في "إجادة" المسؤول في إجازة
تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT
ناصر بن سلطان العموري
كنتُ قد طرحتُ مقالًا سابقًا عبر هذا المنبر بعنوان "بين عدالة الإجادة وحرية الثقافة"، خلال شهر مارس من السنة الماضية 2024، والذي تحدثت فيه عن دور منظومة "إجادة" لتقييم الموظف؛ لكي تكون محفزًا حقيقيًا للموظفين برداء الإجادة، لا أن تكون مجرد محطة لتعبئة الأهداف والأداء الفعلي، ومن ثم ربما يكون هناك دور لاحتمالية أن يتملق الموظفُ المسؤولَ وما أكثرهم! والذي عسى أن يكون ضميره حيًا للحكم بنزاهة وواقعية لاستمارة الموظف.
ما دعاني لطرح الموضوع مرة أخرى ظهور نتائج المجيدين منذ فترة قريبة لدى بعض الجهات وظهور عدة ظواهر نستطيع أن نقول عليها سلبية، إن لم يتم التدارك وإيجاد حلول على سبيل العلاج من قبل الجهات المشرفة على المنظومة. ومن أهم هذه الظواهر استغلال بعض المسؤولين- وأقول "البعض"- السلطة الممنوحة لهم بالقانون لاختيار مرشحين يرونهم بأعينهم أو بعيون غيرهم، أنهم الأجدار في الحصول على درجة الامتياز، رغم أنف مسؤوله المباشر الذي جاءته القائمة جاهزة في اختيار فلان عوضًا عن علان، رغم أن اختياره كان مخالفًا للموظف الذى تم اختياره، بحكم معرفته بأوضاع الجهة المشرف عليها وإلمامه بالموظفين، من يستحق من عدمه؛ بل إن بعض المسؤولين والمختصين بمنظومة إجادة في بعض الجهات من يخرج في إجازة فور صدور النتائج خشية مواجهة الواقع من ردود الفعل الغاضبة على عدم الإنصاف من قبل الموظفين.
موظف حكى لي شخصيًا مع ما عاناه من إجحاف، فقد ظلَّ يومين يُجافيه النوم ويطارده السهاد؛ نظرًا لأن مسؤوله لم يختاره لدرجة ممتاز، ولا بأس من درجة جيد جدًا، إن جاءت، رغم أنه يستحق وبشهادة مسؤوله الذي اعتذر له لاحقا، ولكن بعد ماذا؟! بعد خراب مالطا!! بل إن بعض الجهات تعاملت بدهاء إداري مع نشر صور المجيدين، حين نشرت معها صور الحاصلين على تقدير جيد جدًا، وكأنها تُرسل إشارات بأن الجميع مكرم؛ فهناك من حاز على التكريم بنشر صورته مع مبلغ مالي يُعنيه على ما هو قادم، وآخرون نشروا صورتهم على السبيل التحفيز المُبطَّن الذى لا يُوَلِّد سوى الغيرة والحسد وازدياد القيل والقال وكثرة السؤال بين الموظفين.
أعتقدُ أن منظومة "إجادة" بحاجة لإعادة تغيير شامل يتوافق مع معايير الوضوح والشفافية والنزاهة والعدالة التي دعت لها رؤية "عُمان 2040"، من خلال بناء القدرات الوطنية المنتجة والفاعلة والمساهمة في رقي الوطن وتحضره. وعلى كل مسؤول أن يعلم أنه مؤتمن ومُساءَل أمام الله على رعيته وموظفيه؛ إذ إنهم أمانة بين يديه، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، فلا يكفي أن يسمع من هذا وذاك بأن هذا الموظف يستحق درجة الامتياز؛ بل يجب أن يجتهد ويتواصل مع مسؤوله المباشر؛ كونه الأقرب له والشخص والأكثر معرفة ودارية به. طبعًا هذا يأتي مع تقدير الموظف في منظومة "وصول"، مع أنني أعلم تمام اليقين أن الأهداف ومعها النتائج لا تعكس الصوة الكاملة والحقيقية لمستوى الموظف الحقيقي على أرض الواقع؛ فهي مجرد أهداف ونتائج مقرونة مع نسب وأعداد، فرزها الجهاز من بعد بطريقة حسابية بحتة.
وأتمنى أن وزارة العمل بصفتها المُشرِفة على منظومة "وصول" أن تفتح نافدة مباشرة، تكون هي المسؤولة عنها لتلقي الشكاوى من الموظفين المتظلمين وما أكثرهم!؟ نعم، هناك نافدة خاصة تُعلن عنها كل جهة عبر دائرة الموارد البشرية، ولكن أعتقد أنها لا تنقل الحقيقية كاملة وتظل رهينة المحسوبية والبيروقراطية.
منظومة "إجادة" ربما وُجِدَت لتبقي، ولكن ينبغي تسخيرها وتطويرها لتكون حافزًا مُحفِّزًا للموظف، وانعكاسًا لنتاج عمله بشكل تعكسه مرآة الواقع، لا أن تكون محطة لإدراج الأهداف والنتائج، ويا حبذا لو يتم إدخال الذكاء الاصطناعي في علمية اختيار الموظف المتميز من قبل الجهاز نفسه، بناءً على ما أُدخل سلفًا من نتائج وأهداف، لعله يكون أكثر حيادية ومنطقية أكثر من بني البشر أنفسهم؛ فهم في الأخير أصحاب أهواء وغرائز يتحكم فيهم القلب قبل العقل.
"خارج النص"..
كما درجت العادة، يحتجب كاتب هذا العمود عن الظهور خلال شهر رمضان المبارك، على أمل العودة- بإذن الله تعالى- بعد عيد الفطر المبارك. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.. أعاننا الله على الصيام والقيام وقراءة القرآن.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الخوذة والهراوة… من يحمي العراقي من حُماته؟
بقلم : الحقوقية انوار داود الخفاجي ..
في شوارع بغداد والبصرة والناصرية وإقليم كردستان، لم يعد من الغريب أن ترى رجل الأمن يلوّح بهراوته أو يطلق قنابله الصوتية والغازية في وجه شاب أعزل لا يحمل سوى لافتة مكتوبة بخط يده، أو ربما صوت مبحوح يطالب بماء وكهرباء وتعيين ورواتب . المشهد الذي بات مألوفاً، لا يجب أن يُقبَل، لأن ما هو مألوف ليس بالضرورة ما هو صائب.
أن يضرب رجل الأمن المتظاهرين، فذلك ليس مجرد تجاوز فردي ، كما تُحب بعض التصريحات الرسمية أن تصفه. بل هو سلوكٌ متجذّر في عقلية أمنية تشبعت بثقافة القمع لا الخدمة، بثقافة السيطرة لا الحماية. رجل الأمن الذي يُفترض أن يكون حامي الشعب تحوّل، في مشاهد كثيرة، إلى أداة لكتم الصوت، وربما في بعض الحالات، إلى قاتل لا يُسأل عمّا يفعل.
من أين أتت هذه التصرفات؟ من أين أتى الضرب والتعذيب والخطف وحتى القتل بدم بارد؟ الجواب ليس بسيطاً، لكنه واضح. إنها نتيجة تراكم سنوات من الفساد والمحاصصة والطائفية التي أنتجت نظاماً سياسياً يخشى أي صوت حر. فبدلاً من أن يُربّى رجل الأمن على مبادئ القانون وحقوق الإنسان، يُدرّب في أجواء الخوف والطاعة العمياء. يُقال له المتظاهر عدو ، ويُعطى الضوء الأخضر لضربه، كأنه لا يضرب مواطناً مثله، بل عدواً للدولة.
المسؤول عن ذلك ليس فقط الشرطي الذي يحمل الهراوة، بل من أرسله، ومن أصدر الأمر، ومن صمت عن المحاسبة. المسؤول هو النظام السياسي بكل مفاصله و من بيده القرار الأمني والسياسي. الجميع شريك في هذه الجريمة، بالصمت أو بالتواطؤ أو بالتحريض.
كيف يدافع المواطن عن نفسه إذن؟ هل هو أمام رجل أمن أم أمام نظام قمعي؟ الحقيقة أن رجل الأمن، في كثير من الأحيان، لم يعد يمثل القانون، بل أصبح واجهة لنظام لا يؤمن بالحقوق. والدفاع هنا لا يكون بالسلاح أو العنف، بل بالوعي، بالإعلام، بالقانون إن وُجد وبالموقف الشعبي المتماسك. المتظاهر ليس وحده، بل هو صدى لمطالب شعب بأكمله، والصدى إذا تكرر يتحول إلى موجة لا يمكن قمعها إلى الأبد.
ما يجري في العراق ليس شأناً أمنياً، بل معركة وعي وكرامة بين جيل يريد ابسط مقومات الحياة، ونظام يريد الصمت والجمود والخضوع. وبين الاثنين، يتوجب علينا أن نختار: هل نقف مع العصا أم مع الصوت؟ مع من يكمم الأفواه أم من يفتح العيون؟
ختاما الشارع العراقي قال كلمته مراراً، لكن من في السلطة يضع يديه على أذنيه. فمتى يُحاسب القامع لا المقموع؟ ومتى نرى في رجل الأمن صورة المواطن، لا سوط الجلاد؟