الاحتلال يمضي في تهويد المسجد الإبراهيمي.. نقل الصلاحيات تمهيدًا لتحويله إلى كنيس
تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT
#سواليف
تصاعدت ردود الفعل الفلسطينية عقب قرار سلطات #الاحتلال الإسرائيلي نقل صلاحيات الأعمال في صحن المسجد الإبراهيمي بمدينة #الخليل إلى ما تُسمى “هيئة التخطيط المدني” التابعة لحكومة الاحتلال، في خطوة اعتبرتها الفصائل الفلسطينية والسلطة “انتهاكًا صارخًا لحقوق #المسلمين ومحاولة لتهويد #الحرم_الإبراهيمي”.
خطوة جديدة نحو #التهويد
أبلغت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إدارة المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل، عبر الارتباط المدني الفلسطيني، بنقل كافة صلاحيات الأعمال في سقف صحن المسجد من وزارة الأوقاف الفلسطينية إلى الاحتلال الإسرائيلي.
ويشمل القرار استئناف أعمال تغطية سقف المنطقة المعروفة باسم “الصحن”، والتي كان مستوطنون قد استولوا عليها، ووضعوا فيها خيمة للعبادة منذ 20 عامًا، مطالبين بتسقيفها لتصبح مكانًا دائمًا للصلاة اليهودية.
وبحسب تقارير محلية، فإن الاحتلال شرع في تسقيف الصحن لأول مرة في يوليو/تموز 2024، لكنه اضطر إلى إيقاف العمل بعد احتجاجات شعبية واسعة. والآن، مع تجدد القرار الإسرائيلي، يُخشى أن تمضي إسرائيل قدمًا في تحويل جزء كبير من المسجد الإبراهيمي إلى كنيس يهودي.
الحرم الإبراهيمي #ملكية_إسلامية خالصة
في بيان رسمي، أكدت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية أن “الحرم الإبراهيمي ملكية وقفية خالصة للمسلمين، ولا يحق لأي جهة العبث به أو تغيير معالمه”.
وأوضحت الوزارة أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى لفرض سيطرته الكاملة على المسجد، وتحويله تدريجيًا إلى كنيس يهودي، معتبرة أن ذلك “تعدٍّ خطير على مقدس إسلامي، وانتهاك للقوانين الدولية التي وضعت الحرم على قائمة الموروث الحضاري عام 2017”.
وأشارت الوزارة إلى أن الاحتلال يسعى إلى فرض واقع جديد في المسجد، سواء من خلال أعمال التهويد أو من خلال “انتهاكاته اليومية، وتدنيسه للحرم”، داعية أبناء الشعب الفلسطيني في الخليل والضفة الغربية إلى “التصدي لهذه المخططات والمرابطة داخل المسجد لحمايته من التهويد”.
تقسيم المسجد
أدانت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” القرار الإسرائيلي، معتبرة أنه يأتي في إطار “مخطط صهيوني لتهويد المسجد الإبراهيمي، وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا، كما جرى في المسجد الأقصى”.
وقالت الحركة في بيانها: “هذا القرار يتزامن مع الذكرى الحادية والثلاثين لمجزرة المسجد الإبراهيمي، ويكشف نوايا الاحتلال الحقيقية وتصميمه على مواصلة تهويد المسجد وتقسيمه والسيطرة عليه”.
وأكدت “حماس” أن “المسجد الإبراهيمي ملكية وقفية خالصة للمسلمين، وأن جميع مخططات الاحتلال الرامية إلى تهويده بالكامل والسيطرة عليه ستبوء بالفشل أمام تصدي شعبنا الفلسطيني، ولا سيما أهالي مدينة الخليل الأبطال”، داعية الفلسطينيين إلى “حماية المسجد الإبراهيمي والرباط فيه لإفشال المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير معالمه والسيطرة عليه”.
دعوة إلى #النفير_والرباط
من جهتها، دعت حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينيين في الخليل والضفة الغربية إلى “النفير العام والرباط في المسجد الإبراهيمي”، معتبرة أن القرار الإسرائيلي يأتي ضمن “سياسة الاحتلال الممنهجة لتهويد المقدسات الإسلامية، وفرض سيطرته الكاملة على المسجد”.
وأضافت الحركة، في بيان لها، أن “هذه الخطوة لن تمر مرور الكرام، فشعبنا الفلسطيني الذي أفشل كل محاولات الاحتلال في السابق، سيواصل تصديه لمؤامرات التهويد”.
سنوات من التهويد والتقسيم
يقع المسجد الإبراهيمي في البلدة القديمة من الخليل، التي تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، ويعيش فيها نحو 400 مستوطن تحت حماية 1500 جندي إسرائيلي.
وفي عام 1994، قسّمت إسرائيل المسجد إلى 63% لليهود و37% للمسلمين، عقب المجزرة التي ارتكبها المستوطن الإرهابي باروخ غولدشتاين، والتي أسفرت عن مقتل 29 مصليًا فلسطينيًّا داخل المسجد أثناء صلاة الفجر.
ومنذ ذلك الحين، فرض الاحتلال قيودًا مشددة على دخول الفلسطينيين إلى المسجد، فيما سمح للمستوطنين بإقامة طقوسهم الدينية داخله، مع منع رفع الأذان فيه خلال الأعياد اليهودية.
تصاعد العدوان الإسرائيلي في الضفة الغربية
يتزامن القرار الإسرائيلي بشأن المسجد الإبراهيمي مع تصعيد غير مسبوق في الضفة الغربية، حيث كثف المستوطنون والجيش الإسرائيلي اعتداءاتهم منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ووفق معطيات رسمية فلسطينية، فقد أسفرت الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية عن استشهاد ما لا يقل عن 924 فلسطينيًا، وإصابة نحو 7 آلاف شخص، واعتقال 14 ألفًا و500 آخرين.
أما في قطاع غزة، فخلال الفترة ما بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، شنت إسرائيل حربًا مدمرة، أسفرت عن أكثر من 160 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود، في واحدة من أكثر الحروب دموية في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي.
وسط هذه التطورات، حذر مراقبون من أن الاحتلال يسعى إلى فرض أمر واقع جديد في المسجد الإبراهيمي، في ظل انشغال العالم بالحرب على غزة.
ويرى محللون أن القرار الإسرائيلي قد يشعل موجة جديدة من المواجهات في الضفة الغربية، خاصة في مدينة الخليل التي تشهد توترًا متصاعدًا بسبب ممارسات المستوطنين وحماية الجيش لهم.
كما أن تصاعد الغضب الشعبي قد يؤدي إلى اندلاع انتفاضة جديدة، خاصة مع دعوات “حماس” و”الجهاد الإسلامي” للنفير العام والرباط في المسجد الإبراهيمي، ما ينذر بجولة جديدة من المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال في الضفة الغربية.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الاحتلال الخليل المسلمين الحرم الإبراهيمي التهويد الاحتلال الإسرائیلی القرار الإسرائیلی المسجد الإبراهیمی فی الضفة الغربیة فی المسجد
إقرأ أيضاً:
الضم الإسرائيلي للضفة الغربية: فشلٌ متكرر للنظام الدولي (قراءة قانونية)
أعاد تصاعد الدعوات الإسرائيلية لفرض السيادة على أجزاء من الضفة الغربية إحياء الجدل حول مشروعية الضم في القانون الدولي، ومآلاته الدستورية داخل إسرائيل. ففي 23 تموز/ يوليو 2025، صوّت الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) بالأغلبية على قرار رمزي يدعو إلى فرض السيادة على الضفة الغربية وغور الأردن، في خطوة أثارت جدلا واسعا حول مدى تحول هذا التوجه السياسي إلى واقع قانوني. ومنذ ذلك الحين، تصاعدت المبادرات التشريعية والمواقف الحزبية المؤيدة للضم، دون أن تُستكمل فعليا بقرارات دستورية ملزمة.
لكن ما يجب التنبّه له أن الضم لا يُمكن قراءته كخطوة ظرفية مرتبطة بحكومة يمينية أو بتطور عسكري معين، بل هو جزء من سياسة إسرائيلية منهجية وممتدة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية تدريجيا، عبر تفريغ الأرض من معناها السياسي والقانوني، وتقويض أسس إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وهي سياسة تجاوزت الانقسامات الحزبية داخل إسرائيل، وارتبطت برؤية استعمارية طويلة الأمد تسعى لتكريس واقع لا رجعة فيه.
الضم لا يُمكن قراءته كخطوة ظرفية مرتبطة بحكومة يمينية أو بتطور عسكري معين، بل هو جزء من سياسة إسرائيلية منهجية وممتدة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية تدريجيا، عبر تفريغ الأرض من معناها السياسي والقانوني، وتقويض أسس إقامة دولة فلسطينية مستقلة
في هذا المقال، نعرض قراءة تحليلية شاملة تستند إلى القانون الدولي العام والإنساني، وتتوقف عند المسار التشريعي الإسرائيلي وخلفيته الدستورية، كما نُقارن بين الضم الفعلي والضم القانوني، ونستخلص دروسا من سوابق ضمّ القدس الشرقية وهضبة الجولان. هذه المقالة تسعى إلى الإجابة عن سؤال محوري: هل ما يُطرح إسرائيليا هو خيار قابل للتحقّق، أم مجرّد مشروع سياسي يصطدم بحاجز القانون؟
الضم في ضوء القانون الدولي العام والإنساني
يُعد الضم (Annexation) من أخطر الانتهاكات التي تواجه النظام القانوني الدولي، ويُعرَّف بأنه الإجراء الذي تفرض من خلاله دولة ما سيادتها رسميا على أرض تابعة لدولة أو كيان آخر، غالبا بعد سيطرة عسكرية. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، رسّخ القانون الدولي العام مبدأ جوهريا يُحرّم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. وقد نص ميثاق الأمم المتحدة في مادته الثانية، الفقرة الرابعة، على حظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي. بناء عليه، يُعتبر ضم أي أراضٍ ناتج عن الاحتلال العسكري باطلا وغير مشروع.
هذا المبدأ لم يبقَ حبرا على ورق، بل وجد ترسيخا في قرارات مجلس الأمن، لا سيّما في السياق الفلسطيني. فقد شددت قرارات 242 (1967)، و338 (1973)، و2334 (2016) على عدم شرعية أي إجراءات تهدف إلى تغيير الوضع القانوني للأراضي المحتلة عام 1967، بما فيها الضفة الغربية والقدس الشرقية. كما اعتُبر كل من الاستيطان ومحاولات الضم انتهاكا للقانون الدولي، ولا تُغيّر شيئا من الوضع القانوني للأرض المحتلة.
عند محاولة إسرائيل ضم القدس الشرقية عام 1980 من خلال "قانون أساس: القدس"، أصدر مجلس الأمن القرار 478 الذي اعتبر القانون الإسرائيلي باطلا، ودعا الدول إلى نقل سفاراتها خارج المدينة. وتكرر الموقف ذاته في قرار 497 عام 1981 بعد فرض القانون الإسرائيلي على الجولان السوري المحتل، حيث أُعلن أن الضم لا ينتج أي أثر قانوني دولي، ويُعد لاغيا وباطلا. تنسجم هذه المواقف مع قاعدة عرفية راسخة مفادها أن الضم الأحادي لأراضٍ محتلة لا يُكسب سيادة ولا يُعترف به دوليا.
من جهة أخرى، ينظر القانون الدولي الإنساني، وتحديدا اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، إلى الضم باعتباره تهديدا مباشرا لحماية السكان المدنيين. فالمادة 47 من الاتفاقية تنص صراحة على أن الأشخاص الواقعين تحت الاحتلال لا يمكن حرمانهم من الحماية بموجب أي اتفاق أو إجراء، بما في ذلك الضم. وتُؤكد المادة 49/6 على حظر نقل سكان دولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة، ما يجعل الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية خرقا جوهريا للاتفاقية.
كما أن قراري مجلس الأمن 478 و497 لم يكتفيا برفض الضم من منظور القانون الدولي العام، بل شددا على استمرار سريان اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي المحتلة رغم إعلان إسرائيل ضمها. وهو ما يؤكد أن الضم لا يُنهي صفة الاحتلال، ولا يُعفي الدولة المحتلة من التزاماتها الإنسانية.
القانون الدولي العام والإنساني يُجمعان على رفض شرعية الضم، ويعتبرانه انتهاكا مزدوجا: من جهة هو خرق لسيادة الدول، ومن جهة أخرى هو تعدٍّ على حقوق الشعوب وأمنها، ويمثّل تصعيدا قانونيا غير مشروع للوضع الاحتلالي القائم
الضم أيضا يقوّض حق الشعوب في تقرير المصير، أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي. وفي رأيها الاستشاري الصادر عام 2004 بشأن الجدار العازل، أكدت محكمة العدل الدولية أن أي ضم فعلي لأجزاء من الضفة الغربية يشكّل انتهاكا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، مشددة على أن بقاء الضفة تحت الاحتلال لا يمنح إسرائيل أي سيادة قانونية عليها، سواء بحكم الواقع أو القانون.
وبذلك، فإن كلا من القانون الدولي العام والإنساني يُجمعان على رفض شرعية الضم، ويعتبرانه انتهاكا مزدوجا: من جهة هو خرق لسيادة الدول، ومن جهة أخرى هو تعدٍّ على حقوق الشعوب وأمنها، ويمثّل تصعيدا قانونيا غير مشروع للوضع الاحتلالي القائم، يهدد الاستقرار الدولي ويقوّض فرص الحل العادل.
المسار التشريعي داخل إسرائيل بشأن الضم
لفهم التوجّه التشريعي الإسرائيلي نحو ضم الضفة الغربية، لا بد من التوقف عند بنية النظام الدستوري في إسرائيل، الذي لا يعتمد دستورا مدوّنا بل مجموعة من "قوانين الأساس" والقوانين العادية. سبق أن لجأت إسرائيل إلى تشريعات لضم أراضٍ محتلة، مثل قانون أساس القدس (1980) وقانون الجولان (1981)، رغم الرفض الدولي الواضح لهما.
ورغم السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية منذ عام 1967، امتنعت الحكومات المتعاقبة عن إعلان الضم القانوني الشامل، باستثناء توسيع حدود بلدية القدس لضم أجزاء من الضفة. ومع ذلك، لم تغب محاولات الضم عن أروقة الكنيست، إذ قُدّمت عدة مشاريع قوانين لتطبيق السيادة على مستوطنات أو مناطق بعينها.
في أيار/ مايو 2024، صوّت الكنيست بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون لضم مناطق من جنوب الضفة (جبال الخليل الجنوبية)، ونجح بالقراءة الأولى دون أن يتحوّل إلى قانون نافذ، ما يجعله أقرب إلى إعلان نوايا. كذلك، في تموز/ يوليو 2025، صوّت الكنيست بأغلبية على قرار رمزي يدعو إلى فرض السيادة على الضفة وغور الأردن، لكنه غير ملزم قانونيا.
تشير هذه الخطوات إلى توفر إرادة سياسية مبدئية للضم، لكنها تبقى رمزية وغير مُكتملة دستوريا ما لم تُتَوج بإقرار قانون فعلي في القراءات الثلاث. وبالتالي، تستمر الإدارة الفعلية للضفة عبر أوامر عسكرية وإدارة مدنية، ولم تُفرَض السيادة القانونية الإسرائيلية عليها بعد، باستثناء القدس الشرقية.
ومن اللافت أن المحكمة العليا الإسرائيلية تتجنب البت في قانونية الضم، وتعدّه مسألة سياسية سيادية، إلا أن أي ضم واسع سيفتح جدلا داخليا حادا حول وضع الفلسطينيين في الضفة، بين خيار منحهم الجنسية أو تكريس التمييز، وهو ما يمس صميم النظام السياسي والدستوري الإسرائيلي.
القدس الشرقية والجولان: دروس من حالات الضم السابقة
لقياس الأثر القانوني لأي ضم رسمي مستقبلي للضفة، يجدر النظر في سابقتي القدس الشرقية (1967-1980) والجولان (1981). فعقب احتلال القدس الشرقية عام 1967، اتخذت إسرائيل إجراءات أحادية لدمجها: أُخضعت القدس الشرقية للإدارة الإسرائيلية المدنية، ومنحت لسكانها وضعية "المقيم الدائم" بدل الجنسية الكاملة. ثم في عام 1980 سنّ الكنيست قانون أساس القدس عاصمة إسرائيل، معلنا أن القدس "الكاملة والموحدة" عاصمة للدولة، في تكريس رسمي للضم. هذا الإجراء قوبل برفض دولي قاطع -كما أسلفنا عبر قرار مجلس الأمن 478 (1980)- ولم تعترف أي دولة بسيادة إسرائيل على القدس الشرقية (حتى الولايات المتحدة لم تعترف بذلك رسميا إلا في 2017 مع نقل سفارتها، بشكل ما زال موضع انتقاد دولي). وبسبب عدم الاعتراف الدولي، ظلت القدس الشرقية بحكم القانون الدولي أرضا محتلة ينطبق عليها القانون الدولي الإنساني.
ترتبت على ضم القدس الشرقية أوضاع قانونية شاذة لسكانها الفلسطينيين. فلم تمنحهم إسرائيل جنسيتها تلقائيا، بل اعتبرتهم "مقيمين دائمين" يمكنهم العيش والعمل في القدس تحت السيطرة الإسرائيلية ولكن دون تمتعهم بكامل حقوق المواطنة. هذا الوضع الهجين ابتدعته إسرائيل للحفاظ على أغلبية يهودية في المدينة دون منح غالبية الفلسطينيين حق المواطنة.
أما في الجولان السوري المحتل، فبعد فرض القانون الإسرائيلي عليه عام 1981، واجه سكانه الدروز وضعا مماثلا: رفض كثيرون الجنسية الإسرائيلية وعُدّوا مقيمين في أرض ضمّتها إسرائيل. المجتمع الدولي بدوره رفض هذا الضم كما يظهر في قرار مجلس الأمن 497 (1981) سالف الذكر، وبقيت هضبة الجولان معترفا بها دوليا كأرض سورية محتلة. وبالتالي، يتضح من هاتين الحالتين أن الضم من جانب واحد لم يُكسب إسرائيل شرعية قانونية دولية على القدس أو الجولان، بل وضعها في مواجهة مع قرارات أممية تؤكد عدم الاعتراف وآثار قانونية عقابية (مثل دعوة الدول لسحب بعثاتها الدبلوماسية من القدس).
إن الأثر القانوني الفعلي للضم بالنسبة لإسرائيل تمثل داخليا في بسط القوانين والإدارة المدنية الإسرائيلية على الإقليم المضموم وتغيير مركز سكانه القانوني أمام قوانينها، ولكنه في المقابل لم يغيّر شيئا على الصعيد الدولي سوى تعميق عزلتها بشأن تلك الأراضي. وعلى الأرض، يمكن القول إن ضم القدس والجولان كان أقرب إلى إجراءات أحادية غيرت الوضع الإداري داخليا دون أن تنهي وضع الاحتلال أو ترتب سيادة معترف بها. هذا الدرس ينذر بأن أي محاولة مماثلة في الضفة الغربية ستقابل غالبا بالموقف الدولي ذاته، مع احتمال عواقب أشد نظرا لحجم القضية الفلسطينية عالميا.
الفرق بين الإدارة الفعلية والضم القانوني: الواقع في مواجهة القانون
يثير الواقع في الضفة الغربية سؤالا جوهريا: ما الفرق بين السيطرة الفعلية الإسرائيلية دون إعلان رسمي، وبين الضم القانوني الكامل الذي يُدخل الأرض ضمن السيادة الإسرائيلية رسميا؟ على مدى أكثر من خمسة عقود، مارست إسرائيل ما يُعرف بـ"الضم الفعلي" (de facto) من خلال الاستيطان، وتطبيق قوانينها على المستوطنين، وفرض وقائع إدارية تدريجية. وقد أطلق بعض الباحثين على هذا الوضع توصيف "الاحتلال الضام" (Occu-annexation).
إسرائيل ما كانت لتجرؤ على طرح هذا المسار علنا، حتى ولو بشكل رمزي كما حصل في قرار الكنيست في تموز/ يوليو 2025، لولا هشاشة الموقف الدولي وعجزه المستمر عن فرض أي مساءلة فعليّة
لكن قانونيا، يبقى هناك فرق حاسم بين هذا الواقع الفعلي والضم الرسمي (de jure). فالضم الفعلي مؤقت ويمكن التراجع عنه سياسيا، أما الضم القانوني فهو إعلان سيادة نهائي، يُلزم إسرائيل بمصير السكان الفلسطينيين، بين خيارين كلاهما مكلف: إما منحهم الجنسية، أو تكريس التمييز العنصري، بما يفتح الباب أمام وصف النظام الإسرائيلي بأنه فصل عنصري بنيوي. وهذا ما يدفع إسرائيل إلى التردد، مفضّلة إدارة الأرض دون تحمل أعباء السيادة عليها.
واللافت أن إسرائيل ما كانت لتجرؤ على طرح هذا المسار علنا، حتى ولو بشكل رمزي كما حصل في قرار الكنيست في تموز/ يوليو 2025، لولا هشاشة الموقف الدولي وعجزه المستمر عن فرض أي مساءلة فعليّة. فالضغوط الدولية، رغم رمزيتها، غالبا ما كانت أشبه بـ"شهادات حسن نية" تعفي الأطراف من المسؤولية دون أن تُغيّر شيئا على الأرض.
في ظل ذلك، يبقى الضم الرسمي لا يُغيّر من وضع الضفة كأرض محتلة في نظر القانون الدولي الإنساني، ما لم تعترف به غالبية الدول، وهو ما لم يحدث حتى في القدس أو الجولان. أما سياسيا، فإن الضم يُنهي ما تبقّى من وهْم "حل الدولتين"، ويُكرّس واقعا استعماريا معلنا. وعليه، فإن الضم الكامل للضفة يبقى معلّقا بين الممكن سياسيا والمستحيل قانونيا، مع ما يحمله من تبعات خطيرة على النظام الدولي، وحقوق الإنسان، ومصداقية المجتمع الدولي ذاته.