لنا وطن نحلم به.. لا يشبه ما صنعته الأنظمة
تاريخ النشر: 13th, June 2025 GMT
في كل خريطة رسمتها الدول، كان هناك دوما صوتٌ غائب: صوت الشعوب. طوال عقود، احتكرَت النخب السلطوية تعريف الوطن، وحوّلت المفهوم من "عقد اجتماعي" جامع، إلى "أمن قومي" مصمَّم لحماية النظام لا الإنسان.
في هذا السياق، جرى تفريغ فكرة الوطن من مضمونها التحرري، لتُصبح أداة ضبط، لا أفقا للتحرر. لكن الشعوب -كما التاريخ- لا تخضع دائما لما يُكتب في كتب الجغرافيا السياسية.
منذ انطلقت قافلة الصمود إلى غزة، ذلك الحراك الشعبي العابر للحدود، والمبني على مبادرة مدنية خالصة، تكشّف ما هو أعمق من التضامن الإنساني: نحن إزاء تحوّل في المزاج السياسي الجمعي، ليس فقط إدانة للاحتلال، بل أيضا إدانة للصمت العربي، وللركود الذي فرضته علينا أنظمة ما بعد الاستعمار، بأن فلسطين مجرد "رمز" لا "قضية"، وبأن الحلم المشترك رفاهية غير واقعية.
لكن ماذا لو أن الخيال السياسي الذي تهابه الأنظمة، هو بالضبط ما تحتاجه الشعوب لتنجو من انسداد الأفق؟
الدولة ضد الخيال
الدولة العربية، كما تشكّلت بعد سايكس-بيكو، لم تُبنَ على الإرادة الشعبية، بل على تقاطع المصالح الاستعمارية مع نخب محلية طامحة للاستقرار أكثر من العدالة.
من هنا، تحوّل مفهوم "الاستقرار" إلى عقيدة أمنية، لا إلى ضمان اجتماعي. وحين رفعت الشعوب شعار "الحرية"، رُدّ عليها بـ"الفوضى"، وكأن الحلم ذاته تهديد.
إن قافلة الصمود، بهذا المعنى، تُعيد تعريف "السياسة" لا كحقل احترافي مغلق، بل كفعل جماعي مُحرِّك. هي تطرح سؤالا لم يعد يُمكن للأنظمة تفاديه:
هل يمكن أن يُبنى وطن دون أن يحلم شعبه؟
وهل يُمكن أن يُدار الحاضر دون أن تُستعاد فلسطين كمحرّك أخلاقي وتاريخي لتجديد المشترك العربي؟
اللحظة الغزّاوية: ما بعد التسييس
إن ما رأيناه من مرافئ المغرب، وميادين تونس، وطرقات اليمن، ليس فقط عودة إلى فلسطين، بل عودة إلى الذات الجماعية. لقد خرجت الشعوب عن الدور الذي رسمته لها الأنظمة: المتفرّج، أو "الضامن الصامت". وها هي تعود -على نحو غير مركزي- لتقول: نحن هنا.. ولسنا جزءا من خطاب "الواقعية" الذي يبرر كل خذلان.
هذه اللحظة الغزّاوية، التي فجّرتها قافلة مدنية كسرت الحصار بالفعل قبل أن تصل إليه، تفتح بابا على ما أسماه المفكر طارق البشري "الخيال السياسي النظيف"؛ ذلك الخيال الذي لا تُشوّهه السلطة، ولا تُجهِضه حسابات موازين القوى المؤقتة.
تحرير المفهوم: ما الوطن إذا؟
الوطن، كما تطرحه الشعوب اليوم، ليس "الدولة" فقط، بل هو المجال الرمزي الذي نعيد فيه التفاوض على معنى الكرامة، السيادة، والانتماء. فإذا كانت الأنظمة قد شيّدت وطنياتها على وهْم "التطبيع"، فإن الشعوب تُشيّد وطنيتها من جديد على واقع "الانحياز".
نحن لا نرفض الدولة كفكرة، بل نرفضها حين تتحوّل إلى سلطة أمنية شمولية، وحين تَستخدم أدواتها التشريعية والإعلامية لتقييد الخيال السياسي، ولتجريم الحلم باسم "الاستقرار".
لهذا، فقافلة الصمود إلى غزة لم تكن فقط جسرا إلى فلسطين، بل كانت جسرا إلى وطن جديد: وطن لا يشبه ما صنعته الأنظمة، ولا يكتبه الحاكم بخطاب رسمي، بل تكتبه الشعوب في الشوارع، وعلى لافتات الأمل، وفي عيون الذين لم ينتظروا إذنا كي يقولوا: نريد وطنا يُشبهنا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الوطن غزة العربي فلسطين قافلة الصمود فلسطين غزة عرب وطن قافلة الصمود قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
تحقيقات أولية تكشف “شيئا نادرا” حدث قبل تحطم الطائرة الهندية
كشفت تحقيقات أولية في حادث تحطم الطائرة الهندية المنكوبة، أن نظام الطاقة الطارئة في الطائرة، المعروف باسم “توربين الهواء العكسي” (رات) كان نشطا لحظة الحادث.
وقد يشير ذلك إلى تعطل محتمل في المحركات أو الأنظمة الهيدروليكية قبل وقوع الكارثة، حسبما ذكرت وسائل إعلام غربية، نقلا عن مصادر مطلعة، أفادت أن التحقيق يركّز حاليا على أسباب تفعّل هذا النظام الذي يستخدم فقط عند فقدان الطاقة الكهربائية الناتجة عن فشل المحركات أو انخفاض ضغط الأنظمة الهيدروليكية.
ويعتبر تفعيل نظام “رات” أثناء الطيران، إجراء نادرا جدا، وغالبا ما يعد دليلا على خلل كبير في أنظمة الطائرة الأساسية.
ويوضح خبراء الطيران أن الطيارين قد يُفعّلون التوربين يدويا في حالات الطوارئ القصوى، وأكثر تلك الحالات شيوعا تكون عندما يُعتقد أن كلا المحركين توقفا عن العمل.
وقال مستشار سلامة الطيران الأمريكي أنتوني بريكهوس، إن “فشل المحركين معا في الطيران التجاري يعد أمرا نادرا للغاية”، مؤكدًا أن محركات الطائرات الحديثة أصبحت أكثر موثوقية وكفاءة من أي وقت مضى.
وبحسب وسائل إعلام غربية، فقد وصلت الطائرة إلى ارتفاع لا يتجاوز 625 قدما فقط بعد الإقلاع من مطار “أحمد آباد”، ثم توقفت عن إرسال بياناتها بعد 50 ثانية، رغم صفاء الأجواء.
كما فشل برج المراقبة في التواصل مع الطيارين عقب تلقي نداء استغاثة، ما يعزز من فرضية حدوث عطل مفاجئ غير متوقع.
وأودى الحادث بحياة أكثر من 270 شخصا، بينهم ركاب وأشخاص كانوا على الأرض، بينما نجا راكب واحد فقط كان يجلس بجانب مخرج الطوارئ في مقدمة الطائرة.
وكانت الطائرة قد توقفت عن العمل في الجو لثوان معدودة قبل أن تسقط وتصطدم بسكن طلابي، لتتحول إلى كرة نارية ضخمة.
ورغم المؤشرات حول تشغيل نظام الطوارئ، لم تؤكد السلطات الهندية بعد السبب الفني الدقيق وراء العطل، سواء كان متعلقًا بالمحركات أو الأنظمة الهيدروليكية أو مكونات أخرى.
وأشارت وزارة الطيران المدني الهندية إلى أن التحقيقات لا تزال جارية، وسيتم إعلان النتائج النهائية فور اكتمالها.
وكالة سبوتنيك
إنضم لقناة النيلين على واتساب