تتصاعد هذه الأيام وتيرة الاستعراضات العسكرية التي تأخذ طابع الردع المعنوي المتبادل وسط توقعات بإمكانية انفلات الأمور مما قد يؤدي إلى اندلاع الحرب مجددا؛ خصوصا في جبهات المواجهات التقليدية في وسط البلاد وغربها، بعد سنوات من الانضباط الذي أملته الإرادة الدولية والاستهانة الصارخة من جانب القوى الإقليمية بشركاء التحالف اليمنيين الذين يمثلهم معسكر الشرعية بسلطته وأحزابه وقواه العسكرية.



تمثل محافظة مأرب أحد الميادين الرئيسة لاختبار القدرات العسكرية للقوات الحكومية والحوثيين، عبر الاشتباكات المتقطعة والعنيفة التي شهدتها مناطق جنوب المحافظة وشمالها، وعلى تخوم محافظة الجوف. ومأرب نفسها كانت أيضا مسرحا لاستعراض القوة بمظهرها القبلي هذه المرة، في منحى تفضله السعودية -على ما يبدو- لمعركة محتملة مع الحوثيين، بانتظار نضج الشروط الإقليمية والدولية التي قد تسمح باندلاعها على الساحة اليمنية، بكلف قليلة، أسوة بما جرى في سوريا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.

إظهار البعد القبلي في الحشود العسكرية الاستعراضية، ينطوي على رغبة واضحة في تحييد الأدوات السياسية التقليدية التي قامت عليها عملية التغيير والتزاماتها وأفقها السياسي، وضمان أن تكون النتائج السياسية للمعركة المحتملة مع الحوثيين بمثابة إهالة كاملة للتراب على البيئة السياسية والتعددية الديمقراطية في اليمن، الأمر الذي ينطوي على نية مبيته للإبقاء على خميرة الصراع في اليمن.

ثمة إرادة حقيقية لدى طرفي الحرب في الوصول إلى أهداف الحسم العسكري، وإنهاء الوضعية الاستثنائية الصعبة التي يعيشها اليمنيون، إلا أن توازن القوى الحالي أفقدهما قدرة السيطرة على مجريات الحرب، في مقابل الهيمنة الواضحة التي تتمتع بها القوى الإقليمية والدولية
ثمة إرادة حقيقية لدى طرفي الحرب في الوصول إلى أهداف الحسم العسكري، وإنهاء الوضعية الاستثنائية الصعبة التي يعيشها اليمنيون، إلا أن توازن القوى الحالي أفقدهما قدرة السيطرة على مجريات الحرب، في مقابل الهيمنة الواضحة التي تتمتع بها القوى الإقليمية والدولية، والتي لا تتوقف على التحكم بموارد المال والسلاح والقرار، بل أيضا على التحكم في تأمين الحصص السياسية والجيوسياسية المستقبلية لأطراف الحرب.

جماعة الحوثي التي تظهر أمام العالم مستقلة إلى حد كبير في خياراتها العسكرية، على نحو ما أظهرته المواجهات في جنوب البحر الأحمر، لا تمتلك ترف الذهاب الفوري أو اختبار قدرتها في حسم الموقف العسكري مع أطراف الحرب الأخرى. ويُعزى ذلك إلى أن قدراتها العسكرية النوعية لا تشكل عامل ردع للقوى المحلية على الإطلاق، فلا أهداف حساسة يمكن الوصول إليها لتقليص فارق القوة وزمن المواجهة ودفع الطرف الآخر للاستسلام.

أكثر المنشآت حساسية هي المنشآت النفطية والغازية، وهي منشآت معطلة حاليا ولا تمثل امتيازا حربيا للحكومة الشرعية التي تقع تحت سيطرتها، في ظل توقف الصادرات النفطية والغازية، وهو أمر انعكس على الميزانية وعلى الهشاشة الحادة للاقتصاد والعملة المتداولة في مناطق الشرعية.

لدي يقين بأن الحوثيين لا يرغبون في اختبار قوى الشرعية، على تفرقها، لأنه إن حدث ذلك فسيكون ذلك مدعاة لتأمين الحد المطلوب من التوافق داخل معسكر الشرعية المنقسم بفعل التدخل الإقليمي، الذي سيكون مضطرا لتوفير الامدادات العسكرية الكفيلة بخوض مواجهة؛ إما أن تبقي التوازن عند مستوياته الحالية أو قد تدفع باتجاه تقليص نفوذ الحوثيين وربما هزيمتهم، وكلاهما أمران يمكن تحقيقهما.

أخطر ما تنطوي عليه المعركة المحتملة مع الحوثيين؛ هو التحييد والتعطيل متعدد الأبعاد للسلطة الشرعية وقواها إلى جانب الغموض في المسار السياسي، الذي بات يفتقد بوضوح للحد المطلوب من الالتزام بالمرجعيات الحاكمة للأزمة اليمنية
يدرك الحوثيون أن خطورة التحول في الموقف الجيوسياسي الأمريكي تجاه الصراع في اليمن، من دعم واضح للحوثيين إلى استهدافهم، وإلى السعي الحثيث لتعطيل قوتهم العسكرية، وهو أمر بدأ مع الاستهداف الدقيق للأهداف مختارة من مخازن السلاح المحصنة ومراكز العمليات، وتكثيف الرقابة العسكرية الجوية والسعي الحثيث لإيجاد بدائل أكثر فعالية لخوض معركة حاسمة متعددة الأطراف ضدهم، وهو أمر قد لا يستغربه الحوثيون الذين وجدوا أنفسهم، بفعل الضغط الأمريكي على الرياض، يفاوضون الحكومة السعودية، ويخططون مع سفيرها وفريقه مستقبل حكم اليمن دون وجود يذكر للسلطة الشرعية المعترف بها دوليا وقواتها ورجالها.

الدور الذي لعبته الدول الأوروبية، وساهم في تنميط المعركة وتكريس بُعدها الإنساني وتخادم بشكل مباشر وغير مباشر مع جماعة الحوثي، قد تراجعت مفاعيله بسبب التحول في الموقف الأمريكي، وهو أمر لا شك سيُضيِّقُ مساحةَ هذا العبث، الذي ساهمت المنظمات الغربية في تغذيته، قبل أن يتبين مؤخرا أنها كانت تعتمد في جزء كبير من نشاطها على الدعم الأمريكي، الذي أوقفته إدارة ترامب.

إن أخطر ما تنطوي عليه المعركة المحتملة مع الحوثيين؛ هو التحييد والتعطيل متعدد الأبعاد للسلطة الشرعية وقواها إلى جانب الغموض في المسار السياسي، الذي بات يفتقد بوضوح للحد المطلوب من الالتزام بالمرجعيات الحاكمة للأزمة اليمنية، وهذه المخاوف مصدرها سلوك المتنفذين الإقليميين، الذين استَبَقوا لحظةَ الحسم المرتقبة، بتقييد المشهد اليمني بحزمة من الاتفاقيات والتفاهمات العبثية التي عززت سلطة الحوثيين، وعززت نفوذ الكانتونات المسلحة، بما يمثله بعضها من استهداف واضح لوحدة اليمن وسلامة أراضيه.

x.com/yaseentamimi68

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحرب اليمنيين الشرعية الحوثيين اليمن الشرعية الحوثي حرب سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مع الحوثیین فی الیمن وهو أمر

إقرأ أيضاً:

ساكاليان لـ سانا: زيارة فريق اللجنة الذي ضم مختصين من مجالات متعددة لمحافظة السويداء شكلت فرصة لفهم الوضع بشكل أفضل وتوسيع نطاق الاستجابة لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، وذلك بالتعاون الوثيق مع الهلال الأحمر العربي السوري

2025-07-30Zeinaسابق ساكاليان لـ سانا: اللجنة على استعداد تام لمواصلة العمل للتخفيف من تبعات الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء على المجتمعات المتأثرة، حيث انضم فريق منها الإثنين الفائت إلى القوافل الإنسانية التابعة للهلال الأحمر العربي السوري التي دخلت محافظة السويداء، ضمن الجهود المتواصلة لتعزيز الاستجابة الإغاثية للأسر المتضررة وتلبية احتياجاتها الأساسيةالتالي ساكاليان لـ سانا: فريق اللجنة الدولية تحدث مع العائلات وفعاليات مجتمعية والعاملين في المجال الصحي لتحديد أكثر الاحتياجات أهمية وضرورة انظر ايضاًساكاليان لـ سانا: فريق اللجنة الدولية تحدث مع العائلات وفعاليات مجتمعية والعاملين في المجال الصحي لتحديد أكثر الاحتياجات أهمية وضرورة

آخر الأخبار 2025-07-30رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا ستيفان ساكاليان لـ سانا: التنسيق مستمر مع السلطات السورية في دمشق وجميع الجهات الفاعلة على الأرض في محافظة السويداء لدعم الاستجابة الإنسانية فيها 2025-07-30اتفاقية تعاون بين الفلاحين والبحوث العلمية الزراعية لتطوير وتحسين جودة المنتج الزراعي 2025-07-30نادي المجد الرياضي… من أقدم الأندية الرياضية بدمشق وأبرزها في تخريج المواهب 2025-07-30وزير الطاقة التركي آلب أرسلان بيرقدار: تزويد سوريا بالغاز الطبيعي القادم من أذربيجان إلى محافظة حلب يبدأ في الثاني من آب المقبل عبر ولاية كيليس التركية 2025-07-30خان شيخون يقترب من حسم تأهله للدوري الممتاز 2025-07-30وزارة الداخلية: مزاعم حصار محافظة السويداء دعاية أطلقتها المجموعات الخارجة عن القانون لتسويق فتح معابر غير نظامية مع محيط المحافظة داخل الجمهورية وخارجها 2025-07-30البدء بأعمال تأهيل قسم الحروق بمشفى حماة الوطني وفق أحدث المعايير 2025-07-30“إعلان نيويورك”: إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين ومنحها عضوية كاملة بالأمم المتحدة 2025-07-30مالطا تعلن عزمها الاعتراف بدولة فلسطين 2025-07-30استمراراً لسلسلة الدورات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي… التنمية الإدارية تواصل تطوير الكوادر الحكومية في تحليل البيانات

صور من سورية منوعات اكتشاف بصمة يد عمرها 4 آلاف عام على أثر طيني مصري 2025-07-28 رجل صيني يثير جدلاً بتحويل سيارته إلى حوض أسماك متنقل 2025-07-28
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • ساكاليان لـ سانا: زيارة فريق اللجنة الذي ضم مختصين من مجالات متعددة لمحافظة السويداء شكلت فرصة لفهم الوضع بشكل أفضل وتوسيع نطاق الاستجابة لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، وذلك بالتعاون الوثيق مع الهلال الأحمر العربي السوري
  • نهب حصة اليمن من أسماك التونة يثير تساؤلات عن دور الحكومة الشرعية
  • الفلبين تطلب من "الدول الصديقة" المساعدة في تحرير 9 بحارة محتجزين لدى الحوثيين في اليمن (ترجمة خاصة)
  • وزير الدفاع اليمني يكشف عن خطة استراتيجية بمشاوكة أربع دول لإقتلاع الحوثيين من اليمن لكنه أصيب بالصدمة .. عاجل
  • مستنقع اليمن.. لماذا لا تنتصر القوة الأمريكية على الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • صحيفة روسية: اليمن يهزم القوى الكبرى ويفرض إرادته على البحر الأحمر
  • محمود مسلم: انتخابات مجلس الشيوخ مختلفة حيث تعتمد على الشخصيات العامة التي لها ثقل سياسي في الشارع
  • جنرال أمريكي: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ساهمت في تطوير التكتيكات العسكرية الأمريكية
  • رواية مدين نجل "صالح" عن مقتل والده برصاص الحوثيين تثير الجدل في اليمن
  • انهيار اقتصادي وشيك في اليمن بعد فشل سياسات العليمي ... وحلفاء الشرعية يتفرجون