كما أنه لا يوجد تلازم بين الأدب والفقر، فلا يوجد أيضًا تلازم بينه وبين الغنى والثراء؛ ذلك أن الفقر والغنى مرتبطان بمجموعة كبيرة من العوامل والظروف المتعددة التي تتضافر معًا لتؤدي إلى نتيجة نراها في الأديب وغيره. ومن ثم فلا بد من إعادة التفكير في دقة المقولة العربية: “من أدركته حرفةُ الأدب وقع في مصيدة الفقر”، التي ربما قالها من قالها بسبب مجموعة شواهد عاصرها لأدباء عاشوا الفقر طوال حياتهم.
ومن هؤلاء الأديب والكاتب الشهير تشارلز ديكنز، الذي فَقَدَ حبيبته (ماريا بيرنل) بسبب فقره، حين قالت عنه: إن ديكنز شاب لطيف لكنه أديب، فهل يستطيع أن يعولني بقلمه؟ لكن حال ديكنز تغير فيما بعد إلى الأحسن. في حين كان الروائي الإنجليزي وليم ثاكري يرى أن الأدب ليس تجارة ولا مهنة، بل هي الحظ الأنكد.
أما الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، فقد كتب في عام 1844م كتابًا مهمًّا بعنوان (العالم إرادة وتمثلًا) ، لكنه لم يبع منه إلا نسخًا معدودة، والبقية بيعت أوراقًا تالفة، ولم يلتفت له أحد، ولم يتزوج، وأقام في آخر حياته وحيدًا في غرفة فندق، وهو في السبعين من عمره حتى تنبه له البعض، وقد أشرف على الموت فقال: بعد أن عشت حياتي وحيدًا منسيًّا، جاؤوا فجأة يزفُّونني إلى قبري بالطبول!
هناك- عربياً- الكاتب الكبير أبو حيان التوحيدي، الذي عاش فقيرًا حيث كان يعمل في الوراقة، فينسخ عشر ورقات في اليوم بعشرة دراهم.
أما الشاعر اللبناني رشيد سليم الخوري (1887-1984م) فقد هاجر إلى البرازيل، وعمل هناك بائعًا متجولًا، وقد كان شاعرًا، وهناك تعرف على فتاة جميلة كان يطمح إلى الزواج بها، لكنها رفضته، وأرسلت إليه مالًا أعاده إليها، وقال:
بعدت همتي فعفت كنوز
الأرض لما عرفت قيمة كنزي
لا أبالي شبعت أم جعت والفن
شرابي وعزة النفس خبزي
أما مقولة “أدركته حِرفة الأدب”، فقد قالها شعراء عديدون بطرق مختلفة، منهم أبو تمام، إذ قال:
إذا قصدتُ لشأوٍ خلتُ أني قد أدركتُه
ولكن أدركتني حُرفة الأدب
وابن بسام البغدادي الذي قال:
ما فيه لوٌّ ولا ليتٌ فتنقِصهُ
لكنما أدركته حُرفَةُ الأدب
أما دعبل الخزاعي فقال:
لقد علمت وما لي ما أعيش به
أن التي أدركتني حرفة الأدب
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
بحضور نحو 1.4 مليون زائر.. هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية تختتم معرض الرياض للكتاب
اختتمت هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، الذي نظمته الهيئة في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن خلال الفترة من 2 إلى 11 أكتوبر، تحت شعار “الرياض تقرأ”، وحلّت جمهورية أوزبكستان ضيف شرف المعرض، حيث قدّمت لزواره تجربة ثقافية متكاملة أبرزت منجزاتها الأدبية والفكرية، وعرّفت بتاريخها وتراثها وفنونها المتنوعة.
وقال الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور عبداللطيف الواصل: “إن معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 لهذا العام قدم نسخة استثنائية على جميع المؤشرات، حيث حقق زيادة في عدد الزوار بنسبة 37٪، وزيادة في المبيعات بنسبة 20%، مما يرسّخ مكانته كأكبر حدث ثقافي ومعرفي في المنطقة، يجمع نخبة من صنّاع الأدب والنشر والترجمة من أنحاء العالم، ليكون منصة للتبادل الثقافي والفكري، ونافذة مفتوحة على المعرفة والإبداع، تسهم في تعزيز مكانة المملكة الثقافية عربيًا ودوليًا .”
وأوضح الدكتور الواصل أن المعرض شهد هذا العام مشاركة واسعة من أكثر من 2000 دار نشر ووكالة من أكثر من 25 دولة، عرضت عشرات الآلاف من الكتب والإصدارات الجديدة التي وجدت صدى واسعًا بين القرّاء، وهو ما يؤكد جاذبية المعرض وقيمته بين معارض الكتاب الكبرى في العالم العربي.
كما واصلت منطقة الأعمال نجاحها للعام الثاني على التوالي، إذ جمعت الوكالات الأدبية المعنية بإدارة حقوق المؤلفين وعقودهم، إلى جانب الأجنحة المخصصة للجهات الحكومية والاستشارية والريادية في قطاع النشر.
وقدّمت المنطقة فرصًا استثمارية وخدمات متكاملة للناشرين والمؤلفين، كما شهدت المنطقة خلال أيام المعرض توقيع أكثر من 55 اتفاقية، إضافة إلى تقديم ما يزيد على 10500 استشارة متخصصة في مجالات النشر والتسويق وإدارة الحقوق الفكرية، وبرنامج أعمال نوعي تضمن أكثر من 45 فعالية، مما جعلها رافدًا أساسيًا لتطوير صناعة النشر في المملكة، ودعم المؤلفين السعوديين وتوسيع دائرة حضورهم في السوق المحلي والدولي.
وأشار الدكتور الواصل إلى أن البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض تضمن أكثر من 200 فعالية متنوعة، شملت ندوات فكرية وجلسات حوارية ومحاضرات وأمسيات شعرية وورش عمل، وعروض فنون أدائيّة، ومسرحيات وفعاليات للأطفال، أحياها وشارك فيها أدباء ومفكرون ومثقفون ومبدعون من المملكة وعدد من دول العالم، مما أوجد حراكًا ثقافيًا متجددًا وساهم في إثراء الحوار وتبادل الخبرات والتجارب.
وشكّلت منطقة الطفل في المعرض عنصر جذب رئيسًا للعائلات، حيث قدّمت فعاليات متنوعة، مما عزز مكانة المعرض كمساحة تثقيفية وترفيهية جمعت بين المعرفة والمرح.
وواصلت مبادرة ركن المؤلف السعودي دعمها للأقلام الشابة، إذ أتاحت الفرصة للعديد من المؤلفين السعوديين لعرض إصداراتهم الأولى التي طبعت بجهد ذاتي والتواصل المباشر مع جمهور القراء، مما ساهم في إبراز طاقاتهم الإبداعية وتقديمهم في فضاء النشر.
واختتم الدكتور الواصل بالتأكيد على أن معرض الرياض الدولي للكتاب يواصل مسيرته كمنصة عالمية للثقافة والفكر والإبداع، وحدث سنوي يفتح آفاق المعرفة، ويعزز صناعة النشر، ويدعم الاقتصاد الثقافي، ويجعل القراءة أسلوب حياة، منسجمًا مع مرتكزات الإستراتيجية الوطنية للثقافة ورؤية السعودية 2030.