضحت /لوفيجارو/في افتتاحيتها اليوم ان ألمانيا باتت تري الذهب يتلألأ في أعماق نهر الراين بعد أن أصابتها لعنة أولاف شولتز لمدة ثلاث سنوات، ودون أن نذهب إلى حد الرغبة في الهيمنة على العالم كما وعدت أوبرا فاجنر، فإن جيراننا يأملون على الأقل في استعادة مكانتهم بفضل فريدريش ميرتس، الذي تتوقع كل استطلاعات الرأي فوزه ، فقد أدى المستشار الديمقراطي الاجتماعي المنتهية ولايته إلى شل حركة البلاد. وعلى الصعيد الدولي، أدى تردده وموقفه المتجهم ـ الذي يكاد يكون متوحدا ـ إلى القضاء على القوة الأوروبية الرائدة. وعلى الصعيد المحلي، دفعه هوسه بالتسوية إلى حد السخافة، كما أدى افتقاره إلى السلطة إلى جعل ائتلافه غير قابل للحكم.


وأضافت الصحيفة أن كل شيء في المانيا يحتاج إلى إعادة بناء. فقد تحطم "النموذج" الألماني الذي اعتمد على الغاز الروسي الرخيص، والتصدير إلى الصين، والمظلة الأمنية الأمريكية .ونتيجة لذلك دخلت البلاد عامها الثالث على التوالي من الركود، ولم يتبق لها سوى جيش ممزق يواجه تهديد روسيا التوسعي. وقد أدت الجرائم المتعلقة بالهجرة إلى تحويل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف إلى ثاني أكبر قوة في البلاد .


وأشارت إلى أن ألمانيا ترغب في استعادة مكانتها ولكن السؤال الذى يطرح ذاته هل سيكون فريدريش ميرتس قادرا على القيام بهذه المهمة..إن المحافظ القادم من الطبقة الحاكمة التقليدية في منطقة الراينلاند، التي جعلت ألمانيا مزدهرة بعد الحرب العالمية الثانية، قد نأى بنفسه عن إرث أنجيلا ميركل. فهو صارم في التعامل مع الهجرة غير الشرعية، وأكثر مرونة في التعامل مع العقيدة المالية، ولا يبدي عداء أيديولوجيا تجاه الطاقة النووية. ولكونه من محبي اللغة الفرنسية، فقد جعل من إحياء الثنائي الفرنسي-الألماني - الذي بدونه تعمل أوروبا ببطء - أولوية. وتعهد بمحاربة تعدد الادارات في ألمانيا وبروكسل بشكل حاسم .


واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول إنه مع ذلك فان هناك أيضا حالة من عدم اليقين بشأن ميرتس: فعلي الصعيد السياسي، لم يقم منافس ميركل السابق، الذي أطاحت به المستشارة، بقيادة أي حزب باستثناء مجموعة الاتحاد الديمقراطي المسيحي في البوندستاج. كما تقتصر خبرته في مجال الاعمال على دور استشاري. وفي حال انتخابه، فسيتعين على ميرتس التعامل مع الاشتراكيين الديمقراطيين أو الخضر في أفضل الأحوال. وإذا تم تقسيم المشهد السياسي بعد انتهاء التصويت ، فسيجد نفسه مضطرا لقيادة ائتلاف مكون من ثلاثة أحزاب يصعب ادارتها .

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فرنسا أمريكا ترامب الهند ألمانيا المزيد المجلة الأمریکیة الولایات المتحدة الرئیس الأمریکی فورین بولیسی التعامل مع بما فی ذلک فی أوروبا أن الهند إلى أن من أجل

إقرأ أيضاً:

فورين أفيرز: الخليج وإيران واحتواء الغليان الإقليمي

مقدمة الترجمة

في قلب شرقٍ لا يعرف الهدوء، يتشكّل واقع جديد، تكتبه النار حينًا، وتخطّه المصالح حينًا آخر. الشرق الأوسط، الذي طالما كان مسرحًا للتوترات والانهيارات المتكرّرة، يقف اليوم على عتبة تحوّل عميق، لا تُدوّي فيه المدافع وحدها، بل تتكلم فيه أيضًا السياسة والصفقات والرسائل الخفيّة بين السطور.

فمن غبار الحرب في غزة، إلى همسات التفاوض في الخليج، ومن ضجيج الطائرات المسيّرة فوق سوريا، إلى الأروقة الصامتة في واشنطن وطهران، تتداخل الخطوط وتختلط الأدوار.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2قاتل المصلّين مثله الأعلى.. من أين جاء بن غفير بكل هذا القبح؟list 2 of 2"المقامرة من أجل البقاء".. لم يستمر نتنياهو في حرب غزة رغم فشله؟end of list

القوى الكبرى تراقب، والدول الإقليمية تُناور، بينما الشعوب العالقة في المنتصف لا تعرف السكينة سبيلا إلى نفسها، تحاول البحث عن ظل استقرار لم يُولد بعد.

في هذا المقال المترجم عن فورين أفيرز، نحاول قراءة ما بين دخان المعارك وصمت الغرف المغلقة عن طريق بعض الأسئلة الجوهرية التي يطرحها المقال: من يمسك بخيوط اللعبة؟ وما الذي تغيّر في توازنات الإقليم؟ وإلى أين تمضي المنطقة التي لطالما عاشت على حافة الانفجار؟

نص الترجمة

شهدت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط في مايو/أيار الماضي منعطفًا دراميًا لم يكن في الحسبان، إذ حملت بين طياتها مفاجآت قلبت التوقعات رأسًا على عقب. ففي خطوة غير متوقعة، التقى ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع رغم ماضيه كقائد لإحدى الجماعات الإسلامية المتشددة.

إعلان

وخلال الزيارة، أعلن ترامب عن رفع العقوبات الأميركية عن دمشق، في مشهد أربك الحسابات السياسية. وخلافًا لما جرت عليه العادة في مثل هذه الزيارات، استُبعدت إسرائيل من خارطة الزيارة، رغم أن الحرب في غزة لا تزال مشتعلة، وإدارة ترامب ما زالت منخرطة في مساعٍ لإنهائها.

أما المفاجأة الأخرى، فتمثلت في اتفاق ثنائي لوقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن دون استشارة إسرائيل. والذي أضاف بعدًا غير متوقع للأحداث، هو إعلان ترامب عن بدء محادثات مباشرة مع إيران، وهي خطوة عارضتها إسرائيل بشدة، في حين لاقت ترحيبًا غير متوقع من بعض دول الخليج، التي لم تكتفِ بالموافقة، بل ساهمت في تسهيلها. وبذلك بزغ في الأفق واقع مُغاير ينسج ملامحه في قلب الشرق الأوسط، ويؤكد أن موازين القوى لم تعد كما كانت منذ أن دوّى هجوم 7 أكتوبر.

أعادت الحرب في غزة تشكيل ملامح المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط من جذوره. فقبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت بعض الدول الخليجية تنظر إلى إيران، ومعها شبكة وكلائها في الإقليم، باعتبارها الخطر الأوحد الذي يُهدد استقرار المنطقة.

وعلى هذا الأساس، دعمت هذه الدول حملة "الضغط الأقصى" التي أطلقها الرئيس ترامب ضد طهران، وشرعتْ في فتح أبواب التطبيع مع إسرائيل، في مشهد بدا حينها أنه يؤسس لتحالف جديد. غير أن رياح الحرب في غزة حملت معها ما لم يكن في الحسبان، فبعد 20 شهرًا على اندلاع الحرب، تبدّل هذا المشهد على نحو جليّ، فقد بهتت صورة إيران كعدو أول في الوعي العربي، بينما بدأت إسرائيل تبرز أكثر فأكثر بوصفها قوة مهيمنة تطمح إلى فرض سطوتها على الإقليم.

وفي خضمّ هذا المشهد المتغير، تصدّع الموقف بين حلفاء واشنطن العرب وإسرائيل على نحو لافت، فقد اتخذ كل طرف موقعًا نقيضًا للآخر فيما يتعلّق بالتعامل مع الملف النووي الإيراني، إذ ترى إسرائيل أن أي اتفاق نووي جديد مع طهران سيمنح النظام الإيراني شريان حياة جديدا، ولهذا فهي تدفع إدارة ترامب نحو الخيار العسكري، وتطالب بشنّ ضربات تستهدف المنشآت النووية الإيرانية لتدميرها بالكامل.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (وسط الصورة) وهو يصافح الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض في 14 مايو/أيار 2025. (الفرنسية)

في المقابل، تنظر دول الخليج إلى الأمر من زاوية مختلفة تمامًا، إذ ترى في شبح الحرب خطرًا داهمًا يقترب من أبوابها، قد يتسع ويغدو عصيًا على السيطرة. ولذلك، تعتبر هذه الدول أن التوصل إلى حل دبلوماسي مع إيران هو السبيل الأنجع لضمان أمن المنطقة واستقرارها.

إعلان

كما أن دول الخليج تُبدي قلقًا من مستقبل قد تصبح فيه إسرائيل قادرة على التحرّك بحرية تامة في المنطقة والانفراد بالقرار، حتى وإن استمر مسار التطبيع معها. وفي هذا السياق، بدأت دول الخليج تلعب دورًا محوريًا في جهود ترامب للتوصل إلى اتفاق نووي، في محاولة لإيجاد توازن جديد بين النفوذ الإسرائيلي والإيراني. ومن خلال هذه المشاركة، تسعى هذه الدول أن تكون مركز الثقل في نظام إقليمي جديد يُعاد تشكيله.

فشل سياسة الضغط

لإدراك عمق التحوّل في نظرة دول الخليج إلى إيران، لا بد من العودة إلى لحظة فارقة قبل عقد من الزمن، حينما وقعّت واشنطن وطهران على الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في يوليو/تموز 2015. في ذلك الوقت، خشيت دول الخليج أن يكون الاتفاق النووي بمثابة رخصة لإيران كي تمدّ ظلال نفوذها أكثر، في حين قرأت إسرائيل في الاتفاق تهديدًا وجوديًا يمس توازنها الأمني.

حدث ذلك كله في وقت حرج كان يعاني فيه العالم العربي من آثار الاضطرابات التي فجرتها انتفاضات "الربيع العربي" عامي 2010 و2011، والتي أطاحتْ بعدد من الحكّام، وأشعلتْ حروبًا أهلية في ليبيا وسوريا واليمن. وقد استفادت إيران من هذه الفوضى، فمدّت نفوذها في المنطقة لتُشكّل ما يشبه حزامًا جغرافيًا يمتد من شبه الجزيرة العربية حتى بلاد الشام.

صورة أرشيفية ملتقطة في 27 سبتمبر/أيلول 2012، يُظهر فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسمًا توضيحيًا وهو يصف مخاوفه بشأن طموحات إيران النووية خلال خطابه أمام الدورة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة. (أسوشيتد برس)

وفي خطابه أمام الكونغرس الأميركي في مارس/آذار 2015، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن قلق إسرائيل من تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، قائلاً إن طهران أصبحت تهيمن على 4 عواصم عربية: بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء. وفي الوقت ذاته، أبدت بعض العواصم الخليجية مخاوفها الخاصة من التداعيات الإقليمية للاتفاق النووي، انطلاقًا من اعتبارات أمنية واستراتيجية تتصل باستقرار المنطقة وتوازناتها.

إعلان

وفي الشهر نفسه الذي ألقى فيه نتنياهو خطابه، أعلنت السعودية قيادتها لتحالف عسكري وتدخُّلها في اليمن ضد جماعة الحوثيين التي كانت تمثل -في نظرها- ذراعًا إيرانيًا يُرسّخ نفوذ طهران داخل شبه الجزيرة العربية.

ربما بالغت إسرائيل، وكذلك بعض دول الخليج -كلٌّ بطريقته- في تقدير حجم التهديد الإيراني، بناءً على حساباتهم الاستراتيجية الخاصة، إلا أن الواقع لم يكن خاليًا من المؤشرات التي عززت هذا القلق. فقد أدى الاضطراب الواسع الذي اجتاح العالم العربي إلى اختلال في موازين القوى الإقليمية لصالح إيران، التي استغلت حالة الانقسام والفراغ السياسي في أكثر من بلد لتعزيز نفوذها.

لم يكن الاتفاق النووي في أعين خصوم إيران بالمنطقة مجرد صفقة تقنية لكبح جماح برنامجها النووي، بل بوّابة محتملة لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري. فالاتفاق، وفقًا لبنوده، قدّم لطهران هدية ثمينة وهي رفع العقوبات، مقابل التزام تقني لا يتجاوز حدود تخصيب اليورانيوم. أما أذرعها الممتدة في ساحات النزاع العربية، فلم تُمسّ، وظلّت بمنأى عن أي مساءلة.

ولذلك، رأت بعض الدول العربية في هذا الاتفاق ثغرة تُهدد استقرار الإقليم، بينما شنت إسرائيل حملة قوية ضده انطلقت من قبة الكونغرس الأميركي، حيث ألقى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو خطابًا أثار جدلًا واسعًا. وفي ظل هذه الأجواء، تكثّفت الضغوط السياسية والإعلامية على صانعي القرار الأميركي، في محاولة جماعية من أطراف مختلفة لإجهاض الاتفاق.

في فترة ولايته الأولى، انحاز الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى معارضي الاتفاق النووي، فقررتْ الولايات المتحدة الانسحاب منه عام 2018، وفرضتْ على إيران عقوبات اقتصادية مشددة ضمن ما عُرف بسياسة "الضغط الأقصى".

جاءت هذه الخطوة محمّلة برغبة واضحة في إضعاف الاقتصاد الإيراني وتقليص نفوذ طهران المتنامي في المنطقة، سعيا لإعادة تشكيل التوازن الإقليمي بطريقة تخدم مصالح حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط.

إعلان

وتماشيًا مع هذا المسار، شجعت الإدارة الأميركية آنذاك على تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين بعض دول المنطقة، وهو ما تُوّج لاحقًا بسلسلة اتفاقيات خلال عام 2020، أبرزها اتفاقية أبراهام التي طبّعت العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية وشمال أفريقيا. كما تبنّت إدارة ترامب نهجًا أكثر تشددًا تجاه دعم إيران للجماعات التابعة لها والمنتشرة في بؤر النزاع، وبلغ هذا التشدّد ذروته عندما اتخذت قرارًا نادرًا وغير مسبوق تَمثّل في اغتيال القائد العسكري الإيراني البارز قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، في غارة جوية على العاصمة العراقية بغداد عام 2020.

وخلافًا للتوقعات التي كانت تشير إلى احتمالية إحياء الولايات المتحدة للاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015، مضت إدارة جو بايدن في اعتماد نهج صارم تجاه إيران. فقد تجنبت واشنطن الانخراط المباشر في مفاوضات مع طهران، ولم تُبدِ مرونة تُذكر إلا بعدما رفعت إيران وتيرة تخصيب اليورانيوم على نحوٍ مثير للقلق.

وبدلاً من التركيز على الملف النووي وحده، أولت إدارة بايدن اهتمامًا أكبر لبناء تحالف إقليمي جديد، يربط بين بعض الدول العربية وإسرائيل، على نحو يشبه توجه إدارة ترامب.

ومن هنا أصبحت مسألة توسيع اتفاقية أبراهام لتشمل دولا أخرى؛ بمثابة حجر الزاوية في سياسة بايدن في الشرق الأوسط، معتقدًا أن اتفاقية كهذه قد تُمهّد الطريق أمام مرحلة جديدة من الهدوء النسبي. وقبل هجوم 7 أكتوبر بأيام قليلة، اعتقدت واشنطن أنها باتت على أعتاب تحول تاريخي في توسيع المنضمين لاتفاقات أبراهام، متوهمة أن ذلك سيفتح آفاقًا لتسوية الصراعات الممتدة في المنطقة.

حين تتصرف إسرائيل بلا قيود

ما لبثت الأحداث أن كشفت عن وهمٍ كبير في رهان الإدارة الأميركية، إذ اتّضح أن الاستراتيجية التي تبنّاها ترامب في عهدته الأولى -ومن بعده بايدن- لم تُطفئ نيران التوتر في الشرق الأوسط، بل زادتها اشتعالًا.

إعلان

فإيران، التي وُضعت تحت ضغط شديد لم تنكفئ، بل مضت في توسيع برنامجها النووي، وكثّفت دعمها للحوثيين في حربهم ضد الخليج، قبل أن تنتقل إلى استهداف مباشر للمصالح الأميركية والخليجية، وكان الهجوم على منشآت النفط السعودية عام 2019 أبرز تجليّاته.

ومع مرور الوقت، وتحديدًا قبل هجوم 7 أكتوبر، بدأت دول الخليج تفقد الثقة في فعالية النهج الأميركي. وفي مارس/آذار 2023، بادرت السعودية بالخروج عن الصف الأميركي وفتحت باب المصالحة مع طهران عبر اتفاق رعته الصين. وما إن أُبرم الاتفاق حتى هدأت الجبهة اليمنية، وتوقفت الهجمات على السعودية والإمارات. ورغم استمرار المساعي الخليجية لبناء علاقات أوسع في الإقليم، بدا أن مهمة التوازن بين طهران وتل أبيب شديدة التعقيد.

ومع اشتداد نيران المواجهة، عاد ما يُعرف بمحور المقاومة -الذي يضم قوى إقليمية مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وحماس في غزة- إلى الواجهة، فتحوّل إلى صراع مفتوح مع إسرائيل.

من جهتها، رأت الإدارة الأميركية في هذا التصعيد فرصة لتعزيز فكرة تحالف أمني يجمع إسرائيل بدول الخليج، لكن الحسابات الإقليمية كانت أكثر تعقيدًا. فدول الخليج، لم تُبدِ حماسًا للانخراط في صراع لا تريده، بل حرصت على النأي بنفسها عن المواجهة رغم عدائها السابق للحوثيين.

وقد ظهر هذا الموقف جليًا في يناير/كانون الثاني 2024 حينما قرر بايدن الرد عسكريًا على استهداف الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر. حينذاك، امتنعت السعودية والإمارات عن المشاركة في الرد، رغم سنوات من المواجهة المباشرة مع الجماعة ذاتها.

جاء هذا الموقف الخليجي أيضًا استجابةً للغضب الشعبي العربي المتصاعد إزاء ما يتعرض له الفلسطينيون في غزة، وهو غضب جعل من الصعب على الحكومات المضيّ قدمًا في أي تعاون أمني أو سياسي أعمق مع إسرائيل.

إعلان

وفي خريف 2024، شهدت الحرب تحوّلًا حاسمًا لصالح إسرائيل، بعد سلسلة من الضربات النوعية التي غيّرت مسار الصراع. ففي أواخر سبتمبر/أيلول، نفّذت إسرائيل ضربة دقيقة استهدفت قادة الصف الأول في حزب الله، وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصر الله، الذي قُتل في عملية قصف استهدفته بعد نجاح مهمة استخباراتية أجهزت على البنية القيادية للحزب عبر أجهزة اتصالات مفخخة.

وفي الشهر التالي، استهدفت إسرائيل قائد حركة حماس يحيى السنوار، الذي يُنسب إليه تخطيط هجوم 7 أكتوبر. وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول، انهار نظام بشار الأسد في سوريا، حليف طهران الأبرز في المنطقة. وفي خضم هذه التحوّلات، تصاعدت المناوشات بين إيران وإسرائيل إلى مستوى بالغ الخطورة، عبر موجات من الصواريخ والطائرات المسيّرة. ومع أن الخطر كان محدقًا، فإن هذه المواجهات كشفت جانبًا من ضعف طهران، إذ ادّعت إسرائيل أنها عطلَّتْ جزءًا كبيرًا من الدفاعات الجوية الإيرانية.

ومع نهاية عام 2024، وجدت إيران نفسها معزولة إلى حدّ كبير عن بلاد الشام. أما الداخل الإيراني، الذي طالما بدا عصياً على الاختراق، فأخذ يُظهِر هشاشته في مواجهة التصعيد المتزايد.

وفي ظل هذا المنعطف الحرج، كانت واشنطن على أعتاب عودة دونالد ترامب إلى السلطة، الرجل الذي لم يُخفِ يوماً انحيازه المطلق إلى إسرائيل. وهنا، اعتبرت الحكومة الإسرائيلية هذه التطورات فرصة نادرة لشنّ ضربة قاصمة ضد إيران لتدمير منشآتها النووية، وشلّ بنيتها التحتية الاقتصادية، في هجوم يمكن أن يدفع طهران إلى حافة الانهيار.

إيران على شفا الهاوية

رغم توقعات معظم الأطراف بأن ترامب سيتماشى مع الرؤية الإسرائيلية المحرِّضة على توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، فإنه لم يسلك هذا المسار. فالرجل الذي نقض الاتفاق النووي في ولايته الأولى، عاد اليوم ليبحث عن نسخة جديدة منه، وقد بات أكثر تحفظًا إزاء خيار المواجهة العسكرية، مدفوعًا بهاجس أن تُزَجّ الولايات المتحدة في حرب تستنزفها دون طائل، وفضّل بدلًا من ذلك العودة إلى الطاولة الدبلوماسية.

إعلان

وفي مفارقة لافتة، تقف خلف ترامب في هذا المسعى عواصم خليجية لطالما ناهضت الاتفاق السابق أيضا، لكنها الآن ترى في التفاوض السبيلَ الأنسب لتفادي التصعيد. ويكمن الدافع الأبرز وراء هذا التغير؛ في المخاوف الاقتصادية التي ستنجم عن تداعيات حرب محتملة على الخليج. ومع ذلك، ثمة سبب أعمق لهذا التغير وهو اقتناع السعودية وغيرها من دول المنطقة أن الوصول إلى اتفاق نووي جديد سيشكّل مدخلًا ضروريًا لإعادة ضبط موازين القوى في الشرق الأوسط.

نسخة من صحيفة إيرانية  بعنوان "مستقبل الاتفاق" تحمل صورة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في طهران، إيران، 12 مايو/أيار 2025. (الأوروبية)

يرتبط تأييد دول الخليج لعودة الاتفاق النووي مع إيران -جزئيًا- بتحوّل موقع إسرائيل في المشهد الإقليمي. فإسرائيل، التي لم تُنهِ بعدُ نيران حربها في غزة، بدأت تُنصّب نفسها قوة مُنتصرة تتباهى بتفوقها العسكري، ومستعدة لاستخدام هذا التفوق لترسيخ هيمنتها في الشرق الأوسط. فبجانب توسيع قبضتها في غزة، مع تلميحات بعض قادتها إلى محاولة إخضاع القطاع لحكم عسكري طويل الأمد، تمارس إسرائيل سيطرة متزايدة في جنوب لبنان، وتتوغل عسكريًا في مساحات واسعة من الأراضي السورية.

ومع هذه النزعة التوسعية، يبدو أن إسرائيل باتت تطمح إلى توسيع معركتها لتشمل منطقة الخليج، عبر ضربة عسكرية مباشرة ضد إيران. لكن هذا المسعى قد يؤدي إلى ردّ فعل عنيف من إيران، وقد يشمل هذا الرد ضرب أهداف داخل شبه الجزيرة العربية، أي في دول الخليج. وقد يسبب مثل هذا التصعيد العسكري اضطرابات كبيرة في إمدادات الطاقة العالمية، نظرًا لأهمية الخليج في إنتاج وتصدير النفط. كما يمكن أن يُلقي بظلال من الشك على استقرار الاقتصاد الخليجي المزدهر.

إعلان

على مدى عقود، ظلّ الشرق الأوسط ساحة مفتوحة لصراع الإرادات بين قواه الكبرى، لكن لم تُتَح الفرصة لأي طرف كي يستأثر بالمشهد أو يفرض رايته على الجميع. فمثلًا، في خمسينيات وستينيات القرن 20، حينما كان العالم العربي يسعى إلى الصدارة تحت راية "القومية العربية"، شعرت قوى إقليمية أخرى، مثل إيران وتركيا وإسرائيل، بالخطر الداهم فتحالفت فيما بينها لكبح جماح هذا التمدد.

حتى بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، لم تكن العلاقة بين إسرائيل وطهران عدائية دائمًا، ففي بداية الحرب بين إيران والعراق في الثمانينيات، حين بدا أن بغداد على وشك أن تفرض نفسها زعيمة جديدة للعرب، وجدت إسرائيل نفسها تميل إلى دعم إيران، لأنها كانت ترى في العراق تهديدًا أكبر. وبالفعل، قدمت لإيران مساعدات استخباراتية وعسكرية، لكن مع صعود إيران لاحقًا كقوة إقليمية مؤثرة، تغيّرت موازين القوى، وبدأت بعض الأطراف في المنطقة تبحث عن سبل لاحتواء هذا النفوذ المتزايد، كلٌ وفق أولوياته واستراتيجياته الخاصة.

ومع إعلان إسرائيل نفسها قوةً لا يضاهيها شيء في المنطقة، باتت الحاجة إلى توازن إقليمي أكثر إلحاحًا، وهو ما دفع الدول العربية وإيران، وحتى تركيا، إلى البحث عن نقاط تقاطع يمكن أن تعزز هذا التوازن. فمع أن بعضَ الدول، مثل البحرين ومصر والأردن، لا تربط بينها علاقات دبلوماسية مباشرة مع طهران، فإن مستويات التواصل والانخراط مع إيران ارتفعت كثيرا. وعلى رأس هذه التحركات، تلعب دول الخليج دورًا محوريًا، إذ باتت بمثابة الجسر الذي تمرّ عبره المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي.

وتعي هذه الدول تمامًا أنها باتت محور الصراع الإقليمي، والورقة الأثمن في لعبة النفوذ المتصاعدة. فإسرائيل تسعى لتشكيل محور يضم العالم العربي بهدف احتواء إيران، بينما تسعى طهران لقطع الطريق أمام أي نفوذ إسرائيلي في شبه الجزيرة العربية.

إعلان

لكن بالنسبة لدول الخليج، الهدف لديها أوسع من مجرد الانحياز إلى طرف ضد آخر، فهي تطمح إلى نظام إقليمي يحدّ من تغوّل القوتين معًا، ويعزز مكانتها السياسية والاقتصادية. ومن هنا، تحوّل موقفها من معارضة سابقة للاتفاق النووي إلى دعم فعلي له، انطلاقًا من قناعة بأن تجديد الاتفاق قد يُقصي شبح الحرب، ويمنع إسرائيل من ترسيخ تفوقها الإقليمي دون رادع.

في المقابل، تسعى إيران جاهدة لإتمام اتفاق نووي، مدفوعة برغبتها في تفادي اندلاع حرب جديدة وإنعاش اقتصادها المتدهور، ما جعلها تعتمد اعتمادًا متزايدًا على دول الخليج في لعب دور الوسيط مع إدارة ترامب، وضمان استمرار المفاوضات.

فمثلًا، كان لوزير الخارجية العماني دور محوري في هذه الجهود، من خلال طرح مبادرات وصيغ تفاوضية تساعد على تجاوز الخلافات بين طهران وواشنطن. أما السعودية، فقد أبدت انفتاحًا على فكرة تشكيل تحالف نووي إقليمي يضم إيران بهدف إدارة تخصيب اليورانيوم بصورة جماعية وتحت مظلة تعاون مشتركة. كما ألمح وزير الخارجية السعودي إلى استعداد بلاده لتوظيف نفوذها الاقتصادي للمساعدة في التوصل إلى اتفاق نهائي.

محور الاستقرار

أدركت إيران ودول الخليج أن مصلحتهما تقتضي التعاون لا الخصام، فهذا التقارب يساعد على بناء جسور من الثقة ويفتح الأبواب للتعاون في الأمن والتجارة والاقتصاد. وفي الوقت ذاته، ترغب دول الخليج في المحافظة على علاقات جيدة مع جميع الأطراف، فهي تطمح إلى خلق توازن في المنطقة يضمن لها الاستقرار والنمو ويخدم مصالح شعوبها. ويعتبر التوصل إلى اتفاق نووي جزءاً من هذه الرؤية التي تتناغم مع التوجهات الأميركية في الشرق الأوسط، وربما يصل لاحقاً إلى شراكات رسمية بين الولايات المتحدة والسعودية.

عكست زيارة ترامب الأخيرة إلى الخليج مؤشرات واضحة على توجهاته الجديدة في المنطقة. فحتى قبل وصوله، كانت إدارته قد تجاوزت اعتراضات إسرائيل وأبرمت اتفاق تهدئة مع الحوثيين. وعلى الضفة المقابلة، استقبله القادة العرب بصفقات اقتصادية سخية أعادت ترتيب أولويات واشنطن في ملفات حسّاسة كإيران وسوريا وغزة، بما يتماشى مع المزاج الخليجي، حتى وإن خالف التوجهات الإسرائيلية.

إعلان

وفي كل محطة من جولته، أكد ترامب تمسكه بالخيار الدبلوماسي لحل المسألة النووية الإيرانية، وفي بعض اللحظات أبدى تعاطفًا مع القلق العربي إزاء ما يجري في غزة، كما حدث في أبوظبي عندما علّق على الوضع الإنساني بقوله إن "الكثير من الناس يتضورون جوعًا في غزة"، في انتقادٍ بدا مبطنًا للحصار الطويل الذي فرضته إسرائيل على القطاع منذ 10 أسابيع.

وفي النهاية، لكي تُثمر التحركات الإقليمية الحالية استقرارا حقيقيا، تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة الاتفاق النووي مع إيران ضمن إطار استراتيجي أوسع. ولا بد لهذا الاتفاق أن يترافق مع مساعٍ لتعزيز التفاهمات السياسية في المنطقة وإنهاء الصراعات القائمة، وبالأخص فيما يتعلق بغزة، مع الدفع نحو حلول سياسية تضمن مستقبلًا عادلًا لشعوب المنطقة. كما أن تحقيق توازن إقليمي فعّال يتطلب تنسيقًا بين واشنطن وحلفائها الخليجيين من جهة، وبناء أرضية مشتركة مع طهران من جهة أخرى، بما يؤدي إلى تشكيل منظومة تعاون إقليمي تُسهم في تخفيف التوترات وتعزيز الاستقرار.

بطبيعة الحال، قد تتعثر المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، مما قد يدفع واشنطن للعودة إلى نهج أكثر تصعيدًا في التعامل مع طهران، وهو ما قد يُطيل أمد التوتر والصراعات في المنطقة، ويُضعف فرص التفاهمات السياسية في المستقبل القريب. لكن إذا تم التوصل إلى اتفاق، ستحظى دول الخليج بفرصة لتصبح محور التوازن الإقليمي الجديد، تتقاطع فيه خيوط المصالح والرؤى بين الشرق والغرب. وفي ظل سنوات مثقلة بالحروب والانكسارات، قد يحمل هذا المسار بذور توازن طالما بدا بعيد المنال، لكنه اليوم يلوح في الأفق كفرصة نادرة لاستعادة إيقاع المنطقة نحو الهدوء والاستقرار.

_______________________

هذه المادة مترجمة عن فورين أفيرز ولا تعبّر بالضرورة عن الموقف التحريري لشبكة الجزيرة

إعلان

 

مقالات مشابهة

  • إعمار العقارية تعلن عن إطلاق فيوم، المنصة الرقمية التي تمثل نقلة نوعية في إعادة بيع عقارات إعمار
  • فورين أفيرز: الخليج وإيران واحتواء الغليان الإقليمي
  • تمرد كاليفورنيا.. ما الأدوات التي تملكها الولايات لكبح السلطة الفدرالية؟
  • رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سيحضر مواجهة الاهلي وانتر ميامي
  • الولايات المشتعلة.. هل يقود قرار ترامب بطرد المهاجرين أمريكا نحو المجهول؟
  • أوروبا والولايات المتحدة وسؤال القِيَم
  • هولدينغ القباج يفوز بصفقة بناء ملعب الحسن الثاني الأكبر في العالم
  • مسؤولة في الأمم المتحدة: سياسات ترامب مدمّرة للصحة الإنجابية في العالم
  • احتجاجات الهجرة تنتشر في الولايات الأمريكية وآلاف المارينز يقمعون المتظاهرين
  • احتجاجات أميركا في عيون العرب.. ما الذي يحدث في لوس أنجلوس؟