لماذا نمتنع عن أكل اللحوم والبيض وغيره في زمن الصوم؟
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في زمن الصوم، يتبع الكثيرون نظامًا غذائيًا نباتيًا، مما يثير تساؤلات عديدة حول أسباب هذا الامتناع. هل هو مجرد عادة دينية أم أنه يرتبط بنظام إلهي وطبيعي له جذور تاريخية؟
منذ بداية الخلق، كان النظام الغذائي الذي يتبعه الإنسان والحيوانات يعتمد على النباتات. فقد خلق الله الإنسان نباتيًا، وأعطى آدم وحواء في الجنة طعامًا من البقول والثمار، كما ورد في الكتاب المقدس في سفر التكوين: “إني قد أعطيتكم كل بقل يبذر بذرًا على وجه كل الأرض وكل شجر فيه ثمر شجر يبذر بذرًا لكم يكون طعامًا” (تكوين 1: 29).
حتى بعد طرد الإنسان من الجنة، بقي النظام النباتي قائمًا، حيث أُضيف إليه الخضروات. لم يكن الإنسان يعاني من سوء التغذية رغم هذا النظام، بل على العكس، فقد عاش آدم 930 سنة. ولم يشر الكتاب المقدس إلى أي مشاكل صحية بسبب التغذية النباتية.
ورغم أن تناول اللحوم أصبح مسموحًا بعد الطوفان مع نوح، إلا أن النظام الغذائي النباتي استمر حتى في فترات لاحقة. على سبيل المثال، عندما قاد المسيح شعبه في البرية، كان طعامهم من المَن الذي كان يشبه البذور البيضاء وطعمه كالرقاق بالعسل (خر 16: 31).
على الصعيد الصحي، أظهرت الدراسات أن الطعام النباتي يعد غذاءً خفيفًا، هادئًا ومفيدًا لصحة الجسم. وليس من قبيل المصادفة أن الحيوانات التي تعتمد على النباتات في غذائها، مثل البهائم والطيور الداجنة، تتمتع بصحة جيدة وقوة بدنية. وأيضًا، يُلاحظ أن النباتيين غالبًا ما يتمتعون بصحة أفضل وأعمار أطول مقارنةً بأولئك الذين يتناولون اللحوم بكثرة.
ولم يقتصر الأمر على الصحة الجسدية فقط، بل إن الامتناع عن أكل مشتقات الحيوانات يحمل أبعادًا روحية ونفسية. فكبح رغباتنا في الاستهلاك والتحول عن استغلال الكائنات الحية يعكس شعورًا عميقًا بأن الحياة هي لله، وليس لنا. هذا الامتناع يشير إلى أننا لا يجب أن نكون محور الكون، بل نحن جزء منه، وأن هدفنا الأسمى هو محبة الله والآخرين.
كما أن الامتناع عن تناول الحليب والبيض يعد تذكيرًا لنا بتلك الروحانية التي تستعيد فيها جوارحنا تجربة الفطام والتحرر الروحي. فالامتناع عن هذه الأطعمة يساعدنا في العودة إلى مصدرنا الروحي وتعميق ارتباطنا بالله.
على الصعيد النفسي، يُعتبر الصوم خطوة هامة نحو التحرر من الأهواء الجسدية، حيث يصرح القديس مكسيموس المعترف بأن “من غلب الحنجرة فقد غلب جميع الأوجاع”، مشيرًا إلى أن التغلب على رغبات الطعام هو الأساس للتخلص من الأوجاع الداخلية والأهواء التي تحكم حياتنا.
يمكن القول إن الصوم ليس فقط علاجًا للروح، بل هو أيضًا علاج للجسد، ويساهم في تقوية الصحة الجسدية والروحية.
والصوم والطعام النباتي يمثلان فرصة للتوبة والتقرب إلى الله، وتذكيرًا بأن الحياة هي لله وليس لنا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: صوم القيامة الصوم
إقرأ أيضاً:
القومية والمكونات: رحلة الهوية والانتماء
لا أريد تسيير بحث أكاديمي، ولكن أريد تسليط الضوء على واقع نعيشه؛ مأساة متواصلة تبدأ بفكرة راقية وتتجه للتدني.
تعريف القومية ونشأتها
القومية، بمفهومها العام، هي أيديولوجية سياسية واجتماعية تركز على الانتماء إلى أمة معينة، تتشارك في خصائص مشتركة مثل اللغة، والثقافة، والتاريخ، أو الأرض. إنها فكرة تحرك الشعوب بالعصبية، في الوقت ذاته قد تكون مصدرا للانقسام والصراع بين القومية ذاتها عند هيمنة المغامرين والفاسدين على مصير شعب قد يمج سلطانهم لكنه يطيعهم عجزا أو عندما تستثار غريزته وخوفه من الآخر.
تعرف المعارف وويكيبيديا القومية بأنها "شعور بالانتماء الجماعي إلى "أمة"، يقوم على فكرة أن هناك هوية مشتركة تربط أفرادها. ظهرت القومية كأيديولوجية حديثة في أوروبا خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر، مرتبطة بحركات الاستقلال والتوحيد الوطني، مثل توحيد ألمانيا وإيطاليا، أو تحرر الشعوب من الاستعمار. كانت القومية في ذلك الوقت تعبيرا عن رغبة الشعوب في تقرير مصيرها، ورفض الهيمنة الأجنبية، سواء كانت إمبراطورية أو استعمارية".
نماذج منطقتنا في القومية أدت إلى تخلفه وتصارع القادة للقوميات ونفس القادة داخل القومية الواحدة، فالقومية لا تمنح فكرا قيميا متكاملا، فتجد دعاة القوميات من الأقليات يحاولون أن يحافظوا على نفوذهم في عملية معقدة من الظن بأنه يمتلك الحق في قيادة قومه
نلاحظ أن الغرب تبنى القومية لرمي الأثقال وليس عصبية فقط، لكنها بدون شك أورثت عصبيات ونوعا من الكراهية والاحتقار الداخلي؛ الذي لا يظهر تأثيره بحكم هيمنة نظام استعماري سرعان ما استفاد من نتائج الفورة القومية بإقامة النظام الاقتصادي الرأسمالي والدولة الحديثة، وتقاسمت تلك الدول النفوذ ومصادر الطاقة والإنتاج، لتحاول التوحد على أساس اقتصادي وسياسي، وهو نوع آخر من تعريف القومية، ونلاحظ أن فشله لم يعلن رغم انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي للنجاة من ثقل أصلا نسي عبر التاريخ أنه سبب استثارة القوميات.
هل القومية فكرة رابطة:
نماذج منطقتنا في القومية أدت إلى تخلفه وتصارع القادة للقوميات ونفس القادة داخل القومية الواحدة، فالقومية لا تمنح فكرا قيميا متكاملا، فتجد دعاة القوميات من الأقليات يحاولون أن يحافظوا على نفوذهم في عملية معقدة من الظن بأنه يمتلك الحق في قيادة قومه، إلى أنه الأنجح في الدفاع عن مصالحهم إلى استغلال الدعوة كلها والمساومات من أجل البقاء والهيمنة التي تُمنح له من جهات اقوى للحفاظ على المكتسبات استغلالا للقومية وليس دفاعا عن "المبادئ" كما يقال.
الدعوة القومية العربية: مكنت المصالح بالدعوة للقومية للاستعمار السيطرة وبقي يمد أذرعه بأشكال متعددة:
* استثارة المشاعر في إسقاط الدولة العثمانية؛ الذي كان يمثل نهاية نظام التخلف العام إلى التخصيص في التخلف وفق مصالح الدولة الحديثة التي تريد السوق والطاقة وليس مصالح القوميات.
* انقلاب المغامرين على الحكم والتعسف والظلم أدى إلى تدهور باتجاهين؛ الأول أن العرب فقدوا الثقة بالدعوات القومية واتضح أنها وسيلة لتبرير الطغيان، والعجز من العسكر عن إنجاز نسبة ضئيلة مما تزعمه النخب القومية التي اتخذت مسلك النفعية بدورها.
* استثار الظلم العام الأقليات الأثنية وكأن الظلم واقع عليها لوحدها وبفقدان الرابط الجامع بينها وبين العرب كالثقافة الإسلامية، أصبح هنالك قادة وعادة يكونون ممن يمتلكون الجرأة ولم يلبثوا طويلا إلا وتحولت حركاتهم بيد الدول الصناعية؛ تحركه لإبقاء حالة عدم الاستقرار بالإخلال الأمني أو التشكيك بإمكانية توحيد الأمة.
* الصراعات والاختلافات بين دعاة القومية انتقلت من الظن بامتلاك الحقيقة أمام مهيمن فاشل "لا يفهم القومية ومعانيها"؛ إلى إدراك هؤلاء بعد إزاحتهم أن الفكرة نفسها لا تصل بهم إلى حيث يريدون بحكم التنوع الإثني والتدخلات الخارجية التي بإمكانها إعاقة أي مسار نحو الاستقرار بإثارة خلل أمنى يمنع أي تطور مدني.
* الدول العربية من فكرة الأمة الجامعة إلى الفضاءات كمجلس التعاون الخليجي المتراجع حاليا، ومجالس فاشلة أرادت تقليده، ثم إلى "الدولة" الطامحة لإرضاء من تظنه مصدر استقرارها على حساب الشعوب المحكومة منهم وعلى حساب الأمة ككل.
* الأقليات نفسها مهما صغرت تنقسم وفق عدد أصحاب المصالح فيها، ودرجة صراعاتها تعتمد على مدى تأثر مصالح هذه الشخصيات وهي تكون على شكل أحزاب وعوائل وطوائف.
نفس الكلام ينطبق على الدعوات الطائفية، حيث تستغل المشاعر الدينية في تحقيق المصالح والمكتسبات الشخصية وتدمير الدين في نفس الوقت نتيجة ارتداد استنهاض غريزة التدين عندهم، وهذه تحتاج وقتا أطول للانكشاف بالرصيد الجماهيري، لأنها تخاطب غريزة حاكمة وليس قيمة اجتماعية ربما تتآكل.
نظام المكونات: هل ينتج أمة ودولة أم يفككها؟
نظام المكونات هو نموذج حكم يقسم المجتمع إلى مجموعات (طوائف، أعراق، أديان) ويمنح كل مجموعة حقوقا أو تمثيلا سياسيا بناء على هويتها. مثال بارز هو النظام الطائفي في لبنان ونظام طائفي إثني كما في العراق، هذا النظام يدّعي تحقيق التوازن بين المكونات، لكنه واقعا يعزز الانقسامات بدلا من الوحدة.
نظام المكونات، يعيق تكوين هذه الأمة. على سبيل المثال، في العراق، النظام السياسي بعد 2003 اعتمد على تقاسم السلطة بين الشيعة والسنة والأكراد، مما عزز الانقسامات بدلا من تعزيز هوية عراقية، وهذا نتج عنه اضطراب أمني وغياب للاستقرار المجتمعي عبّر عن مخاوف وأطماع دول الجوار وحيرة الشعب، وهي تحديات خطرة لم تك موجودة رغم سوء النظام ككل منذ تأسيس العراق؛ إن استثنينا عاملا مهما في النظام الملكي وهو إنشاء دولة بدأت بالتآكل تدريجيا بانقلاب تموز/ يولي الدموي واستبدل الارتقاء بالانحدار، لتعطي اليوم مؤشرا سلبيا في منعطف خطر وتخلف عن الخمسينات وليس قياسا بالتطور في العالم.
الصراعات تفكك الدولة، لأنها تحول دون بناء مؤسسات قوية أو هوية وطنية موحدة، فنجد تحييدا وعدم اهتمام بالكفاءات وامتصاص للهيكل الحكومي بدل تدعيمه، فلا صياغة لإرادة وطنية أو نهضة بلا حكومة قوية، بمعنى الأداء والفكر السليم المتمدن وليس بمعنى التسلط والعنف فتلك سلطة غاشمة وليست حكومة قوية
هل ينتج نظام المكونات دولة أم يفككها؟
نظام المكونات ينشئ سلطة مفككة وضعيفة للأسباب الآتية:
* النظام الطائفي والاثني مشروع للتشظي وليس للوحدة، وهو الآن ينظر إليه شعبيا كمصلحة أشخاص.
* عندما يعتمد النظام السياسي على تقسيم السلطة بين المكونات، يصبح من الصعب بناء مؤسسات دولة قوية ومحايدة. المؤسسات (مثل الجيش أو القضاء) قد تصبح موالية لأشخاص.
* تقاسم السلطة والمصالح بين زعماء المكونات لا يعير اهتماما لرؤية تطور وإعمار، وإنما التنافس من أجل المصالح والفوز بلا برنامج تنمية يعني مزيدا من استثارة السلبيات والتفكك. الصراع على تعزيز السلطة والموارد يؤدي إلى صراعات داخلية بعضها مصطنعا من أجل زيادة عوامل ضياع الاستقرار حتى وإن حل الأمن.
* عندما يصبح الظلم والفساد قاهرا فيحاول المظلوم أن يتماهى معه وهذا سيفسر انتصارا، عندها ستبدأ مرحلة أخرى من الفوضى والأمة تخسر عوامل تقدمها وحياتها بأبسط صورها.
* هذه الصراعات تفكك الدولة، لأنها تحول دون بناء مؤسسات قوية أو هوية وطنية موحدة، فنجد تحييدا وعدم اهتمام بالكفاءات وامتصاص للهيكل الحكومي بدل تدعيمه، فلا صياغة لإرادة وطنية أو نهضة بلا حكومة قوية، بمعنى الأداء والفكر السليم المتمدن وليس بمعنى التسلط والعنف فتلك سلطة غاشمة وليست حكومة قوية.
* في انتشار الفساد لن تجد رؤية وتطور وإنما تراجعا، فلا يبنى بناء بمعول واخذ تربة الأرض بل بجلب مواد البناء والبنائيين.